ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2043 - 2007 / 9 / 19 - 12:08
المحور:
حقوق الانسان
تولي حكومات العالم المتحضر اهتماما كبيرا بمعدلات اعمار افرادها ,لانها ووفقا لمعطيات ارقام هذه المعدلات تقوم بالتخطيط لمشاريع الرعاية الصحية وبرامج التغذية السليمة وحملات الدفاع عن البيئةالنظيفة وعشرات من مشاريع صيانة وتطوير اعمار الناس التي صار ارتفاع معدلاتهامؤشرا لحجم التطور الاجتماعي والاقتصادي للشعوب,وهناك لجان متخصصة تعنى بتطوير البرامج اللازمة لمط اعمار الناس على اعتبار ان الحياة المديدة هي حق صحي من حقوق الانسان.
ولكن كعادة كل هبات الحياة الكريمة فان الامر مختلف جدا بالنسبة للعراقيين ,فالاعمار الطويلة (وهومتوسط المعدل المعقول لاعمار باقي البشر)مضرة للفرد والمجتمع العراقي وتسعى الحكومات والفعاليات السياسيةبالتواصي والاتفاق الابدي على تحديد مستوى هذه الاعمار باحدث ما يتاح لها من طرق ومن يتامل في الامر يجد ان عناصر الطبقات السياسية هي وحدها التي تحتكر حق العمر المديد ,وقد تكون لذلك حكمة ,حيث ان مقصري اعمار الشعوب هم من الكفاءات النادرة وحيث ان تعويض مثل هذه الكفاءات قد يكون مكلفا للطبيعة لذا اقتضت الحكمة ان يحيا هؤلاء اطول عمر ممكن من اجل ابداع اكثر في تقصير اعمار العباد ,فلولا الاماتة القسرية ربما كان لهؤلاء ان يعيشوا ما عاش ابا الهول,لان مجرد التفكير بانهم يمرضون فحسب يثير حالة من الطواريءوالاستنفار الاعلامي المنافق وتشغيل المعمل البوليسي باقصى طاقته لتحجيم هذا التفكير الشاذ الطاريء على تقاليد اعمار الحاكمين(لست معنيا في هذا المقام باحوال اخوتنا قصيري الاعمار من رعايا الدول الشقيقة فهم ادرى باعمار حكامهم).
ومعدل الاعمار في بلداننا ترف ومن المخجل ان نعنى بدراسته بل باحصائه ,بل حتىبالاشارة اليه,فالانسان لا يموت الا بيومه واجله وهذا اليوم والاجل مكتوب له قبل ان يولد لذا فمن التجديف ان نحاول التلاعب بارقامه المقدسة وما تفعله بعض الدول في هذا المجال هو ضرب من الهرطقه,فبرامج الرعاية الصحية وبرامج الانظمة الغذائية ومكافحة التلوث البيئي والقوانين الخاصة باحترام حق الانسان في الحياةوبرامج رعاية الطفولة ورعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصةامور ينبغي ان لاتعول عليها شعوب حسمت امرها مع الحياة بان وكلتها للاجل الموعود ومشيئة السلطان.
ربما يكون الفرد العراقي هو وبامتياز صاحب اقل معدلات الاعمار في العالم(لا توجد نسب دقيقة لانتفاء الرغبة بالاحصاء, بل هناك الكثير من المعطيات الحياتية التي لا يشك في صدقيتها)رغم ما يتوفر عليه بلده من حصانة طبيعية من الكوارث الطبيعية فالاعاصير والزلازل والبراكين والفيضانات والحرائق ليست مؤشرة في تاريخه الجغرافي الطبيعي مع وجود وفرة في مصادر المياه العذبة الطبيعية ووفرة في الثروات الطبيعية ايضا وكل موانع الجفاف والمجاعات وغيرها من افاعيل الطبيعة القاسية التي تبتلى بها شعوب كثيرة في الارض ,حتى لكان الطبيعة غدت خادمة مطيعة لهذا الشعب تمنحه من الخيرات ما تتحسر عليها امم كثيرة في الارض ,غير انها كمن يمنح الجوز لمن لا يمتلك الاسنان وهكذا تتسرب كل هبات الطبيعة تلك امام حياة عليلة سرعان ماتجهز عليها (عقاقير )الحاكمين-الحكماء الجهلة.
يحيا الفرد العراقي منذ ما يزيد على الربع قرن (ازمة اعمار)حقيقية,ففي الوقت الذي ابتلعت فيه الحرب العراقية الايرانية قرابة المليون من افراده موتا مباشرا وعللا اي قرابة الخمس من ذوي الفئة العمرية المتوسطة من ذكوره,لتليها حرب اوجز زمنا واقل قتلا مباشرا لكنها اوسع تدميرا صحيا على المدى البعيد هذه المرة واكثر شمولية لتغطي اثارها هذه المرة الذكور والاناث ومن كافة الاعماربتاثيرات نفسية وبيولوجية ناتجة عن الاثار المعنوية (الصدمة والرعب لقسوة السلاح)والاثار المادية(الاشعاعات الذرية والتاثيرات الكيمياوية المتاتية من قذارة السلاح)لتفعل (كواتم الاعمار)فعلها العاجل والاجل في الجميع دون استثناء بتشويهات خلقية ولادية واثار سرطانية مفاجئة وواسعة الصنوف لم تدخر جهدها اللئيم في تقليص المعدل العمري المختزل اصلا .
تلى ذلك او تزامن معه برنامج الحصار الاممي الذي اخطا هدفه عمدا فطال المحكوم وحاد عن الحاكم ليزيد من علة الجسد الشعبي عللا وليستفرد هذه المرة بخزانات التعويض الحياتية-بالطفولة مباشرة! وليحصد سوء الغذاء وشحة الدواء وانهيار النظام الصحي والغذائي واعتماد الاغلبية من فئات الشعب محدودة الدخل او عديمته على برنامج الحصة التموينية الذي ظل لسنوات طويلة يعاني من الشحوب الكمي والنوعي لمفرداته بسبب فساد اللجان الدولية المشرفة على برامج الغذاء والدواء وبيروقراطية النظام الاداري المحلي وفساد بعض حلقاته فارتفع معدل وفيات الاطفال دون الخامسة من العمر ارتفاعا مرعبا حتى بلغ عدد وفات هذه الفئة العمرية قرابة النصف مليون طفل بشهادة اشد المتسترين لؤما (مادلين اولبرايت مثلا وزيرة خارجية الدولة المشرفة على برامج احكام الحصار)وبالتغييب المتعمد لحيوات هذا العدد من هذا المعدل العمري يكون سهلا ادراك مدى الهبوط الحاد في معدلات الاعمار لمجمل افراد الشعب العراقي !,لم يكن هناك اي تهويل في مسالة اعداد الوفيات للاطفال دون الخامسة ان لم يكن هناك تواطئا محليا بالتستر على هذه الجريمة الدولية وقد كنا شهودا وشهداء للحد الوبائي الذي بلغه سوء التغذية والمجاعة الحقيقية التي عاناها الاطفال الرضع وامهاتهم تحديدا حيث بلغت اسعار علب حليب الرضع خارج نظام البطاقة التموينية الذي لم يكن قادرا على التلبية الكمية لحاجات هؤلاء الاطفال ,بلغت سعرا يوازي راتب الموظف كاملا ولما يكفي طفلا رضيعا واحدا!
ونستمر باتجاه اعياد الحصاد المليونيةلارواح العراقيين لنبلغ حلقة الاحتلال وضحاياه وضحايا ما افرز من همجية العنف الطائفي والمذهبي والمجاني ,فالرقم يدور حول المليون وهو رقم مشكوك فيه بسبب التستر المقصود على الحجم الحقيقي لبحيرة الدم التي يخوض فيها جهلة وحمقى وحثالات الشعب من خدم الاحتلال المستترين والمعلنين والذين يقصفون باياديهم المسندة بايادي الاحتلال وتوابعه المتوافدة مدى الاعمار العراقية الموجزة.
كما ان الاثار المعنويةالمترتبة عن دوامات القتل المباشر من نكبات واحزان وكمد وردود افعال خارجة عن سيطرة العقل الانساني قد انتجت شعبا معلولا تفترسه شتى الامراض المعجلة بالاجال وهي امراض الشيخوخة التي بدات تهاجم باكرا الملايين من الشباب الذين سهل الياس والبطالة للمنضبطين منهم ممن لم ينخرطوا في اعمال العنف ,سهل استجلاب هذه الامراض لتفترس اجسادهم باكرا وتجعلهم رهائن العقاقير الابدية ,فاكثر من 70بالمئة ممن هم فوق الثلاثين من العمر مصاب بامراض السكري وضغط الدم وتشنجات القولون العصبي خطرة النتائج مضافا لها علل الجهاز العصبي وجهاز المناعة وتدني القدرات الجنسية المبكر (للجنسين)وهو من اخطر مسببات الازمات الروحية والعاطفية,وصار من المالوف رؤية طوابير من متوسطي الاعمار تتزاحم شهريا لغرض الحصول على حصتها من ادوية الامراض المزمنة كما صار من المالوف رؤية الامهات حاملات اطفالا يحملون في ابدانهم افة السكري المبكر,وصار من المشاهد الطبيعية الموت المفاجبء لمن هم في الاعمار بين30-50عاما بسبب امراض القلب والشرايين والجلطة الدماغية ,وغدا العراق اكثر بلدان العالم استهلاكا للعقاقير وهذه المسالة غدت عنصر اصابة بالمستحدث من الامراض (امراض الكبد مثلا)بسبب غياب الرقابة الدوائية ونظام البيع اللامشروط للادوية وتعدد مصادر الاستيراد المشبوهة وغير المعتمدة فصار التسمم الدوائي مرضا شائعا مضافا للامراض المتداولة.
يحيا الكثير من الشباب المتخرج من الكليات والمعاهد تحت هاجس فكرة واحدة هي الهجرة او الموت كمدا ولغياب اية برامج للتدريب او التاهيل او التشغيل يمضي الاكثرية منهم وقته في محاولة الهرب من البلاد او الواقع القاسي اواذا اقتضى الامر فالهرب من الحياة اجمالا! وكل الوسائل متوفرة لكل هذه الخيارات وبالشروط القاتله طبعا!
ان انقراض فئة المعمرين في المجتمع العراقي وشحة كبار السن يبدو معادلة معكوسة للحال الذي اصبحت تتشكل منه المجتمعات المتحضرة التي تزدحم بالكهول الذين بمضون سنينهم الاخيرة في دعة وهناءة وكرامة ,فالعراقي لا يتاح له الوقت لينعم بشيخوخة امنة وربما سيجيء الوقت الذي نصبح فيه مجتمعا طفلا مادام كل الذين يبلغون سن الرشد هم من المرشحين للقتل الطائفي او التصفية في سجون ادوات الاحتلال و المرض موتافي ابكر العمروهو ربما سيكون اهون الشرور!
وليس ببعيد ان نمتلك معدلا عمريا لا يتجاوز الثامنة عشر من العمر اي اننا نحيا (نساءا ورجالا)الىالوقت الكافي لانجاب طفل اوطفلين لاجل ادامة دواليب الدم ثم نكتفي من الحياة بالرحيل!
لا يلتفت الحاكمون ابدا لظاهرة تدهور المعدل العمري للعراقيين وذلك لعدة اسباب :
فهم وابناءهم ومحاسيبهم غير معنيين بمحدودية الاعمار فعمليات النهب توفر من الاموال ما يكفي لتهريب من يشاؤون ليحيوا ملوكا متوجين في بلدان المعدلات العمرية العالية التي ستشملهم بهذا الامتياز وتبعد عنهم شرور الامراض العراقية ذات الماركة المسجلة.
ثم انهم لا يودون رؤية من يذكرهم بالشيخوخة على اعتبار انهم من المعفوين منها ووجود اعداد من هؤلاء الشيوخ قد يفتح باب الاعفاء من الشيخوخة على مصراعيه ويؤدي الى ازمات جنسية على غرار (لوليتا)ناباكوف التي لا يريدون لاحد سواهم ان يعانيها ويتلذذ (بعنائها!).
وفي الختام لا يسع الانسان الا ان يكتب وصيته فهو عراقي في كل الاحوال ومعفي من شرط العمر في كافة الظروف وحين افكر في وصية لا اجد شيئا مهما كاي عراقي عاش مثل (جبر)اي من.....(رحم*)امه الى القبر!غير ثلاث :
1-لا تصدقوا ان تحت تراب العراق ثروة تسمى نفطا ..بل هو ماء اسود ,ينبغي علينا دفع الاموال الطائلة للتخلص منه
-لا تصدقوا بسياسي حتى لو خرج من شق بجوف الكعبة.
3-لا تصدقوا انكم احياء!
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟