|
المجتمع الجماهيري .. عامل محافظة ام تطور
وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 2039 - 2007 / 9 / 15 - 12:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عادة ما تحكم " الجماهير " ضمن صورة الواقع المعاش في المجتمعات العربية مجموعة تمثلات سلطوية تندرج ضمن خانة العقيدة او الفكرة المحركة لوعي هذه الجماهير ، وهذه الفكرة تسيطر عليها مجموعة من الفاعلين الاجتماعيين سواء كانت ذات منحي عقائدي ديني او قومي او غير ذلك ، وقد يختلف الفاعل الاجتماعي من زمن الي آخر ومن بنية مجتمعية الي اخري ، ولكن ماهو غائب عن ذلك الامر متمثل في صورة الواقع المادي او الاثر المباشر الذي يستتر تحت مظلة العقيدة او الفكرة ذاتها ، وهنا نقصد بجميع الهزائم الداخلية التي يواجهها الفرد علي صعيد الكرامة الانسانية بجميع اشكالها المتعلق بالعيش والبقاء والحرية .. الخ وهكذا تظهر الجماهير مقادة من قبل الفكرة المعبئة ايديولوجيا بواسطة الفاعل الاجتماعي الديني او القومي ولكن الواقع يقول ان المادة هي من تحرك الجماهير وتعطيهم اسلوباً معينا للحياة وتصيغ لهم الحاضر والمستقبل ايضا ضمن صورة معينة دون اخري . فالمجتمعات التي تعيش حالة الرفاه الاقتصادي وخصوصا لدي الدول المتقدمة نجد " الجماهير " غير مكترثة للافكار الشمولية او غير مسيطر عليها مرجعية ثقافية معينة ، وذلك الامر يعود الي وجود التعدد القيمي والثقافي والمؤسساتي الذي افرغ هذه الجماهير من وجود مجموعة " افراد " يسيطرون علي وعي اكثرية ضمن نظام عام مطلق . فذلك الامر قد اصبح في خبر مضي بعد ان تم تجاوز سلطة الكنيسة التي كانت تؤم الناس في مرجعية فردية واحدة تؤثر عليهم وتحيط وعيهم ومستقبلهم ، والتعدد الثقافي والقيمي لم يتحقق إلا بعد ان وجدت المفاهيم الحديثة المتعلقة بحقوق الانسان وتطور هذه الاخيرة وصولا الي ماهو عليه اليوم من ضمانات اجتماعية وصحية واقتصادية تكفلها الدولة من اجل تقويض حالة الاستغلال التي تفرض من قبل عوامل متعلقة بالاقتصاد والتفاوت في الفرص والمنافع والمكتسبات ، وهكذا نقول ان الجماهير تتماها من الايديولوجيا الشمولية لتنتج افراد لديهم القيادة والسيطرة وصولا الي وجود الفرد القائد بعد ان وجدت القيادة الطليعية او النخبوية ضمن صورتها الوهمية التي تعلي من شأن طبقة او امة زائفة ، ذلك ما كانت عليه الايديولجيا في صورتها القومية تغذي الجماهير بالوحدة والحرية والشتراكية ، ولكن هنالك جميع الحقوق المتعلقة بحقوق الفرد والانسان غائبة الي ابعد الحدود ، وهنا تصبح الجماهير اداة للخضوع والانتاج والاستغلال . ذلك الامر كان معمولا عليه لدي اكثر الدول ذات النظام الاشتراكي . كيف تظهر " الجماهير " اليوم وماهي محركاتها ، وهل ما تزال الايديولوجيا كفكرة تقود هذه الجماهير ام هنالك الفرد الذي يتصرف ضمن كاريزمية مطلقة وتحكم كونترولي بهذه الجماهير ، ولماذا تغيب عن جماهيرنا فكرة التوحد في خطاب عقلاني تعددي يظهر فيها الفرد كفردية منعزلة عن الجماعة وكجماعة مختلفة وغير " مصاغة ضمن قالب معين " ، وهل يمكننا ان نعمل علي انتاج جماهير مستقبلية جديدة في العراق علي وجه الخصوص . ما تزال الجماهير في العراق محاطة بسلطة الافراد وقد تتفرع هذه السلطة من سياسية واجتماعية وثقافية او قد تتوحد ضمن صورة معينة او اطار واحد خال من التعدد القيمي والفكري . فرجل الدين او السياسة له سيطرة وحضور كبيرين ، وذلك ان دل علي شئ فانه يدل علي ان المجتمع يأخذ منحي التدين ضمن صورة الواقع المعاش ضمن حدود النسبي ، فتصبح الحاجات الداخلية والرغبات الدنيوية مبررة من خلال الدعوة الي اصلاح المجتمع من خلال الدين ذاته ، ولكن ماهو غائب هنا وجود الحوار او الاختلاف بين اشكال وعي متعددة ومختلفة وكذلك غياب صفة التطور عن ذلك الواقع ويبقي الانسان محاطاً بقناعات ثابتة لا تتغير حول مجمل الاحداث والتصورات التي يعيشها الانسان . وبذلك نقول ان المجتمع الجماهير ي في صورته الراهنة تحكمه قناعات لا تعود الي المعرفة والثقافة والكتابة في شيء ، الامر الذي يقود الي غياب التسامح والاختلاف وحب المعرفة والتطلع الي الاخرين الذين يختلفون عنا ، وذلك الامر يعود الي طبيعة المعرفة السائدة وكما اسلفنا الي تاريخ طويل من الجمود والتأخر في انتاج حداثة حقيقية خصوصا بعد ان فشلت الاخيرة في سياقها العربي الاسلامي . إذ نشاهد اليوم حضور سلطة الهامش الثقافي علي الجماهير وهذه الاخير مرتبطة برموز الفنون والموسيقي والمعرفة الجاهزة التي يبثها الفاعل الاجتماعي التقليدي ، الامر الذي يجعل الساحة الاجتماعية والثقافية خالية من وجود الكاتب والمثقف الذي يؤثربدوره علي المجتمع ويعمل علي تصحيح وعلاج هلاكه الخاص به اي المجتمع . وحالة العراق تدعو الي الدراسة المستعجلة وتجاوز الخلل الكبير الناجم عن وجود الاستبداد كتاريخ ثقافي اجتماعي وسياسي ووجود الحرية " السائبة " نتيجة العجز عن بناء الدولة وتحقيق الامان لدي الجماهير عموما ، وذلك الخلل يجب علاجه من خلال عد الاستبداد ماضٍ تم تجاوزه وصولا الي عملية ارتباط الحرية ذاتها بثقافة القانون الذي يحترم الحريات علي اساس التبادل بين البشر انفسهم للسلطة والمعرفة ضمن مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان ضمن شكلها الحديث ، وذلك الامر من شأنه ان يعمل علي ولادة الجماهير المختلفة خصوصا اذا تم بناء الدولة تخليص الاخيرة من الجماهير كأداة للخضوع والهيمنة علي حد سواء ضمن طريقة مزدوجة تتعلق بالاولي من خلال جعل الجماهير اداة للاستغلال والخضوع والثانية تتعلق بتكوين هذه الجماهير وما تقوده الي ولادة الفرد المستبد الذي يقود بدوره الي جمود الواقع والحياة بشكل عام . ان عملية ولادة جمهور مختلف بحاجة الي جهود كبيرة تتعلق بطبيعة الثقافة الجماهيرية وكيفية تطويرها وعدم جعلها مصاغة وفقا لرغبات الافراد انفسهم ، بل من خلال وجود قواعد عريضة للاختلاف يجعل الجماهير متحررة من المعرفة السائدة التي تبثها مجاميع من السلط التقليدية التي تؤمن بالحشود كأدوات لتحقيق غاياتها السياسية والاقتصادية دون الاخذ بنظر الاعتبار اهمية هذه الجماهير وكيفية تطويرها وعلاج مستقبلها الخاص بكرامتها البشرية وما تعانيه اليوم من تجاوز واعتداء كبيرين بسبب الاوضاع الامنية والاجتماعية الراهنة . كل ذلك يتحقق من خلال اعادة هيكلة مصادر المعرفة ذاتها وكذلك العمل علي بناء التعليم الجديد والمختلف وذلك يعتمد علي الدولة وكيفية تجاوزها للكثير من المعوقات التي تعيشها متمثلة بظاهرة العنف والفساد الاداري والاستغلال، وكذلك انتشار ثقافة الكتاب الجماهيري الذي يشجع الناس علي حب المعرفة وتداولها بشكل سلمي حواري بعيدا عن ادوات السجال العنيف او المتشدد ، علي الرغم من ان مؤسساتنا كثيرا ما تزال فقيرة من حيث الانتاج لثقافة الكتاب الجماهيري بالرغم من امتلاكها الاموال والادوات التي تستطيع التأثير من خلال ذلك الامر ، فاربع سنوات من عمر الدولة العراقية مع كل العنف والاوضاع الامنية المتردية لم يوجد هنالك كتاب جماهيري ماعدا المؤسسة الوحيدة التي تطبع كتبا شهرية متمثلة بمؤسسة المدي الثقافية مع الفقر الكبير في محتوي الكثير من الكتب التي نشرت والتي لا تمس ايما صلة بثقافة تطوير وعي الجماهير وتجاوز عقدة النخبة n العوام التي يستغلها ضمن حدود النسبي الكثير من المثقفين وينتجون ثقافة مغتربة عن الواقع المعاش ، كذلك الحال مع شبكة الاعلام العراقي التي تنتج شهريا مجلات وصحف ذات طبعة راقية بعيدة كل البعد عن التماس بالجماهير ومدي تطويرها وتجاوزها الكثير الموروثات الثقافية من النظام البائد . ان ايجاد جماهير عريضة مثقفة ومتعلمة يجعلها قريبة الي التطور بشكل تراكمي مستمر وليس الي المحافظة والجمود وذلك يتحقق كما اسلفنا اعلاه مع الاخذ بنظر الاعتبار اهمية الحرية في انتاج كتاب ومثقفين لديهم التاثير والقبول المجتمعيين بعيدا عن ادوات الاقصاء واالتهميش وربما التجاوز علي الكرامة الانسانية كما كان الامر معمولا في الازمنة السابقة ، وذلك الامر يتحقق انتشار المفاهيم الديمقراطية وتطوير فكرة الحرية ذاتها ، الامر الذي يجعل الجماهير متقبلة للاختلاف والجديد والغريب عن البنية الاجتماعية السائدة ومن ثم هنالك التجاوز ماهو لما سائد من ثقافة تلقينية سياسية او اجتماعية لدي الكثير من المؤسسات في الازمنة الراهنة .
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم الحرية ركيزة اساسية لتطور المجمتع
-
محددات ثقافة الارهاب
-
لماذا يفشل المثقف الحر في في انتاج ابداع مختلف (المثقف والمؤ
...
-
الاحزاب السياسية والوعي العمالي ( نكوص مجتمعي ام استقلال سيا
...
-
المؤسسات الثقافية العراقية ( مصدر ابداع أم تأسيس فراغ معرفي
...
-
جذور الغنيمة والانتهازية لدى المثقف العراقي (محاولة في نقد ا
...
-
سيميائيات حجاب المرأة
-
الكتابة بين نموذجين
-
نحو مدينة عراقية ..بلا هوامش واطراف .. بلا عنف واستبداد
-
الهويات المغلقة - الهويات المفتوحة
-
نقد سلطة المعرفة .. الحداثة والتراث في مقاربة جديدة
-
هل يمكننا تجاوز تاريخ الانغلاق في المجتمعات العربية الاسلامي
...
-
التعليم وصناعة الخوف لدى الطلبة .. نحو تعليم عراقي جديد
-
نحو تكوين فلسفة شعبية عراقية
-
لحظة إعدام صدام .. نهاية الاستبداد في العالم العربي ؟
-
خصائص تربية الابداع في المؤسسة التربوية العراقية
-
جماليات الاحتلال
-
الثابت والمتحول في انماط الاستبداد(الطريق الى مقاربة وطنية ت
...
-
المعرفة العامة نسق ثقافي سلطوي
-
المجتمع بين العقل والغريزة
المزيد.....
-
مصر.. حكم بالسجن المشدد 3 سنوات على سعد الصغير في -حيازة موا
...
-
100 بالمئة.. المركزي المصري يعلن أرقام -تحويلات الخارج-
-
رحلة غوص تتحول إلى كارثة.. غرق مركب سياحي في البحر الأحمر يح
...
-
مصدر خاص: 4 إصابات جراء استهداف حافلة عسكرية بعبوة ناسفة في
...
-
-حزب الله- يدمر منزلا تحصنت داخله قوة إسرائيلية في بلدة البي
...
-
-أسوشيتد برس- و-رويترز- تزعمان اطلاعهما على بقايا صاروخ -أور
...
-
رئيس اللجنة العسكرية لـ-الناتو-: تأخير وصول الأسلحة إلى أوكر
...
-
CNN: نتنياهو وافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. بوصع
...
-
-الغارديان-: قتل إسرائيل 3 صحفيين في لبنان قد يشكل جريمة حرب
...
-
الدفاع والأمن القومي المصري يكشف سبب قانون لجوء الأجانب الجد
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|