مقاطعة نشيطة للانتخابات في مدينة ايفني بالمغرب: المقاطعة تعني نصب المتاريس لا توزيع البيانات الباردة

المناضل-ة

الحوار المتمدن-العدد: 2033 - 2007 / 9 / 9 - 11:02
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

تشهد مدينة افني ايت باعمران دورة نموذجية من نضال ذي طابع شعبي كفاحي مستمر ومديد منذ مسيرة 22 ماي 2005 . انها دورة نضال مؤشرة على طاقة كفاح شعبي قلما عرفته منطقة من مناطق المغرب من حيث الاستمرارية الزمنية وسيادة الاشكال الكفاحية وطابعها المنظم . سيرورة نضال مديدة كان الشارع فيها خير معلم لدروس التحول المنظم والمنهجي والمتدرج لوعي الجماهير وقياداتها الحقيقية من المطالب الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية نحو نصف خطوة من الادراك السياسي لضرورة التغيير الجدري الشامل ، عبرت عنه الحالة الجماهيرية للمقاطعة النشيطة للانتخابات البرلمانية .

افني : لا فرق بين الاستعمار الاسباني والاستقلال المغشوش

بعد حوالي 40 سنة من خروج الاستعمار الاسباني من ايت باعمران لم تقدم الدولة المغربية لجماهير المدينة أي سياسة تنموية حقيقية تحس من خلالها بثمار الاستقلال عن الاستعمار الاسباني . فسياسة الدولة طيلة هذه العقود موجهة حصرا لخدمة مصالح اقلية من البورجوازية الطفيلية تغتني عبر نهب المال العام والسطو على اراضي الفلاحين الفقراء وتجارة السوق السوداء ، اضافة الى حفنة من ملاكي الجيابات الكبيرة ومراكب الصيد السياحلي بارتباط مع بورجوازيي صناعة التصبير وشتى انواع الوسطاء والطفيليين . انها ادن سياسة تسمين نخب محلية لا هم لها سوى اقتناص فرص الاغتناء والنهب عبر تسويغ المؤسسات المنتخبة وغير المنتخبة لصالحها . وانضافت لهده المؤسسات جمعيات القروض الصغيرة وشبكة من الجمعيات التنموية لتخدم نفس اهداف هده النخب المرتشية تظهر من خلالها بوجه من يريد تنمية المنطقة عبر مشاريع صغيرة في القرى لن تغير من واقع البؤس والفقر المدقع لهؤلاء القرويين أي شيء . ولن يكون سوى وسيلة لتدجين الطاقات الشابة عبر تدويخها بجدوى الاستفادة من حسنات "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية " وصدقات المنظمات غير الحكومية ، عوض النضال لاجل تنمية حقيقية تلبي مطالب الكادحين عبر وسائل الكفاح الجماعي المباشر .

اغلبية كادحي المدينة تعاني اقسى ظروف الفقر والحرمان ، قلة منها تعمل في شروط استعباد القرون الوسطى بقطاع الصيد الساحلي او التقليدي وفلة اخرى في الاعمال الحرفية والتجارية الصغيرة وفي ظروف بالغة الهشاشة . اما ما تبقى من اغلبية متعاظمة فهي تعاني ويلات البطالة . انها حالة بطالة جماهيرية شبه شاملة بالمدينة جعلت الهروب الى "جنة الاتحاد الاوربي " عبر قوارب الموت الحلم الوحيد للافلات من واقع البؤس الشامل .

ميلاد المقاومة الشعبية : حوالي 3 سنوات من الكفاح المستمر شبه اليومي

كان تشكيل السكرتارية المحلية للنضال من اجل المطالب الاقتصادية والاجتماعية لافني ايت باعمران من اطارات سياسية ونقابية وجمعوية سنة 2005 وتنظيم اول مسيرة شعبية حاشدة في 22 ماي مرورا بانتفاضة 07 غشت 2005 التي هزمت فيها ارادة الجماهير المنظمة آلة القمع المخزني ، فالاضراب العام في 30 يونيو 2006 و 30 يونيو 2007 ، مؤشرات على دورة جديدة من كفاح ايت باعمران . صرخت جماهير الكادحين من عمال ونساء وشباب وشيوخ واطفال بان حقبة التماس تحسين الاوضاع ممن يشرف على تفقيرهم مضت بلا رجعة ، ليبينوا للجميع ان ىثروات البلاد قمينة بتحسين اوضاع بؤسهم شريطة اعادة نظر جذرية في توزيعها ، وبان حلم الهروب نحو قوارب الموت لن يغير من واقع بؤسهم أي شيء . وادركو اخيرا ان دولة لا تقدم لهم تنمية اقتصادية حقيقية وخدمات اجتماعية عمومية ومجانية وشغلا يحفظ كرامتهم ، دولة لا تستحق الاحترام بل يجب تدمير مؤسساتها .

طرحت النخبة المناضلة في اطار السكرتارية المحلي 5 مطالب محلية اساسية باجماع جماهيري يعبر عن مست وى وعيها :

1 - احداث عمالة بمنطقة افني / ايت باعمران والحاقها بالجهة الجنوبية .

2 – تشغيل العاطلين

3 – اتمام اشغال ميناء المدينة

4 – اتام اشغال الطريق الساحلي افني – طانطان

5 - جودة الخدمات الصحية ومجانيتها

ولاجل تحقيق هذه المطالب خاضت الجماهير مسلسلا نضاليا مستمرا قارب الثلاث سنوات سواء عبر الاشكال النضالية التي اطرتها السكرتارية المحلية او عبر النضالات الخاصة بحملة الشهادات المعطلين او عبر نضالات المجموعة المحلية لاطاك المغرب التي اضافت ملف الحقوق التاريخية المرتبطة بمرحلة الاستعمار الاسباني .

منذ 2005 اذن تحولت افني بشكل استثنائي نحو حالة نضال شمولي حيث الجماهير في الشارع هي سيدة الموقف ، اذ ادركت اجهزة الدولة ان اسلوب القمع المباشر لن يقضي على هذه الحركة مهما كانت ضراوته . لكنها بالمقابل استنكفت عن اي استجابة فعلية للمطالب الخمس مراهنة من جهة على الوعود الزائفة في الحوارات المغشوشة ومن جهة اخرى على العامل الزمني لاحباط الحركة وانهياره مستحضرة غياب التضامن وعدم شمولية الحالة النضالية لمنالطق اخرى من المغرب .

تحول جزئي .. لكنه نوعي

في يونيو 2007 اصدرت السكرتارية المحلية نداء يحث المواطنين على مقاطعة انتخابات شتنبر 2007 بمبرر عدم استجابة الدولة للمطالب الخمس . نزل القرار كالصاعقة على فروع الاحزاب المشاركة في السكرتارية فقررت الانسحاب منها . كان هذا القرار معبرا عن الهوية السياسية لهذه الاحزاب حيث انها انسحبت سابقا ابان انتفاضة 7 غشت 2005 عملا بقاعدتها ودورها الاساسي . لا ترى هذه الاحزاب اي دور لها سوى الرهان على قيادة النضال الجماهيري لافراغه من اي محتوى كفاحي . فحين تكون اشكال النضال لا تتجاوز سقف البيانات التنديدية والمهرجانات الكلامية فلا ضير من التواجد لاستثمار الحركة في مساومات سياسية مع النظام . لكن حين يتعلق الامر بالكفاح الجماهيري المباشر في الشارع مرفوقا بالاضرابات العامة المحلية ، فهي تدرك جيدا انها امام خيار التحرر الذاتي للجماهير وقيادة نضالاتها باستقلالية ستتجاوز سقف الملتمسات البرلمانية وتتجاوز حتى سقف المطالب الاقتصادية والاجتماعية لتضع سلطة الدولة محط تساؤل . هذا ما ادركه حزبا الاستقلال والعدالة والتنمية فانسحبا منذ البداية من السكرتارية ثم تبعهم الاتحاد الاشتراكي والحزب الاشتراكي الموحد .

هذه الاحزاب التي تقود بعضها مافيات محلية ، وبعضها الاخر نخب اصلاحية ملكية تراهن على وهم التغيير من داخل المؤسسات ، لا تستطيع التضحية بمصالحها في الانتخابات ، فكان موقف السكرتارية بالمقاطعة سيفا فاصلا بين خيارين لتغيير اوضاع الجماهير : اما البلاهة البرلمانية ، او النضال في الشارع لفرض حقيقي للمطالب .

المقاطعة : أهي تعبير عن مزاج جماهيري ؟

كغيرهم من كادحي كل ربوع العالم ، لا يمكن ان يدرك كادحو افني ايت باعمران حقيقة "مسلسل الديموقراطية الملكية " و البلاهة البرلمانية من خلال الكتب ودروس تاريخ الحركة العمالية العالمية . لقد تطور وعيهم وفق قانون التطور المتقطع واللامتكافئ للوعي فحين طرحوا مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية عبر الاحتجاج المباشر في الشارع عرفوا حقيقة الدولة البرجوازية التي اصطفت الى جانب المافيات الذين تعبر عنها ، فلم تقدم لهم سوى ترسانة من الهراوات والقنابل المسيلة للدموع ، وحين راهنو على اساليب الحوار مع ممثلي السلطات المحلية (الباشوية-عمالة تزنيت-والي جهة سوس ماسة درعة) ادركوا ان الدولة لا تقدم لهم سوى وعودا زائفة انتظروا طويلا دون تحقيقها . وفي غشت من هذه السنة استكملوا دورة الرهان على حل ياتي من داخل مؤسسات الدولة عبر التماس تدخل اعلى الهرم وهو الملك لكن نفس الاسلوب ونفس الجواب الصادم كان مصيرهم حيث كان الجواب : "انتظروا الى ما بعد الانتخابات وسوف نعيد الاتصال بكم لاحقا" .

لقد خانتهم الدولة التي راهنوا عليها في حل مشاكلهم . ثم ادركوا حقيقة الاحزاب ومافياتهم البرلمانية المحلية ومن خلالها ادركوا ان 30 سنة من عمر "المسلسل الديموقراطي " ماثلة امامهم : مع كل محطة انتخابية ياتونهم بشعارات براقة حول تحسين شروط عيشهم ، ونفس السمفونية تتكرر في المحطات الانتخابية الموالية . حينها ادركوا بان من يقول انه قادر على حل مشاكل كادحي المغرب عبر البرلمان كذاب ومشعود . ادركوا بان البرلمان وغيره من مؤسسات الديموقراطية المزيفة يقوم على دستور لم يضعه ممثلو السعب الحقيقيين وبان السلطة الحقيقية ليست بيد الشعب وبان الاحزاب لا دور لها سوى التناوب على تقديم الموظفين لتنفيذ سياسة الملك باسماء وتنويعات مختلفة لكنها موحدة في كونها نمطا وحيدا منم احزاب برجوازية تخدم النظام الاستبدادي الفردي .

انها سيرورة واقعية لتشكل الوعي وتطوره من نضال طبقي ابتدائي نحو نضال سياسي مستقل ، لكنه يصطدم بعقبتين رئيسيتين :

اولاهما : ضعف الحركة الجماهيرية وطابعها المحلي وغياب التضامن واستمرار قيادة ليبرالية بالحركة العمالية خصوصا .

ثانيهما : غياب حزب طبقي مستقل يستطيع حفز المبادرة ويوسعها نحو المناطق الاخرى ليوحد الحركة الاجتماعية والعمالية نحو التغيير الشامل باتجاه مجتمع ديموقراطي اشتراكي بديل .

المقاطعة .. انفتاح سيرورة

منذ اصدارها لقرار مقاطعة الانتخابات في يونيو 2007 ظلت السكرتارية المحلية شبه مشلولة ، لكنها عاودت نشاطها في اواسط غشت عبر اجتماعات متتالية للاعداد ثم تعبئة شعبية متواصلة توجت بتنظيم مسيرة حاشدة مساء الخميس 30 غشت لتجسد الالتفاف الشعبي حول موقف المقاطعة . ردت السلطات باستفزاز المناضلين عبر استدعاء 12 مناضلا للتحقيق معهم في الكوميسارية المحلية في حالة سراح . هذا الاستفزاز كان له رد فعل عكسي حيث ساهم في التفاف الجماهير من جديد حول مناضلي السكرتارية ، مقابل ذلك تجوب فرق التعبئة شوارع المدينة والدواوير المجاورة لتوزيع المناشير وتنظيم حلقات نقاش جماهيرية لتوضيح موقف المقاطعة ، في حين يعرف حي بولعلام الذي كان مسرح مواجهات 07 غشت حالة اعتصامات ووقفات احتجاجية متقطعة . وسيتم تتويج هذا العمل التعبوي بمسيرة جماهيرية اخرى مساء يوم الخميس 06 غشت 2007 .

ان جماهير افني وقياداتها الميدانية تعطي بهذه الاشكال دروسا بليغة حول الموقف الملموس من الانتخابات وحول سبل تطوير النضال الجماهيري عبر الربط الميداني للموقف بالممارسة وعبر تطوير وعي الجماهير من النضال الاقتصادي الاجتماعي نحو وعي سياسي جزئي عبر الممارسة الملموسة وليس بعمليات اسقاطية .

ففي حين يكتفي الحزب اليساري الذي اعلن المقاطعة (النهج الديموقراطي) باصدار بيان وتوزيعه على المواطنين مشوها موقف المقاطعة التي لا تكون الا نشيطة بمعنى الرهان على تدمير المؤسسات التمثيلية للديموقراطية البرجوازية في حالة تطور نضال عمالي جماهيري واسع وسريع ، اصبحت المقاطعة لديهم مجرد توزيع بيان واعلان موقف متبرم من المؤسسات البرلمانية .

ليست حالة مقاطعة الانتخابات بافني ايت باعمران مقاطعة سياسية لمؤسسات البرلمانية البرجوازية ، بسبب عدم شمولية الحالة لاغلب مناطق المغرب ، وايضا لا يقودها حزب اشتراكي ثوري منغرس . ولكن لكونها مقاطعة تربط الاستجابة للمطالب الاقتصادية بالمشاركة في الانتخابات والعكس بالعكس ، فهي كممارسة جزئية للمقاطعة النشيطة ، وفي ظل سيادة مزاج جماهيري يؤمن بان نضال الشارع وحده سيحقق المكاسب وبان نواب البرلمان مهما اجتهدوا لن يحققوا شيئا ، ستقدم درسا للحركة الاجتماعية بالمغرب حول استعمال المحطات الانتخابية وسيلة للضغط على الدولة لتحقيق المكاسب ، وفرصة للنقاش حول القضايا السياسية التي تهم الكادحين للرفع من وعيهم ، ودرسا كذلك لليساريين الجذريين لفهم الاشكال الملموسة للمقاطعة النشيطة للانتخابات حين تتوفر شروطها .

ان حالة مقاطعة الانتخابات بافني من حيث تشخيصها الملموس لا تعني الرهان على الافشال الحقيقي للعملية الانتخابية . يكمن السبب في استغلال مافيا الانتخابات لواقع الفقر لشراء الدمم واستثمار المعطيات العائلية والقبلية خاصة في القرى المجاورة حيث تتواجد نسبة مهمة من الكتلة الانتخابية . اضف الى ذلك شساعة الدائرة الانتخابية (تزنيت-تافراوت-ايت الرخا-إمجاض-الاخصاص-ايت جرار-انزي ...) ولكن الاضافة النوعية لهاذه المقاطعة تكمن في قدرتها على تطوير وعي الجماهير والدفع قدما بحركتها النضالية .

أي دور لانصار التغيير الشامل ؟

يكمن دور مناضلي ومناضلات اليسار الراديكالي المنطلقين من ان تحرر الكادحين من صنع العمال انفسهم ، في التدخل المباشر لتنظيم الاستياء والتمرد لجعله واعيا ومنظما . ان التنفيذ الملموس لهذا التدخل يكمن فيما يلي :

التعريف بالحالة النضالية النموذجية في افني ايت باعمران وشرح دروسها لمناضلي الحركة العمالية والاجتماعية بالمناطق الاخرى للمغرب .

التعريف بالشكل الحقيقي للمقاطعة النشيطة للمؤسسات البرلمانية البرجوازية في حالة تقدم النضال الجماهيري الطبقي وتقدم وعي الجماهير بشكل يسمح بالقدرة على الحؤول دون قيام مؤسساتها التمثيلية .

العمل على توسيع الحركة الاحتجاجية لتشمل باقي مناطق المغرب على طريق بوعرفة وجبل عوام ... وخاصة في المدن الكبرى .

تجاوز التضامن الاعلامي نحو التضامن الملموس عبر التفكير في قافلة وطنية للتضامن مع جماهير افني ايت باعمران .

ن-ع
عن موقع المناضل-ة

#المناضل-ة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات