|
العودة إلى زمن الاستبداد الاعلامي
أمياي عبد المجيد
الحوار المتمدن-العدد: 2042 - 2007 / 9 / 18 - 06:44
المحور:
الصحافة والاعلام
منذ أيام قضت محكمة جنح القاهرة بتغريم وحبس أربع رؤساء تحرير لاربع صحف ثلاث منها صحف مستقلة . لقد أعادت هذه المحاكمات إلى الأذهان تلك المحاكمات المماثلة التي تعرض لها صحافيون مغاربة منذ أسابيع ، لا تختلف تلك عن هذه ، فجميعها استهدف الصحفيين ، يقول كثير من الخبراء أن الداعي من وراء ذلك هو خنق حرية التعبير ، لست في موقف تقييم الأحكام الصادرة في حق الصحفيين المصريين الذين ما يزالون يتأملون في الحكم الذي ستصدره محكمة الاستئناف خيرا حتى تنقض التهم الموجهة إليهم ( نشر أخبار كاذبة عن الحالة الصحية للرئيس مبارك ، والإساءة إلى رموز من الحزب الوطني الحاكم ). لكن هذا لا يعني أنني لست في موقع لا يسمح رسم معالم هذه التعسفات التي يتعرض لها الصحافيون في مجموعة من الدول العربية . تاريخ الصحافة المستقلة في البلاد العربية ( مع أن بلدانا من هذه البلدان العربية لا تنطبق صفة الاستقلالية على بعض صحفها التي تدعي ذلك ) هو تاريخ قصير إذا ما قيمنا الانطلاقة الفعلية لمفهوم الصحافة المستقلة في هذه البلدان، فهذه الصحافة امتدت طوال عقدين من الزمن ( وهو على الأرجح التاريخ الذي يمكن أن نصف فيه بعض الصحف التي بدأت تصنع لنفسها معالم تجذير مفهوم الاستقلالية على نطاق الممارسة من جهة، وأقلمة الخطاب الإعلامي الجديد( الغريب عن المواطن الذي رزح تحت نمطية الخطاب الإعلامي الضيق والأحادي التوجه والتوجيه ) من جهة أخرى . هذان المعطيان يوحيان إلى أن الصحافة المستقلة في البلاد العربية ما تزال تبحث لها عن موطئ قدم حتى تكون آلية من آليات التخليق الإعلامي، والتنويع، والخروج بالتالي من قوقعة الاستبداد الإعلامي، وان كان ذاك يتم بطريقة متفاوتة . إن الرهان الذي رفعته بعض الصحف المستقلة سواء في المغرب ، أو مصر أو غيرها من البلدان العربية هو رهان يقتضي أبعادا وجوانب فلسفية تحفظ لها الحد الأدنى من هامش حرية التعبير ، فهذه الصحف وان كانت ترى في تواجدها على الساحة انتصارا لحرية التعبير فهذا لا يتدارك أي تموقع صحيح ، هذا التموقع الذي يشكله هذا التصور يوحي بان حرية التعبير قد تحولت إلى مسلّمة ، في حين أن المعركة الحقيقية التي من اجلها يدفع بصحفيين إلى دهاليز السجون تلك المتعلقة بحرية التعبير نفسها ، فهذه الحرية قبل أن تكون صياغة مبدئية لعمل الصحفي المستقل ، فهي بالضرورة خاصية غريزية في تكوين الشخص الحر بأفكاره، وهذا حتما يمر بإعادة تشكيل الوعي بالمسلمات التي يقترن بها العمل الصحفي ، وهذا ربما ما يمكن أن نعرفه بالمنهجية / الخاصية التي يتوصّل من خلالها الصحفي المستقل إلى تحقيق الاستقلالية المهنية . إن منهجية كهذه يصعب تحقيقها خصوصا إذا ما كانت السلطة تميل إلى النزعة الشمولية / الاستبدادية ، فذلك بالضرورة يعني أن التنميط الاستبدادي لقطاع الإعلام يؤدي بالمطلق إلى فرض ضوابط لا أساس لها من الشرعية تحت ذريعة المصلحة العامة ، وبالتحديد هذا ما جرى للصحفيين في مصر ، والمغرب وغير هما من البلدان ، بيد أن هذا التنميط يجد تكييفا في المنظومة السياسية باعتبارها " المشرعن" الأساسي لاستمرار التضييق على حرية التعبير في اكثر من بلد وإلا فكيف يمكن تفسير مواقف الأحزاب السياسية من قوانين الصحافة العربية التي يغلب طابع الاستبداد الإعلامي والغموض في نفس الوقت ؟ بالقطع فالسلطة الزاعمة اليوم بان هامش الحرية المتاح يسمح ببلورة فكر مستقل وكيانات إعلامية مستقلة هو في الحقيقة لا يمكن حصره إلا في نطاقه الهلامي ( الأحلام المبطنة ) بدليل ما يتعرض له الصحفيون اليوم . إن أهلية بعض الصحف لتكوين جو إعلامي مستقل آمر لاشك فيه ، لكن التبعات الحاصلة في بلورة مفهوم تتدخل السلطة في تكثيفه وتكييفه أمر يوحي بصعوبة الموقف الذي تتواجد فيه هذه المؤسسات الإعلامية . فكيف تستطيع إذن هذه الكيانات أن ترفع من هامش حرية التعبير ؟ اولا ، يجب الإشارة إلى ملاحظة أساسية وهي :أن القيمة الحسية والأخلاقية التي تبلورها الصحافة المستقلة تتأتى بتقديرات موضوعية بالأساس هي محددات للعمل الصحفي بشكل عام، وبمحايثة عامل المصداقية كقيمة بدئية لتجذير منطق الحرية المهنية ، ولكن القول هنا خارج منطق المعمول به وهذا ربما ما يجعلنا نحس بنوع من "الغربة الإعلامية ". ثانيا ،يبقى القضاء النزيه والمستقل اللبنة الأساسية التي تضمن للإعلامي تواجده على الساحة كعامل استراتيجي في تخليق الحيوات ( السياسية ، الإعلامية والاجتماعية ..) بل إن هذا القضاء ،هو المصوغ للمنهجية التي ذكرناها لانه هو الذي يمكن له أن يحدد طبيعة الممارسة الإعلامية في بلورة قوانين تتطابق مع الحرية والمسؤولية .
#أمياي_عبد_المجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الارهابيون: صياغة التطرف ومنظور الدولة
-
واقع الاعلام البيئي عندنا
-
لن تكون أخر الأوهام..
-
كيف تغطي الصحافة المستقلة عجز المعارضة؟
-
أطباء أم جزارين ؟!
-
الشعوذة التلفزيونية
-
حوار مع الفنان محمد عزام أبو العز
-
نقد الاستبداد وتحرير الفكر السياسي العربي
-
الشباب والحقيقة الدينية
-
الفن وبناء الشخصية
-
المرآة العراقية وأهمية البناء المستمر
-
محاربة الفقر : تجربة بنك جرامين
-
أزمة القراءة في الوطن العربي
-
هجرة العمالة وتأثير العولمة
-
السودان والمحكمة الجنائية الدولية
-
الحرب على الإرهاب أو الانفراد المطلق بالقوة
-
الإصلاح العابر للقارات !!
-
إيران النووية في مواجهة الضغوط الخارجية
-
القذافي ودولة الطّز
-
خرافة العالم المسطح.
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|