أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الكيلاني - قصة صعود وسقوط وزير الداخلية 2/2















المزيد.....


قصة صعود وسقوط وزير الداخلية 2/2


خالد الكيلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2028 - 2007 / 9 / 4 - 07:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


رأينا في المقال السابق كيف صعد إدريس البصري وزير داخلية المغرب الراحل ورجل المغرب القوي طوال عقدين من الزمان من مجرد أستاذ للقانون بالجامعة وموظف كبير بوزارة الداخلية، إلى الموضع الذي جعل الملك السابق يعتبره من المقدسات التي لا يجوز المساس بها فكيف سقط إذاَ ذلك السقوط المدوي الذي حوله بين عشية وضحاها من شخصية محورية في المعادلة السياسية المغربية، يحج إليها الجميع، ويخطب ودها الموالون والمعارضون، إلى شخص يتجنب الجميع مجرد التفوه باسمه؟.
بعد أربعة شهور بالتمام والكمال من تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، وفي حركة مسرحية أعدها رجال الملك الشاب ببراعة تم استدعاء الصحفيين والمراسلين الأجانب على عجل إلى مطار الرباط حيث ركبوا طائرة أقلتهم إلى حيث مؤتمر صحفي عقد بمدينة العيون عاصمة منطقة الصحراء والملعب الكبير لإدريس البصري وهنا كانت المفاجأة الأولى، حيث غاب البصري – وللمرة الأولى – عن الطائرة، وأيضاَ عن المؤتمر الذي أداره عدد من الوزراء على رأسهم السيد عبد الكبير العلوي المدغري وزير الأوقاف والشئون الإسلامية.وقبل أن يفيق الصحفيون من مفاجأة غياب البصري، وبعد أن تم إبعادهم عن المفاجأة الكبرى التي كانت تجري في مدينة مراكش على بعد أكثر من ألف كيلومتر حيث استدعي السيد إدريس البصري الذي جاءت به طائرة خاصة من الرباط لمقابلة الملك، وبينما ترك البصري فترة من الزمن في قاعة الانتظار بالقصر الملكي بمراكش مر عليه خلالها أحد أساتذة الاقتصاد بجامعة الدار البيضاء في طريقه إلى مكتب الملك محمد السادس حيث أدى اليمين وزيراَ للداخلية، وعندما انتهى من ذلك مر في طريقه للخروج بإدريس البصري حيث حياه بأدب وتقدير شديدين ليدخل بعدها البصري - دون أن يعلم شيئاَ – للقاء قصير مع الملك لم يستغرق سوى دقائق معدودة صدر بعدها بياناَ من القصر الملكي يعلن قبول استقالة البصري وتعيين السيد أحمد الميداوي خلفاَ له في وزارة الداخلية.
توارى السيد البصري تماما واختفى من الصورة بعد أن كان ملئ السمع والبصر، وسكت أو أجبر على السكوت، وأخذت الصحف الحزبية والمستقلة تنهش في لحمه طوال شهور كثيرة... صحف وأحزاب صنعها بنفسه، وأخرى لم تكن من صنع يديه تماماَ، وكان أكثر الناس هجوماَ عليه... وشماتة فيه هم أصدقاؤه المخلصون من الصحفيين والسياسيين الذين ظلوا لسنوات طويلة يتغنون بمناقبه ومزاياه.
لم أكن قط صديقاَ لإدريس البصري طوال أكثر من سبعة سنوات قضيتها في المغرب صحفياَ في مكتب الشرق الأوسط اللندنية، أو مراسلاَ للأهرام أو التليفزيون المصري، لم أحاول الاقتراب منه أكثر مما يجب رغم أهميته كمصدر لأي صحفي، ولكني مع ذلك أشفقت على الرجل من حملة الهجوم والشماتة والجحود التي تعرض لها بعد زوال سلطانه، لم تكن لدي علاقة خاصة بإدريس البصري، بل كان هناك خلاف لم يصل إلى حد الصدام في وقائع ثلاث – تتعلق كلها بالعمل - لا يتسع المجال هنا للحديث عنها بالتفصيل، أولها كان عام 1996 عندما تمت مصادرة جريدة الأهرام بسبب مقال لأحد الزملاء كان في زيارة للمغرب وكتب ما اعتبر وقتها مساساَ بالملك عندما أشار لمذكرة أحزاب المعارضة التي قدمتها للملك بأنها مذكرة "شديدة اللهجة". وبعد زيارة قصيرة لوزير الداخلية بصحبة السفير عادل الجزار – سفير مصر لدى المغرب وقتها – عادت الأهرام في اليوم التالي للتوزيع في المغرب. والثانية عندما أجريت حواراَ مع العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني للتليفزيون المصري في أكتوبر 1997 دون تنسيق مع إدريس البصري الذي هو طريق المرور الوحيد لأي حوار صحفي مع الملك مما اعتبره البصري يومها تجاوزاَ لشخصه ودوره من مراسل مغمور مثلي لأن كل الحوارات التي أجريت مع الملك الراحل – على ندرتها- كانت تمر من خلال طريق واحد هو إدريس البصري، حدث ذلك مع عرفان نظام الدين وعثمان العمير وعبد الرحمن الراشد ورئيس تحرير اللوموند ورئيس تحرير النيويورك تايمز وكبير صحفيي القناة الثانية الفرنسية، وفي اليوم الذي أذيع فيه الحوار في القناتين المصرية والمغربية ألغي إدريس البصري بهدوء ودون ضجة إقامتي في المغرب، وأعادها بنفس الهدوء بعد زيارة قصيرة له في مكتبه لم تستغرق سوى دقائق قليلة لم يتطرق فيها كلانا للحوار أو لإلغاء الإقامة.
الواقعة الثالثة كانت تصريحه الشهير لي داخل القصر الملكي بالرباط والمسجل بالصوت والصورة عقب حلفه اليمين الدستورية وزيراَ للداخلية في وزارة عبد الرحمن اليوسفي ظهر 14مارس1998 والذي أبان فيه عن غضبه الشديد ورفضه قيامي بالحصول على تصريحات من أعضاء الحكومة الجديدة داخل القصر الملكي، ولكن غضبه الأشد وسخطه الكبير كان على هؤلاء الوزراء الذين تجاوزوا الأصول والأعراف وسمحوا لأنفسهم بالحديث لقناة تليفزيونية من داخل القصر، وكان يقصد تحديداَ رئيس الوزراء عبد الرحمن اليوسفي ووزير الإعلام الصديق الكاتب محمد العربي المساري، يومها قدمت اعتبارات الملائمة السياسية على اعتبارات السبق الصحفي وحذفت تصريحاته في المونتاج رغم أنه طلب مني بإصرار إذاعتها، إلا أن زميلاَ أخر هو طلحة جبريل مدير مكتب جريدة الشرق الأوسط السابق في الرباط نشر الحكاية بعدها بشهور في مجلة الوسط اللندنية، فغضب إدريس البصري مني لا من طلحة جبريل.
بعد انهيار إمبراطورية إدريس البصري وزوال سلطانه، وفي ذروة الهجوم عليه اتصلت بالصديق والزميل محمد الأشهب مدير مكتب جريدة الحياة اللندنية بالرباط والصديق المقرب والمخلص للبصري، وقلت له دون مقدمات: أريد أن أقابل إدريس البصري، وقبل أن يفيق الرجل من ذهوله .. أردفت أريد أن أقابله فقط، لا أريد حواراَ صحفياَ، ومع ذلك فقد تسائل الأشهب تريد أن تقابل من؟!! قلت له إدريس البصري، كنت أعلم في ذلك الوقت أنه ممنوع من الإدلاء بأية أحاديث صحفية، بل ومن مقابلة الصحفيين، وكنا نعلم محمد الأشهب وأنا أن مجرد زيارة البصري في بيته أو الحديث معه تليفونياَ مسألة محفوفة بكثير من المخاطر، خاصة في ظل هذا الجو المعبأ والمشحون ضده رسمياَ وشعبياَ.
في اليوم التالي هاتفني محمد الأشهب ليبلغني أن السيد البصري يدعونا لتناول الغذاء معه في الشاليه الخاص به في منتجع بوزنيقة على شاطئ المحيط الأطلنطي في المسافة بين مدينتي الرباط والدار البيضاء.
ذهبنا محمد الأشهب وأنا في اليوم التالي إلى بوزنيقة، وطوال المسافة وبينما تركت قيادة السيارة للزميل الأشهب أخذت أنا أفكر كيف سأجد الرجل بعد أن سقطت عنه كل أقنعة السلطة وزالت عنه كل مساحيقها، ولكن لم يصل خيالي المتواضع إلى الحالة التي وجدته فيها مهزوماَ ومنكسراَ ومهزوزاَ وساخطاَ ويائساَ، استقبلنا الرجل في شرفة تطل على الحديقة الخلفية للشاليه الصغير المكون من طابقين، ولا أعلم حتى الآن سر اختياره لهذه الشرفة رغم وجود شرفة أوسع تطل على شاطئ المحيط الذي كان يعج في ذلك اليوم الربيعي الحار بالمصطافين ... ربما كان يتجنب الاقتراب من الناس أو حتى النظر إليهم، وبعد عبارات المجاملة المعتادة التي تخللتها القهوة الاكسيبريسو والحلوى المغربية أخذ يحكي لي عن مصر وحبه للمصريين – لا أذكر أن له أية علاقة بمصر أو حتى زارها سوى بصحبة الملك – ثم أخذ يقص لي عن بعض الصحفيين وكيف أنهم " طلعوا مش ولاد ناس" وباعوه في " أول محطة " بعد إقالته، وجاء الغذاء سمك وجمبري وسمبوسك وحريرة مغربية والرجل يحكي ويحكي، ويتدخل محمد الأشهب أحياناَ لتوضيح بعض المواقف والملابسات التي تاهت من الرجل، أو تاه عنها، أما أنا فلم أتدخل سوى ببعض الملاحظات أو كلمات المجاملة التي يفرضها الموقف، فقد كنت طوال الوقت مشغولاَ .. أتأمل الرجل وأستدعي للذاكرة أخر صورة له في ذهني منذ شهور قليلة مضت، حين كان يبدو كشاب ملئ بالحيوية وبصلف وغرور السلطة وكيف هو الآن – كان البصري وقتها في أوائل الستينيات من عمره – رجلاَ أخر أكبر من عمره الحقيقي بعشرين عاما، عيناه زائغتان، ويداه ترتعشان، ويتلعثم في الكلام، ونظراته الثاقبة فيما قبل أصبحت نظرات تائهة لا تركز على شيء، يومها قال كلاماَ كثيراَ لا رابط بينه عن المغرب والسياسة والملك والأحزاب ... إلى أن فاجأته بسؤالي ؟ ألا تفكر في كتابة مذكراتك؟ تردد قليلاَ ثم قال بالفرنسية ... ربما، قلت وهل تنشرها بالعربية؟ أجاب سريعاَ عندما أفكر في ذلك ستكون أنت من يكتبها، ابتلعت المجاملة اللطيفة من الرجل وقمت لوداعه وأنا أكثر إشفاقا عليه وعلينا وعلى كل من في السلطة في عالمنا العربي من الماء إلى الماء.




#خالد_الكيلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة صعود وسقوط وزير الداخلية 1/2
- الفرق بين رد القضاة ورد المحكمين في القانون المصري
- دستور 1971 ... هل يصلح لمصر الآن؟بين ضرورة التغيير ومخاطره
- الدستور المصري بين التعديل والتغيير
- هموم مصرية - لماذا جرى ما جرى؟
- عاشق أصيلة
- حوار مع رئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية في واشنطن
- دستوركم ياسيادي
- مش كفاية!!


المزيد.....




- -سوريا جنة-.. أصالة تهدي بلادها أغنية وتوجه رسالة مؤثرة للسو ...
- سوريا: أي انتقال سياسي؟ وما أفق الحل مع قسد؟
- ولي العهد السعودي يلتقي رئيس الوزراء العراقي في العلا.. ماذا ...
- أغرب عملية احتيال في مصر.. سائق تكسي -يعثر- على 8 ملايين جني ...
- البنتاغون يؤكد أهمية الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع الصين ...
- ألمانيا.. الحكم بالسجن 10 سنوات على قائد شبيحة سابق في نظام ...
- الطيران المدني الأردني: الملكية تقدمت بطلب لتسيير رحلات إلى ...
- قطاع غزة.. آمال بقرب وقف الحرب
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير مركز قيادة تحت الأرض لحزب الله ( ...
- البيت الأبيض يستبعد دعوة أوكرانيا للانضمام إلى -الناتو- خلال ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الكيلاني - قصة صعود وسقوط وزير الداخلية 2/2