|
هل المعارضة في تونس حكر على الحركات الإسلاموية ؟
كريم بن احمد
الحوار المتمدن-العدد: 2040 - 2007 / 9 / 16 - 11:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من الممكن إعطاء نظرة شاملة على الحركات المعارضة في تونس من خلال النظر إلى المرجعيات الإيديولوجية لتلك الحركات. وسيستنتج أي ملاحظ للساحة السياسية دون عناء كبير أن تلك المرجعيات لا تزيد إجمالا عن ثلاث : المرجعية القومية العربية ، المرجعية اليسارية والمرجعية الإسلاموية. وبالنظر إلى الوضع العالمي والمستجدات الإقليمية يمكن القول أن المرجعيتين الأولى والثانية فقدتا الكثير من بريقهما السابق ، فالقومية العربية لم تعد لها القدرة على التعبئة مثلما كان الحال أيام عبد الناصر ، في حين لازالت الحركات اليسارية تبحث عن هوية لها منذ انهيار الإتحاد السوفياتي . أما الإسلامويون ، فإنهم يملؤون الفراغ الذي تركته المعارضة "الرسمية" الغارقة في مشاكلها الداخلية والمهتمة بشهادات حسن السلوك النابعة من أعلى هرم السلطة.
إن نظرة خاطفة إلى أبرز المواقع المعارضة التونسية على الأنترنات كفيل بأن يعطي فكرة عن مدى تلون تلك المواقع باللون الإسلاموي ، وإن لم يفصح ذلك اللون عن نفسه بشكل علني . ولعل الإتجاه الإسلامي يعتقد ، عن صواب أو عن خطأ ، أنه المعارضة الوحيدة الجادة في البلاد ، ويُستشَفّ ذلك من أقوال بعض الشخصيات المحسوبة عليه التي تتكلم باسم الشعب وباسم القوى الديمقراطية دون أن يكون أحد قد أعطاها توكيلا بذلك وربما ارتكز الإسلامويون أيضا على حركة رجوع إلى الدين داخل المجتمع ليعطوا الإنطباع لأنفسهم وللآخرين أن لهم شعبية كبرى بين طبقات الشعب.
في مقابل ذلك ، يبدو أن المعارضة "العلمانية" بيسارييها وقومييها قد انساقت وراء اللعبة الإسلاموية جاعلة من مطالب الإسلامويين مطالبها الخاصة، حيث ظهر ذلك بشكل جلي في حركة 18 أكتوبر (نستثني هنا حركة التجديد ومن لف لفها وسنرجع للموضوع في مقال لاحق). لكن مهادنة الإسلامويين والتحالف معهم لم يكونا أبدا حصرا على المعارضة المعترف بها ، بل هو فن أجادته الدولة ـ الحزب قبل غيرها. فالجميع يعلم أن دولة ما بعد 7 نوفمبر قد اختارت لمكافحة الإسلام السياسي محورين اثنين على الأقل : الأول هو محور أمني بحت وقد نجحت فيه إلى حد بعيد والثاني هو محور سياسي يتلخص في سلب الإسلاميين شرعيتهم وذلك من خلال إعطاء بعد إسلامي للنظام وإدماج عناصر من الخطاب الإسلاموي ضمن الخطاب الرسمي. إذ كانت الحركة تستمد شرعيتها في ظل النظام السابق من معاداة الدولة ممثلة في شخص بورقيبة لمظاهر التدين والإستناد إلى مرجعيات غير دينية في تحرير النصوص التشريعية والقانونية.
إن الشواهد على تحرك الدولة في اتجاه الطروحات الإسلاموية كثيرة ، وترجع بداياتها إلى أول عهد التغيير. فرفع الآذان في أجهزة الإعلام الرسمية ، والتغطية الإعلامية لإشراف الرئيس على الإحتفالات الدينية ، وأخيرا وليس آخرا تشييد جامع العابدين ، كل تلك كانت واجهة إسلامية للسلطة تمحو بها السمعة اللادينية لدولة الإستقلال. ولعل أحد أهم مظاهر الإدماج هذه (وإن لم يكن يحمل دلالات سياسية عميقة) هو اكتساح اللون البنفسجي لكل المشهد البصري في تونس. فمنذ سنوات أصبح اللون البنفسجي اللون الغير الرسمي لرئاسة الدولة ثم أصبح تدريجيا اللون المحبذ للدولة التونسية وإداراتها ومؤسساتها ، في حين أن ذات اللون كان في الأصل اللون الرسمي لحركة النهضة ، ولا تزال إلى اليوم أحد أبرز مواقع الأنترنات المحسوبة على هذا التيار ترتدي حلةً بنفسجية. أما آخر هذه الإشارات فيتمثل في بعث إذاعة الزيتونة بمعرفة بل وبمباركة من النظام (خاصة وأن صاحب المحطة من أصهار الرئيس). فالسؤال الذي يلح علينا والحال هذه : هل نحن بصدد معايشة تحول جذري داخل الحزب الحاكم في اتجاه تعزيز الجانب الإسلامي للدولة ؟ هل وجد التجمع في المزايدة على الإسلامويين وطروحاتهم حلا لعجزه المتواصل عن تجديد نفسه ؟
التجمع اليوم بعيد عن الحزب الدستوري غداة الإستقلال. فالشغل الشاغل اليوم هو المحافظة على المكاسب فحسب وليس الدفع في اتجاه المزيد من العلمانية في الممارسة السياسية. لقد أصبحت كلمات مثل : العلمانية ، الحداثة ، التقدم كلمات سيئة السمعة بفضل خطابات الإسلاميين المتهجمة على هذه المفاهيم التي لا يفهمونها أصلا. والحزب الحاكم الذي لا يتوانى عن تغيير القوانين حسب الظروف بموجب وبغير موجب ، لا نتوقع منه اليوم أن يقدم مشروع قانون لدسترة فصل الدين عن الدولة أو لتعميم المساواة بين الجنسين على حق الميراث.
إن مبررات مثل هذا التحول كثيرة ومقبولة في مجملها. فمن مسايرة نبض الشارع المتدين إلى ضرورة قطع الطريق أمام الإسلامويين تبدو الأعذار جدية وذلك رغم قناعتي أن أحد أهم الأسباب في ذلك هو كون الحزب الحاكم نفسه استنفد مرجعياته الفكرية وبقي يبحث عن بديل لأطروحاته المتأرجحة تارة إلى اليسار وتارة إلى اليمين ، ثم أن الطبقة السياسية إجمالا متكونة من رجال متقدمين في العمر نسبيا ولعل الدين بدأ يأخذ أهمية في حياتهم الخاصة فأضحوا يبحثون عن "التوبة" من خلال عملهم السياسي . لكن مواطنا مثلي متشبثا بالمبادئ العلمانية للدولة (وإن لم تبلغ مرحلة نضج كاف في الحالة التونسية) يجد نفسه مضطرا إلى التساؤل عما إذا كان الأمر سيقف عند هذا الحد. فلربما كان هذا الشكل المتأسلم للدولة مقدمة لاختراق اسلاموي من داخل أجهزة السلطة وهو ما لا نتمناه أبدا لبلادنا.
من المؤكد اليوم أن كل من يدافع عن العلمانية يجد نفسه وحيدا بين سلطة من المفترض أن يقف في صفها لكونها الحامية الشرعية للمكتسبات العلمانية وبين معارضة إسلاموية ترى فيه في أفضل الحالات ذيلا من ذيول النظام وفي أسوأها كافرا زنديقا خارجا عن الملة. هل حقا يوجد فضاء لمعارضة حقيقية خارج إطار المرجعيات الدينية إذا علمنا أن الدولة لها رغبة متزايدة في الظهور بمظهر إسلامي في حين أن المعارضة تمني النفس بتغيير شكل الدولة إلى دولة دينية ؟
#كريم_بن_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اجدد تردد لقناة طيور الجنة الجديد 2025 على نايل وعرب سات حدث
...
-
بقائي:الهجمات الاسرائيلية المتكررة على اليمن هي لتدمير الدول
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024.. القناة الأولى لأناشيد وبر
...
-
الترفيه والتعلم في قناة واحده.. تردد قناة طيور الجنة 2024 لم
...
-
الجهاد الاسلامي والشعبية: ندين المجزرة الدموية بحق صحفيين في
...
-
الجهاد الاسلامي: ندين بأشد العبارات المجزرة البشعة بحق الاعل
...
-
إدانات لدخول وزير الأمن القومي الإسرائيلي لحرم المسجد الأقصى
...
-
الإمارات تدين اقتحام وزير الأمن الإسرائيلي المسجد الأقصى
-
“في خمس خطوات”.. حدّث الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025
...
-
الوزير المتطرف بن غفير يقتحم المسجد الأقصى في أول أيام عيد -
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|