كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2035 - 2007 / 9 / 11 - 11:08
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
تشير الإحصائيات الرسمية في ألمانيا إلى ارتفاع ملحوظ في النشاطات التي تمارسها القوى النازية الجديدة واليمين المتطرف الموجهة ضد الأجانب وتلك المعادية للسامية. تؤكد استطلاعات الرأي إلى ارتفاع في نسبة من يجد أن عدد الأجانب في ألمانيا كبير جداً ويشكل خطراً على الثقافة والحياة الألمانية , في حين تقلص عدد الأجانب بالقياس مع سنوات العقد الأخير من القرن العشرين.
بلغ عدد سكان ألمانيا 82310000 نسمة في نهاية العام 2006. وبلغ عدد السكان الأجانب في ألمانيا 6760988 نسمة في نهاية العام 2005 ولم يطرأ أي تغيير كبير على هذا العدد في العام 2006. أي أن نسبة الأجانب إلى مجموع السكان بلغت حوالي 8,2 %. ولا بد من الإشارة إلى أن ربع هذا العدد , أي حوالي 1690 ألف نسمة , هم من مواطنات ومواطني دول الاتحاد الأوروبي الذين يحق لهم الانتقال بين هذه الدول بشكل اعتيادي ويقيمون حيث يشاءون. ويبقى من هذا العدد حوالي 5070 ألف نسمة يتوزعون على بقية الدول وخاصة تركيا. وهي نسبة على العموم غير كبيرة بالقياس إلى عدد آخر من الدول الأوروبية مثل فرنسا أو إيطاليا أو أسبانيا.
وتؤكد المعطيات التي تحت تصرفنا إلى أن هذا العدد قد تقلص بالمقارنة مع السنوات السابقة , كما أن عدد اللاجئين السياسيين أو الاقتصاديين القادمين إلى ألمانيا في تقلص مستمر من سنة إلى أخرى بسبب التشديد غير الاعتيادي الذي اتخذته ألمانيا إزاء اللجوء أو الزيارات أو حتى إزاء السياح الأجانب من بلدان العالم الثالث.
في الفترة التي أعقبت قيام الوحدة ألألمانية نشأت أجواء تميزت بتطور الاتجاه اليميني في مجالات وإجراءات السياسة والاقتصاد والثقافة , إضافة إلى الموقف من الهجرة إلى ألمانيا أو قبول اللجوء السياسي فيها. ونتيجة لتلك الحملة السياسية التي خاضها الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر , مع تأييد وموافقة الجناح اليميني في الحزب الاشتراكي الألماني , أمكن تغيير مادة دستورية تمس اللجوء السياسي , كما صدرت قوانين متشددة إزاء اللجوء السياسي أو الهجرة من أجل العمل في ألمانيا أو حتى الدراسة فيها , وكذلك إزاء الزوار وجمع شمل العوائل. ولم تقتصر هذه الحملة على ألمانيا بل شملت بقية دول الاتحاد الأوروبي دون استثناء مما منح فرصة للقوى النازية الجديدة واليمينية المتطرفة أن تستفيد من تلك الإجراءات والأجواء الخانقة التي نشأت ضد الأجانب بتنشيط دعايتها المضادة للأجانب في ألمانيا وفي عموم أوروبا. وزاد في الأمر سوءاً تنفيذ الجرائم البشعة من قبل تنظيم القاعدة الإرهابي في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة , حيث تصاعدت موجة الريبة والخشية من التعايش المشترك مع المسلمين في أغلب بقاع العالم الغربي , وبدأت نظرية صدام الحضارات للأستاذ الأمريكي صموئيل هنتنكتون تأتي ثمارها غير الناضجة وتؤثر سلباً على الوجود الأجنبي في ألمانيا وعموم أوروبا.
وخلال الفترة المنصرمة تصاعد نشاط قوى النازية الجديدة والقوى اليمينية المتطرفة في ألمانيا بشكل ملموس واتخذت أبعاداً مختلفة كان ضحيتها العديد من القتلى والجرحى , وخاصة في الحرائق التي أشعلت ضد بعض بيوت الترك أو اغتيال أحد المواطنين الأفارقة في مدينة دريسدن . وازدادت تلك الاعتداءات في محافظة براندينبورغ المجاورة لبرلين. ففي العام 2004 ارتكب النازيون الجدد واليمينيون المتطرفون جنحاً ومخالفات كثيرة ذات نهج مناهض للأجانب وللسامية. فقد بلغ عدد تلك المخالفات 12051 جنحة , ارتفع عددها في العام 2005 إلى 15361 جنحة. وفي النصف الأول من العام 2007 بلغ العدد 5321 جنحة. وكان بينها استخدام العنف ووقوع إصابات ونقل إلى المعالجة في المستشفيات بالنسبة للعاملين 2004 و2005 كما يلي على التوالي : 776 و858 جنحة , أي بنسبة زيادة قدرها 23 % في العام 2005 بالمقارنة مع العام 2004. ثم بلغ العدد 339 خلال النصف الأول من العام 2007.( راجع: Ekrem Senol. Köln . Attacken auf Ausländer sind Alltag überall).
وقرب نهاية شهر آب/أغسطس 2007 وقع اعتداء وحشي على ثمانية مواطنين من الهنود المقيمين في مدينة موگل الصغيرة الواقعة فی محافظة ساکسن الواقعة في القسم الشرقي من ألمانيا. ففي احد الاحتفالات العامة في هذه المدينة بتاريخ 19/8/2007 تجمع 50 ألمانيا من أعمار تتراوح بين 17-35 سنة تقريباً لضرب ثمانية هنود بعضهم يعمل في بيع الملابس في ساحة المدينة وبعضهم يعمل في مطعم هندي. وقد حاول بعض الهنود الدفاع عن نفسه , ولكن كان ذلك عبثياً, إذ أن الآخرين أشبعوهم ضرباً وأصيب الهنود بجروح وكدمات شديدة في الوجوه والعيون والرأس , إذ كان المهاجمون يركلوهم بأحذيتهم ويضربونهم بالقاني الفارغة والمكسورة. ولم يتدخل الأهالي في حماية الهنود , بل كانوا يقهقهون سفهاً. وعند مجيء الشرطة المحلية بدأت العناصر النازية الجديدة والقوى اليمينية المتطرفة بقذف الشرطة والهنود بالحجارة والقناني الفارغة. ولكن الأغرب من كل ذلك هو قيام الجمهور المتفرج والمرح من حفلة الضرب السادية بتأييد ودعم الجماعة اليمينية المتطرفة والبدء برمي الشرطة والهنود بالحجارة والقناني الفارغة. لقد كانت الحصيلة 14 جريحاً من بينهم سبعة هنود وثلاثة من الشرطة وبعض المتطرفين الألمان. ومن المفيد الإشارة إلى أن الحزب النازي الجديد الألماني المجاز رسميا( NPD ) قد حصل في الانتخابات المحلية الأخيرة على 10 % من أصوات الناخبين وتمثل في برلمان المدينة.
فجَّر هذا الاعتداء نقاشاً جديداً في ألمانيا حول الموقف من الأحزاب النازية الجديدة واليمين المتطرف الذي يمارس العنف ضد الأجانب , كما أنه لا يكف عن تدنيس قبور المواطنات والمواطنين اليهود الألمان أو الكتابة على الجدران ضد الأجانب واليهود. لقد انقسم الناس على أنفسهم , ولكن الغالبية العظمى من الألمان ضد هذه الممارسات , إلا أن وجهة نمو الجماعة المؤيدة لها آخذ بالتنامي وبشكل ملموس. فوفق المعلومات المتوفرة ارتفع عدد الجماعات المستعدة لاستخدام العنف في ألمانيا من 10000 إلى 10400 شخصاً , كما ارتفع عدد النازيين الجدد , المسجلين , وليس غير المسجلين من 3800 إلى 4100 في كل ألمانيا , وهم من النشطاء. ولا بد من الإشارة إلى أن الإحصاء الرسمي يشير إلى تقلص عدد اليمنيين المتطرفين قد تقلص في عموم ألمانيا من 40700 عنصراً إلى 39000 عنصراً , وجميعهم في الغالب الأعم من النشطاء.
تشير المعلومات المتوفرة إلى أن الحكومات الألمانية المتعاقبة لم تبذل الجهود الكافية حتى الآن من الناحيتين الفكرية والتربوية بما يساعد على مواجهة هذه القوى لا بإصدار القوانين الضرورية حسب , بل وبالمكافحة الفكرية والسياسية أيضاً. ومع أهمية صدور قانون يحرم التمييز العنصري والدعاية النازية والترويج للفكر المناهض للأجانب والسامية والذي يم يصدر بعد , فأن التثقيف المدرسي والجامعي وفي الإعلام يحتل أهمية استثنائية في ألمانيا رغم مرور أكثر من 26 سنة على سقوط الفاشية في ألمانيا وفي أوروبا عموماً , فأن هناك لا تزال قوى تدين بالولاء للفكر النازي وتعمل على نشره والترويج له , كما تقيم الحفلات الموسيقية لهذا الغرض. فوفق المعلومات المتوفرة فقد ارتفع عدد الحفلات الموسيقية الخاصة بالقوى النازية واليمينية المتطرفة من 58 حفلة في العام 2004 إلى 195 في العام 2005 , كما أن الوجهة في تصاعد , إضافة إلى قيامهم بتوزيع وبيع الكثير من الأقراص الإلكترونية التي تحمل الدعاية والترويج للفكر النازي والحفلات النازية وتحرض ضد الأجانب واليهود.
تتحمل ألمانيا مسئولية خاصة في مكافحة الفكر النازي العنصري واليميني المتطرف , إذ أن هذا الفكر الذي انطلق من ألمانيا , إضافة إلى الفكر الفاشي الإيطالي والعسكرية اليابانية , فهو يذكر العالم بالجرائم البشعة التي ارتكبها النازيون العنصريون في الفترة الواقعة بين 1933 و1945 لا في ألمانيا وحدها حسب , بل وفي جميع المناطق التي وقعت تحت الاحتلال الألماني في فترة الحرب العالمية الثانية 1939-1945. وقد تسببت تلك الحرب في وقوع مآس لا حصر لها على الصعيدين الأوروبي والعالمي. فوفق المعلومات الرسمية المتوفرة نشير إلى الحقائق التالية: بالنسبة لضحايا الحرب. راجع:( F. W. Putzger: Historischer Weltatlas, Velhagen & Klasing, 1969): (العدد بالآلاف)
الجنود المدنيين اليهود ألمان في دول أخرى المجموع
24,350 23,630 5,450 1,470 55,100
ويدخل في هذه الحسابات أولئك الذين سقطوا قتلى أثناء المعارك الحربية وكذلك الذي أعدموا أو قتلوا في السجون والمعتقلات النازية , كما هو الحال بالنسبة ليهود ألمانيا وعموم أوروبا. ولكن لا يدخل فيه عدد الجرحى والمعوقين والمشردين الذين تركوا أوطانهم عنوة وهجّروا قسراً. إلا أن هذه المهمة ليست مهمة الألمان وحدهم , بل هي مهمة العالم كله. ورغم تصاعد النزعة اليمينية في ألمانيا وأوروبا , فإنها لا تزال بعيدة كل البعد عن أن تكون ظاهرة تهدد وجود الأجانب في أوروبا , في حين أن الخطر اليميني المتطرف في الدول العربية والأساليب الفاشية التي تمارسها قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية تهدد الكثير من الناس في الدول العربية وبلدان الشرق الأوسط على الهجرة إلى خارج بلدانها أو تعرضهم للموت يومياً كما يحصل في العراق.
فالإرهابيون من المنظمات الإسلامية المتطرفة يمارسون القتل العمد في مختلف بقاع العالم وضحاياهم كثيرة جداً في الجزائر والعراق والسودان والمغرب وأندونيسيا وغيرها من الدول. ولهذا فأن العالم بحاجة إلى حلف دولي لمكافحة الإرهاب والعنف والتطرف بكل أنواعه وصيغ ظهوره وممارساته. ولا يمكن أن يتم مثل هذا التحالف إلا عبر الأمم المتحدة , وليس عبر قيادة الولايات المتحدة له لأنها تدفع به باتجاه يخدم مصالحها ويصطدم بمصالح الدول النامية ومنها دول الشرق الأوسط, إذ أن الأمم المتحدة هي القادرة فعلاً على التنسيق بين الدول المختلفة وبين أجهزتها السياسية والأمنية لمواجهة خطر الإرهاب والعنف والتطرف على الصعيد الدولي.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟