فاندانا شيفا
الحوار المتمدن-العدد: 624 - 2003 / 10 / 17 - 02:27
المحور:
الطب , والعلوم
- الزراعة والغذاء -
حروب البيوتكنولوجى: حرية الطعام أم عبودية الطعام?
بقلم: فاندانا شيفا
15 يونيو, 2003
ترجمة: أحمد زكى
تحاول "مونسانتو" باستماتة ومن خلال حكومة الولايات المتحدة, أن تعكس حظوظها السيئة بخلق أسواق لمحاصيلها المعدلة وراثيا (GMOs), بأساليب الإرغام والإفساد. لم يرخص الاتحاد الاوروبى بعد المحاصيل المعدلة وراثيا لزراعتها بشكل تجارى أو لاستيراد الأغذية المصنعة منها. فرضت البرازيل حظرا على الأغذية المعدلة وراثيا. ولم تسمح الهند بمحاصيل الأغذية المعدلة وراثيا وقد أوقفت انتشار القطن المعدل بالهندسة الوراثية فى شمال الهند بعد النتائج المرعبة التى شهدها جنوب الهند فى المواسم الأولى لزراعته بشكل واسع فى 2002.
تخضع الهند والبرازيل والاتحاد الاوروبى لهجوم ضار, على المكشوف أحيانا ومستتر أحيانا, بسبب إحجامهم عن إقرار استخدام المحاصيل المعدلة بالهندسة الوراثية دون وضع محاذير ودون ضمان للامان البيولوجى. وقد هددت الولايات المتحدة ببدء إجراءات نزاع ضد الاتحاد الاوروبى داخل منظمة التجارة العالمية لعدم استيرادها للأغذية المعدلة وراثيا. ذهب السيد "زيليك", الممثل التجارى الامريكى, إلى البرازيل فى نهاية شهر مايو, لإجبار البرازيل على رفع الحظر المفروض على هذه الأغذية. وحاول وزير الخارجية الامريكى استخدام دول جنوب القارة الأفريقية فى قمة الأرض بجوهانسبرج لقبول الأغذية المعدلة, ولكن زامبيا رفضت هذا الاستخدام. فى الهند, حاولت السفارة الأمريكية الضغط على وزارة البيئة من خلال مكتب رئيس الوزراء للسماح بواردات الغلال المعدلة وراثيا, ولكن الحملة الواسعة التى شنتها الجمعيات النسوية المنظمة فى الاتحاد الوطنى للنساء من اجل حقوق الغذاء المنضوية تحت لواء حركة "النساء المتعددات من اجل التنوع", نجحت فى إرجاع سفينتى بضائع حمولتهما عشرة آلاف طن من هذه الغلال. ومنذ ذلك الحين غادر رئيس لجنة المصادقة على الهندسة الوراثية منصبه بعد رفضه المحاصيل المعدلة وراثيا ووارداتها, كما تم تغيير وزارة الزراعة.
الناس الأحرار ذوى المعلومات الحرة يقولون لا لأغذية الهندسة الوراثية لأسباب ايكولوجية ولأسباب صحية. إلا أن الهندسة الوراثية تفرض على العالم بواسطة حفنة من الشركات الكوكبية العملاقة بتأييد واحدة من أقوى الحكومات.
المحاصيل التجارية المنتجة بواسطة الهندسة الوراثية لا تعطى طعاما أوفر ولا تخفض من الكيماويات المستعملة. بينما حجة الجوع هى أكثر الحجج استخداما للترويج للهندسة الوراثية ودفعها للصدارة, فالأغذية المعدلة وراثيا تلبى حاجة جوع الشركات العملاقة للربح, أكثر من إشباعها لجوع الفقراء للطعام. جاء تقرير "الهيرالد تريبيون" الدولية الصادرة فى 29 مايو 2003, كمادة إخبارية تحت عنوان, "تصوير حرب البيوتكنولوجى كقضية جوع":
" هجوم الرئيس جورج دبليو بوش على رفض الأوروبيين للمحاصيل المعدلة وراثيا يأتى فى إطار يجعل منه جزء من حملة ضد الجوع فى العالم. دفاع بوش ومساعدوه يقوم على حجة عاطفية مؤثرة, زاعمين أن موقف الإدارة هو جزء من محاربتهم للجوع فى العالم. فى خطاب الأسبوع الماضى تتهم أوروبا بالوقوف كعقبة فى طريق "القضية العظمى لإنهاء الجوع فى أفريقيا" بحظرها للمحاصيل المعدلة وراثيا".
لا تقوم تكنولوجيا الهندسة الوراثية حول التغلب على مشكلة ندرة الغذاء ولكن تدور حول خلق احتكارات على الغذاء والبذور, الحلقة الأولى فى السلسلة وعلى الحياة نفسها.
بعد نجاح ضغطها على حكومة "لولا" فى البرازيل لإلغاء الحظر على الأغذية المعدلة وراثيا بشكل مؤقت, تطالب مونسانتو الآن حقوق ملكيتها لجينات الصويا ذات المناعة الشاملة, معلنة بذلك مرة أخرى أن الأرباح من خلال جمع حقوق الملكية هى الغرض الحقيقى من نشر المحاصيل المعدلة وراثيا.
وقد أجبرت الهند على تغيير قوانين براءات الاختراع طبقا لاتفاقيات التريبس TRIPS, وأصبح المستفيد الرئيسى من الملحق الثانى لقانون براءات الاختراع الهندى لعام 1970 هم شركات البيوتكنولوجى العملاقة مثل مونسانتو, التى تسعى من اجل الحصول على براءات اختراع المحاصيل المعدلة بالهندسة الوراثية.
تجرم البراءات أيضا العمل الانسانى من اجل إعادة إنتاج أشكال الحياة وتجعل منه عمل غير قانونى. عندما تخضع البذور لبراءة اختراع, سوف يعامل الفلاحون وهم يمارسون حريتهم ويؤدون واجبهم بالحفاظ على استمرار الأنواع وتبادل البذور "كلصوص يسرقون الملكية الفكرية". وقد يبلغ ذلك حد العبث كما فى حالة "بيرسى شمايزر" الذى تلوث حقله المزروع بنبات الكانولا, بكانولا مونسانتو ذات المناعة الشاملة. وبدلا من أن تدفع مونسانتو تعويضا لبيرسى بسبب تلويث حقله طبقا لمبدأ "الذى يلوث يدفع", رفعت مونسانتو عليه قضية تعويض بمبلغ 200 ألف دولار لأنه قد سرق جيناتها. مونسانتو تستخدم شركات امن خاصة وتستخدم البوليس لضبط الفلاحين ومحاصيلهم. براءات الاختراع هذه, تستلزم وجود الدولة البوليسية.
لا تتسبب الهندسة الوراثية فى مجرد تلوث جينى للتنوع الطبيعى وتخلق إمبريالية بيولوجية واحتكار على الحياة وفقط, انها تسبب أيضا تلوث معرفى – عن طريق تدمير استقلالية العلم, والترويج للعلمية الكاذبة. إنها تؤدى لاحتكار يتسلط على المعرفة وحق الحصول على المعلومات.
فالتضحية بالدكتور "ارباد بوتساى" الذى أوضح المخاطر الصحية للبطاطس المعدلة وراثيا, والدكتور "اغناسيو تشابيلا" الذى أوضح أن القمح قد تم تلويثه فى مركز تنوعه وغناه بالمكسيك، هى مثال على تعصب النظام العلمى الذى تسيطر عليه الشركات الاحتكارية وعدم احتماله للعلم الحقيقى.
وتزوير مونسانتو لبيانات قطن الهند المعدل جينيا هو مثال على ترويج تكنولوجيا ذات مخاطر, ولم تخضع للاختبار, وغير ضرورية, من خلال ادعاءات علمية مضللة. فبينما نقص إنتاج القطن المعدل جينيا بنسبة 80%, وبلغت خسارة الفلاح حوالى 6000 روبية للفدان, استخدمت مونسانتو كل من "مارتن كيم" من جامعة "بون" و"ديفيد زيلبرمان" من جامعة "بيريكلى بكاليفورنيا" لنشر مقال فى جريدة "العلوم" يدعون فيه أن إنتاج القطن المعدل جينيا زاد بنسبة 80%. اعتمد "كيم" و"زيلبرمان" فى نشر نتائج بحثهم على بيانات زودتهم بها مونسانتو من تجاربهم الأولية على هذا النوع وليست البيانات المستمدة من حقول الفلاحين فى السنة الأولى التى تمت فيها زراعة هذا النوع بشكل تجارى.
البيانات التى تم فبركتها عن هذا النوع من القطن المعدل جينيا Bt. Cotton, والذى صورت فشله كمعجزة من المعجزات, تخفى حقيقة أن الحشرات والأمراض الغير مستهدفة زادت بنسبة 250-300%, وان تكلفة البذور زادت بنسبة 300%, وان كمية القطن وجودته كانت اقل. ولهذا السبب ففى 20 ابريل 2003, لم تصرح لجنة المصادقة على الهندسة الوراثية GEAC التابعة للحكومة الهندية لمونسانتو ببيع قطن ال Bt فى شمال الهند.
وقد ثبت زيف ادعاءات مونسانتو أيضا فيما يخص الذرة المهجنة بالفشل الذريع فى ولاية "بيهار", ووضع الحكومة لهذه الشركة فى القائمة السوداء.
وفى راجاستان, منحت مونسانتو لنفسها جائزة التفوق للمحاصيل المعجزة. فبينما تدعى النشرات الفنية 50-90 قنطارا للفدان, لم يجنى الفلاحون سوى سبع قناطير للفدان, بما يساوى 90% اقل من الموعود. بدأ فلاحو "اودايبور" من ولاية "راجاستان" حملة لمقاطعة بذور شركة مونسانتو.
لا تصل تقارير عن هذه الخيبات إلى المستوى الدولى لان مونسانتو تسيطر على وسائل الإعلام بواسطة شبكة من العلاقات العامة, تماما كمحاولتها السيطرة على الحكومات والهيئات العلمية.
محاصيلنا ملوثة, طعامنا ملوث, أبحاثنا العلمية وهيئاتنا الإشرافية, التى تضع اللوائح والأحكام المنظمة, تخضع للتهديد والإفساد.
هذا هو السياق الذى يجرى فيه مؤتمر البيوتكنولوجى لوزراء الزراعة فى سكرامنتو بكاليفورنيا, الذى تستضيفه "آن فانيمان", وزيرة الزراعة الأمريكية. "آن فانيمان" هذه عادة ما ترأس شركة "أجراسيتوس", وهى شركة تابعة لمونسانتو الشركة الأم. أصبح وزير الزراعة البرازيلى أسيرا فى يد مونسانتو. يؤكد عزل وزير الزراعة الهندى,"أجيت سينغ", قبل شهور قليلة من الانتخابات العامة, ان خطر بقاء الفلاحين فى قبضة سيطرة الشركات العملاقة على الزراعة, لا يكتسب أهمية كبيرة فى جدول الأعمال, وان وزير الزراعة الهندى يخضع لسيطرة مونسانتو / كارجيل. وكان اول نشاط يشارك فيه وزير الزراعة الجديد, "راجنات سينغ", هو مؤتمر البذور العالمى الذى نظمته صناعة البيوتكنولوجى.
تمت التضحية بالاستدامة والعلم من اجل تجربة طائشة فى تنوعنا البيولوجى وأنظمتنا الغذائية, تجربة تقذف بالأنواع والفلاحين إلى الفناء. نحن نحتاج لإعادة الدمج بين تكنولوجيا البيئة والأخلاقيات لنضمن أن التكلفة الاجتماعية والبيئية فى موضع الاعتبار.
ارتقاء الطبيعة وبقاء البشر, وسيادة الغذاء وحريته, اكتمال الخلق والأنظمة الغذائية القائمة على حرية ارتقاء الطبيعة وعلى الحريات الديموقراطية للفلاح والمستهلك, كل هؤلاء فى مهب الريح. الاختيار هو الإمبريالية البيولوجية أو الديموقراطية البيولوجية. هل ستفرض حفنة من الشركات العملاقة ديكتاتوريتها على حكوماتنا, على معرفتنا وحقنا فى الحصول على المعلومات, على أرواحنا وعلى كل أشكال الحياة على الكوكب, او هل سنحرر نحن, كأعضاء فى عائلة الأرض, أنفسنا وكل الأنواع من سجن براءات الاختراع والهندسة الوراثية؟
نحن فى حاجة لاستعادة حرية الغذاء وسيادته.
تسعى حركتنا فى الهند إلى الدفاع عن حرية البذور (بيجا سواراج Bija Swaraj) وعن حرية الغذاء (آنا سواراج Anna Swaraj) بالدفاع عن حقوقنا, ورفضنا للتعون مع القوانين اللااخلاقية والظالمة (بيجا ساتياجارا Bija Satyagraha). إننا ندخر ونتشارك فى بذورنا, إننا نقاطع بذور الشركات العملاقة, إننا نخلق مناطق زراعية خالية من الهندسة الوراثية, خالية من الكيماويات, خالية من براءات الاختراع حتى نضمن أن زراعتنا حرة من احتكار الشركات العملاقة, وخالية من التلوث الكيماوى والجينى. خبزنا هو حريتنا. حريتنا هى التى ستضمن خبزنا. وكل منا عليه واجب ان يمارس حرية الخبز (آنا سواراج Anna Swaraj) – من اجل الأرض, من اجل كل الأنواع, من اجلنا والأجيال التى سوف تأتى.
زى نت
#فاندانا_شيفا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟