|
مدينة بلا حب
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2033 - 2007 / 9 / 9 - 10:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عيشة لا حب فيها جدول لا ماء فيه.
هذه أنغام أغنية من أغنيات صباح فخري التي نستمع لها ونحن خاشعون لكل حرف ولكل ضربة إيقاع بها , أما الكاتب الروائي فقد كتب في رواية :الدنيا بغير غرام , من أن أهل المدينة قد إشتكوا من لوعة الغرام والحب وجراحه ومشاكله النفسية والعاطفية حتى أنهم قد قرروا في النهاية إختراع مصل ينسي الناس جين الحب والغرام .
وكان مصلهم ناجح جدا جدا بحيث أنهم قد نسوا كل ما يتعلق بالحب والغرام والإلتياع والسهر ولم تعد الشباب في المدينة كسابق عهدها تسهر الليالي إلطوال وتتألم للوعة الهجر والفراق والتفكير الطويل لأنهم قد نسوا كل ما يتعلق بالحب والغرام .
ولم تعد الصبايا تسأل عن فارس أحلامها الذي يأتيها على حصانه الأبيض ليخطفها من بين أهلها ويهرب بها إلى مكان بعيد لا إنس به ولا جان .
ولم يعد شباب المدينة التي فقدت الحب تنبض بدم الشباب الحار والحامي ولم تعد الأمهات يسألن بناتهن عن الشباب المغرمات بهن .
المدينة التي توقفت عن الحب إرتاحت في النهاية من التعب والإرهاق وكذلك شيوخ الدين إرتاحوا من إطلاق إفتآت بحق الحب تحرمه تارة وتارة تحذر العاشقين بالنار والعذاب وليس بوسع أحد من شباب المدينة : أن يتحدث عن الشرف الذي قد يفقده من خلال قصة حب لشقيقته .
المدينة التي فقدت الحب إرتاحت من سهر الشباب في الشوارع والخمارات ومن مشاجراتهم مع بعضهم البعض بسبب قضايا الشرف والمنافسة بين بعضهم البعض على سلب قلب فتاة جميلة يتسابقون إليها وهي ذاهبة وراجعة من العمل أو الجامعة في كل صباح وفي كل مساء. كل هذه الأمور إرتاحت منها الناس ولم تعد الحياة كسابق عهدها تنبض بالحب الذي يسبب الأمراض والعقد النفسية والعاطفية .
الأمهات والآباء حمدوا الرب كثيرا على سلامة أبنائهم من أمراض الحب التي ربما سينتشر بعضها في المستقبل عن طريق الوراثة لأبناء أبنائهم كل هذه الأمور كانت تعتبر متعبة جدا ومثيرة للقلق ولكن بعد اليوم الذي شربوا به المصل عن طريق العضل لم يعد للحب في حياتهم وجود أو أي قيمة تذكر .
وأصبحت حياتهم مثل الحيوانات يأكلون ويشربون وينكحون نسائهم لأسباب تافهة بعد فقادن الحب ولم تعد للحياة رونق بعد كل هذا وقام كثير من الناس للعمل صباحا وعادوا مساءا وناموا كما تنام البهائم .
ولكن بعد شهرين من تعاطي المصل ظهرت مشكلة جديدة من المشاكل الإقتصادية فقد إعتاد صنّاع الأزياء على بيع تصاميمهم الجديدة للعشاق من البنات والشباب ولأن الشباب والبنات فقدوا الحب ونسوه لهذه الأسباب لم يلبسوا ثيابا جديدة لكي نعجب بهم وبزيهم البنات وكذلك بنات المدينة لم يعدن كسابق عهدهن يلبسن الألبسة الأنيقة كي يرغب بهن الشباب وإن الملابس تغير من منظر الإنسان وهيبته ولم يعد الشباب يكترثون بمظهرهم العام ليبدو أمام البنات بعد ذلك بألبسة بالية ومهترءة لذلك ولهذا السبب تعرض تجار الفابرك والأقمشة المستوردة لكساد في بضاعتهم فلم تتدفق للأسواق بضائع جديدة وتعطلت مصانع الكونز والخياطة عن إصدار ألوان جديدة بأرقام عالمية مثل :اللوت والبي أس .
أن المدينة أصبحت خاوية على عروشها بعد أن فقد الناس الحب فيما بينهم وبين الإناث وتوقف المغامرون عن رصد مغامرات جديدة من أجل إقبال الفتيات عليهم لتحقيقهم أرقاما قياسية في عالم الرياضة والفن والأدب .
وكذلك تعرضت دور النشر لكساد كبير في الإنتاج الفني والأدبي مما تسبب بخسارة فادحة لتجار الورق بسبب عدم رغبة الشباب بكتابة قصص وأشعار وغزليات غرامية وتوقف الغزل الرفيع وعاد أهل المدينة متوحشون بربريون وفوجيون وألغارشيون لا يفهمون معنى كلمة الحب وما معنى قصة غرام إسطورية يقطع بها إله الغرام المحيط الأطلسي يباحة على ظهره من أجل قبلة من حبيبته .
المدينة الجديدة توقف بها الحب وتوقف صناع الأحذية عن إصدار أحذية ونعال أصلية يبتز بها الشباب والبنات بعضهم البعض لسحرها الأنيق . إن المعادلة في المدينة التي فقدت الحب قد أصابها إختلال كبير في المعنى والمقصد وعاد رسول الغرام يعمل في الشوارع جامع للقوت لم يكسب من صنعته أي شيء لأن الحبّبيبة والعشاق قد توقفوا عن إرسال رسائلهم من خلال موصلات البريد التقليدية .
هذه المدينة تشبه مدننا العربية فلا مغنى بيننا لقصيدة شعر يأكلها الطاعون قبل أن تأكلها عيون بنات العرب ولا توجد بيننا دمعة صادقة لأن الحب عندنا حرام والوصل حرام والإنسان العربي يزني بعينه حين يرى منظر إمرأة جميلة يبتز جسمه عينيه .
ويزني بأذنه حين يسمع أم كلثوم تغني للسهران أغنية : يا مسهرني وللمهجور أغنية يا هجرني وللناس أغنية :أنساك ؟ دى كلام أنساك يا سلام . والعربي يزني بأنفه إذا إشتم رائحة فتاة معطرة بعطر الورد .
لهذه الأسباب تجارتنا كاسدة فنحن كعرب مقموعين لا داعي لأن نشرب مصل الرواية السابقة الذكر فنحن مخدرون بدون مخدر كيماوي لا نستمع للأغنيات فأهلنا يحاربون الغناء وأذكر قبل سنة عاتبني جار لي دخل منزلي على حين غرة كنت أسمع بها أغنية عبد الوهاب :إلورده دي ريحتك فيها أحفظها تذكار لهواك ..... فقال لي : مش عيب زلمه كبير مثلك يسمع كلام سافل زي هذا أما زوجته فإنها قالت تهددني يالأنك يوم القيامة حين يأمر الله بسكبه في أذني .
حياتنا كعرب تافهة جدا لأننا نعتبر قصة الغرام تافهة وغالبية الناس :تأكل وتشرب وتنام وتنكح نسائه بإسلوب تافه ورديء ليس بينهم وبين نسائهم مشاعر تذكر وحياتهم ودماؤهم جافة جدا مثل الحبر الجاف ولسانهم سمكة متجمدة بحلوقهم ويجلسون على أبواب الدكاكين وهم يسبون ويلعنون بالعاشقين ويرجمون الذين يمارسون الحب بالحجارة . ما أتفه العشاق إذا هم تابوا :هذه كلمة قالها نزار قباني عيشة لا حب فيها جدول لا ماء فيه : وسيبقى جدول لا ماء فيه حتى يفيض الحب علينا ليملأ بيوتنا حتى السقف .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحب النقدي
-
رسالة من إمرأة مثلها مثله1
-
الملك حسين رجل كبير في بلد صغير
-
حياتنا العامة أحيانا ليس لها علاقة بالسياسة
-
العلمانية والداروينية هي الحل
-
من ذكريات عامل في الريف والمدينة
-
أحبيني
-
العرب وإسرائيل؟
-
أمسية مظفر النواب
-
أخطاء في الإقتصاد الإسلامي
-
المثقف العربي والإستعمار
-
إستحالة فكرة الدولة القومية العربية
-
المعارضة السياسية في الأردن
-
أحبوننا مرة واحدة
-
لوعة قلب على بحر الرمل
-
مبروك: رزكار عقراوي و بيان صالح
-
إسرائيل ليست عدوتنا !
-
غدا عيد ميلاد
-
عصر العمالقة
-
أحلامي جريئة
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|