|
الأوصياء على الدين أول من يخرق تعاليمه.
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2040 - 2007 / 9 / 16 - 11:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتشارك تنظيمات الإسلام السياسي في إعلانها الوصاية على الدين ، كما تتنافس في الانفراد باحتكار حقائقه والنطق باسمه . إنها تؤسس "مشروعيتها" على "خوصصة" الدين وتنصيب نفسها بمنزلة"القائم بأعمال" الله تعالى في ملكوت الدنيا ، بحيث تتولى ـ بمقتضى هذا التنصيب ـ الاعتداء على إرادة الله ومشيئته في خلقه . ومن ثم فهي تدخل من تشاء في دائرة الإيمان وتحكم بالكفر على من تبغض . وتجتهد هذه التنظيمات في تمطيط لائحة "الكفريات" التي بمقتضاها تُخرج كل من يخالفها الرأي أو يعصى على التطويع والتنميط داخل قوالبها ـ تخرجه ـ من نور الإيمان وتلقي به في غياهب الكفر والمروق . ولا ينج من هذا المصير المشئوم مثقف أو مناضل أو فنان أو عامل أو طالب . كل هؤلاء لن تفيدهم صلواتهم في كسب رضا الجماعات الإسلامية التي لا تقبل منهم توبة ولا أوبة . إن هذه التنظيمات الإسلامية التي تدعي الوصاية على الدين والرقابة على الضمائر هي أول من يخالف تعاليم الإسلام ويخرق مبادئه . وعلة ذلك أن الأهداف الحقيقية التي تحرك هذه التنظيمات لا تشمل أبدا خدمة الدين وإشاعة أخلاقه . وبقدر ما تكون البواعث السياسية هي الطاغية ، بقدر ما تشتد الإساءة إلى الدين ويسوء توظيفه استجابة لتلك البواعث وخدمة لتلك الأهداف . إن هؤلاء الأوصياء ، لما تغشى السياسة أبصارهم ، تتعطل بصيرتهم إن لم يفقدوها بالمرة ، بحيث لا يعودوا قادرين حتى على إدراك ما تخطه أيديهم من أخطاء . والأمر لا يتعلق فقط بالتنظيمات المتطرفة التي لا تقرأ من القرآن الكريم إلا الآيات التي لها قابلية لأن تتحول إلى وعاء للتكفير وعبوة للتفجير ؛ بل يشمل كذلك الجماعات التي تحشر نفسها ضمن خانة "الاعتدال" . وهذه بعض النماذج من أخطاء "المعتدلين" التي كان بالإمكان التغاضي عنها وفق ما ينص عليه حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) ، لولا أن الأمر يتعلق بمن يُفترض فيهم ـ انسجاما مع دعواهم ومزاعمهم ـ الحرص الشديد على المراجعة والتدقيق في كل ما يقولون أو ينشرون . وأذكر جيدا أن هؤلاء "المعتدلين" شنوا هجوما شرسا وتهجما سافرا على الأستاذ محمد جسوس ـ بداية التسعينات من القرن الماضي ـ لا لأنه "سب" الدين أو "أنكر معلوما من الدين بالضرورة" ، بل لأنه أخطأ ـ في معرض حديثه ـ في الآية الكريمة ( وكرمنا بني آدم ) حين قرأها ( وكرمنا بني الإنسان ) . جعلوا من هذا "الخطأ" مطية لاتهام الاشتراكيين والعلمانيين بجهل الدين ومحاربة تعاليمه . كانوا ولا زالوا يتصيدون أدنى خطأ يقع فيه كاتب أو صحفي يخص حديثا شريفا أو آية قرآنية ، على مستوى اللفظ أو الترقيم . ومن ينسى ما فعله شيخ المتطرفين محمد الفزازي لما استشاط تكفيرا وتمريقا في وجه محاوره في برنامج الاتجاه المعاكس حينما أخطأ في ذكر آية الزمر فقرأها آية الرمز . خطا جعل منه الفزازي دليل كفر ومروق خصمه . وكذلك يفعل الإسلاميون مع من يخطئ في قراءة نص ديني . إنهم يتخذون من مثل هذه الأخطاء دليل الاتهام وقرينة الإدانة . والغاية من ذلك هي إقرار وصايتهم على الدين ومعرفتهم بتعاليمه دون باقي خلق الله . تزكية للنفس وتجسس على الناس خروقات اعتاد عليها أتباع هذه التنظيمات وهم يقرؤون نهي الله تعالى عن إتيانها في محكم تنزيله ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) وقوله ( ولا تجسسوا ) . وليس القصد هنا تصيد أخطاء هذه التنظيمات ، بقدر ما هو تنبيه لها إلى خطورة إلصاق تهم "التلاعب" بالنصوص الدينية أو "تحريفها" بالخصوم السياسيين . فمن شأن هذا الاتهام أن يندرج ضمن "شرعنة" التكفير ، ومن ثم شرعنة قتل "الكفار" الذين يجهلون أبسط أمور الدين والعبادات . وبناء عليه ، لن يكون الإسلاميون مصدر الفتوى فقط بل موضوعها كذلك . لأن طبيعة الأخطاء تستدعي ـ حسب هذا المنطق التكفيري ـ سحب فتوى "التلاعب" بالدين على الإسلاميين أنفسهم . وهذه نماذج من تلك الأخطاء : 1 ـ في مسألة أوقات الصلاة : نشرت جريدة التجديد في عددها ليوم 28 غشت الماضي جدولا يوضح أوقات الصلوات الخمس يهم 13 إقليما يجعل الشروق غروبا والصبح عشاء والظهر فجرا وذلك على الشكل التالي : بالنسبة لمدينة الرباط يكون أذان الصبح في الثامنة وعشرين دقيقة ليلا ؛ بينما الشروق يكون في الساعة السابعة ودقيقتين مساء ، فيما العصر يحين وقته في تمام الساعة 12,34 دقيقة زوالا . أما أذان المغرب فيرفع في الخامسة وخمس وخمسين دقيقة صباحا ، ليكون وقت صلاة العشاء عند طلوع الفجر ، أي عند الساعة الرابعة وأربع وعشرين دقيقة . إن هذا الخطأ ـ إذا ما حاكمنا جريدة التجديد وإدارتها والجهة التي تُصدرها بالمقاييس ذاتها التي يحاكمون بها خصومهم ـ سيكون غير مقبول من الذين تطاول رئيسهم ، من قبل ، على ملك البلاد محمد السادس لما دعا إلى تجريده من الصفة الدستورية "إمارة المؤمنين" التي تخول للملك مهمة الحفاظ على الدين وحمايته وضمان حرية الاعتقاد لجميع المواطنين . طبعا لم يكن الهدف هو حماية الدين ، لأن الملك لم يصدر عنه ما يمس بالعقيدة ، بل الهدف هو الاستحواذ على السلطة الدينية والانفراد بها ؛ ومن ثم ممارسة الوصاية الدينية على الملك والشعب معا . أي التأسيس للسلطة الكهنوتية التي لا راد لسلطتها . 2 ـ في مسألة الآيات القرآنية : تكفي الإشارة هنا إلى الأخطاء التي ارتكبها مرشد جماعة العدل والإحسان في بعض كتبه ، وهو الذي يزعم تلقيه الوحي ومجالسته الرسول محمد صلى الله عليه وسلم واطلاعه على اللوح المحفوظ وعلمه بالغيب ورؤية الأرواح في البرزخ . كل هذه "الكرامات" تعطل مفعولها ولم يعلم الشيخ بأخطائه إلا بعد طباعتها ونشرها . ومن تلك الأخطاء ما تعلق بنص الآية ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المفلحين ) والصحيح ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) ( في الاقتصاد ص 83) . أما الأخطاء المتعلقة بالتأويل وسوء التنزيل ، فهي قضايا تملأ كتب هذه التنظيمات وأدبياتها . وبسببها كان الاعتداء على سلطان الله وعلى دينه وخلقه .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تداول الأدوار أم تغيير المواقف؟
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(2)
-
القراءة -الجهادية- للدين تقود حتما إلى العنف والإرهاب(1)
-
هل يمكن أن يصير العثماني أردوغان المغرب ؟
-
هل ستكون الأحزاب في الموعد الذي حدده الملك ؟
-
حوار لفائدة موقع إسلام أون لاين
-
لتكن المواجهة شمولية ضد الفساد والإرهاب
-
بريطانيا تذوق السم الذي طبخته
-
العدل والإحسان تداري عن الفضيحة بادعاء الفضيلة
-
أوهام المراهنة على التحالف أو الإدماج السياسي لجماعة العدل و
...
-
حتى لا تتسلل ولاية الفقيه إلى البرلمان .
-
هيئات العلماء ومواجهة الإرهاب أية استراتيجية ؟
-
حماس لن تقبل بأقل من الإمارة والسلطة
-
هيئات العلماء ومسئولية الانخراط في حركة الإصلاح الشامل .
-
مواجهة الإرهاب قضية خارج دائرة اهتمام المجالس العلمية.
-
العيب في ثقافة البداوة وليس في بول الإبل
-
الجزائر نيوز تحاور الباحث والكاتب المتخصص في الجماعات الإسلا
...
-
المراجعة فضيلة لم تنضج بعد شروطها لدى شيوخ التطرف
-
أحداث 16ماي الإرهابية بين النجاح الأمني والفشل الثقافي
-
حتى لا تفلح القاعدة في أفغنة شمال إفريقيا
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|