|
اللينينية مرة اخرى
منير العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2041 - 2007 / 9 / 17 - 12:38
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ناقشت الأحزاب الشيوعية الأوربية اللينينية طويلا بالرغم من دفاع الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفييتي عنها و محاولته اعتبارها ذات قيمة عامة ، و قال شيوعيون اوربيون : لسنا ملزمين باقتحام قصر الشتاء لكي نبني الاشتراكية ، و كانوا بذلك يشيرون الى عدم إلزامية تكرار تجربة الاتحاد السوفييتي بحرفيتها ، أي عدم إلزامية العنف من أجل التغيير . و لكن السوفييت ردوا عليهم بما عرف بـ " القوانين العامة للثورة وبناء الاشتراكية " أي أنهم و الاحزاب التي آزرتهم وضعوا شروطا محددة ينبغي انجازها من اجل أن تكون ثمة ثورة و ثمة اشتراكية ، و قد تم اعتماد هذه الصيغة في المؤتمر العالمي للاحزاب الشيوعية والعمالية عام 1969 رغم تحفظ بعض الاحزاب عليها . إن من البديهي طبعا ان السوفييت لم يطالبوهم بإقتحام قصر الشتاء أو مقر حكومتهم بالضرورة و لكنهم قطعا كانوا يعتبرون افكار لينين ذات قيمة عامة ، وليس مجرد فكر بشري قابل للتنقيح و التصويب ، و هو الشيء الذي كان سيستنكره لينين نفسه لو عرف به ، فهو نفسه الذي استنكر تأليه نصوص ماركس ، و أشار الى شيخوخة الكثير من أحكامه كما رأينا في الكتابات السابقة عن الموضوع ، بالرغم من أن الفارق الزمني بين ماركس و لينين الذي كتب نصوصه النقدية لبعض من أحكام ماركس كانت حوالي نصف الفترة الزمنية بين لينين و نقد الشيوعية الأوربية له و أقل منها تسارعا بالبداهة . فلماذا لا يحق لهم نقد نصوص لينين و بعضٍ من أحكامه فيما حق للينين نفسه نقد افكار ماركس و اعتبارها قد شاخت ؟ بل أن لينين قد نقد نصوصا وضعها بنفسه في وقت لاحق ؟ و لماذا اصرار السوفييت على تأليه النصوص اللينينية ؟ هذا موضوع منفصل عن سياق ما نرغب في دراسته و تحليله . ما أود قوله أن الأحزاب الشيوعية في أوربا الغربية كانت إزاء التجربة الديمقراطية الغربية التعددية في وضع حرج امام قواعدها و جماهيرها مقارنة بنظام الحزب الواحد في الدول الاشتراكية . و بالرغم من أن الديمقراطية الغربية كانت لها عيوبها الكثيرة ، و لكنها في نظر حتى قواعد الاحزاب الشيوعية الأوربية أفضل في كل الأحوال من النظام السوفييتي . أي أن ديمقراطية بعيوب أفضل من عدم وجود الديمقراطية على الإطلاق ، و إن و جود حرية لعمل العديد من الأحزاب بما في ذلك الاحزاب الشيوعية كان في نظر حتى ناقدي الفكر اللبرالي المتشددين أفضل من حكم الحزب الواحد .. الخ و هنا كانت بدائل الأوربيين للفكر اللينيني هو ليس النظام السوفيتي الذي كان حتى دون مستوى اللينينية و الذي كرس الفكر الستاليني في واقع الامر ، انما البديل كان نظاما يأخذ بمزايا اللبرالية الغربية و التعددية و التداولية و كذلك مزايا إعادة توزيع الثروة و قوانين متطورة من الرعاية الاجتماعية و الضمان الصحي التي طالبت بها الاحزاب الشيوعية و الاشتراكية و لكن دون الغاء الملكية الخاصة و اقتصاد السوق ، ليس بسبب تأليه النظام الاقتصادي الرأسمالي كما يحب البعض أن يعتبره ، بل بسبب عدم وجود بديل واقعي حتى الآن عن إقتصاد السوق . بذا فإن نقد الشيوعية الأوربية للفكر اللينيني كان ذا ميزتين اساسيتين : 1 ـ إنه نقدٌ نحو الأمام يتضمن الايمان و العمل على اعادة توزيع الثروات بالطريقة الواقعية الممكنة ، و ليس النكوص عن اللينينية الى الستالينية . 2 ـ انه غطى فترة زمنية طويلة استمرت حوالي ربع قرن او اكثر فيها تراكمت عناصر النقد للينينية و تراكمت معها ، و هذا المهم ، العناصر الفكرية البديلة التي تحل الفكرة محلَ الفكرة الملغاة و ليس الغاء الفكرة مقابل العدم و اللا أدرية . أو الغاء الفكرة لصالح بديلها الرجعي . لم تصحُ الأحزاب الشيوعية الناقدة للينين في أوربا ذات صبيحة و تقول : حسنا لقد تقرر التخلي عن اللينينة كما صحا ذات صباح بطل كافكا في روايته " المسخ " فوجد أنه بات كائنا آخر غير نفسه . لم تكن احزاب اوربا الشيوعية على غرار احزاب اخرى ، تدعو الى اللينينية بحماسة منقطعة النظير و تصِمُ من ينقد اللينينية بالتحريفي اليوم وفي هذه اللحظة ، ثم تتخلى عن اللينينة في اليوم التالي . بل كان عملا صبورا ناقدا نقدا تدريجيا و بناء. ومرة أخرى فإن الفكر الناقد لفكر لينين يمكن أن يسلك مسلكين : اما تبني الفكر المنفتح على كل الفكر العالمي و منجزاته كالديمقراطية و التعددية في المجتمع ، و التعددية الفكرية في حياة الحزب الداخلية و الغاء المركزية الديمقراطية و السماح بالتعددية الفكرية . و اما أن يكون بديل اللينينية هو الستالينية بكل ما تحتويه من مصادرة للرأي الآخر و القمع الفكري اذا لم يتوفر القمع السلطوي . و بما أن الفكر الستاليني كان جاهزا و ذا تأسيس قوى و أقوى بكثير من الفكر اللينيني فقد انتصر الفكر الستاليني البديل على الفكر اللينيني لدى بعض الاحزاب . فقد درس الكثير من الكوادر في موسكو في المدارس الحزبية الستالينية التي أعاد لها الاعتبار ثلاثي بريجنيف و بودغورني و كوسيغن أما الذين سبقوهم و هم قلة فقد كانوا قد درسوا في زمن ستالين نفسه . و لا يوجد احد قد درس في الإتحاد السوفييتي في زمن لينين ، حتى أن المدارس حزبية لتدريس السياسة للساسة المحترفين لم تكن موجودة في زمنه ، فحكم لينين ( اذا جازت هذه التسميه ) دام اكثر بقليل من 6 سنوات كانت مليئة بمهمات البناء الاولية و ا لدفاع عن الدولة الوليدة . و من الأسباب الأخرى لقوة الفكر الستاليني و أهليته لإزاحة الفكر اللينيني هو أن الفكر القمعي و فكر مصادرة الآخر بسيط جدا ، أقمع كل رأي معارض و اقتل و اسجن فينتهي الأمر . بينما الفكر البناء و النقدي صعب . فهبِ أنك منفتح و تقبل النقد و تعمل في حزب ما فهذا سوف يعني أن عليك أن تقرأ الكثير الكثير مما يُكتب مما يروق لك و مما لا يروق لك ، و عليك أن تقبل بتجرع المرارات و الشتائم و النقد الهدام و البناء على حد سواء فتفرز الغث من السمين و تحاول أن تقرأ بعين المحايد ، ثم تأتي مرحلة العمل : عليك عندئذ أن تقوم بتعديل عملك و افكارك و ربما الكثير من تقاليد عملك الآلي الرتيب بايقاع جديد . و قد كتب لينين مرة في تعليقه على قراءة الكثير من الكتابات التافهة انه " ينبغي على المرء احيانا ان يغوض في الوحل " تعبيرا عن المستوى المتدني لبعض الكتابات . كل هذا يتطلب جهدا و مرونة و تجردا عن التعاطف و الانحياز . و كل هذا متعب و شاق . اما النفي فهو علمية سهلة : ادخل عشرات و مئات الأسماء من الكتاب في القائمة السوداء و لا تقرأ لهم ابدا باعتبارهم تحريفيين او مرتدين . لا تأخذ بالملاحظات المضادة لفكرك و قناعتك و لا تغير شيئا من آلية تفكيرك ، و لا تعمل على اصلاح أي شيء . أليس هذا أسهل ؟ منير العبيدي
#منير_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بأي معنى تم التخلي عن اللينينية
-
هل أن السيد حسقيل قوجمان هو الستاليني الوحيد ؟
-
السعدية و العولمة و حرية النشر الجزء الثاني
-
السعدية ، و العولمة و بيان أسباب عدم نشر موضوع البهرزي في ال
...
-
الى شيوعيي ديالى الأعزاء .. لا تخسروا ابراهيم البهرزي كما خس
...
-
كيف تمكن البعض من تطوير ماركس خلال سبعة أيام بدون معلم ؟
-
ملاحظات على برنامج الحزب الشيوعي الجزء الثالث
-
ملاحظات على برنامج الحزب الشيوعي الجزء الثاني
-
ملاحظات على برنامج الحزب الشيوعي الجزء الاول
-
قراءة نقدية في روايتين لصبري هاشم
-
العقد الابداعي و النقد
-
جدي وحركة التحرر الوطني
-
الايام الثقافية العراقية في برلين و تأسيس رابطة فنانين تشكيل
...
-
النظرية هي دين القرن العشرين الجزء الثاني
-
النظرية هي دين القرن العشرين
-
دور القائد : السكرتير الاول في الحزب
-
أي بلد هذا الذي ليس فيه نخيل
-
عوني كرومي الصورة الاخيرة
-
الطبقة العاملة في القرن الواحد والعشرين ...
-
في الذكرى الثانية والسبعين لتأسيسه في التحضير لمؤتمره الثامن
...
المزيد.....
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|