|
الحب النقدي
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2031 - 2007 / 9 / 7 - 10:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
سألت إحدى البنات أمها قائلة: ما هو الحب يا ماما ؟ فردت الأم: شو ! مين حكالك عنه؟ فقالت البنت :إبن إلجيران حكالي أنا بحبك بس أنا مش عارفه شو يعني هذا الحب ؟ فقالت الأم :لا تسمعي كلامه :إلحب إخترعه رجل فقير وطفران حتى يتزوج ويمارس الجنس بدون تكاليف ماليه.
ربما تكون هذه القصة طرفة ونكتة من نكات الحشيشة ولكن لها عندنا مدلول رمزي كثيف إذ أن العملة النقدية قد أفزعت مشاعرنا وبدلت كثيرا من أخلاقنا التي تعارفنا عليها قبل دخول العملة النقدية وإنتشارها فكانت الناس في ذلك الوقت تتعامل بالحب وبالطيبة حتى إنتشرت العملة النقدية بين الناس فأصبح كل شيء بالدينار وأصبح لكل شيء ثمنا معروفا به حتى المشاعر والأحاسيس.
هذا النوع من الحب هو الحب النقدي : ولم يكن في البداية متجها نحو تعزيز مسيرة العملة النقدية ولكنه كان يسري بسبب رغبة الإنسان بالسعادة التي تحققها العملة النقدية بحيث يستطيع من يملك أكثر أن يسعد بحياته أكثر, لأن كل شيء أيضا أصبح خاضعا للبيع والشراء حتى مشاعرنا . وبالتالي كان الله في الدين لا ينظر إلى وجوهنا ولا إلى أشكالنا ولكنه كان ينظر إلى قلوبنا , واليوم تخلى الله عن نظرته للقلوب وأصبح ينظر للجيوب ولمن يملك أكثر حتى وإن كانت إدعاآتنا عليه غير ذلك فإن ما يجري على أرض الواقع هو غير الذي كان يجري قبل ذلك وقبل أن تسيطر العملة النقدية على أعمالنا وإن ما يجري على أرض الواقع دائما ما يخالف وجهات نظرنا جميعا . حتى وإن كنا فقراء مثاليون فإن توجهاتنا للعملة النقدية تخالف ما ننادي به
واليوم تجد أن البنات الجميلات يبحثن عن الحب عند من يملك أكثر وتجارب الشباب لا تثبت عكس ذلك وأغنية مروه :أنا عايزه عاريس وبشرط يكون أمير وعنده فلوس كتير ,هي أيضا شاهد على العصر .
المدينة والمدن الصناعية الكبرى قد خنقت حياة الناس فلم تعد الأسر قادرة على العيش في جو من الحب ما لم يملكوا عملة نقدية يبتزون بها قساوة الحياة اليومية . ففي المدن الكبرى لا قيمة للإنسان ما لم يملك قوة شرائية تجعله يشتري كل شيء حتى الحب والمشاعر ويعيش الإنسان في المدينة وهو قلق جدا على مصيره ولا يعرف ما سينتظره غدا بسبب سرعة دوران الأفكار بين الناس وتأثير مفردات الحياة الجديدة بالإنسان حيث تجعل هذه الحياة من الإنسان منسلخا من ماضيه الذي ربما يكن له بعض الإحترام لمن يحب من البشر .
الحياة بلا عملة نقدية أقل قلقا للإنسان مع الحياة بعملة نقدية وصحيح أن العملة النقدية ساهمت بإدخالنا للمجتمع المدني الحديث وأبعدتنا عن حياتنا التقليدية وزادت الحياة الجديدة من صحة الإنسان البدنية ولكنها مع كل الفضل الذي نعتبره لها قد ساهمت جدا بزيادة إنتشار الأمراض النفسية فأصبحنا قليقين على مصادر رزقنا وعلى حياة أبنائنا . وتكون اليوم آمن بعض الشيء ولكن سرعان ما تنتقل من مكانك الذي أنت به إلى أقرب سجن بسبب الديون وتردي الأوضاع الإقتصادية وتكون وأنت مار بالشارع تحاول أن تلتقي بأخ أو صديق لك قديم لتتفاجأ به وهو يركب سياره آخر موديل أو لتجده في أغلب الأحيان قد فقد كل شيء حتى السيجارة التي بين شفتيه . لذلك أصبح الحب وأصبحت كل المشاعر بفلوس حتى أن العلاقات الأسرية قد فتتها العملة النقدية فأصبحت الناس اليوم تتنصل من قريب لهم إذا أحسوا أنه في ورطة مالية أو إذا جاء إليهم طالبا مساعدة مالية , وكانت قبل ذلك العلاقات الأسرية طيبة الرائحة ومتينة بسبب غياب العملة النقدية حيث كان العمل اليدوي يتم بين الناس من خلال التعاون الأسري الأمر الذي كان يزيد من إتساع رقعة العائلة النووية لتصبح بعد ذلك عائلة ممتدة بكل تفاصيلها . وكانت هذه النماذج من العائلات على قلة وعيها وتخلفها الزمني تتسع للحب وتضيق بالسماسرة وتطرد اللصوص وتستقبل الذين يسرقون فقط من أجل الشبع وقوتهم اليومي وكانت العائلات الكبيرة لا تستقبل التجار وأصحاب الدكاكين بخيمها المخصصة للضيافة وسيد العشيرة كما تستقبل أصحاب المروآت والنخوات والشهامات الذين لا يأخذون مقابل خدماتهم للناس أي مبلغ أو أي شيء مقابل خدماتهم لهم .
وهذا الموضوع جعل الأديب اللبناني المهجري أي عميد الأدب المهجري: جبران خليل جبران يقول : لا يا أخي لم أطلب الوحدة للصلاة والتقشف بل طلبتها هاربا من الناس ومن تعاليمهم وأفكارهم وضجيجهم وعويلهم.. طلبت الوحدة لأن نفسي تعبت من معاشرة المتمولين الذين يظنون أن الشموس والأقمار والكواكب لا تطلع إلا من خزائنهم ولا تغيب إلا في جيوبهم ... ومن الساسة الذين يتلاعبون بأماني الأمم وهم يذرون في عيونهم الغبار الذهبي ويملأون آذانهم برنين الألفاظ.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة من إمرأة مثلها مثله1
-
الملك حسين رجل كبير في بلد صغير
-
حياتنا العامة أحيانا ليس لها علاقة بالسياسة
-
العلمانية والداروينية هي الحل
-
من ذكريات عامل في الريف والمدينة
-
أحبيني
-
العرب وإسرائيل؟
-
أمسية مظفر النواب
-
أخطاء في الإقتصاد الإسلامي
-
المثقف العربي والإستعمار
-
إستحالة فكرة الدولة القومية العربية
-
المعارضة السياسية في الأردن
-
أحبوننا مرة واحدة
-
لوعة قلب على بحر الرمل
-
مبروك: رزكار عقراوي و بيان صالح
-
إسرائيل ليست عدوتنا !
-
غدا عيد ميلاد
-
عصر العمالقة
-
أحلامي جريئة
-
ب 99 دينار أردني!
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|