طهران –
كان للدين دورا سياسيا في ايران قبل الاسلام كما كان له دوره بعد ان اعتنق الايرانيون الدين الاسلامي في القرن السابع الميلادي على يد الفاتحين العرب غير ان ملوك الفرس لم يحكموا باسم الاسلام رغم تمسكهم بهذا الدين واعتبار انفسهم حماة الدين بعد انهيار الخلافة وتقسيم الامبراطورية الاسلامية الى دول و دويلات ومنها بلاد فارس .
وقد اتخذت السلالة الصفوية في القرن السابع عشر الميلادي مذهب الشيعة مذهبا رسميا لايران حيث كان معظم الايرانيون قبل ذلك التاريخ يعتنقون مذهب السنة . وقد تمتع رجال الدين الشيعة بنفوذ هام في الدولة الصفوية غير ان الحكام لم يكونوا من رجال الدين .
ويصف المفكر الديني الراحل علي شريعتي المذهب الشيعي بالحزب السياسي للايرانيين وذلك ليميزوا انفسهم عن الامبراطورية العثمانية التي كانت تنافسهم انذاك وعن العالم العربي السني باغلبيته .
وكان كل ملك من ملوك القاجار - الذين حكموا ايران خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين - يصف نفسه ب " ظل الله " في الارض وقد استمر التقليد هذا ليشمل الشاه رضا بهلوي ونجله الشاه محمد رضا البهلوي وهو اخر ملك اطاحت به الثورة الاسلامية عام 1979 .
الدين والدولة في العصر الحديث
ينص اول دستور ايراني تمت صياغته في مطلع القرن المنصرم على فقرات تؤكد على ضرروة تطابق القوانين المقررة من قبل البرلمان مع الدين الاسلامي والمذهب الرسمي الشيعي ؛ غير ان الامر بقى حبرا على ورق عقب وصول الشاه رضا البهلوي الى الحكم ( عام 1925 ) و استقرار ديكتاتورية لا تقل وطأة مما كان سائدا قبل ثورة الدستور ( المشروطة) .
وقد استخدمت المنظمات و القيادات الدينية المعارضة لنظام الشاه السابق ، الخطاب الديني المتجذر في احاسيس وعواطف الجماهير الايرانية كسلاح مؤثر في نضالها ضد الشاه .
وقد تم تسييس الدين لاغراض ايديولوجية و نضالية على يد مفكرين ومناضلين سياسيين ابرزهم اية الله الخميني واية الله الطالقاني وعلي شريعتي وجلال آل احمد . وبالرغم من النفوذ التقليدي لليسار والشيوعيين في الجامعات الايرانية اخذت الاجواء الدينية تسيطر على هذه الجامعات منذ اواسط السبعينات وقد تمسك قسم لاباس به من المثقفين بالايدولوجيا الاسلامية كوسيلة للمعارضة والنضال ضد النظام الملكي انذاك .
وقد لعبت شبكة رجال الدين المنتشرة في كافة انحاء ايران - والتي سلمت من بطش الشاه نسبيا قياسا للمنظمات الماركسية واليسارية المسلحة – لعبت دورا هاما في " اسلمة " الثورة الايرانية .
وقد اعلنت الفئة الثورية المنتصرة في فبراير 1979، الجمهورية الاسلامية على انقاض النظام الملكي و صاغت دستورا يقوم اساسا على المفاهيم الدينية والمذهبية ومنها مبدأ ولاية الفقيه . لكن هذا لايعني ان دستور الجمهورية الاسلامية لايشمل على مفاهيم تعني بحقوق الجماهير والديمقراطية بل انه يعاني من ازدواجية ( سمائية – ارضية ) كادت ان تشل النظام برمته في الاعوام الاخيرة.
فوران الايمان
وقد شاهدنا فوران الايمان بين الجماهير الايرانية في السنوات الاولى لقيام الثورة
الايرانية حيث تحولت البلاد الى مسجد كبير يصلي فيها المؤمنون وغير المؤمنين
-شاءوا او ابوا- في الشركات والدوائر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية 3 مرات في اليوم وفقا للتقليد الشيعي وصدرت قوانين صارمة حول حجاب النساء واختلاط الشباب والصبايا و تطبيق الاحكام الاسلامية كالجلد والرجم ومنع الرباء وقضايا اجتماعية واقتصادية مماثلة. وقد بلغ الامر حدا الى اغلاق البنوك ابوابها وايقاف الوزارات اعمالها عند الظهر وخلال الدوام لمدة ساعة تقريبا وذلك لاداء فريضة الصلاة مما اثار استياء العديد من الناس واسفر عن خسائر اقتصادية ادت الى الغاءه من قبل المسؤولين بعد عامين او اكثر.
وقد فرضت السلطة الثورية رقابة صارمة على الكتاب و فنون السينما والمسرح والموسيقى و الرسم والنحت لحقبة من الزمن بدأت تنحسر رويدا رويدا في الاعوام الاخيرة .
ضف الى ذلك الاعلام المؤدلج المتمثل اساسا بالصحافة الرسمية و مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الحكومية . اذ حملت هذه المؤسسة ومنذ اليوم الاول لقيام الثورة وحتى الان على عاتقها ترويج الايديولوجية الاسلامية وبثها بين الجماهير وبنظرة متشددة حيث قامت بحذف الموسيقى الايرانية من برنامجها لفترة من الزمن و فرضت حظرا على اي مظهر من مظاهر الثقافة التي تصفها بالغربية مثل الطرب والرقص و اجرت الرقابة على الافلام الغربية و ووسعت من برامج العزاء وبمناسبات مختلفة وهي كثيرة عادة في ايران . وقد بالغت هذه المؤسسة في مثل هذه البرامج مما ادى بالاصلاحيين ومنذ وصول خاتمي الى السلطة ان يوجهوا النقد تلو النقد اليها ويتهمونها بالتشدد والفئوية . كما و دفع اداء هذه المؤسسة الناس الى قنوات تلفزيونية غربية او تلك التي تديرها مجموعات سياسية معادية للنظام او قنوات تركية او عربية او كردية تستخدمها القوميات غير الفارسية وذلك بعد رواج الفضائيات في ايران .
وقد استخدمت السلطة الثورية الاسلامية احاسيس الناس وعواطفهم في الحرب
العراقية – الايرانية خير استخدام حيث وصفت الحرب بانها "حرب الاسلام ضد الكفر" وتعني بالكفر الجيش العراقي المؤدلج بالايديولوجية البعثية . غير ان الامور تغيرت بسبب اطالة امد الحرب مما سبب لايران وخاصة في نهايته مشاكل اقتصادية واجتماعية ادت بالزعيم الراحل اية الله الخميني بالاعلان عن جرع كأس السم وانهاء الحرب المدمرة لكلا البلدين .
المعتقدات الدينية في الحقبة الاخيرة
وقد تنفست الجماهير الايرانية الصعداء بعد انتهاء الحرب العراقية – الايرانية وسرعان ما بدأت كل شريحة اجتماعية تطرح مطالبها على حكومة الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني . وكان الشباب والنساء والمثقفين اكثر مثابرة في متابعة مطالبهم المكبوتة اثر اندلاع الحرب .
غيران رفسنجاني - و حكومته التقنوقراطية – الذي كان يركزاساسا على التنمية الاقتصادية دون التنيمية السياسية لم يتمكن من تلبية تلك المطالب المتكدسة حيث ادت التحولات الاجتماعية والسياسية الى فوز الاصلاحيين على المتشددين في الانتخابات الرئاسية عام 1997 .
والجميع يعرف العراقيل المطروحة من قبل المتشددين امام العملية الاصلاحية
و منذ فوز خاتمي قبل خمس سنوات وحتى هذه اللحظة .
وبالرغم من الانفتاح الحاصل في الحياة الاجتماعية والسياسية خلال هذه الفترة والذي شمل شرائح مختلفة كالنساء والشباب والمثقفين و القوميات لكن هناك لاتزال قيود غير قليلة على الحريات الشخصية والعامة تترافق مع فرض نمط خاص من الحياة يتم عادة باسم الدين والمذهب .
ويبدو انه خلافا للجيل السابق الذي عايش الثورة وترعرع في احضان قيمها الدينية وعلق الامال عليها ،لم تشغل هذه الهواجس بال الجيل الصاعد ولم تساهم المفاهيم و القيم الدينية في تشكيل آفاقه المنظورة بل استخدمت هذه القيم دائما لمراقبته وتقييده .
ويعتقد المحللون ان الخطر الماثل امام المجتمع الايراني قياسا للمجتمع الغربي الذي شهد انخفاضا لدور الدين منذ قرون هو ان المجتمع الغربي انشأ مؤسسات ومفاهيم بديلة لم يتمكن المجتمع الايراني من انشاءها ؛ مع العلم بان اي شيء لم يتمكن ان يحل نهائيا مكان الدين حتى في الغرب .
ويرى هؤلاء ان اي تغيير يذكرلم يطرأ على المعتقدات الاساسية للجيل الصاعد في ايران ومنها ايمانه بالله والقيم الدينية المتعالية لكن هناك تحولات في اعتقاد الشباب بالشؤون الدينية التي تحولت الى اداة للسياسة ومنح المشروعية السياسية للسلطة حيث تستخدم عادة لاعادة انتاج القوة و السلطة اثر انخفاض هذه المشروعية يوما بعد يوم .
ويرى المفكرون هنا بان الدين في ايران تحول الى ايديولوجيا سياسة ادت الى نزع القدسية منه وهذا هو الخطرالاهم الذي يهدد معتقدات الجيل الصاعد بالدرجة الاولى وسائر الشرائح في الدرجة الثانية .
ويبدو ان الانتقاد من الدين او النزعات المعادية للدين في ايران لم تتخذ شكلا جماعيا حتى الان بل و هي محدودة في اطار انتقادات فردية ؛ فالهروب من الدين وخاصة بشكله المستخدم ايديولوجيا يشاهد بين الشباب لكن وكما قلنا لانرى مثل هذا الامر بشان القضايا الدينية العامة والمعتقدات الاساسية.