كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2035 - 2007 / 9 / 11 - 11:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
استضاف والدي صيف 1968 رجل دين من قرية أخرى يوصف في قريتنا بأنه علامة في الدين ’ والدي - رحمه الله - يحترم من هم أكثر اطلاعا منه في أمور الدين ولو كانوا اصغر سنا منه بكثير, مع انه لايقبل رأيهم ببساطه , فهو يفسر الدين على هواه , وداخل البيت ديكتاتور بكل ما في الكلمة المعنى لا يأخذ برأي غير رأيه, لكنني كنت حتى ذلك التاريخ مقرب إلى قلبه لأنني أصوم واصلي ولا أشهر الحادي كما يفعل الكثير من أترابي في القرية .
قدمني والدي للشيخ قائلا : هذا صغيري ياسيدي في بداية حياته الجامعية , أريده ان يتتلمذ على يديك , وأتمنى ان يبدأ ذلك منذ اليوم بامتحان عقله وإعلامي بالنتيجة , بدأ الشيخ بالحديث عن البلاغة في القرآن واعجاز آياته , وامتد إلى الشعر والتاريخ ,كنت حذرا معه في الحديث , خوفا من ان يكون على شاكلة والدي , لكن تبين لي بالملوس انه من طينة أخرى وهو على استعداد للاصغاء لآرائي ولو كانت لاتروق له , اطمأنيت له اخيرا وبحت بكل مافي ذهني من تساؤلات تقلقني حول الدين
- ياشيخي عقلي يقول لي ان البحر لايمكن ان يشق إلى نصفين بضربة عصا ؟
- ياشيخي العلم يقول ان من المستحيل على دابة ان تطير حاملة صاحبها في السماء
هناك تناقض بين الدين والعلم ياشيخي يظهر في التفسير الديني والتفسير التاريخي لما يعرف عند المسلمين بواقعة عام الفيل.
التفسير الديني كما ورد في القران الكريم يقول :
الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ’ الم يجعل كيدهم في تضليل ,وأرسل عليهم طيرا أبابيل , ترميهم بحجارة من سجيل , فجعلهم كعصف مأكول,
اما التفسير التاريخي فيقول بان سبب انكسار الحملة على الكعبة بقيادة ابرهة الأشرم هو تفشي وباء الجدري بين جنوده الذي اجبره على الرجوع إلى اليمن .
عقلي ببساطة ياشيخي مع التفسير التاريخي !!
كنت اتوقع ان تبدأ جولة جديدة من الحوار بيني وبين الشيخ , ولكن جوابه كان حاسما وهادئا وقصيرا , وبكلمات معدودة . يابني الدين فوق دائرة العقل , كلام الله لايناقش ولا يشك به , الشك يتناقض مع الايمان , والإيمان يقوم على التسليم بما هو موحى بكتب الله .
###########
في نهاية حياتي الجامعية حسمت ترددي وانحزت كليا للعلم وهو ما قادني سياسيا إلى الشيوعية , وبها اصبحت قناعتي الراسخة كما يلي :
ان العلم والدين خطان متوازيان لايلتقيان
العلم يفسر ظواهر الكون والمجتمع والطبيعة بناء على قوانين , وما لم يستطع تفسيره من هذه الظواهر يعزى إلى نقص في تطور العلم والمعرفة عند الانسان , لابل ان كثيرا من التفاسير القديمة يمكن ان تلغى مع تطور العلم وتحل محلها تفاسير جديدة
اما الدين فهو يفسر ظواهر الكون والمجتمع والطبيعة كما هو موحى به في كلام الله داخل كتبه السماوية وهو ثابت لايقبل أي تغيير او تبديل .
................................................................................................................
تشاء الصدف ان اعتقل في ذروة أزمة الثمانينات بين السلطة والحركة الدينية في سوريا , وان اعيش السنوات الثلاث الأولى في فرع تحقيق كان يمر عليه يوميا مئات الموقوفين الاسلامييين , وقد تعرفت على مدارسهم واتجاهاتهم الدينية والسياسية , وقد ميزت بينهم عدة تيارات
- تيار متشدد , الحاكمية عنده لله تعالى وحده , ودورهم تطبيق الشريعة كما وردت في الوحي الاسلامي , هؤلاء لايجاملون على حساب اوامر دينهم كما يقولون’ وفي دولتهم الاسلامية القادمة أول عمل سيقومون به هو تنظيفها من الكافرين او الذين هم بحكم المرتدين عن الدين امثالي ونبيهم يقول : من بدل دينه فاقتلوه , منهجهم هو منهج شيخي المذكور سابقا – الدين فوق دائرة العقل – والايمان جوهره التسليم باوامر الله تعالى .
- تيار يعنيه من الدين الاسلامي علاقته الفردية بينه وبين ربه , وهو وحده حر بترجمتها في سلوكه الشخصي , ولايريد ان يفسد إيمانه بالسياسة .
- تيار يرى ان الدين الاسلامي دين العقل وهناك الكثير من الآيات والأحاديث التي تحض على استعمال العقل على أرضية مرجعيتهم الاسلامية التي تعني استعمال العقل في مراقبة مشاهد الكون وظاهراته العظيمة المحسوسة من اجل دعم العقائد الايمانية التي يدعو اليها الاسلام كعقائد متلقاة بوساطة الوحي الالهي .
والخلاصة التي انتهيت اليها من تجربتي معهم ان العقلانيين الاسلاميين لايرفضون امثالي في المجتمع ولا يدعون إلى قتله .
لم اكن وحدي على ما اعتقد من ينظر إلى الدين والعلم كخطين متوازيين لايلتقيان . كانت حركة التحرر العربية كلها تقف على تلك الأرضية – شيوعيين وناصريين وبعثيين وقوميين واشتراكيين – كنا نعول على تحويل المجتمع من أعلى إلى أسفل , وهذا التحويل الاقتصادي الاجتماعي سيعكس نفسه في ميدان الدين بالنهاية , سقطت تلك الرؤيا في بلد المنشأ الرسمي , وانهار المعسكر الاشتراكي برمته وجاءت تجربة الاسلاميين في تركيا العلمانية لتؤكد من جديد , ان طريق فرض التحولات الاجتماعية على المجتمع من اعلى وبالقوة مصيره الفشل بالنهاية .
قناعتي الجديدة ان الدين ظاهرة اجتماعية لايزال تأثيرها أساسي على مجمل التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلدان ذات الحضارة العربية الاسلامية – الدين في التاريخ والمجتمع وليس فوقهما – وإذا أردنا كعقلانيين من خارج الدين ان نستوعب دروس المرحلة الماضية فعلينا ان نعترف بان تركنا العقلانيين الاسلاميين وحدهم في الميدان , أوصلنا إلى الوضع الحالي الذي يتحكم فيه التيار السلفي , ويجعل اكثر من 90 % من مسلمينا يقفون وراءهم ويطالبون بتطبيق الحد على المرتدين وكأنهم لم يسمعوا بالآيات والأحديث التي تنص صراحة – لااكراه في الدين – مثل قوله تعالى – لست عليهم بمسيطر – وقوله ايضا – وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر-
بهذأ المعنى فان طريق تقدم مجتمعنا العربي يمر لامحالة عبر الاصلاح الديني , وبوابته على ما اعتقد ليست استعمال العقل فقط ’ بل الأهم منها هو حرية المرء في الاستعمال العام لهذا العقل- لاحدود على ذلك الا عندما يلجا طرف الى فرض ما يمليه عليه عقله بالقوة في المجتمع .
ان بوابة الاصلاح الديني هو التفاهم بين العقلانيين ذات المرجعية المادية مع العقلانيين ذات المرجعية الاسلامية على أسس واضحة قاعدتها احترام كل منهما للطرف الأخر. ,( ان احترام الرأي والراي الآخر يصلح لأن يكون مقياسا للحضارة والرقي بالمعنى الفردي والجماعي )
على العقلانيين الماديين أمثالي الاعتراف بدور الدين في بلادي واحترام مشاعر الدينين وعاداتهم وتقاليدهم وعدم السخرية او الاستهزاء بها .
اما العقلانيين الاسلاميين فعليهم ان يقلعوا عن دعايتهم البراغماتية بين جماهيرهم الدينية التي تدعو إلى مجتمع الربوبية وتصور كل من ينكر وجود الله وكأنه شاذ لاقيم ولا أخلاق لديه ولايحلل ولا يحرم ’ المطلوب منهم مصارحة جماهيرهم بان هناك اناسا آخرين مرجعيتهم مادية بحتة , اما إنكارهم لوجود الله , فذلك من حق الله وحده محاسبتهم عليه في الاخرة , يهمنا هنا كإسلاميين سلوكهم في الدنيا هل هو حسن ام قبح وعليه تتحدد علاقتنا بهم .
أردت لهذه الهواجس ان تكون مقدمة للقسم الثاني من مقالاتي حول الاصلاح الديني وضرورته الحالية في بلادي ’ وهي ضرورية للقراء الذين يتبعونني ويطلبون مني المزيد
ولكن قبل الدخول في صلب الموضوع أريد ان اعتذر من أي إسلامي يشعر بأنني قد آذيت او تطاولت على مقدساته , والحقيقة ان الالتباس سيحصل لا محالة , وذلك لأن المقالات القادمة تتناول تاريخنا العربي الإسلامي بالنقد على أرضية علمية تاريخية .
أحب ان اكرر هنا إنني انظر إلى الرسول العربي الكريم كمناضل كبير في التاريخ عمل بكل قواه من اجل العرب اولا والعالم ثانيا , ولكنني من جهة أخرى انظر اليه كشخص أكل وشرب وتحرك في زمان ومكان محددين’ باختصار انظر إلى تاريخنا نظرة علمية موضوعية لامكان فيها للتقديس وهنا تكمن المشكلة مع الاسلاميين .
كامل عباس – اللاذقية
#كامل_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟