أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في أزمة الهيمنة ومصير العروبة في سورية















المزيد.....

في أزمة الهيمنة ومصير العروبة في سورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2041 - 2007 / 9 / 17 - 12:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في الخطاب الرسمي السوري، ليست سورية عربية لأن أكثرية سكانها عرب، بل هي عربية بمعنى ماهوي، ثابت، وغير تاريخي. الشعب عربي والأرض عربية والدولة عربية. أن ينفرد بحكمها حزب عربي مطلق، عروبوي، يغدو من باب تحصيل الحاصل. وأن تحرم جماعات غير عربية، الأكراد بخاصة، من حقوقها الثقافية والتعبير عن شخصيتها، يضحي أمرا نابعا من هوية البلد بالذات.
ليس للعروبة هذه صفة تعاقدية منشئة لمجتمع ودولة، وهي من جهة أخرى ليست مهيمنة خلافا لما كانته في خمسينات القرن العشرين وستيناته، أيام ارتبطت بمبادئ التحرر والتغير الاجتماعي والاشتراكية والعمل من أجل عالم أكثر عدلا. حول العروبة التقدمية هذه كانت تكونت أكثرية اجتماعية حقيقية، اجتذبت كثيرا من غير العرب مناضلين من أجلها وناطقين باسمها: أكراد، آشوريون، أرمن،.. فضلا عن غير المسلمين من العرب.
الأمر معكوس اليوم، العروبة التي فقدت هيمنتها دون أن تنفتح على أي أفق تعاقدي تجد عربا كثيرين يتنصلون منها ويهاجمونها بصيغ وأساليب متفاوتة الحدة. لكن أهم نتيجة لتفكك الهيمنة العربية هي جنوح العروبة لاكتساب طابع ماهوي مضاد في آن للتقدم الاجتماعي والتنوع الثقافي، ومن هنا ميلها إلى الارتكاز على الإسلام واقتراب العروبيين الماهويين من الإسلاميين إلى درجة الالتحاق. ومن هنا أيضا تباعد أو حتى عداء غير العرب لها. وكذلك بالطبع غير المسلمين. النتيجة المهمة الثانية لتفكك الهيمنة العربية في سورية تتمثل في بروز المجتمع السوري متحدا لتكوينات أهلية، دينية ومذهبية وإثنية. فالعروبة المنفصلة عن التقدم والتحرر الاجتماعي ارتدت هي ذاتها إلى تكوين أهلي يضاف إلى غيره.
على مثل هذه الخلفية الاجتماعية التاريخية، تبدو التعاقدية التي يتمحور حولها تفكير الديمقراطيين السوريين معرضة للانجذاب نحو ما يسمى "الديمقراطية التوافقية"، أي اعتبار التكوينات الأهلية ذواتا سياسية. أما فرص قيام واستقرار ديمقراطية أكثرية مبنية على تعاقد بين مواطنين أفراد فتمسي محدودة جدا. هذا شيء محسوس كثيرا ومفكر فيه قليلا في أوساط المثقفين والديمقراطيين السوريين.
وهو نتاج أزمة الهيمنة في البلاد والقصور الهيمني للعروبة. القول من ثم إن العروبة هي حل المشكلات الطائفية بدليل أن تهميشها في العراق قاد إلى انبعاث الطائفية، وهو قول عزمي بشارة، يخفق في التمييز بين عروبة مهيمنة وأخرى ماهوية، ولا يتبين أن العروبة الماهوية والطائفية صنوان، ووجهان لعلمية واحدة. العروبة هذه ليست عاجزة عن الوقوف في وجه المد الطائفي بل هي أحد أسبابه ومظاهره في آن معا.
أما النتيجة الأظهر لتفكك الهيمنة العربية أو العروبية فتتمثل بالطبع في الانزلاق الثابت نحو التسلطية وارتكاز النظام على أدوات قمعية موثوقة. ومقاومة التسلطية تجعل التعاقدية مرغوبة، بعد أن كان جعلها ممكنة تفكك الأكثرية العروبية وبروز المجتمع السوري مكونا من جماعات عضوية لا تحيل إلى أية أكثرية وطنية حقيقية.
لدينا إذن الوضع التالي: نظام تسلطي يستند إلى عروبة ماهوية ومطلقة، أزمة هيمنة وتعذر قيام أكثرية وطنية جديدة، تنامي الوعي الذاتي الفئوي في المجتمع، وبروز المطلب الديمقراطي دون آفاق ثورية، وفي ظل أوضاع فكرية محلية وعربية ليس الابتكار السياسي صفة مميزة لها، وفي ظل أوضاع عربية وإقليمية يميزها تطييف شديد أو اشد لمجالاتها السياسية. أين المخرج من ذلك؟ هل من بديل عن نظام تسلطي يستند إلى عروبة ماهوية، غير "ديمقراطية توافقية" لا تبدو في "الشرق الأوسط" سوى اسم آخر لعدم الاستقرار أو استراحة بين شوطي نزاع أهلي؟
وهل لا مجال لحل مشكلات أي من بلداننا دون حل أزمات الشرق الأوسط، بل حل الشرق الأوسط ذاته لأنه نظام أزمة مستمرة؟ أم أنه يتعين القبول بنظام الديمقراطية التوافقية وتدبر تحسينه، ما تيسر؟ أو تقبل استمرار الأوضاع الراهنة والعمل على كسب الوقت بانتظار فرص أفضل؟ أو أخيرا النضال من أجل ديمقراطية أكثرية في بيئة فكرية وسياسية واجتماعية محلية وشروط إقليمية لا تبدو داعمة لها؟
الديمقراطية التوافقية غير مناسبة دون تغيير (في) الشرق الأوسط، ولعلها غير مناسبة إلا في بلدان صغيرة نسبيا وفي كنف ازدهار اقتصادي وطني واستقرار أمني إقليمي (هذا ما توحيه نماذجها الأوربية وكندا). دوام التسلطية، وهي عاجزة عن مواجهة الطائفية إن لم تكن طائفية هي ذاتها، هو مسلك قدري غير مقبول. الديمقراطية الأكثرية دون هيمنة يمكن أن يفضي إما إلى نزاع أهلي، أو إلى استعادة التسلطية ومنحها اعتبارا لا تستحقه كنوع من الحل. أما حل الشرق الوسط أو حل أزماته فهو شرط مساعد فحسب فضلا عن اقتضائه على الأرجح عقودا.
ماذا إذن؟ بداية قد لا يكون ثمة من حل غير التحلل. والتحلل قد يأخذ في ربوعنا أشكالا انفجارية، يعرض المختبر العراقي نموذجا مريعا عنها. هذا مخيف لكنه قد يفرض نفسه. فما أفسده طوال عقود فاعلون غير مسؤولين إنسانيا ووطنيا يتعذر أن يصلحه أو يهتدي إلى سبيل لإصلاحه أفراد ومجموعات حسنو النية. على أن التحلل قد يأخذ شكل اهتراء بطيء ومتدرج، بالخصوص لأنه لا مصلحة لنظمنا الحاكمة وللقوى الغربية النافذة مصلحة في تبدل الأوضاع القائمة، فيما مجتمعاتنا مشوشة المدارك ويسيطر عليها الخوف من الأسوأ. أما تمكن الإسلاميين من السيطرة على الحكم فيحتمل أن تكون عاملا مسرعا للانحلال الاجتماعي والسياسي لا عامل تدارك له.
هذا فيما تبدو فرص تولد هيمنة جديدة محدودة. التطييف النشط المضاد لكل هيمنة يهيمن على حياتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية. لكن بين هيمنة ممتنعة وتسلطية مرفوضة وتعاقدية قد تثبت الطائفية، هل العقلنة خيار ممكن؟ قد يكون ممكنا بوجود نخبة وطنية قوية، متقدمة ومستقلة عن المجتمع، وحائزة على شرعية أكيدة (تركيا الكمالية حازت في ظرف تاريخي خاص جدا على نخبة كهذه، ظفرت باستقلالها بفضل انتصارتها العسكرية: أتاتورك وأعوانه). هذا أيضا غير متاح لدينا. مرة أخرى أين المخرج؟
غاية ما يمكن أن نقوله إن المخرج ليس في استعادة ما مضى أو في تثبيت حاضر يسير بنا نحو الكارثة. لقد فعل التاريخ فعله، والعروبة التي غدت ماهوية حكمت على نفسها بأن تمسي مكونا من مكونات "المجتمع الأهلي" لا الدولة. في المجتمع الأهلي نحن مسلمون أو مسيحيون، سنيون أو علويون أو دروزا أو اسماعيليون..، وكذلك عرب أو أكراد أو آشوريون أو أرمن.. في الدولة لا عرب ولا أكراد، لا مسلمون ولا مسيحيون، لا سنيون ولا علويون.. فقط سوريون. هذا ما يتعين أن يتبينه العروبيون السوريون دعما الدولة وإضعافا للطائفية. إذ أن فقدان العروبة للهيمنة وخفض رتبتها إلى مستوى مكون للمجتمع الأهلي وجهان لواقع محقق لا ريب فيه. نكران ذلك تعنت فكري، يثبّت تسلطا سياسيا ويغذي انحلالا اجتماعيا ووطنيا.
يعرض لبنان اختلاط منطق الدولة التوحيدي بمنطق المجتمع الأهلي التعددي، ولذلك تتمزق الدولة عموديا فيه بين وقت وآخر. العروبة الماهوية لا تضمن حماية سورية من تحول كهذا. حماية الدولة من التطييف والتجزؤ يقتضي انتصاب مستوى وسيط لعزل الأهلي من التسرب إلى الدولة. هذا ما يتعين أن ينشغل به تفكيرنا السياسي. ولعل مفهوم المجتمع المدني يكتسب شيئا من الشرعية باشتغاله على التفكير في ماهية ونظام هذا المستوى الوسيط.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني
- صراع مطلق فصنع طوائف فتقسيم دول..
- تأمل في شأن الحرية ونقد الدين
- العلمانية أهم من أن تترك للعلمانويين!
- العرب أمام المشكلة الغربية
- سورية والدول العربية بين ما دون الدولة وما فوقها
- -أمتان-: حكم ذاتي إسلامي في ظل دولة علمانية، أو العكس!
- في أصل خراب الديمقراطية والوطنية في المشرق
- تقييم ائتلاف -إعلان دمشق-
- في شأن النقد والتضامن ودور المثقفين
- هل نعرف الطائفية؟ تعقيب على ملف الآداب عن -الطائفية في الوطن ...
- بعد قرن السياسة، أقرن للثقافة والدين في عالم العرب؟
- علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟!
- أفكار في شأن العنف والهيمنة والمعرفة
- تصور أولي للمشكلة الدينية والإصلاح الديني
- أيام مشكلة الدولة ولياليها في المشرق العربي
- -أمة وسط- في المشرق؟!
- هل العلمانية ممكنة في بلد واحد؟
- تراجع السياسة الوطنية وصعود السياسة الأهلية
- تحقيب تاريخي بلا تاريخ: تعقيب على تعقيب بكر صدقي


المزيد.....




- العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب ...
- وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات ...
- احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر ...
- طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا ...
- الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
- بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
- Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى ...
- بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول ...
- إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
- روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في أزمة الهيمنة ومصير العروبة في سورية