أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - تأمل في شأن الحرية ونقد الدين














المزيد.....


تأمل في شأن الحرية ونقد الدين


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2030 - 2007 / 9 / 6 - 10:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ليس لأن نظمنا السياسة استبدادية نفتقر إلى الحرية في بلداننا العربية. نظمنا استبدادية بلا ريب، ونحن محرومون من الحرية بالتأكيد، لكن لسبب آخر: فكرة الحرية واهنة في ثقافتنا. لم نشتغل عليها ولم نبنها. ولم نفعل لأننا لم نشعر بالحاجة إلى الحرية. يحصل أن نشعر بقيود في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الديني أو الدولي، ويحصل أن نقاوم القيود هذه، لكن مقاوماتنا لم تبلور وعيا لذاتها يدور حول مفهوم متسق للحرية، حرية جميع الأفراد في جميع المجالات. نقاوم، نعترض، نرفض، ربما بعنف، لكن قلما نفكر في مقاوماتنا أو نتدبر أمرها. وبالتحديد قلما نقاوم مقاوماتنا، أو "نقيم عليها حد" التفكير والعقل. تبقى مقاومات خام، أوثق صلة بالطبيعة والغريزة والدم منها بالثقافة والحرية والسياسة المدنية. لذلك لا ترتسم الحرية في أفق مقاومتنا. ولعلها لذلك أيضا تجنح بسهولة نحو العنف. يبدو هذا غير عقلاني. فكأننا نفضل التضحية بأنفسنا بدل التضحية ببعض أفكارنا وعاداتنا الفكرية. كأن جهد العقل والروح أصعب علينا من جهد العضلات و"القوة الغضبية". بلى، إنه غير عقلاني، لكنه عين الواقع.
والحال إن من سماتنا الثقافية التي يتعين تقصيها وتوضيحها وإخضاعها لنقد جذري ما قد نسميه قوة حضور المعطى الأول، الخام، وضعف طاقتنا التنظيمية، العقلية والقيمية والقانونية والسياسية التي تجعل من المعطى الأول ثقافة ونظاما وحرية. لدينا مقاومة أولى، مطلقة، وليس لدينا مقاومة ثانية، منضبطة سياسيا وفكريا. ولدينا أجهزة أولى، لكن ليس لدينا مؤسسات، أي أجهزة ثانية؛ وسلطات أولى، وليس سلطات ثانية، أي دولا. لدينا مجتمعات تكاد تكون طبيعية، ومن هنا قوة الطوائف والقبائل والجماعات الدينية، وليس لدينا "مجتمعات مدنية"، مستقلة وذاتية الانتظام. ولدينا ثقافة أولى، أيديولوجية، في شأن مختلف شؤون الحياة، لكن ليس لدينا إلا القليل من ثقافة ثانية عن بعض شؤون الحياة. ولدينا نقد أول، خام، أي هجاء و"ردح"، ويندر أن يكون لدينا نقد ثان، نقد ينظر في ذاته ويعمل على وعي ذاته، فينتج معرفة وقيما ومناهج نقدية. وكل هذا يجعل منا عربا أولين، أعرابا وأقرب إلى بدو رغم كل المظاهر، فيما لا مناص من أن نغدو عربا ثانين، عربا انفصلوا عن أنفسهم فأصلحوها وأعادوا الارتباط بها. لا مناص إن لم يكن التبدد خيارا.
ما الذي يفسر احتجاز روح المراجعة والتنظيم لدينا، أي بالضبط إعاقتنا الحضارية؟ وهل من سبيل إلى تجديد ثقافتنا أو تطويرها إلى ثقافة ثانية؟ وهل من "موضوع" أنسب من غيره للتجدد الثقافي؟ نعم. الدين. الإسلام مبدئيا.
هذا موضوع كبير جدا. وتنظيمه وتطوير افتراضات منشطة للتفكير بشأنه يأخذ وقتا كبيرا، لكنه مثمر جدا. والدين هو "الموضوع" الأنسب لهذا السبب بالذات. فمن شأن النجاح في تنظميه وعقلنته ونقده أن ينعكس إيجابا على تفكيرنا السياسي والثقافي والاجتماعي والفني، فيما لا ينعكس نجاح مفترض في مجالات أخرى على غيره إلا نجاحا محدودا. إذن لخصوبة نقد الدين. لكن لجذريته أيضا. فالتمكن النفسي والفكري من نقد الدين ضمان متين لنقد الدولة والسياسية والمجتمع والثقافة والنظام الدولي. والتحرر العقلي والنفسي الذي يدره نقد سلطة الدين العقلية والاجتماعية والسياسية والرمزية هو الركيزة الأصلب التي تتأسس عليها أعمق حريتنا. إن نقد الدين هو الشرط الضروري لكل نقد فعلا.
لكن لماذا الدين، الإسلام؟ لأن الإسلام في صيغته التاريخية الراهنة يثبت ويحرس حالة "الأولية" والبداءة التي نحن عليها، بما في هذه بالخصوص الارتباط بالأهل والماضي والمألوف والحميمي. وتاليا لأن من شأن نقده وإصلاحه أن يطلق طاقة تحريرية أكثر من نقد وإصلاح أي شيء آخر. تحرير الأفراد من الأهلي، وتحرير الثقافة من الأولي. وسيتكون لدينا بالنتيجة إسلام ثان، إسلام مختلف عن الإسلام الأول الراهن، أليف وربما حليف لحرية العقل والضمير والاعتقاد الديني.
هذا بالطبع درب محفوف بشتى أنواع المخاطر. قد يكون أظهرها غضب أجهزة دينية وتكفيرها للناقدين وتحريضها عليهم. أظهرها وأبداها، لكنه بسيط مع ذلك. الأشد تعقيدا هو تطوير نقد "تقدمي"، مؤسس على معرفة متطورة، وعلى القيم الإنسانية العامة كالمساواة والعدالة والحرية والاحترام والارتقاء الأخلاقي لجميع الناس، وعلى "الفضائل المدنية" للمعرفة كالوضوح والاعتدال والإنصاف والكرم. هذا نادر للأسف.
نقد الدين لا يجري في مختبر معزول. يتميز تحليليا عن نقد السياسة ونقد الثقافة ونقد المجتمع، لكنه لا ينفصل عنها عمليا. هو كما أشرنا ضمانة للجذرية، بالخصوص في زمننا الراهن. نتدرب عبره على نقد أكثر راديكالية وعمقا ونضجا لحياتنا السياسية وسلطاتنا ونظم حكمنا وقوانيننا وإيديولوجياتنا وتنظيماتنا الاجتماعية. نتدرب على يديه أيضا على نقد وعينا وثقافتنا وهويتنا، ما يشرط انبناءنا كذوات عارفة وكفاعلين أخلاقيين قادرين على تطوير نقد بصير ومتسق لغيرنا (دون ذلك نقد الغير لا قيمة له). وبذلك فإن نقد الدين هو التدرب الأقسى على الانفصال عن الذات وموضعتها، بما يساعد على إصلاحها وإعادة إنشائها. هو تاليا النقد التأسيسي. وما النقد السياسي في غياب نقد تأسيسي إلا استهلاكا من رصيد ثقافي وقيمي ورمزي معدوم أصلا، أو يكاد. ولا ريب أن قوة إغراء النقد السياسي لنا يتصل بانجذابنا إلى القوة الخام، المعطى الأولي، ويطل من ثم على حالة الأولية أو البداءة التي سلفت الإشارة إليها. إن النقد السياسي تال منطقيا لنقد الدين والثقافة. ليس في قول هذا فتوى بالامتناع عن نقد السياسة وأهلها، لكنه حث على وعي حدود هذا النقد وشروط جدواه في شروطنا الراهنة. فكي يكون نقد السياسة مجديا، نحتاج أولا إلى قيم موجهة للنقد ومعايير ضابطة له، وهذا لا يتأتى من غير نقد ثقافتنا الحالية، والدين في قلبها. أما دون انقطاع ثقافي مؤسس فلن يكون التغيير السياسي إلا إبدالا لمستبدين بمستبدين.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية أهم من أن تترك للعلمانويين!
- العرب أمام المشكلة الغربية
- سورية والدول العربية بين ما دون الدولة وما فوقها
- -أمتان-: حكم ذاتي إسلامي في ظل دولة علمانية، أو العكس!
- في أصل خراب الديمقراطية والوطنية في المشرق
- تقييم ائتلاف -إعلان دمشق-
- في شأن النقد والتضامن ودور المثقفين
- هل نعرف الطائفية؟ تعقيب على ملف الآداب عن -الطائفية في الوطن ...
- بعد قرن السياسة، أقرن للثقافة والدين في عالم العرب؟
- علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟!
- أفكار في شأن العنف والهيمنة والمعرفة
- تصور أولي للمشكلة الدينية والإصلاح الديني
- أيام مشكلة الدولة ولياليها في المشرق العربي
- -أمة وسط- في المشرق؟!
- هل العلمانية ممكنة في بلد واحد؟
- تراجع السياسة الوطنية وصعود السياسة الأهلية
- تحقيب تاريخي بلا تاريخ: تعقيب على تعقيب بكر صدقي
- في شأن مشكلات العرب الواقعية ومشكلتهم الثقافية
- الإصلاح السياسي وإعادة بناء الهوية الوطنية في سورية
- بصدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا..


المزيد.....




- قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية ...
- من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس ...
- الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة ...
- اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي ...
- بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب ...
- مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
- التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج ...
- “سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن ...
- الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - تأمل في شأن الحرية ونقد الدين