التحقيقات
كان أول خيط مسك به المحققون هو الانتحاري الناجي (محمد العمري) من انفجار فندق فرح يوم الجمعة 16 مايو 2003. و هو الذي كشف هوية خلايا الانتحاريين و المخططين للعمليات الانتحارية.
في البداية توجه رجال الأمن إلى منزل بحي المسيرة بالدار البيضاء, و هنا عثروا على عبوة ناسفة و بقايا مواد تستعمل في تصنيع المتفجرات و القنابل اليدوية. و بعد ذلك تم إلقاء القبض على شخص حاصل على الإجازة في الفيزياء كان قد ساعد الانتحاريين في صنع المتفجرات باستعمال البارود. و تلت ذلك اعتقالات واسعة في صفوف عناصر جماعة السلفية الجهادية و جماعة الصراط المستقيم و جماعة الهجرة و التكفير, لاسيما في مدينتي الدار البيضاء و المحمدية المجاورتين.
آنذاك حضر إلى المغرب, للمساهمة في التحقيقات أربعة عشر – 14 - من الشرطة القضائية الأمنية الفرنسية و الفرقة الوطنية الفرنسية لمحاربة الإرهاب, وكذلك ستة-6- عناصر من مصلحة الاستعلامات الاسبانية.
و قد كشف التحقيق على معلومات تفيد أن عمليات إرهابية أخرى كانت بصدد التخضير لضرب مدينة مراكش. و هكذا بدأت أسماء تتساقط, حيث أعلنت مصالح الأمن في البداية عن أسماء تسعة أشخاص. و خلال وقت وجيز سقط أغلب المبحوث عنهم في قبضة رجال الأمن في القنيطرة و فاس و الرباط و وجدة و طنجة. و تم عرض أول مجموعة على قاضي التحقيق يوم 26 مايو 2003, أي بعد عشرة أيام من وقوع أحداث الدار البيضاء الدامية.
و في يوم 25 مايو 2003 تمكنت عناصر الشرطة من اعتقال المدعو – مول السباط- الذي يعتبر القائم على تفجيرات 16 مايو 2003 بمدينة فاس بعد تطويق الحي الذي يقطنه و اقتحام منزله. و كان – مول السباط- هذا هو المصدر الذي أصدر أوامر التنفيذ للانتحاريين الذين فجروا أنفسهم.
و توالت بعد ذلك الاعتقالات و اكتشفت مصالح الأمن مركزا للتدريب بضواحي مدينة فاس و مركزا للتكوين الإيديولوجي – مركز تقوية الإيمان- في ضيعة بنواحي نفس المدينة و قاعة لممارسة الرياضة محتكرة من طرف عناصر أصولية و دارا للضيافة كانت مخصصة للزوار القادمين من المدن و المناطق المختلفة من المغرب.
و في يوم 19 مايو 2003 ضبطت مصالح الأمن بأحد المنازل بالدار البيضاء موادا كيماوية قابلة للانفجار محشوة في قنينات من حجم لتر واحد. و تشابكت المعلومات التي أسفرت عنها التحقيقات لتؤدي إلى بروز شخص أجنبي فرنسي الجنسية – روبير أنطوان ريشارد – إذ ورد اسمه في البداية على لسان أحد المعتقلين من عناصر السلفية الجهادية بمدينة فاس. كما بينت التحقيقات أن الفرنسي المذكور عقد عدة لقاءات بالعاصمة العلمية للمغرب – فاس- و تمكن من لف حوله مجموعة من الأتباع. كما تبين أنه التقى بأبي حفص, و كان في كل اجتماع يطلب من أتباعه أن يستعدوا نفسيا للجهاد.
و في ليلة الاثنين ثاني يونيو 2003 تمكنت مصالح الأمن من القاء القبض على روبير ريشارد أنطوان بغابة بنواحي مدينة طنجة بعد مطاردته. و كشفت التحريات ضلوعه في تشكيل خلايا لتيارات التكفير و الهجرة و السلفية الجهادية و ربطها بخلايا الإرهاب الدولي. و هذا في إطار التهييء لتنفيذ عمليات لضرب مراكز سياحية بشمال المغرب.
كما كشفت التحريات أنه تم التخطيط في صيف 2002 لعمليات استهدفت مراكز سياحية بالمغرب, إلا أنها أرجئت بعد اعتقال العديد من عناصر السلفية الجهادية التي كان من المفروض أن تقوم بتنفيذها.
و بحر نفس الأسبوع الذي تم فيه وضع اليد على الفرنسي روبير تمكنت مصالح الأمن من إلقاء القبض على خمسة مغاربة كلهم متهمين باقتراف عمليات إجرامية و سرقات و عمليات سطو يعتقد أن عائداتها كانت توجه لتمويل العمليات الإرهابية المخطط لها.
و قد استطاعت الشرطة الاسبانية من إلقاء القبض على المغربي المدعو عبد العزيز بنيعيش بالجزيرة الخضراء, و التي استقر بها منذ بضعة أشهر بعد أن حلق لحيته بمجرد علمه بظهور صورته على شاشة التلفزة المغربية و نشرها على الصحف ضمن صور المبحوث عنهم.
و كشفت التحقيقات عن ارتباط خلية طنجة بخلية قاس, إذ كانت عناصر كلا الخليتين تخوض تداريب شبه عسكرية تحت إشراف الفرنسي روبير أنطوان الذي سبق له أن تلقى تداريب عسكرية بمعسكر خلدن بأفغانستان, فيما تولى منظرو السلفية الجهادية التأطير النظري و العقائدي.
و أفادت الأبحاث أن عناصر خلية مدينة القنيطرة كانت تربطهم علاقة بخلايا الدار البيضاء التي نفذت انفجارات 16 مايو بها. و كان أمير هذه الخلية – المدعو أحمد ماطو- على علاقة بمحمد الفزازي و حسن الكتاني و أبي حفص منظري السلفية الجهادية.
و علاوة على الحلقات التكوينية التي تحث على التكفير و التطرف و استعمال العنف لتغيير المنكر, كانت خلية القنيطرة تقوم بتداريب شبه عسكرية بإحدى الغابات المجاورة للمدينة.
و تبعا للتحريات التي قامت بها مصالح الأمن من درك ملكي و شرطة و مخابرات تم تنظيم حملة منسقة و خطة تمشيطية باستعمال طائرة مروحية و الكلاب المدربة, حيث تم اقتحام جملة من المنازل بقرية سيدي الطيبي بناحية مدينة القنيطرة, و تمكنت مصالح الأمن من اعتقال ثلة من الأشخاص من بينهم أمين مال فرع حزب العدالة و التنمية بالمنطقة.
كما قامت مصالح الأمن بمحاصرة مقر المكتب الوطني للكهرباء بالناحية, ثم توجه 12 فردا من رجال الشرطة بالزى المدني إلى أحد المكاتب لاعتقال أحد المستخدمين و اقتياده إلى المخفر.
و من جهة أخرى كشفت التحريات أن المتفجرات المستخدمة كانت من صنع محلي استعملت فيها مواد قابلة للانفجار و المعروفة بتركيبتها السريعة الاشتعال. حيث تم خلطها بمادة كيميائية تدعى – سانتيكس- و هي المادة المشهورة بالبلاستيك ذات قوة تدميرية كبيرة.
و أفادت المعلومات المتوصل إليها عبر التحقيق و التحري أن أمراء الخلايا كانوا يعقدون لقاءات منتظمة منتظمة انتهت إلى تقسيم الأماكن المستهدفة بحيث تكلفت خلية مول السبط بتنفيذ عمليات الدار البيضاء. كما كانت تستعد للقيام بتفجيرات أخرى بمراكش و الصويرة و أكادير. في حين كانت خلية روبير أنطوان تستعد للقيام بعمليات بكل من طنجة و فاس و مناطق أخرى بشمال البلاد و منها مضيق جبل طارق.
و بفضل تحرياتها تمكنت مصالح الأمن الوطني من إلقاء القبض على عبد الوهاب الرباع – أحد أقطاب التطرف- بمدينة مكناس عندما كان رفقة خمسة عناصر أخرى بأحد المنازل. و تم اعتقاله بعد مواجهات بينه و بين قوات الأمن التي اضطرت إلى استعمال الأسلحة النارية مما أدى إلى إصابته قبل استسلامه. و قد أفاد التحقيق معه أنه سبق أن أدين في قضية سرقة الأسلحة من الثكنة العسكرية لمدينة تازة و حكم عليه غيابيا بعشرين سنة حبسا نافذا.
و لقد أوضح مصدر بأن مجموعة من الأشخاص كانوا يخططون للقيام بعمليات انتحارية في مدينة فاس قبل عمليات الدار البيضاء و لكن الحصار الأمني المفروض على المدينة من جراء الأحداث التي قامت بها عناصر السلفية الجهادية بها في صيف 2000 حالت دون ذلك. و بذلك تم إرجاء العمليات المخططة لما بعد أحداث الدار البيضاء.
و بخصوص انتحاريي الدار البيضاء أفاد البحث أنهم قاموا بعدة تجارب لصنع المتفجرات استعانة بالمعلومات المستقاة من شبكة الأنترنيت إلى أن تمكنوا من صنعها.
و في اجتماع ضم أمراء الخلايا الأربعة للدار البيضاء قام مول السباط بإخبارهم بضرورة الاستعداد للقيام بعمل جهادي, و بعد اللقاء تكلف عبد الفتاح بوليقضان بتحضير و تصنيع المتفجرات إذ قام باقتناء 88 علبة من مادة متفجرة و ثلاجة متوسطة الحجم بعد حصوله على التمويل من الأمير مول السباط
الذي أمده بمبلغ 18800 درهم (1880 دولار) على فترات.
آنذاك ازدادت و وتيرة الاجتماعات بين الإرهابيين أكثر من السابق, و عقد مول السباط اجتماعا آخر مع أمراء الخلايا الأربعة لإخبارهم بوقوع الاختيار على أربعة أهداف و هي فندق فرح و مقهى و مطعم دار اسبانيا و مطعم في ملكية يهودي و مقر الرابطة اليهودية و هذا كان يعني مجموعة عبد الفتاح بوليقضان, أما مجموعات عبد الصمد الولد و خالد مراسل و ياسين لحنش فقد أخبرهم الأمير مول السباط بأنهم سيقومون بعمليات انتحارية في فترة لاحقة بعد ثلاثة أشهر من انفجارات الدار البيضاء و ذلك بمدينة الصويرة و مراكش و أكادير. و فعلا تم الاتفاق على القيام بالعمليات يوم 9 مايو 2003 إلا أنه تم تأجيل الموعد بسبب عدم التمكن تهييء المتفجرات و كل الانتحاريين في الموعد, و هكذا كان الارجاء إلى 16 مايو.
و في يوم 14 مايو اجتمع كل من حسن الطاوسي و عبد الفتاح بوليقضان و محمد العمري بمنزل هذا الأخير و استمعوا جميعا لشريط – الرحلة إلى الديار الآخرة- للمدعو المرعي. ثم أعدوا اللمسات الأخيرة لاستكمال تحضير المتفجرات.
و مساء يوم الخميس الموالي التحق بمنزل محمد العمري كل من محمد العروسي و التائب و كوثري و عبد الرحيم بالقايد و رشيد خليل. و بعد تناولهم العشاء أخبرهم عبد الفتاح بأن سعيد عبيد قد أنهى مهمة معاينة و تحديد الأماكن المستهدفة.
و في صباح يوم الجمعة 16 مايو التحق بهم محمد حسونة و محمد غرباوي فتناولوا الفطور جميعا و اغتسلوا الواحد تلو الآخر. و بعد ذلك شاهدوا شريطا يتمحور موضوعه حول الموت و أهوال القبور. و بأمر من عبد الفتاح بوليقضان لم يغادر أحد المنزل, ماعدا محمد العمري صاحب المنزل الذي أدى صلاة الجمعة بمسجد بأمر من الأمير مول السباط. و بعد عودته في حدود الساعة الثانية و النصف تابع مع باقي الانتحاريين مشاهدة شريط عشاق الشهادة و شريط جحيم الروس قبل أن يخرج ثانية لإحضار الحليب و التمر, إذ كان عدد منهم صائما ذلك اليوم كما اقتنى شاندويشات للجميع.
قام الجميع بأداء صلاة المغرب و العشاء جمعا, و بعد ذلك قام خالد بنموسى بحلق ذقون الانتحاريين, و تولى عبد الفتاح بوليقضان ضبط الساعات اليدوية على الساعة العاشرة ليلا, فيما قام محمد مهني بإيصال الخيوط الكهربائية بمفتاح تشغيل الكهرباء المرتبط بالبطاريات ثم وزع الولاعات و الحقائب على الحاضرين بعد تقسيمهم على أربع مجموعات و هو يحثهم على ضرورة استعمال السلاح الأبيض ضد أي حارس أو أي شخص يمنعهم من الاقتراب من الأهداف أو الولوج إليها. و في حالة المقاومة أرشدهم إلى استعمال القنابل اليدوية. ثم و دعوا بعضهم البعض مرددين موعدنا في الجنة إن شاء الله و اتجهوا إلى أهدافهم في غفلة من الجميع.
و هكذا توجهت مجموعة خالد بنموسى الى دار اسبانيا و كانت تضم لعروسي, الغرباوي و حسونة. و اتجهت مجموعة سعيد عبيد إلى مطعم بوزيطانو و كانت تضم عادل الطايع و يوسف كوثري. و اتجهت مجموعة محمد مهني إلى مقر الرابطة اليهودية و كانت تضم خالد الثائب و عبد الرحيم ولد دوار الغالية و رشيد خليل. و اتجهت مجموعة عبد الفتاح بوليقضان إلى فندق فرح و كانت تضم حسن الطاوسي و محمد العمري و حسن اسمير.
و كان القاسم المشترك بين أفراد مختلف الخلايا, مع اختلاف المهمات و الأدوار, هو التخطيط للقيام بأعمال ارهابية استهدفت مناطق حساسة بالمغرب و رصد نقل الأموال للسطو عليها لاستعمالها في العمليات الإرهابية.
يتبع