|
اللهمَّ اهدنا إلى إسلام الأتراك السياسي
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 2033 - 2007 / 9 / 9 - 10:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا أحد ينكر بأن الشأن التركي عامة هو شغل العرب الشاغل. فلا غرو إذن أن ينشغل العرب بالنجاح الكبير الذي حققه "حزب العدالة والتنمية" مؤخراً. وكما قال عمر قدور، فإنا سنرى نسبة ساحقة من التعاطف مع "حزب العدالة والتنمية"، رغم اختلاف المنابر الإعلامية، واختلاف مشاربها، وغاياتها. وبدا "حزب العدالة والتنمية" في منظور الإسلامويين عامة، وكأنه ينتقم للعرب من أتاتوركية بغيضة لهم، هذا من الناحية القومية. أما من الناحية الدينية فالأمر أكثر وضوحاً ومنطقية، إذ يتوسل الإسلامويون في العالم العربي عودة تركيا إلى هويتها الإسلامية. ظاهرة سياسية جديرة بالدرس العربي نجاح حزب إسلامي/علماني في بلد إسلامي علماني حداثي، في دورتين انتخابيتين نزيهتين كحزب "العدالة والتنمية" التركي، وكذلك نجاح واحد من قادته كعبد الله غول في انتخابات رئاسة الجمهورية، واعتبار زوجته المحجبة "خير النساء" سيدة تركيا الأولى، يعتبر ظاهرة سياسية وثقافية كبيرة ليس للأتراك فحسب، ولكن لنا نحن العرب، ومدعاة لدراسة هذه الحالة الإسلامية التركية ومحاولة من قبلنا، والاستفادة منها، للخروج من هذا التخبط الديني المذهبي والطائفي، الذي نحن فيه الآن، والذي نحترق بناره، ونتعذب بآثاره. لكن هذا كله، يتم بمراقبة الجيش وكبار ضباطه، كحرّاس على الواقعية العلمانية في تركيا، حيث ينصُّ ميثاق الجيش التركي على أنه حامي حمى دولة تركيا العلمانية. ولذا قام الجيش (الوصي على تركة أتاتورك) على مدى الأربعين عاماً الماضية بثلاثة انقلابات أطاحت بحكومات مدنية، يُشكُّ في علمانيتها. والمؤسسة العسكرية تؤكد دائماً استمرار تمترسها خلف العلمانية في مواجهة أحزاب المعارضة، لا سيما الأحزاب الدينية، وإن كانت تلك الأحزاب قد اضطرت لتغيير برامجها لأغراض يقال إنها تكتيكية. الإسلاميون الجُدد لنتأمل تاريخ هذا الحزب.. "حزب العدالة والتنمية"، ولماذا سُمّي بهذا الاسم ولم يطلق عليه حزب "العدالة الإسلامية" مثلاً، أو حزب "التنمية الإسلامية" مثلاً، أو لم تُلحق كلمة "الإسلامية" في آخر اسمه الحالي كأن يقال مثلاً: "حزب العدالة والتنمية الإسلامية".. الخ؟ دون أي إسراف في التاريخ، نقول إن "حزب العدالة والتنمية" تمَّ تشكيله من قبل النواب المنشقين من "حزب الفضيلة الإسلامي" الذي تم حلّه بقرار صدر من محكمة الدستور التركية في 2001، وكانوا يمثلون جناح المجددين في "حزب الفضيلة". وانتخب رجب طيب آردوغان عمدة إسطنبول السابق، وأحد البارزين في الحركة السياسية الإسلامية في تركيا أول زعيم للحزب. ويعتبر "حزب العدالة والتنمية" الحزب 193 ضمن الأحزاب السياسية التي دخلت الحياة السياسية التركية. وقد استطاع هذا الحزب بذكاء معرفي وسياسي شديد، أن يتجنب أخطاء الأحزاب الدينية التركية السابقة، وكذلك أخطاء و "مطبات" الأحزاب الدينية السياسية العربية. وأن يتفادى سخط المؤسسة العسكرية الحامية للعلمانية رغم مخاوفها منه، ويُرضي الشارع الديني التركي بقطعة قماش، هي حجاب زوجة الرئيس عبد الله غول. الديمقراطية هي الحل يُشكِّل هذا "حزب العدالة والتنمية" الاعتدال الإسلامي السياسي الواقعي التركي المقبول من الغرب والمجتمع الدولي. والاعتدال الذي نعنيه هنا، أن هذا الحزب رغم أنه يستخدم في أدبياته السياسية مفردات القاموس السياسي الإسلامي ولكنه لا تطبيقها على الواقع التركي المعاش. والغاية من استخدام هذه المفردات تشغيل الماكينة الانتخابية بعناية لجذب أكبر عدد من المناصرين والمؤيدين للحزب في الانتخابات. إلا أن هذا الحزب لم يقع في "المطبِّ" الذي وقع فيه الإخوان المسلمون، وحركة حماس، وحزب التحرير الإسلامي، وحزب "النهضة" التونسي، وغيرها من الأحزاب السياسية الدينية، نتيجة لرفعهم شعارات سياسية دينية رومانسية، لا دلالات واقعية لها، ولا تفيد غير تنويم الشعوب في العسل، وتخديرهم، وكسب معارك انتخابية زائفة، ومنها: 1- عدم رفع شعار رومانسي فارغ من المضمون السياسي كالشعار الذي اخترعه الإخوان المسلمون: "الإسلام هو الحل"، وكما تفعل معظم الأحزاب السياسية الدينية العربية السابقة، إضافة إلى "حزب العدالة والتنمية" المغربي الذي يتمسَّح بـ "حزب العدالة والتنمية" ويقلده تقليداً قردوياً. ولكن "حزب العدالة والتنمية" الأصلي التركي، تبنى بدلاً عن ذلك شعاراً واقعياً حداثياً هو: "الديمقراطية هي الحل". 2- لا يرفع "حزب العدالة والتنمية" أي شعار ديني تقليدي غامض، ومُبهم، ومستورد من قرون طويلة فاتت، وانقضت. فهو أقرب إلى العلمانية الأتاتوركية منه إلى فكر الإخوان المسلمين، وخاصة فكر سيد قطب التدميري العدمي. ورغم هذا، فإن كبار ضباط الجيش التركي رفضوا انتخاب عبد الله غول رئيساً جديداً للجمهورية التركية، كما رفضوا مصافحته في حفل التنصيب، نتيجة لاشتمامهم رائحة كريهة، تزكم أنف الزعيم كمال أتاتورك في قبره. كما أن "حزب الشعب الجمهوري" العلماني الصرف، غير راضٍ عن علمانية "حزب العدالة والتنمية" الثعالبية هذه، كما قال محمد آلتان الأب الروحي لـ "حزب الشعب الجمهوري". 3- يرفع "حزب العدالة والتنمية" شعار الحريات الدينية والفكرية والثقافية، والانفتاح على العالم. ويبني سياسته على التسامح والحوار. ولا يُقسِّم العالم إلى "دار حرب" و"دار سلام". ولا يسعى إلى الولاء من المسلمين فقط، والبراء من دون المسلمين. ولا يقف فقهاؤه على منابر المساجد، يدعون بالخسران والكفران على من هم من دون المسلمين، كما يفعل مسلمو العرب، وفقاؤهم، وزعماء الأحزاب الدينية السياسية. 4- لا يضمر هذا الحزب عداءً للغرب، ولا يسعى إلى تكفيره، كما تفعل باقي الأحزاب السياسية الدينية العربية. بل إن "حزب العدالة والتنمية"، ينادي بضرورة تطبيق الإصلاحات الهادفة إلى تلبية معايير الاتحاد الأوروبي. وتأييد إقرار الاتحاد الجمركي، ومسيرة عضوية "الاتحاد الأوروبي" التي من شأنها – فيما لو تحققت - التقليل من سيطرة العسكرتاريا التركية على الحياة السياسية التركية. وكل هذا من أجل تحقيق حلم تركيا بالانضمام إلى "الاتحاد الأوروبي" بكافة الوسائل، ملبياً شروط "الاتحاد الأوروبي" التي تخالف في بعض جوانبها الشرع الإسلامي التقليدي، وتُغضب معظم الإسلامويين العرب، وهنا تكمن تلافيف العلمانية الحقيقية، في نسيج "حزب العدالة والتنمية" السياسي. كما تكمن حقيقة الإسلام السياسي التركي، الذي نحن العرب بأمس الحاجة إلى فهمه وهضمه وتطبيقه، بدلاً من هذا التيه والضياع، الذي نحن فيه الآن. وللحديث صلة.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كوارث الديكتاتوريات العسكرية على العالم العربي
-
دور العسكرتاريا في فشل دولة الإستقلال الوطني
-
ضرورة ابتعاث رجال الدين إلى الغرب
-
معركة سوريا وأمريكا في -نهر البارد-!
-
بيان مساندة الكرد السوريين يقضُّ مضاجع الديكتاتورية
-
لماذا أصبح رجال الدين الآن قادة الرُكبان؟
-
البيان العالمي لمساندة الشعب الكُردي السوري
-
التجارة الرابحة بالدين
-
حملة -الأنفال- السورية
-
المصالحة السياسية العربية
-
صمت الحجارة وخيانة المثقفين
-
إلى أمير المؤمنين خالد مشعل ووالي غزة اسماعيل هنية
-
دعوهم يحكمون لينكشف زيفهم
-
طالبان في غزستان!
-
القتلُ أساسُ المُلكْ
-
الليبراليون الجُدد في الثقافة الايطالية
-
ما الحكمة من المحكمة؟
-
غابت العدالة العربية فحضرت الدولية
-
الأقباط بين مطرقة الكنيسة وسندان المسجد!
-
الوباء الفلسطيني!
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|