أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - قلق الأديان... العودة بالدين لمربع الحاجات البشرية















المزيد.....

قلق الأديان... العودة بالدين لمربع الحاجات البشرية


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2044 - 2007 / 9 / 20 - 09:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما هو الدين؟ من أين تبدأ حدوده، وإلى أين يمكن أن تصل مراميه؟ وهل الدين غاية محققة أو تتحقق، أم أنه وسيلة مشاعة وطريق يجب أن يوصل لشيء ما؟
على صعيد المعرفة، دائماً هناك فرق بين الديني والفلسفي، ومع أن كلاً من المجالين يعالج قضايا معرفية، غير أن الفلسفة لا تهتم بما هو جماهيري، نعم هي تهتم بالأخلاق، وضبط السلوك ومن ثم فلها عناية ـ بصورة أو بأخرى ـ بما هو جماهيري، غير أن الدين أرضيٌّ أكثر من الفلسفة، التي تتعالى دائماً على الكثير مما هو جماهيري.
الدين بيتي وعائلي وقروي وبدوي وحضاري وبدائي ومتطور، الدين يبدأ مع الطفل ولا ينتهي عند الشيخ الهرم. ومع ذلك فإن الدين لا يترك للفلسفة كل شؤون المعرفة، بل يذهب بالتأمل لمديات قد لا تصلها حتى هي. من جهة أخرى قد يؤسس الدين لمعرفة يتقاطع خلالها مع الفلسفة، والفلسفة بدورها قد لا تُقر للديني بكل رؤاه...
مع ذلك، ما هو الدين؟
في الطقوس الدينية يتحول الدين لممارسة، لأداء فقط، رقصة ربما، أو حركة مكررة ربما، المهم أن الطقوس تجسد البعد البشري في الدين وليس الإلهي، ومع أن الأداء الجسدي في أغلب أشكاله يفتح الأبواب على منافذ الروح وينفذ بالعقل والإدارك لمدايات تأملية خالصة، غير أن التركيز على الجسد في الطقس الديني يضل طافحاً ومميزاً. وإذا استبعدنا النتائج التأملية عن الطقوس فأنها لا تفقد لا معناها ولا جدواها، غير أن العكس صحيح. فالدفع بالطقوس لأن تكون ذات أهداف تأملية يفرغها من معناها الديني.
في الشعائر الحسينية مثلاً. في اللطم أو التطبير أو الركض (ركضة طويريج) أو ما إلى ذلك، ما هو الغالب، الجسدي أم التأملي؟ طبعاً الجسدي. في فعاليات الدراويش أيضاً. بهذه الطقوس جميعها تتجمع طبقات المجتمع المختلفة وتلتقي عينات من مستويات ثقافية متباينة. لكن مع ذلك تلتحم الأجساد في حمى الأداء الواحد، ما يكشف عن أن الغاية العليا من وراء الطقس هي الفعالية الجسدية البشرية، وليست التأملية، ففي التأمل لا يلتقي الشاعر والحداد بمكان واحد.
عندما يفتح الدين نافذة على الجسد فإنه يعلن للفلسفة بأنه أكثر قدرة منها على التواصل مع الإنسان. وعلى المطاولة معه في تحولاته التاريخية. للدين قابلية على الامتداد الزمني تفوق ما للفلسفة والعلم.
منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض وجدت معه (الحساسية) الدينية، ومنذ ذلك الوقت والدين يرافق الإنسان كما لم يرافقه أياً من معالم حضارته الأخرى أو مفردات ثقافته. وبين الرسم على جدران الكهوف، في حقب ما قبل التاريخ، والرسم على جدران الكنائس في القرون المتأخرة توجد رسالة واضحة تقول بأن الدين أبعد من أن يكون فكرة أو فلسفة أو قاعدة أخلاقية، وهو من جهة أخرى أعمُ من هذه الأشياء. هناك جانب بشري في السلوك (التديني) أو بالأحرى حاجة بشرية تنبعث من إرادة تجاوز ما هو مخيف أو غير مستقر في جدل الحضارة والإنسان.
لكن ماذا يمكن أن نميز بشرية الدين؟
عندما وصل العلم لقمة جبروته وبدت على العلماء خيلاء اليقين، خيل للكثيرين منهم بأن الدين يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكان لهم الحق في ضنهم ذاك، فقد كان الاعتقاد الغالب بأن الدين معرفة، خاصَّة مع تدخل رجال الدين بكل فروع المعرفة محاولين ابطال معارف وإقامة أخرى، الأمر الذي حولهم لمجموعة من الحمقى والمشعوذين. لكن الدين وباعتباره (فعالية بشرية اجتماعية حضارية) غير مسؤول عن تخبط رجال الدين.
المهم أن اعتقاد رجال العلم بحتمية انهيار الدين كان مُبَررا ومعقولاً ولكن بحدود الجانب المعرفي منه. وفعلاً كفَّت الكنسية عن التدخل بشؤون العلم وبدا للكثير من علماء الدين المسلمين أن الاستهزاء بنتائج المختبرات العلمية سرعان ما يُكلف ثمناً باهضاً جداً. وهكذا سجل التاريخ أول تراجع للدين إزاء العلم، لكن مع ذلك لم يكفَّ المسيحيون عن ارتياد الكنسية. ولا المسلمون عن الصلاة في الجوامع. بمعنى آخر فإن فشل الجانب المعرفي من الدين لم ينسحب على الجانب السلوكي منه. الأمر الذي يجب أن يوقفنا أمام السؤال المهم جداً: ما هي الحدود الحقيقية للدين؟
في الفلسفة والعلم تكون الفعاليات ذهنية خالصة وتكون الغاية هي المعرفة أو الإدراك، في الدين الأمر مختلف... فكثيرا ً ما تُعَبِر الأفكار الدينية عن حاجات بشرية وليست عن رغبة معرفية. فكرة الحياة بعد الموت مثلاً فكرة دينية في أصلها، لكنها تعبر عن حاجة بشرية وليس عن رغبة معرفية، ولهذا نجد أن أكثر المعارف المرتبطة بهذه العقيدة هي معارف مُوَجِّهَة للسلوك وضابطة له، كما أنها، من جهة أهم، منسقة للحياة النفسية الداخلية للكائن البشري. أو مُطَمْئِة لمخاوف إنسانية مختلفة. وهي بعد ذلك غير معنية ـ على وجه الدقة ـ بمعرفة أو إدراك العالم الآخر، أي عالم ما بعد الموت. الأيمان بالله أو المطلق، بحد ذاته، أيضاً لا يعبر عن معرفة، لأن الإيمان في أصله فعالية تقفز على المعرفة والإدراك، وتتقاطع مع اليقين العلمي، فلا يتأسس الإيمان ـ وخاصة الجماهيري منه أو العام ـ لا على الاستقراء ولا على القياس، بل هو فعالية تشترط في أساسها التسليم بفكرة المطلق (الغيب)، أما الأسس الفلسفية التي تعالج موضوع الإيمان فأنها تأتي بمرحلة لاحقة وتابعة على الإيمان (التسليمي). والنص القرآني الذي يقول: ((الر ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)) يشير بصورة واضحة لهذا البعد في الدين، فالمتقين هنا موصوفين بالإيمان بالغيب، والغيب هو كل ما لا يمكن إدراكه، أي لا يمكن معرفته ولا التعاطي المباشر معه. هكذا يقفز الدين على أهداف العلم. ليكون فعالية منبعثة عن الحاجة للاطمئنان أو الاستقرار أو حتى التطور والنضج.
هناك الكثير من الأشياء التي تحيط بالإنسان البسيط وتدفعه للجنون، للخوف، للقلق. وهذه المخاوف لا يمكن مقاومتها بالفلسفة، فالبنّاء والنجّار وعامل التنضيف كل هؤلاء لا يتعاطون لا مع العلم ولا مع الفلسفة. الأمر الذي يجعلهم بحاجة للإيمان بمسلمات جاهزة تمكنهم من تجاوز عقبات الحياة وصعوباتها.
وبالعود لعملية المقارنة بين الدين والفلسفة، نستطيع أن نكتشف بأن التعامل مع الدين وسواء كان ذو أبعاد فلسفية أم علمية أم اجتماعية، يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار كونه حاجة، وليس معرفة، الدين انعكاس مباشر للآلام والمخاف البشرية التي لا تجد مُنعكسها المباشر في مجال آخر من مجالات الثقافة الإنسانية. الأمر الذي يبتعد بنا عن التعاطي مع الدين باعتباره رؤى معرفية تحتمل الخطأ والصواب، الدين يجب أن يكون خارج هذا المنطق، باعتباره حاجة، ومع قطع النظر عن كون العقيدة الدينية صادقة أم كاذبة تبقى هي حاجة ضرورية بل وحتمية، وإذا منعنا الإنسان من شكل من أشكالها ابتكر هو شكلاً جديداً ليؤمن به.
عندما ندعوا، منطلقين من دوافع معرفية تنويرية، لتحجيم الدين فإننا نفعل ذلك ونـحن نعامل الدين باعتباره معرفة، لكن المعرفة حدُّ من حدود الدين، وليس من اللائق أن نعالج الدين ونـحن نركز على أحد حدوده فقط. لهذا السبب انهارت عملية التنوير العربية أمام ضربات (غول) التدين الذي خرج عليها من تحت الأرض؛ أي من بين الجماهير صاحبة الحاجات البشرية البكر. فهذه الجماهير لم يطالها المد التنويري بكل تفاصيله، هو على الأقل لم يطمئن مخاوفها ولم يلغي قلقها من الموت والقدر والقيامة والنار ووووو.. الخ.
يخطئ رجل الشارع الذي يمارس الدين باعتباره حاجة، عندما يحاول الخروج بالدين لأبعد من مداه (البشري)، ويخطئ أيضاً رجل الفكر عندما يختصر الدين بالسلوك الشاذ أو الفكر (اللاتنويري) ويحاول من هذا المنطلق أن يجتث الدين من جذوره.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة عن الموت... الموت يركب خيوله
- الكتابة عن الموت.. الحنين إلى الرحم الأول والملاذ الأخير
- الكتابة عن الموت... تداعيات ما قبل الشروع بالنهاية
- تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتميز والاقصاء (2-2)
- تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتمييز والاقصاء (1-2)
- عقلية المواجهة... قراءة في كتاب (امبراطورية العقل الأميركي) ...
- قرية العراق.. الحاجة للانثروبولوجيا السياسية
- العائد مع الذات
- مرض الزعامة
- سرد الشياطين
- العودة إلى القرية
- الواقع الافتراضي.. الانترنت بوابة العالم الخيالي الجديد
- محكمة الاطفال
- حصاد السنين
- وحده الحيوان لم يتغير
- التنين العربي (مشنوقا)
- منطق الثور الهائج
- الاختلاف والدين.. كيف يمكن إجراء مصالحة بين الدين والاختلاف؟
- يوم كان الرب أنثى
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة وال ...


المزيد.....




- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - قلق الأديان... العودة بالدين لمربع الحاجات البشرية