لماذا يدعي البعض في لبنان أن الوقت غير ملائم كي يتملك الفلسطينيون في لبنان شقة أو عقار مثل كل الملاك في لبنان ؟
هل صحيح أن طرح موضوع تملك الفلسطينيين للعقارات قد يؤدي لانقسامات في المجتمع اللبناني؟
هل حجة البعض التي تقول أن الظرف غير مناسب للسماح للفلسطيني مجددا بتملك عقارات في لبنان صحيحة ومقنعة ؟
هل الغريب في لبنان عن الأذن والمنطق هو طرح قضية إلغاء القانون الذي يحظر تملك الفلسطينيين في لبنان الشقيق ؟
لا غريب إلا الشيطان الأكبر والشياطين الصغار الذين حرموا الفلسطيني من أبسط حقوقه الإنسانية ، وأهمها حقه بالعيش حرا كريما في وطنه العربي الكبير، وفي بلده الثاني، حيث ولد وكبر ونما وترعرع وتزوج وأنجب ومات وعاش .. وحيث للأسف يمتهن ويذل ويهان بقوانين رسمية صادرة عن برلمان فيه نواب غرباء عن واقعهم ونستطيع القول أن منهم من لا ينتمي لواقعه،حيث أنه يطالب بحرمان الفلسطيني من حق الحياة بشكل أنساني وعادي في مخيماته وبنفس الوقت يطالب بالعفو عن الذين ذبحوا الفلسطيني في صبرا وشاتيلا ، وكذلك عن الذين تعاملوا مع الاحتلال أو هربوا معه يوم أندحر مهزوما عن جنوب العرب بفضل المقاومة اللبنانية الصلبة.
لقد آن الأوان لكي يفهم بعض اللبنانيين ممن يدعون الخوف على لبنان من الفلسطينيين ، أن هؤلاء لن يقبلوا بتوطنيهم في لبنان ، رغم أنهم ولدوا ونموا وترعرعوا وتزوجوا وتخالطوا وأنجبوا في لبنان، كل هذا لسبب واحد وحيد فقط لا غير، أن لهم وطنا محتلا وبيوتا ومنازل وأراضي مغتصبة لا بد أن يسترجعوها ويعودا أليها، ويدعمهم في ذلك قرار دولي وافقت عليه الأمم المتحدة كاملة، وهو القرار 194 .
نفس البرلمان الذي يمنع الفلسطينيين من التملك يؤيد بالإجماع تقريبا حق لبنان في المقاومة والحرية والتحرير ، ونفس البرلمان يعطي الجنسية اللبنانية " لضراب الطبل" كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني ، وعندما تصل الأمور لحياة اللاجئ الفلسطيني في هذا البلد الذي حقق أول انتصار عربي تاريخي على إسرائيل ، وكان للفلسطينيين دورهم في تحقيق هذا الانتصار، تصبح الطرق مسدودة و السبل مقطوعة، فيحاصر المخيم ويزداد عذابه عذابا، وتجوع العائلات بسبب منع أربابها من ممارسة العمل كما أي عامل آخر في لبنان، أكان لبناني أو سوري أو سيريلنكي، كما وتوضع الحواجز على مداخل المخيمات الفلسطينية مما يظهر هذه المخيمات وكأنها بؤر معزولة ومغلقة ومحاصرة، عنوة باقي الأراضي اللبنانية.
لقد عاش الفلسطيني في لبنان محروما من أبسط الحقوق المدنية والإنسانية بحجة التوازن الطائفي، ولم يستطع الخروج قليلا من ذاك الحرمان سوى في فترة الحرب الأهلية، فخرج من دائرة المعاملة الرسمية غير العادلة لبرهة من الزمن ، وذلك نتيجة تبدل ميزان القوى في ظل وجود منظمة التحير الفلسطينية وحلفاؤها في الحركة الوطنية اللبنانية وانتشار المد القومي واليساري في العالم العربي عامة وفي لبنان خاصة،، ثم ما لبث أن دخل آتون الحرب الطائفية الهمجية مجبرا بحكم العداء الذي كانت تكنه بعض القوى الانعزالية وبحكم المؤامرة على لبنان وفلسطين والمنطقة.
كانت الحرب الأهلية اللبنانية مقبرة للسلام وللنعيم والأزدهار الذي كان يعم لبنان ، وكان نصيب الفلسطيني فيها الكثير من المجازر والتصفيات الجسدية، وقد كلفته دمار وزوال عدة مخيمات فلسطينية،أهمها على الإطلاق مخيم تل الزعتر شرق بيروت، حيث كان قبله المصير المأساوي لمخيم االنبطية جنوب لبنان بفضل العدوان الصهيوني ، لقد أبيد ومسح مخيم تل الزعتر بالقنابل الكتائبية الانعزالية،مدعومة من بعض الأشقاء والأعداء في آن واحد، وحصل الشيء نفسه مع مخيمات جسر الباشا وضبية وبرج حمود، مما جعل القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية ترد باحتلال بلدة الدامور الساحلية وتهجير سكانها، وعلى رأسهم زعيم حزب الوطنيين الأحرار الرئيس السابق كميل شمعون. وللعلم فأن بلدة الدامور كانت تقطع طريق بيروت والجنوب ويقوم مسلحوها بقطع رؤوس الفلسطينيين والمسلمين واليسارين اللبنانيين الذين يصادف مرورهم من تلك المنطقة.
ثم كان حصار بيروت سنة 1982، وما تلاه من حروب كادت تعصف بالفلسطينيين في مخيمات بيروت والجنوب، وبالذات مخيمي صبرا وشاتيلا ، حيث حصلت المجزرة الشهيرة بقيادة شارون وحبيقة، ومن ثم حصار المخيمات الشهير الذي دام أكثر من سنتين.
قبل ذلك ومنذ اللجوء عام 1948 وحتى منتصف السبعينات كانت المخابرات اللبنانية، المعروفة بالمكتب الثاني تحكم قبضتها على المخيمات، وتمارس قهرا وظلما بحق أبناء الشعب الفلسطيني ، وقد دفع الشعب الفلسطيني في لبنان العديد من الشهداء في هبة 29 نيسان 1969 ضد ممارسات المكتب الثاني اللبناني، ومن اجل العدالة والمساواة والحقوق المدنية والسياسية.
بعد رحيل منظمة التحرير عن لبنان وتوقيع اتفاق الطائف ونهاية الحرب الأهلية اللبنانية وتوقيع اتفاقيات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ، وبعيد انتصار المقاومة اللبنانية على الاحتلال بأقل من سنة تقريبا، تحديدا يوم 21-03- 2001 ، وهذا يوم الأم وعيد الربيع في بلادنا العربية، صدَّق مجلس النواب اللبناني على تعديل بعض مواد القانون المنفذ بالمرسوم الرقم 11614 تاريخ 4-1-1969، المتعلق باكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان أي تملك الأجانب، وبما أن الفلسطينيين في لبنان يعتبرهم بعض اللبنانيين أكثر من أجانب، فقد حرمهم هذا المرسوم في فقرته 296 من حق التملك والتوريث ، حفاظا على حق عودتهم كما يقول أصحاب المشروع المجحف، الذي لم يكن غيرة على الفلسطينيين وحق عودتهم، بل لتطفيشهم وتيئيسهم وإهلاكهم. لأن الفقرة 296 تحرم اللاجئين الفلسطينيين من حق تملك أي شقة سكنية أو أراضٍ وعقارات، ويحرم هذا القانون الفلسطينيين من حق الوراثة، مما يعني أن ورثة الفلسطيني عندما يموت تذهب للذين حرموه من توريثها لأولاده أي تذهب للدولة اللبنانية.
هل هكذا وبهذه الطرق يكون التضامن مع الشعب الفلسطيني والعمل من أجل حق العودة وتطبيق القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين ؟
بالطبع لا، لأن الحياة الكريمة والحرة والكرامة المصانة والحقوق المشروعة للاجئ الفلسطيني في لبنان وغيره من الدول العربية ، هي العامل المساعد على تمسك اللاجئ الفلسطيني بحقه بالعودة والعمل بكل صدق وأمانة من أجل تحقيق تلك العودة.
فالتضييق على الفلسطينيين في لبنان يدفعهم لليأس والهرب واللجوء ألى دول أوروبا وأمريكا، ولا يساعد على التمسك بحق العودة أو تطبيقه ، بل يضيق الخناق على اللاجئ ويدفعه قسرا وقهرا للتفكير بالهجرة والبحث عن أمكنة يستطيع فيها تأمين حياته وصون كرامته،وهذا بالذات ما يربو إليه المشروع الصهيوني.
لقد نص القرار الغريب العجيب للبرلمان اللبناني، على أنه " لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها أو لأي شخص إذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين".
يعني هذا القرار وهذه الفقرة بالذات موجه ضد الفلسطينيين عنوة عن البقية، وكان عشرة من النواب اللبنانيين قدموا طعنا للمجلس الدستوري لإلغاء هذه الفقرة المجحفة ، المخصصة ضد الفلسطينيين عنوة عن غيرهم ، خاصة أن هؤلاء يسكنون في لبنان رغما عنهم منذ تم تهجيرهم من بلادهم المحتلة فلسطين. ويذكر أن القرار المذكور يحرم الفلسطيني من أم لبنانية من وراثة والدته، فهل هذا أيضا حفاظا على حق العودة ؟ مع العلم أن هذا أيضا خلف مشاكل قانونية وإنسانية كبيرة.
الذي يحير المرء أن كل من الفلسطينيين واللبنانيين يتمسكون بمبدأ حق العودة ويرفضون التوطين والوطن البديل ، وهناك أجماع من الطرفين على هذه الثوابت، فمادام هناك إجماع وتوافق ، لماذا ترفض الجهات اللبنانية اتخاذ قرارات جديدة تزيل تلك القرارات السابقة ،التي أقل ما يقال عنها أنها عنصرية ظالمة ومجحفة وغير قومية ، ولا تتناسب وموقف لبنان السياسي ، القومي ، الرافض للمؤامرة الصهيونية الأمريكية.
أننا كعرب وكفلسطينيين نعيش في أوروبا وبالذات في اسكندينافيا حيث نتمتع بكافة الحقوق تماما كما المواطن الأوروبي أو الأسكندنافي ، نشعر بالمرارة والغضب من تلكم القرارات الظالمة التي اتخذها برلمان عربي ضد اللاجئين من الفلسطينيين .
وعندما نقارن بين الحقوق التي يحصل عليها ا للاجئ في النرويج مثلا، حيث يكون بعد ثلاث سنوات من إقامته في المنطقة التي يقيم فيها من حقه الانتخاب للبلدية ، وبعد خمس أو سبع سنوات من حقه المشاركة في الانتخاب للبرلمان ككل مواطن نرويجي، عندما نقارن بين الغرب والعرب، ترتبط ألسنتنا ونقف مذهولين أمام واقع عربي رديء ومر وسيئ .
فكيف لهذه الأمة الواحدة أن تنتصر في معاركها وأن تتوحد في مصيرها مادامت فيها كل هذه السياسات والقوانين المعيبة والمشينة ؟
وتعقيبا على كلام البعض عن أن الظروف غير مناسبة وغير مؤاتية لتغيير القانون الظالم والمجحف ، نقول أن هذا الظرف جيد وطبيعي جدا ، لأنه يترافق مع حملة صهيونية يشارك فيها البعض الفلسطيني والعربي من اجل شطب حق العودة وتهجير وتوطين الفلسطينيين في بلاد ألله الواسعة ، باستثناء إعادتهم إلى بيوتهم ومنازلهم وأملاكهم التي سلبت منهم في فلسطين المحتلة.
وظروف لبنان مناسبة لأن البيت اللبناني يعيش حالة تماسك ووفاق وطني، كذلك لا يوجد أي خلاف في هذه القضية بين السلطات اللبنانية والمرجعيات الفلسطينية في المخيمات ، والقيادة السياسية الفلسطينية في الداخل وفي الشتات.
إن تملك الفلسطيني وكسبه لحقه الطبيعي، والعيش بكرامة وشرف وحرية كالمواطن اللبناني هو شرط أساسي من شروط السلم الأهلي في لبنان، فالفلسطيني معني بالحياة الهادئة والمسالمة والطبيعية في بلدٍ ولد وكبر وتزوج وأنجب فيه ، وتصاهر مع اللبنانيين وتصاهر اللبنانيين معه ، وهناك شخصيات وقيادات سياسية روحية وثقافية وأدبية لبنانية وفلسطينية متزوجة من الطرفين ، فكيف يمكن تفريق هؤلاء عن باقي الناس العاديين ، وهل يسري القانون عليهم ، وعلى الفقراء والأغنياء وعلى العاديين والقياديين من الشعبين ؟
حتى نستطيع القول أن القانون يشمل كذلك كل لبناني متزوج من فلسطينية أو كل لبنانية متزوجة من فلسطيني والعكس كذلك ؟
الحل الأنسب للبنان وللفلسطينيين يكون بإعطاء الفلسطيني حقوقه المدنية بدون استثناء ، لأن الحياة الكريمة تجعل الفلسطيني يتمسك بحق العودة ويرفض التوطين أينما كان.