|
الحركة النقابية بين قيود السلطة ومطالب الطبقة العاملة
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 2028 - 2007 / 9 / 4 - 10:55
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
التناقضات اللافتة في بنية حزب البعث الحاكم ، بعد نحو 40 أربعين عاماً على ا ستحوازه على السلطة ، أن التمايز الطبقي الحاد المؤلم ، الذي أحدثه نهجه الاقتصادي العبثي ، قد انعكس على تكوين بنيته العضوية . فمالكو القرار من قيادات العسكر والأمن والحزب ، قد صعدوا إلى مستويات ما فوق انتماءاتهم الطبقية السابقة ، حتى أضحوا سادة الطبقة الاقتصادية ، بينما جمهور العضوية في الطبقات الدنيا .. العمال والفلاحين والجنود والموظفين المحدودي الدخل ، رغم تحسن مستوى معيشتهم ، إلاّ أنهم ظلوا يراوحون على مسافة قريبة من الفقر . وهذا مايسمح بالقول ، أن ليس كل بعثيي النظام اثرياء .. أو أنهم كلهم صاروا رأسماليين . فالعمال منهم في القطاع العام مثلاً ، وإن تمايزوا ، عن بقية زملائهم العمال من اللابعثيين ، بمنافع علاقتهم بالسلطة ، إلاّ أن دخولهم تبقيهم ضمن إطار الطبقة العاملة .. وضمن إطار الفقر العام . وهذه الناحية تدركها الأجهزة الأمنية جيداً ، وتدركها مراكز القرار السياسية والاقتصادية . ولذلك تواظب الحرص على إفساد أعداد من العمال وخاصة النقابيين ، وعلى إبقائهم قيد الإلتزام الأمني لتحقيق الضبط الحزبي والاقتصادي والأمني معاً ، والحيلولة دون تداعيات تفرضها المصالح الطبقية المتمايزة على بنية الحزب ، التي من أبرز ا ستدعاءاتها حدوث احتجاجات على خلفية طبقية قد تؤدي إلى انقسام الحزب في الحد الأعلى ، أو إلى انفجار نضال مطلبي يؤدي إلى حركة نقابية مستقلة في الحد الأدنى ، سيما وأن الجاذب الأساس للإلتزام بالحزب بالنسبة للعمال والفلاحين ومحدودي الدخل لم يكن على خلفية أيديولوجية أو على خلفية القناعة بمهام قومية أ و وطنية ، وذلك لعدم وجود أيديولوجيا محددة للحزب ولعدم وجود مهام قومية أو وطنية مطروحة قيد الاستحقاق، وإنما بالنسبة لأكثريتهم الساحقة على الأقل ، الذين انتسبوا للحزب بعد ا ستحواز الحزب على السلطة ، كان البحث عن فرصة لاختراق سقف الفقر إزاء حاجات المعيشة التي تزداد تكلفة ، ومن ثم صار الالتزام تقية إزاء مناخات القمع التي شملت كل قطاعات المجتمع . وهذا ما ينطبق على العاملين في القطاع الخاص ، وإن بنسبة أقل ، مثلكما ينطبق انطباقاً شبه تام على العاملين في القطاع العام .
ولذلك لم يكن قرار تبعيث النقابات ، أي تحويلها إلى آليات حزبية سلطوية ، عفوياً أو ارتجالياً ، وإنما كان من ضرورات مكونات بناء النظام الشمولي .. ومن ضرورات وصول النهج الاقتصادي المعاكس للسمت ، الذي حدده شعار الحزب " الاشتراكي " لوأد أي حراك عمالي ضمن الحزب سياسياً أو خارجه نقابياً . وقد كان احتواء النقابات في المرحلة الأولى بزعم بناء " المجتمع العربي الاشتراكي الموحد " . حيث سار الكثير من النقابيين داخل الحزب الحاكم وخارجه على سكة الاحتواء أملاً ببناء عالم جديد أكثر عدالة . وعلى هذه الخلفية كانت الخديعة الكبرى بإلزام الحركة النقابية ب " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " التي جعلت من الحكومة والأمن والإدارة والتنظيم النقابي فريقاً واحداً من طرف والطبقة العاملة من طرف آخر ، والتي عزلت وأضعفت الحركة النقابية وأوصلتها إلى مستوى الصفر ، وحولتها إلى شاهد زور وإلى آلية لكسر النضال المطلبي لصالح عملية تراكم رأسمالية سلطوية شرسة ، على حساب الطبقة العاملة والطبقات الشعبية الأخرى . ثم صار الاحتواء لاحقاً حتى المرحلة الحالية لتكريس التمايز الطبقي الجديد وبناء مجتمع اقتصاد السوق وتحرير الأسعار وخصخصة كل المؤسسات العامة الانتاجية والخدمية والتجارية ، وذبح القدرة الشرائية للرواتب والأجور ودفع القوى العاملة والفقيرة إلى مستوى معيشة أسوأ فأسوأ .
في المرحلة الأولى للاحتواء النقابي ، سارت الأمور سلسة سهلة ، لأن " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " كانت في البدايات ، ولأن النقابات منحت المقار الجيدة والأثاث الفخم وخاصة الاتحادات ، ومنح النقابيون تعويضات تفرغ مجزية وسيارات ووجاهات لدى الجهات الرسمية . وساعد على ذلك أن الأجور مازالت على شيء من التماس مع الأسعار . في هذه المرحلة صار النضال النقابي ورقياً .. أي تبادل الرسائل والمذكرات بين الاتحاد العام والسلطة حول القضايا العمالية . وحسب هشاشة الورق كانت ردود السلطة على تلك الرسائل والمذكرات . إذ أنه طوال الأربعين عاماً من تردي الأجور والمستوى المعاشي المتواصل للعمال لم تخطو النقابات أية خطوة احتجاجية جادة لمواجهة هذا التردي ، بل إن كل ما قامت به حراك بالحبر على الورق وكان الجواب وعوداً على الورق .
أما في المرحلة اللاحقة الحالية .. فقد بدأت تظهر بعض الإضرابات احتجاجاً على عدم دفع الأجور في بعض المؤسسات لأشهر عدة ، وبدأت تظهر بعض الترددات هنا أو هناك إزاء إجراءات مستلزمات التمايز الطبقي الجديدة . وأبرزها الموقف من القطاع العام والخصخصة ورفع الدعم الحكومي .. بمعنى أن الاحتواء بدأ يتأثر بالمتغيرات الجارية والتي يعلن أنها ستجري مستقبلاً . وقد فتح في المجال لبروز ذلك الهامش السياسي النقدي ، الذي انتزعته قوى المعارضة في الداخل وعمقته ووسعته في الخارج ، وكذلك طروحات عدد من الإعلاميين المستقلين الشرفاء ، إضافة إلى المحيط الشعبي الضاغط الذي ولد أو يعيش في وسطه عدد من النقابيين الذين مازالوا يحملون في دواخلهم ، رغم كل أساليب القهر ، شرف النقابية ومناقبيتها ، وكذلك وهو هام جداً أن الكثير من الكادر العمالي يكابد مرارة الدخول المتدنية والأسعار المتصاعدة .
ربما ، لهذا كله .. وغيره من العوامل التي لم تظهر للعلن بعد ، تأخذ عملية إعادة إنتاج الحركة النقابية لدورتها الجديدة بعداً لافتاً . السلطة تضعط وتأمر لاستنساخ الهيئات النقابية شكلاً ومضموناً حسب القوالب السابقة . بعض النقابيين وخاصة من المستقلين بدأوا يرفعون الصوت احتجاجاً على واقع الحركة النقابية البائس إلتزاماً وتنظيماً وحركية . والشارع العمالي يستدعي الحراك النقابي الكفاحي المطلبي المستقل ، لمواجهة مجتمع اقتصاد مصاصي دماء الشعب والأموال الامة والآمال ببدائل مغايرة ، الذين لاحد لشبقهم السلطوي الرأسمالي على حساب الشعب .
حتى وإن تمكنت السلطة ، حسب العادة ، من ا ستنساخ ومسخ الحركة النقابية حسب رغباتها وقيودها وقوالبها ، فإن بؤر ضوء الوعي النقابي الطبقي قد بدأت تظهر .. ولابد أنها ستشق طريقها وترفع صوتها .. وتتعدد .. وتتوسع .. لابد من أن تستدعي الحاجات المعيشية المأزومة نقابيين هم على مستوى مطابق لاستحقاقات المرحلة .. وفي مقدمها .. ا ستقلال الحركة النقابية وا ستعادة دورها الكفاحي المطلبي .. وبناء حركة نقابية قادرة على مقاومة حيتان اقتصاد السوق .. وحماية رغيف وحرية وكرامة الطبقة العاملة .. حركة تكون إحدى مكونات المجتمع المدني وحركة التغيير الوطني الديمقراطي
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنها لحظة انتزاع المبادرة ..
-
الجديد في - انتخابات - اللاتجديد
-
من هنا تأتي المعارضة
-
مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 2
-
مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 1 ..
-
أزمة أولويات أم أزمة نظام .. ؟
-
نداء شهداء معبر رفح
-
استحقاقات عودة الزمن النقابي
-
صفقات شيطانية
-
هل حقاً أن الشعب قد انتخب وأفتى .. ؟
-
اسقاط جدار العزل السياسي مهمة أولى
-
مأساة الديمقراطية في الشرق الأوسط
-
من أجل ضحايا الاعتقال السياسي .. والحرية
-
الجواب على سؤال الهزيمة
-
السلطة والثروة في الصراع السياسي
-
التجمع اليساري الماركسي ( تيم ) مابين التكامل والتمايز
-
خوفاً من ألاّ يفوز الرئيس المرشح للرئاسة
-
سوريا إلى أين في المنعطفات الإقليمية الجديدة .. ؟
-
في الأول من أيار .. عيد العمال العالمي
-
أبطال الحرية .. سلاماً مع الاعتذار
المزيد.....
-
25 November, International Day for the Elimination of Violen
...
-
25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
-
استلم 200000 دينار في حسابك الان.. هام للموظفين والمتقاعدين
...
-
هل تم صرف رواتب موظفي العراق؟.. وزارة المالية تُجيب
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
استعد وجهز محفظتك من دلوقتي “كم يوم باقي على صرف رواتب الموظ
...
-
-فولكسفاغن-.. العاملون يتخلون عن جزء من الراتب لتجنب الإغلاق
...
-
إضراب عام في اليونان بسبب الغلاء يوقف حركة الشحن والنقل
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
مفاجأة كبرى.. مقدار زيادة الأجور في المغرب وموعد تطبيقها ومو
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|