أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بدر عبدالملك - التكفيريون وعمى الألوان















المزيد.....

التكفيريون وعمى الألوان


بدر عبدالملك

الحوار المتمدن-العدد: 2041 - 2007 / 9 / 17 - 12:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لو سألت رجلاً‮ ‬من مواليد ‮٨٣٩١ ‬في‮ ‬البحرين،‮ ‬أو أكبر بقليل أو أصغر من هذا التاريخ‮ - ‬فلا‮ ‬يهم‮- ‬لماذا أنت شخصية تكفيرية؟‮! ‬تكفر جارك بعبارات لمجرد أنك اختلفت معه في‮ ‬الآراء والأفكار والسلوكيات؟ فماذا سينتج من هذا السؤال؟ سيفتح لك فمه أولا،‮ ‬ثم سيهز رأسه لعله‮ ‬ينفض الكلام فقد‮ ‬يعتقد أن من كلمه ليس جاره الشاب القادم من جامعة بيروت الأمريكية كقومي‮ ‬عربي‮ ‬أو بعثي‮ ‬أو شيوعي،‮ ‬وهو ابن صديقه وجاره الذي‮ ‬غاص معه وقتا على نفس البانوش،‮ ‬وترافقا معا في‮ ‬الصبح والمساء عند مركز شرطة المحرق لكي‮ ‬يلحقا بباص شركة بابكو‮. ‬لهذا سيسأله مرة أخرى،‮ ‬فهمت بعضاً‮ ‬من سؤالك‮ ‬يا راشد ولكن أرشدني‮ ‬في‮ ‬كلمة خلخلت دماغي‮(‬وبتعبير بحريني‮ ‬حينذاك فرت خرايط راسي‮) ‬فلماذا قلت شخصية تفكيرية؟‮! ‬
وبعد أن أوضحت له ما المقصود،‮ ‬سيكون الجواب بسيطا كبساطة الماضي‮ ‬بقوله لك،‮ ‬هذا الكلام نحن لا نفهمه في‮ ‬بيئتنا،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن أن نقبله لكي‮ ‬يكون معولا للفصل بين الأخوة والجيران،‮ ‬وبين الأبناء والآباء،‮ ‬فنحن نفهم جيل الشباب الطائش والمعوق والعاصي،‮ ‬ولكن‮ »‬تكفيريون‮« ‬هذه مفردة دخيلة علينا،‮ ‬فبالله عليك سهل لنا مهمة التوصيف والشرح‮.‬
‮ ‬كان ذلك الخطاب بجديد الاصطلاحات،‮ ‬موضوعا دائما‮ ‬يدور في‮ ‬السابق بين جيلين وبين كل جيل‮ ‬ينتمي‮ ‬لوقته وقريب من بعضه،‮ ‬فقد عايش الآباء فترة حركة الهيئة،‮ ‬وهي‮ ‬الفترة التي‮ ‬أفضل دائما الانطلاق منها،‮ ‬باعتبارها محور حياتنا ووعينا السياسي‮ ‬الحقيقي‮ ‬الذي‮ ‬منه‮ ‬غرفت كل الحركة الوطنية تجربتها ودروسها‮. ‬
لقد كان على الآباء حينها أن‮ ‬يسألوا ما الذي‮ ‬قاله قادة الهيئة اليوم من كلمات،‮ ‬فقد كان الاستعمار لهم عبارة قاموسية،‮ ‬ولكن شكله وملابسه ورطانته كامنة في‮ ‬هيئة الموظف الانجليزي،‮ ‬الذي‮ ‬يسود في‮ ‬كل الأجهزة،‮ ‬ويهيمن على مقدرات البلاد ويقرر سياستها الخارجية والداخلية،‮ ‬فهو السيد في‮ ‬بلاد‮ ‬يتوق شعبها للحرية،‮ ‬مفردات جديدة دخلت الخطاب السياسي‮ ‬يومها،‮ ‬ولكن كانت بعيدة عن الحس الشعبي‮ ‬وظلت قريبة من النخبة المثقفة الجديدة في‮ ‬البحرين‮. ‬فمفردات التقدمية والديمقراطية وحركة التحرر الوطني‮ ‬والسلم العالمي،‮ ‬والشيوعية العالمية وهتلر والنازية والحرية والديمقراطية الغربية،‮ ‬وكل ما سكبه مذياع الحرب العالمية الثانية،‮ ‬كانت مجرد عبارات قاموسية‮ ‬غامضة،‮ ‬أما القومية فهي‮ ‬تعريف هلامي‮ ‬يستخدم في‮ ‬اغلب الوجبات السياسية،‮ ‬ولكن شعب البحرين والهيئة اختزلها له في‮ ‬عبارتين محسوستين،‮ ‬باستطاعته تلمسها،‮ ‬في‮ ‬شخصية عبد الناصر وثورة مصر والضباط الأحرار،‮ ‬وكفى المؤمنين شر القتال‮. ‬وتضخمت المفردات،‮ ‬ولكنها ظلت محصورة في‮ ‬نخبة صغيرة متعلمة من المثقفين الجدد،‮ ‬فهذا‮ ‬يقال عنه قومي‮ ‬وذاك شيوعي‮ ‬وهذا‮ »‬إخوان مسلمون‮«‬،‮ ‬والذين‮ ‬يعادون عبد الناصر،‮ ‬وهؤلاء هم أعداء الثورة وزعيمها المقدس‮.‬
‮ ‬تطورنا قليلا في‮ ‬نهاية الخمسينات ومنتصف الستينات،‮ ‬ولكن ظللنا في‮ ‬الضفاف نفسها،‮ ‬حتى وان جاءت ثورة مصدق من الضفاف الإيرانية وولدت ثورة العراق،‮ ‬وتناسلت بعدها الأخبار المربكة لوعي‮ ‬جيل البحارة والمهضومة من العمال الجدد الشباب،‮ ‬في‮ ‬شركة النفط والشعب المتعطش للمذياع والأندية وقراءة الصحف والدروس الليلية في‮ ‬دكاكين المنامة والمحرق‮. ‬
وبين الرياضة والسياسة والثقافة بكل أطرها الواسعة من جهة،‮ ‬والمحدودة من جهة أخرى لثقافة البلاد،‮ ‬كان الناس‮ ‬يتعايشون حتى وان كانوا بدأوا‮ ‬يسمعون مفردات جديدة،‮ ‬فالبوليس‮ ‬يداهم البيوت كل سنة لكي‮ ‬يعتقل مجموعات صغيرة،‮ ‬فيسأل الناس لماذا اعتقل فلان،‮ ‬فيأتيك الجواب‮ »‬سياسي‮ ‬ووطني‮« ‬هذا هو كان صوت الشعب اليومي،‮ ‬دون مفردات الفذلكة والكراهية،‮ ‬وكلما ارتفعت وطللت برأسك في‮ ‬جماعات متعلمة أكثر سمعت تصنيفا آخر للشخصيات المعتقلة،‮ ‬ففي‮ ‬زمن الهيئة المعتقل‮ ‬يشار إليه بعبارة من‮ »‬جماعة الهيئة‮« ‬فلا تسمع مفردة انه سني‮ ‬أو شيعي،‮ ‬متدين أو‮ ‬غير متدين،‮ ‬مدني‮ ‬بملابسه أو متدين بعمامته،‮ ‬هذه العبارات كانت أشبه بعارضة أو‮ ‬غريبة فيما لو نطقها فرد صدفة‮! ‬
وفيما لو جلست في‮ ‬حلقة متعلمة فان هناك عناصر بدأت تدرك في‮ ‬اشاريتها السياسية الجديدة،‮ ‬ان الأستاذ فلان المعتقل من الحد‮ »‬يقولون عنه شيوعي‮« ‬أما حملة‮ ‬يوليو ‮٠٦٩١ ‬فان المعتقلين من الحد وجد حفص والمنامة فيقال عنهم‮ »‬قوميون‮« ‬وكانت مفردة قوميون هنا تعني‮ ‬حركة القوميين العرب،‮ ‬لهذا فان المعتقلين القوميين الآخرين من البعث‮ ‬يشار إليهم مباشرة بمفردة البعثيين‮. ‬هذه هي‮ ‬اللوحة الثلاثية السياسية كانت مع الانكليز قبل الاستقلال،‮ ‬بينما لم تعرف المعتقلات البحرينية منذ الهيئة حتى لحظة كتابة المقال،‮ ‬ولو شخصية واحدة من الإخوان المسلمين،‮ ‬ولكن الناس المتعلمة كانت تعرف أن نادي‮ ‬الإصلاح هو التعبير السياسي‮ ‬للإخوان دون الحاجة للف والدوران ولا ارتداء الأقنعة،‮ ‬ولسنا بحاجة للتعمق في‮ ‬التاريخ،‮ ‬لكي‮ ‬نقول لماذا خمد صوت الإخوان ضد الاستعمار في‮ ‬البحرين،‮ ‬حتى بدا امرأة خرساء‮. ‬
ومع ذلك،‮ ‬لم‮ ‬يحدث أن هاجم أي‮ ‬فرد من القوى السياسية الإخوان في‮ ‬حياته،‮ ‬أو العكس هاجم الإخوان جيرانهم أو صديق عمل ودراسة بأي‮ ‬مفردة سيئة،‮ ‬كما لم‮ ‬يقم أي‮ ‬تيار باتهام الغير،‮ ‬وبأنه‮ ‬يرّوج كتب الفحش والزور والسلوكيات العدوانية تجاه أي‮ ‬قوى سياسية أو أفراد‮ ‬يعيشون بين أهلهم وجيرانهم،‮ ‬إذ كانت قيم المجتمع الأخلاقية،‮ ‬تميل إلى الاحترام وترى في‮ ‬انتماءات الأبناء والشباب والآخرين،‮ ‬ربما خصوصية جديدة من سبل التمدن والتعليم والمؤثرات الخارجية العصرية،‮ ‬بل ويحترمونها لكونها كانت تعبيرا سياسيا وثقافيا عن المناهضة للمستعمر ووجوده‮. ‬
لم‮ ‬يهتم احد‮ ‬يومها،‮ ‬ماذا تكون أفكارك لكي‮ ‬يشهر عليك سيف الكراهية،‮ ‬ويصلبك على بوابة بيتك ويصمك بسهولة بمفردات التكفير،‮ ‬أو‮ ‬يبعث إليك والى الناس مفرداته التضليلية،‮ ‬فيجعل من شخصك كابوسا‮ ‬يطارد البشر في‮ ‬منامهم وصحوهم،‮ ‬لمجرد انك بدأت تؤمن بعقلية الحوار والاختلاف والتحديث والمعاصرة،‮ ‬أو جئت بصناديق من الخارج ممتلئة بالكتب والأفكار المتناثرة من جامعات بلاد الله الواسعة،‮ ‬فقالوا عنها كتب التجديف والبهتان والضلال والأفكار الهدامة والمخربة،‮ ‬وتناسوا اليوم ما هي‮ ‬الأفكار الهدامة فعلا هل هي‮ ‬النزعة التكفيرية أم التنويرية وحوار المختلف والمتباين؟‮!‬
‮ ‬هذا المنطق التكفيري‮ ‬نبع لنا في‮ ‬العقود الثلاثة الأخيرة بقوة،‮ ‬بعد أن انتشرت الموجة عربيا وإسلاميا وعالميا،‮ ‬فنحن في‮ ‬النهاية جزيرة تستقبل الأفكار السيئة والحسنة،‮ ‬تستورد كل أشكال البضائع الأجنبية الفاسدة والصالحة،‮ ‬بكل انفتاح وسهولة ويسر‮. ‬فكانت البلاد مرفأ واسعا مفتوحا بقلب ابيض،‮ ‬يقبل كل موزاييك وتلوينات الأعراق والديانات والأفكار‮. ‬فكيف صرنا أمام مد وطوفان الحالة التكفيرية في‮ ‬البلاد التي‮ ‬قبلت في‮ ‬الماضي‮ ‬بين الناس أن‮ ‬يكونوا مختلفين؟ ولكن أيضا في‮ ‬الوقت ذاته مسالمين بروح بعيدة عن العدوانية والكراهية والعنف اللفظي‮ ‬والسياسي‮ ‬والدعائي‮. ‬لا بد وان موجة عمى الألوان تسود‮ ‬غمامة الظاهرة التكفيرية‮! ‬



#بدر_عبدالملك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفية‮.. ‬الجاثوم السياسي‮ ‬في ...
- فليذهب الى بنغلاديش او الصومال!
- سؤال التحدي والمواجهة في المملكة السعودية
- تضخيم الصوت ومسألة الأحوال الشخصية
- لمن ينحاز الناخب عند صناديق الاقتراع
- الذين دخلوا قبورهم قبل الأوان
- الإعــــــلام المعاصــــــر وخطاباتــــــــه الغريبـــــــــ ...
- في سبيل ائتلاف واسع للديمقراطيين


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بدر عبدالملك - التكفيريون وعمى الألوان