إن تزايد عدد السكان يعني ازدياد حجم القوة العاملة في المجتمع وزيادة الإنتاج "وينقسم السكان عادة، في كل مجتمع إلى قسمين رئيسين : السكان داخل القوة البشرية، والسكان خارج القوة البشرية. والقوة البشرية بالتعريف هي القوة القادرة على العمل من حيث السن والمقدرة الجسدية والذهنية، أما السكان خارج القوة البشرية فينقسمون إلى ثلاث فئات رئيسة هي: الأطفال، والكهول الذين تزيد أعمارهم على /65/ سنة، وذوو العاهات، وغالباً ما تشكل فئة الأطفال الغالبية العظمى لغير القادرين على العمل تليها فئة الكهول ثم فئة ذوو العاهات، الذين يشكلون نسبة ضئيلة جداً من هذه القوى". [1] أما قوة العمل فهي تشمل جميع الأفراد الذين يعملون فعلاً من أرباب عمل وعمال ومستخدمين وكذلك الأشخاص الذين لا يعملون إلا أنهم قادرون على العمل وراغبون فيه وباحثون عنه.
يهتم علم السكان بدراسة وتحليل ديناميكية التغير في هيكل السكان حسب النوع والعمر والخصائص الديموجرافية ويتم التركيز عادة على المتغيرات السكانية التالية:
1. حجم السكان - المواليد- الوفيات – الهجرة
2. معدل النمو السكانى
3. التوزيع الإقليمى للسكان
4. الزواج والطلاق
5. القوى العاملة
6. نسبة الإعالة.
ويستخدم علم السكان أدوات مساعدة لتحليل المتغيرات الديموجرافية وإجراء الإسقاطات السكانية وتحديد اتجاه التغيرات الديمغرافية مستقبلاً أهمها:
- الأساليب الإحصائية ،
- - النماذج الرياضية ،
- برمجيات الحاسب وبخاصة برنامج ال ( S P S S ).
ونظراً لأهمية البعد السكاني كغاية للتنمية وكمحور أساسي في مجمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، فقد ازداد الاهتمام أيضاً - على المستوى الدولي والقومي - وتتعاون مجالات علمية عديدة (multi disciplines ) في محاولة قياس وتحليل العوامل التي تؤثر على تنمية نوعية ورفاهية السكان ( والتي يمكن التعبير عنها من خلال مؤشرات : نوعية التعليم - الرعاية الصحية - العدالة في توزيع الدخل - حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والمدنية والثقافية - توفير الخدمات الأساسية من مياه الشرب والصرف الصحي، والكهرباء والإسكان والخدمات الأخرى ).
وكانت نتيجة الاهتمام المتزايد بجانب السكان أن ظهرت مصطلحات ومفاهيم جديدة مثل رأس المال البشرى (human capital ) والتنمية البشرية(human development) والتنمية المستدامة (Sustainable development ) . ورأس المال البشرى هو مصطلح للتعبير عن أهمية تراكم القوى العاملة من الناحية العددية والنوعية ( مستوى التعليم والخبرة ) كمدخل هام في العملية الإنتاجية . وفى هذا السياق يمكن القول بأن عائد الإنفاق الاستثماري على التنمية البشرية لا يقل أهمية عن رأس المال من الآلات والمعدات ، ذلك لأن المعرفة البشرية هي السبيل البديل لمساعدة الدول النامية على النهوض والتقدم - خصوصاً في حالة محدودية الموارد الطبيعية ورأس المال - لسد الفجوة في القدرة على الابتكار وملاحقه التطور السريع في مجالات : التقدم التكنولوجي - التنظيم والإدارة - التخطيط - استغلال الموارد - اتخاذ القرار على أساس علمي - ملاحقة التطور في برمجيات ونظم الحاسب الآلي .
أما مصطلح " التنمية البشرية " فبدأ يظهر على الساحة مع إصدار أول تقرير للتنمية البشرية [2] من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1990 . ولقد تم تعريف مفهوم التنمية البشرية في تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كما يلي : "التنمية البشرية هي عملية توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس . ومن حيث المبدأ ، فإن هذه الخيارات بلا حدود وتتغير بمرور الوقت . أما من حيث التطبيق فقد تبين أنه على جميع مستويات التنمية ، تتركز الخيارات الأساسية في ثلاث هي : أن يحيا الناس حياة طويلة خالية من العلل ، وأن يكتسبوا المعرفة ، وأن يحصلوا على الموارد اللازمة لتحقيق مستوى حياة كريمة . وما لم تكن هذه الخيارات الأساسية مكفولة ، فإن الكثير من الفرص الأخرى سيظل بعيد المنال . كما أن هناك خيارات إضافية يهتم بها الكثير من الناس وهى تمتد من الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، إلى فرص الخلق والإبداع ، واستمتاع الأشخاص بالاحترام الذاتى ، وضمان حقوق الإنسان " .
وتعتمد تقارير التنمية البشرية على مؤشر تجميعي لقياس ومقارنة إنجاز الدول في مجال التنمية البشرية يسمى human development index ومؤشر التنمية البشرية العالمي الذي يستخدم في مقارنة وترتيب الدول حسب جهود التنمية البشرية ، هو مؤشر تركيبى يتم حسابه من ثلاثة عناصر رئيسية وهى :
- متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي ( وهو مؤشر لقياس مدى الحصول على الموارد اللازمة لتحقيق مستوى حياة كريمة ) ؛
- العمر المتوقع عند الميلاد ( مؤشر لقياس طول العمر ) ؛
- نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة ( مؤشر لقياس اكتساب المعرفة ) .
كما تستخدم تقارير التنمية البشرية القطرية نفس طريقة القياس لمؤشر التنمية البشرية الذي تم تطويره في تقارير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، ولكن يستخدم لمقارنة تطور جهود التنمية على مستوى المحافظات. [3]
وبشكل عام هناك بعض التحفظات والملاحظات الفنية على منهجية وشمولية مؤشر التنمية البشرية المستخدم في تقارير التنمية البشرية من قبل بعض الباحثين والكتاب ( على سبيل المثال يمكن الرجوع الى : إسماعيل صبري عبد الله 1994 ، على نصار 1997 ).
أما مصطلح التنمية المستدامة فقد اكتسب اهتماماً عالمياً كبيراً بعد ظهور تقرير مستقبلنا المشترك الذي أعدته اللجنة العالمية للبيئة والتنمية في عام 1987 (WCED,1987). ولقد تم صياغة أول تعريف للتنمية المستدامة في هذا التقرير على أنها " التنمية التي تلبى حاجات الجيل الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجاتهم
Sustainable development is development that meets "the needs of the present without compromising the ability of future generations to meet their own needs"
وبشكل عام فإن هذا التعريف يحدد فقط الإطار العام للتنمية المستدامة التي تطالب بالتساوي بين الأجيال من حيث تحقيق الحاجات الرئيسية ، وهذا ما دعا الكثير من الكتاب والباحثين إلى محاولة تقديم تعريفات وتفسيرات للتنمية المستدامة مثل:
Sustainable growth- Sustainable income- Sustainable Economy- Carrying capacity -Ecologically sustainable economic development- Sustainable resource use- Regional sustainable development- Sustainable society)
كما أن هناك العديد من المحاولات لتعريف مؤشرات لقياس ( وشروط تحقيق ) التنمية المستدامة. وبشكل عام فإن مفهوم التنمية المستدامة يطالب بضرورة التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية والعدالة بين الأجيال المتعاقبة في تحقيق الحاجات الرئيسية.
لدراسة وفهم دينامية النسق السكاني للتعرف على كافة القضايا سالفة الذكر المرتبطة بتنمية البشر وضمان استدامتها فهناك حاجة إلى تطوير مؤشرات كمية لقياس التطور عبر الزمن ، وهذا في الواقع يستلزم تطوير نموذج متكامل (يتعدى مجرد التركيز على الإسقاط السكاني. ولكن أيضاً يتسع إلى تضمين كافه العوامل الاقتصادية - الاجتماعية - البيئية المؤثرة على البعد السكاني ) .
تعتمد دراسة نوعية السكان في أية دولة من دول العالم بشكل رئيسي على المتغيرات الديموجرافية الكمية ( عدد السكان ، معدل النمو السكاني ، الزيادة السكانية ...) - ويشترك فيها باحثون من مجالات علمية أخرى أهمها :
- الطب ( من الناحية الصحية والبدنية )
- التعليم ( من الناحية المعرفية والتربوية )
- الاجتماع وعلم النفس ( من الناحية الاجتماعية والنفسية )
- القانون ( ويعالج بعد حقوق الإنسان )
- علم الاقتصاد ( وهو معنى بتلبية حاجات الإنسان من السلع ، بالإضافة إلى توفير الإنفاق الاستثماري اللازم للجوانب سالفة الذكر من الصحة والتعليم والخدمات الأخرى ).
إن عملية التنمية الشاملة تتطلب التوافق بين السياسات المختلفة. الاقتصادية الاجتماعية والسكانية وهذه مسألة هامة جداً ولا تتحقق بسهولة. لذلك لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الموارد البشرية هي أغلى ما تملكه الأمة. وأن رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاه للمجتمع هي أهم الأهداف التي تسعى لتحقيقها التنمية كما أن أي تغيير يطرأ على معدلات النمو السكاني يؤدي بدوره إلى تغير مباشر في الطلب على الحاجات الأساسية للفرد واستهلاكها . بينما نلاحظ أن أي تغير يحصل في معدل النمو السكاني لا يؤثر في حجم قوة العمل والمساهمة في التطور الاجتماعي والاقتصادي . إلا بعد مرور أكثر من 15 سنة من تاريخ حدوث ذلك التغير. وهي الفترة بين تاريخ الولادة وتاريخ إمكانية القيام بعمل منتج. [4]
دلت تجربة الإنسان التاريخية، وتدل دوماً على أن في وسع الموارد البشرية حين تنمو وتزدهر أن تتغلب على نقص الموارد المادية الأخرى اللازمة لعملية الإنتاج بفضل العلم والتقنية بوجه خاص. وعلى سبيل المثال، ما تكاد تنفذ طاقة حتى يحل الابتكار البشري محلها طاقة جديدة. والواضح أن أفضل استثمار هو الاستثمار في العقل البشري. ومن هنا نظر بعض الباحثين إلى الهوة بين البلدان المتقدمة والبلدان المتخلفة على أنها هوة في تنظيم العقل البشري وتوظيفه التوظيف الأمثل.
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
[email protected]
----------------------------------------
[1] - د. صفوح الأخرس، علم السكان وقضايا التنمية والتخطيط لها، وزارة الثقافة، دمشق1980، ص168.
[2] - مزيد من التفصيل حول تطور مؤشرات التنمية البشرية على المستوى العالمى ، يمكن الرجوع إلى الأعداد المختلفة human Development Reports التى يصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى بدءاً من عام 1990 .
[3] - يمكن أيضاً التعرف على تطور مؤشرات التنمية البشرية لحالة جمهورية مصر العربية حسب المحافظات المختلفة ، من خلال الاطلاع على تقارير التنمية البشرية المصرى التى يصدرها معهد التخطيط القومى ، القاهرة ، بدءاً من عام 1994 .
[4] - سياسات تنمية الموارد البشرية في البلدان العربية (السكان - القوى العاملة - الاستخدام - التعليم) تحرير د. نبيل خوري منشورات جامعة دمشق بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، دمشق 1992، ص 107.