|
هل سيغرق التلوث و الاحترار المدن الحديثة
محمود حسن عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2035 - 2007 / 9 / 11 - 08:35
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
في هذا الصيف كثرت الفيضانات التي تلت أمطار غزيرة أو موجات إعصار في عدد كبير من دول العالم في عدد من القارات منها أسيا و أوربا و أفريقيا، و على الفور أشير في تفسير أسباب هذه الفيضانات غير الاعتيادية إلى احتمال إن يكون السبب الأول وهو الأكثر احتمالا هو التبدل المناخي الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري أو ظاهرة البيت الزجاجي،و نشر عدد من الدراسات و البحوث تؤكد هذا الاستنتاج ، آليات التي يعتقد بأن ظاهرة الاحترار قد تؤثر بواسطتها على البيئة معروفة،و هي نفسها آليات الكلاسيكية التي تسير المناخ،بمعنى أن الجو الحار سيتبعه زيادة في معدلات التبخر و تمدد في سطح البحار و المحيطات ثم موجات رياح عاتية لتتحول إلى أعاصير شديدة القوة و النتيجة هي هطول كميات هائلة من المطر،هذه آليات في تيسير المناخ موجودة منذ الأزل و ستبقى إلى الأبد، ولكن ما تغير الآن هو عامل واحد من عوامل معادلة المناخ،وقد يختلف العلماء و المختصين و حتى الناس العاديين في تفسير خطوات و أولويات و تفاصيل تيسير المناخ في هذه المرحلة على كوكب الأرض ،ولكن ما غير مختلف عليه الآن هو إن الأرض تسير نحو التسخين،و هذا السير حثيثة الخطى سريعة، بل مع الوقت بات أسرع مما كان يظن سابقا، ببساطة السبب هو إن أسباب احترار الأرض لم تزل بل على مدار الساعة تزداد سوءا بسبب نشاط الإنسان في مختلف المجالات على الكرة الأرضية ،و هنا ليست المناقشة لغرض أثبات أو نفي بأن هناك بالفعل تبدل جذري أو شبه جذري في مناخ الأرض، فهذه المناقشة موجودة في عشرات المحافل العلمية و البيئية و السياسية و الاقتصادية وغيرها ،وكلها تؤكد بأن مناخ الأرض سائر نحو التردي لا شك في ذلك،بل هناك ألاف الأدلة تؤكد ذلك،منها مثلا ارتفاعات مقاسه و مؤكدة لدرجات الحرارة وخاصة في المحاور الرئيسية المؤثرة على مناخ الأرض مثل ارتفاع درجة الحرارة لسطح المحيطات و البحار، وكذلك نفس الحالة لطبقة الجليدية في القطبين الشمالي و الجنوبي، و ثقب أو الثقوب الذي حدثت لطبقة الأوزون و التي تحمي الكرة الأرضية من شعاع الشمس المضرة للأحياء و المناخ ، وكانت هناك قبل سنوات قليلة دول و مؤسسات و أشخاص تجادل و ترفض الاقتناع بان مناخ الأرض سائر نحو التردي،ولكن الآن وخاصة في العاميين الآخرين خف هذا الجدال بل ربما اختفى،لأن المناخ قد تغير بالفعل ولا سبيل إلى الإنكار وخاصة إننا نعيش في عالم أصبح يصغر يوما بعد يوم بفعل وسائل المعلوماتية. و هذه الثورة الجديدة للطبيعة على الإنسان ليست كسابقتها عندما كان الإنسان بدائيا طوال العصور والقرون الماضية التي سبقت القرن الواحد والعشرين فيواجه الطبيعة بحيله المعهودة مثل السدود والجسور لأن الإنسان من خلال خبرة اكتسابها عبر ألاف السنين تعلم كيف يواجه عدوا كان يعرف من أين يأتي،و لكن خلال القرن الماضي و امتدادا مع بداية القرن الحالي أستفز الإنسان الطبيعة بشكل عدواني لا مثيل له،فلجأت الطبيعة إلى عامل الممانعة الداخلية التي فيها ،فبدأت تغير أسلحتها المستخدمة ضد الإنسان،وللمزيد راجع كتاب : ما هي مشاريع الخيال العلمي ؟ وكيف تكتب؟. و على كل حال،لقد بات من شبه المؤكد إن الطبيعة قد غيرت أسلحتها ،و إذا صح التوقعات و هناك أدلة كثيرة تؤكد صحة التوقعات فأن مناخ الأرض سائر نحو التغير نحو الأسوأ،ولكن لنكن صريحين مع أنفسنا أذا أستفز الإنسان الفرد كلبا صغيرا و لا نقول أسدا أو نمرا أو حتى قطة صغيرة،فأنه لا يستطيع أن يتوقع حجم الأذى الذي يأتيه من استفزاز هذا الحيوان و قد لا يستطيع تحمله ، فكيف بالإنسان وهو يستفز الطبيعة على الكرة الأرضية و خارج الكرة الأرضية و بشكل بشع و لا يتوقع رد فعل مضاد أعنف بكثير من فعله،الفكرة بسيطة جدا أنت جالس في غرفة أشعل موقدا ثم أرمي علبة سجاير فارغة في أرض الغرفة ،لا شيء يحدث طبعا أذا كان الفصل شتاءا، ولكن أشعل موقدا ثانيا و أرمي قنينة مشروبات غازية فارغة في أرض الغرفة, و هكذا استمر لتصل إلى إشعال عشر مواقد و رمي مئات قطع النفايات على أرض الغرفة،و لا تقول إن الأمور ستبقى طبيعية في داخل الغرفة،وهكذا بالنسبة للكرة الأرضية المساحة محدودة،و كل شيء يشغل مكانه ويلعب دوره سلبا أو إيجابا، في هذه اللحظة على كل الكرة الأرضية و أجوائها و مياها كم عدد المحركات و المولدات التي تدور،و ما عدد السعرات الحرارية التي تطلقها و أحجام الغازات الساخنة و الملوثة للبيئة التي تطلق، كم أوزان و أعداد الأقداح و القناني التي ترمى،العالم كل يوم كم يستهلك من بطاقات الهاتف النقال ،كم أوزان السلع الرديئة التي تعمل لبضعة أيام أو أسابيع ثم تتحول إلى نفايات لتشارك في حرب استفزاز البيئة بدون حدود، لا ضرورة للعد و إحصاء فهذه مجرد أمثلة للحالات العادية لتلوث البيئة،وهناك ألاف البحوث والدراسات و المصادر تؤشر هذه الحالات ،ولكن في المقابل هناك ألاف الحالات التي لم تدرس ولم تؤشر خطورتها على البيئة و أيضا هناك ألاف أخرى من الحالات أخفي أو أهمل المعلومات عنها لأسباب سياسية أو اقتصادية أو غيرها ،و لنضرب مثلا بسيطا كم هي عدد التجارب النووية التي أجريت فوق الأرض و تحت السطح القريب للأرض(200-300 متر) ،و كم هي عدد السعرات الحرارية التي أضافتها إلى درجة حرارة الأرض، وقد يجادل مختص أو غير مختص بأن الحرارة الزائدة للأرض تهرب باتجاه الفضاء بحسب قوانين ثريموديناميك(قوانين انتقال الحرارة بين الأجسام) ،ولكن هذا الجدال كان صحيحا لو إن الكرة الأرضية كانت الآن خاليا من شر الإنسان ،بمعنى إن الأرض و غيرها من الأجرام الفلكية تنطبق عليها قوانين الثريموديناميك عندما تجري فيها النشاطات الطبيعية الخاصة بتلك الأجرام، ولكن نشاط الإنسان ما عدا النشاط البيولوجي هو نشاط لا يدخل ضمن النشاط الطبيعي على الأرض،بل حتى النشاط البيولوجي للإنسان بدأ يشذ و يتطرف و يتدخل في قوانين الطبيعة وفي معظم الحالات لا يعرف بالضبط نتائج هذه الأنشطة بل وقد لا تعرف أبدا إلا عن طريق ردود أفعال الطبيعة وهي ردود أفعال كانت و ستكون غاضبة كما بدا يلامسها الإنسان هنا و هناك ، مر ما يقارب أو يزيد عن قرن يستخدم الإنسان المبيدات الحشرية ،و هناك عشرات بل مئات ألوف من الدراسات و البحوث و التجارب و الشواهد عن استخدام هذه المبيدات و أستقر الرأي على فائدتها و ضرورتها وجدواها،ولكن كل هذه الدراسات والبحوث و التجارب و الشواهد كانت و لا زالت لجوانب جزئية من الطبيعة ،بمعنى إن استخدام المبيد (ج) الذي يكافح العنكبوت التي تصيب النبات(ك) فيديم النبات ويزيد الإنتاج، ولكن ما هي النتائج الكلية لاستخدام مجموع المبيدات على كل دورة الطبيعة على الأرض و لمدة قرن فهذه النتيجة ليست معروفة ولن تكون معروفة أبدا ولو ربطت عشرات سوبر كومبيوترات و درست هذه النتائج ،لا تعرف هذه النتائج إلا عن طريق ردود أفعال الطبيعة،و هذه فقط أمثلة بسيطة و ملموسة و قريبة من الذهن، و يزعم الإنسان الآن بأنه أصبح يعرف الشيء الكثير عن الطبيعة وهناك منظمات و مراكز أبحاث و جامعات عديدة و كثيرة تدرس المناخ ،و ما يذكر و يفتخر به الإنسان في هذه الآونة هي وجود سوبر كومبيوترات متزايدة السعة و القدرة و الفعالية مختصة بدراسة المناخ،بل إن بعضا من هذه السوبر كومبيوترات صنعت خصيصا لدراسة المناخ ،و لغاية هذه الساعة هناك علماء و مختصين يتحدثون عن احتمالات اكتساب الإنسان لقدرات و تقنيات بأن يستطيع أن يتنبأ بحالة المناخ في كل الكرة الأرضية لعشر سنوات مقبلة و ليس لمدة عام أو حتى موسم أو فصل واحد،ولكن سرعان ما تفاجئهم الطبيعة ما كانوا لا يتوقعونها ،بالطبع هذا لا يدل عن عجز الإنسان أو يأسه ولكن يدل بأن عقد الصداقة بين الإنسان و الطبيعة بعيد المنال، لا بل إن هذه الصداقة التي كانت موجودة بصورة بدائية و على مبدأ قررنا أن نختلف قد أفسادها الإنسان أكثر حداثة لأنه خرق عقد الصداقة تلك ولم يلتزم ببنودها و النتيجة بعد تخريب الصداقة تأتي العداوة،فخلال العامين الماضيين حدثت ظواهر طبيعية من الأعاصير و الفيضانات و زلازل أشير على إنها استثنائية و كانت غير متوقعة من حيث المكان و الزمان و النتائج،ولا ضرورة لتكرار أشارة إلى عوامل المرتبطة بالمناخ و التي هي تؤثر على المناخ بارتفاع عن سطح الأرض مثل التبخر و حرارة البحار و الرياح و غيرها،ولكن أشارة إلى عامل أو عوامل أخرى ربما غير محسوسة ،مثلا منذ وجد دورة الطبيعة على الأرض كانت دورة المياه في الطبيعة تجري بصورتها الاعتيادية تسقط الثلوج وتهطل الأمطار ثم تنساب المياه من فوق الجبال و التلال لتنساب عبر الوديان و تكون الروافد و الأنهار لتصب في الخلجان و من ثم في البحار و المحيطات ،ولكن ما تغير الآن هو وجود المدن و التجمعات السكانية ،فمثلا ما كانت تشغلها المدن و التجمعات السكانية في بداية القرن العشرين كان لا يتعدى عشرة بالمائة ما مشغول من اليابسة ،ليس هذا فحسب بل ما أخطر من هذا هو ما يعترض جريان المياه على اليابسة هو المواد الصلبة الملوثة للبيئة ،فمياه الأمطار و الثلوج تجري وفق سياقها الطبيعي من المرتفعات(الجبال و التلال) إلى المنخفضات (الوديان و مجرى الأنهار) من الشمال باتجاه الجنوب ،ولكن ما تغير الآن وجود مليارات قطع الصلبة من النفايات تعترض سبيل جريان المياه ،ويتبين تأثير ذلك ليس في البراري بل داخل المدن و التجمعات السكانية ،فأقل كميات من المياه تندفع من شمال المدينة و معها كل أصناف النفايات الصلبة باتجاه الجنوب فتختنق المجاري ومعها تغرق المدينة ،ما يفسر ما حدث في السنوات القليلة الماضية تكرار حوادث إغراق مدن كثيرة في مختلف دول العالم،و ربما هذا السيناريو هو لوصف كميات عادية من المياه الآتية من الأمطار،ولكن في الحقيقة فأن كميات المياه الآتية من ذوبان الثلوج و هطول الأمطار بسب طاهرة الاحترار هي كميات غير اعتيادية، و لتمثيل السيناريو و تقريبه إلى الذهن ،تأتي إعصار(ع) بسرعة 100-200 كم- ساعة ثم تمطر أمطار شديدة الغزارة لتجري المياه بسرعة مذهلة فتندفع معها ألاف القطع الصلبة فسرعان ما تنسد جميع المجاري بل حتى ما هو غير مجاري من منافذ ربما لو لا هذه الملوثات الصلبة كانت المياه تشق لها المجرى لتجري ،وهكذا نجد إن الإنسان بكل تطوره هذا الذي نعيش فصوله ،ربما عاد مرة أخرى ليخشى من الطبيعة كما كان في البداية،ولكن ربما أقل الطرق خطورة هو عليه أن يعقد صداقة مع الطبيعة ولو كانت صداقة مصلحة لا حيلة غير ذلك.
#محمود_حسن_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل بدأت القوى الكبرى فرهود القطبين الشمالي و الجنوبي
-
ما هي مشاريع الخيال العلمي ؟ و كيف تكتب
-
تدمير بابل في القرن الواحد و العشرين
-
تنفيذ تقرير بيكر بخطة بوش معالجة الفشل بخطة فاشلة
-
اقتراح علم العراق الجديد
المزيد.....
-
بالعد التنازلي.. أبرز 10 ظواهر جوية شهدها العالم في 2024
-
روسيا ترحب بتصريح الأمين العام الجديد لمنظمة الأمن والتعاون
...
-
الأمن الروسي: إحباط سلسلة محاولات لاغتيال عسكريين روس رفيعي
...
-
هل أصبحت -غرف الغضب- في كينيا الحل الأمثل لتخفيف التوتر النف
...
-
القرويين: قصة جامعة عربية هي الأقدم في العالم
-
أي علاقة لهجوم 7 أكتوبر بسقوط نظام الأسد؟
-
غزة: ارتفاع عدد قتلى الصحفيين إلى 201 منذ بدء الحرب على القط
...
-
دبلوماسي أمريكي سابق يتحدث عن استراتيجية الغرب حول أوكرانيا
...
-
وفاة 3 أطفال في غزة بعدما تجمدوا من البرد
-
الجزائر.. عفو رئاسي يشمل نحو 2.5 ألف محكوم وسجين
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|