الميثاق الوطني
في نفس الفصل واصل عزيز سباهي بحثه لمسيرة الحزب فتحدث عن عقد المؤتمر الحزبي الاول (الكونفرنس) سنة ١٩٤٤ واقرار الميثاق الوطني "وقد غطى الميثاق المطالب الملحة التي يناضل الشعب لتحقيقها في تلك المرحلة. وبهذا المعنى لم يكن برنامجا شاملا للحزب الشيوعي بل ولم يغط اهدافه الشاملة للمرحلة الديمقراطية." (ص ٢٣٨) ثم أبدى عزيز رأيه في الاسباب التي جعلت الميثاق بهذا الشكل.
ان عزيز محق كل الحق في انتقاده للميثاق بأنه لم يكن برنامجا شاملا لحزب شيوعي ولا حتى للمرحلة الديمقراطية. اليس هذا عجيب من ماركسي مثقف وشيوعي مخلص مثل فهد الذي يعتبر ستالين مثلا اعلى له ويؤمن بمبادئ الاممية الشيوعية؟
لنعد قليلا الى حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية حيث جاء في ص ٦٠ من مؤلفات الرفيق فهد "ولم يضع لهم (للمؤتمرين وهم فئة انشقوا على الحزب وعقدوا مؤتمرا لهم) هذا المنهاج واجبا سياسيا سوى اقرار منهاج حزبي انتهازي لا شيوعي اغفل في اهداف الحزب ذكر الدكتاتورية البروليتارية التي تعتبرها الاحزاب الشيوعية كافة الشيء الاساسي في اللينينية وجوهر محتويات الثورة البروليتارية". وفي نفس المصدر في الصفحة ٦١ "ان هذا الاجتماع الذي ارادوا ان يصموا الطبقة العاملة العراقية ب ’مؤتمر وعي الطبقة البروليتارية العراقية’ برهن على عدم وعي المجتمعين فيه، لا وعيا بروليتاريا ولا وعيا وطنيا ، لانهم انكروا فيه اهداف الطبقة البروليتارية لاقامة الدكتاتورية البروليتارية المعروفة بشكل حكومتها الديمقراطية السوفياتية، وانكروا هدف الشعب العراقي التحرري وهو السيادة الوطنية والتخلص من الاستعمار سياسيا واقتصاديا". وجاء في مقدمة هذه الرسالة التي كتبها حسين محمد الشبيبي (صارم) في الصفحة ٥ من مؤلفات الرفيق فهد "فمن الواجب ان يضع كل حريص على وجود هذا الحزب نصب عينيه دائما وأبدا، الاهداف البعيدة التي يرمي اليها كل حزب شيوعي وأن لا يصرف النظر عن تلك الاهداف، فليست الاحزاب الشيوعية، مهما كانت المرحلة التي تجتازها، سوى منظمات بروليتارية ثورية، منظمات لا يتحقق منهاجها الاعظم الا بثورة البروليتاريا، واذا كان مما يخيف البعض ذكر هذا الهدف ويرعبه فمن الخير له ان يتنحى عن السبيل وان ينزع اثوابا لا يطيق حملها والتزين بها، وان يتفادى الارتجاف من الحق والارتعاب من الواقع وأن يتحاشى التذرع والتذبذب لئلا يصيبه الدوار اذ ليس في هذا الميدان مجال للمجلس مالم يكن من ارومتها."
اذا كان هذا رأي فهد ورأي صارم فكيف امكن ان يترأسا مؤتمرا في ظروف خطرة غاية في السرية لكي يقر ميثاقا ليس فيه ما يشير الى اي شعار ستراتيجي من الشعارات الملزمة للاحزاب الشيوعية؟ كيف يمكن أن نتصور أن فهد يعد ميثاقا يتحاشى فيه ذكر الهدف البعيد وحتي الهدف القريب للحركة الثورية العراقية؟ ليس فهد الشيوعي العنيد من يضع ميثاقا كهذا ادنى حتى من منهاج المؤتمرين الذي انتقده. فما الحقيقة اذن؟ الحقيقة هي ان الميثاق الذي قرأه عزيز سباهي والذي ظهر في مؤلفات الرفيق فهد ليس الميثاق الذي اقره الكونفرنس الحزبي سنة ١٩٤٤. فالميثاق الذي اقره الكونفرنس كان يتألف من جزأين، المنهاج والميثاق. وكان المنهاج قصيرا يضع الشعارين الستراتيجيين للمرحلة الاولى من الثورة، مرحلة الثورة البرجوازية على اختلاف تسمياتها كالثورة الديمقراطية وثورة الاستقلال والسيادة الوطنية وثورة التحرر الوطني وللمرحلة الثانية، مرحلة الثورة البروليتارية واقامة دكتاتورية البروليتاريا. وكان اسلوب الميثاق بهذه الصورة شبيها بمنهاج الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (الحزب البولشفي) الذي اقر في المؤتمر الثاني سنة ١٩٠٣. اذ ان برنامح الحزب الاشتراكي الروسي كان يحدد مرحلتي الثورة البرجوازية والثورة البروليتارية ولذلك بقي هذا البرنامج دونما تغيير في شعاريه الستراتيجيين حتى ثورة اكتوبر سنة ١٩١٧. اذ ان هذين الشعارين لن يتغيرا قبل تحقيق الثورة البروليتارية مهما تغيرت ظروف النضال التكتيكي اليومي. وهذا يصح على ميثاق الحزب ايضا. اما الميثاق، اي القسم الثاني من الميثاق الوطني، فيعالج امورا تكتيكية قابلة للتغير حسب الظروف السياسية والاقتصادية وهذا هو الجزء من الميثاق الوطني الذي ادخل في مؤلفات الرفيق فهد وقرأه عزيز وعلق عليه.
لقد نشرت مؤلفات الرفيق فهد في السبعينات من القرن الماضي حين أصبح الحزب يخشى ذكر المراحل والقيادة في الثورة وحتي الثورة ذاتها. ويبدو لي ان جامعي المؤلفات تصوروا انهم اذا حذفوا قسم المنهاج من الميثاق الوطني كما اقره الكونفرنس الاول فانهم يطمنون بذلك رفاقهم في الجبهة القومية التقدمية. هذا هو السر في كون الميثاق الوطني بالشكل الذي يظهر في مؤلفات الرفيق فهد ميثاقا لا شيوعيا ولا ماركسيا كما سماه فهد في الفقرة المقتبسة اعلاه حول منهاج المؤتمرين. ولكن الواقع هو ان الميثاق الوطني الذي أقره المؤتمر الحزبي كان وما زال البرنامج الحقيقي والثوري لمراحل الثورة في العراق رغم ما قد يدعيه البعض من انه قد أكل الدهر عليه وشرب. ففي العراق تحققت المرحلة الاولى، مرحلة الثورة البرجوازية في ١٤ تموز ١٩٥٨. الا ان الشعار الثاني شعار الثورة البروليتارية لم يتحقق بعد ولذلك فان ميثاق فهد، الميثاق الوطني بنصه الحقيقي، ما زال هو الميثاق الثوري الحقيقي الضروري في المرحلة الحالية من تطور الحركة الثورية في العراق. ولا يغير من ذلك تخلي الحزب الشيوعي العراقي عن ذكر هذه المرحلة واتخاذ شعارات مثل شعار استكمال الثورة الديمقراطية او شعار الطريق اللاراسمالي نحو الاشتراكية وتحت قيادة حزب البعث.
مؤتمر النظام الداخلي
وشعار قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية
في آذار ١٩٤٥ انعقد المؤتمر الاول للحزب الشيوعي العراقي تحت شعار قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية. وفي هذا المؤتمر اقر النظام الداخلي للحزب الذي وضعه الرفيق فهد فاصبح للحزب برنامج اقره الكونفررنس الاول ونظام داخلي اقره المؤتمر الاول.
وقد تناول عزيز سباهي هذا المؤتمر والنظام الداخلي الذي أقره. ومنذ تناوله رسالة حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية أشار عزيز سباهي الى طبيعة نظام الحزب اذ قال في الصفحة ٢١٦ "لنتذكر اولا ان المبادئ التي اشتملت عليها والتي تتعلق بالاسس التي بنيت عليها الاحزاب الشيوعية في ظروف العمل السري، قد صيغت وشرحت وفقا للنموذج الذي جسده الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، ولكن ليس في الصورة التي كان عليها ايام لينين في زمن القيصرية برغم ان الرسالة تؤكد ذلك، وانما وفقا للصورة التي رسمتها الستالينية للحزب وللينينية انذاك، انها تعبير عن الفهم الستاليني للبلشفية."
فعزيز يرى ان الاسس التي بني عليها الحزب الشيوعي السوفييتي تختلف في عهد لينين عنها في عهد ستالين. ولكن مع الاسف ان عزيز لم ينورنا بالفروق بين الحزب في هاتين الفترتين. فما هي الاسس التي بني عليها الحزب الشيوعي في أيام لينين وما هي هذه الاسس في عهد ستالين؟ اننا نعلم من عزيز فقط انها مختلفة وأن الحزب في عهد ستالين بني وفقا لمفهوم ستالين للبلشفية.
هل يوجد خلاف في الاسس التنظيمية للحزب الشيوعي السوفييتي في فترة قيادة لينين وفترة قيادة ستالين؟ بالطبع توجد. ان الحزب الشيوعي حتى ثورة اكتوبر كان يعمل في ظروف العمل السري بينما بعد اكتوبر اصبح حزبا علنيا وحزبا في السلطة. ولذلك كانت الاسس التنظيمية للحزب في فترة القيصرية اسس العمل السري. وفي هذا الحزب كانت المركزية هي الصفة الغالبة في التنظيم الحزبي نظرا لعدم امكانية ممارسة الديمقراطية الكاملة في مثل هذه الظروف. بينما بعد ثورة اكتوبر اصبحت اسسه اسس العمل العلني واسس حزب يتولى مطلق السلطة في البلاد. وفي هذه الحالة يصبح من الممكن ممارسة المركزية الديمقراطية بأوسع اشكالها. وهذا ما كان في الحزب في فترة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي. واذا تتبعنا النقاشات العنيفة التي حدثت في الحزب طوال تلك الفترة نرى ان اشخاصا مثل بخارين وزينوفييف وكامينيف وغيرهم عارضوا كل خطوة في مسيرة بناء المجتمع الاشتراكي ناقشها الحزب قبل اقرارها. اما بعد اتخاذ القرارات من قبل الحزب بأغلبية كبيرة فيصبح من واجب هؤلاء الالتزام بقرار الحزب وخضوع الاقلية للاغلبية. ولم تجر محاسبة اي عضو التزم بهذه القاعدة اما الذين خالفوها فقد جرت محاسبتهم وحتى طردهم من الحزب اذا اصروا على ذلك. وقد حدث هذا عند مناقشة القضاء على الكولاك كطبقة سنة ١٩٢٨ فطرد العديد من هؤلاء القادة من الحزب الا انهم عادوا فانتقدوا انفسهم واعلنوا اعترافهم بصواب سياسة الحزب فقبلوا في الحزب ثانية واعيدوا الى مناصبهم الحزبية القيادية. ومن المعروف ان تروتسكي اجبر الحزب بعد وفاة لينين سنة ١٩٢٤على اجراء تصويت على اختيار السكرتير العام للحزب ورشح نفسه كخليفة للينين بدل ستالين فخذله حتى انصاره ولم يحصل سوى على صوت واحد هو صوته. وفي المدة من ١٩٢٤ الى ١٩٢٨ اجبر تروتسكي الحزب على اجراء استفتاءين حزبيين حول نظرياته في كيفية بناء الاشتراكية في دولة واحدة اي الاتحاد السوفييتي وفي امكانية يناء المجتمع الاشتراكي في دولة واحدة اذ انه لم يؤمن بذلك ولو مرة في حياته نال في الاول عددا كبيرا من الاصوات ونال في الثاني عددا ضئيلا من الاصوات. كان هذا اشارة الى تضاؤل نفوذه مما ادى الى طرده من الحزب. وهذا دليل على ان الحزب مارس المركزية الديمقراطية في اعلى مستوى. لا اعلم ان كان عزيز يقصد هذا النوع من الخلاف ام انه يقصد خلافا اخر احتفظ به سرا لنفسه خصوصا وانه يشير الى ان الحزب الشيوعي السوفييتي تحت قيادة ستالين لم يمارس المركزية الديمقراطية.
كانت النقاشات في تلك الفترة حادة داخل الحزب وخارجه حول السياسة التي يجب اتباعها خصوصا في القضايا الاقتصادية. ولم يكن ذلك بالامر الغريب بل كان امرا طبيعيا سواء من جانب المعارضين او من جانب سائر اعضاء الحزب او من جنب العمال والفلاحين بشتى منظماتهم ذلك لأن شعوب الاتحاد السوفييتي كانت تبني اول مجتمع اشتراكي في تأريخ البشرية. وكانت كل خطوة تخطوها هذه الشعوب في هذا المضمار جديدة سواء بالنسبة للقيادة ام بالنسبة لسائر الشيوعيين وعامة الشعب. كانت هذه النقاشات الحادة طبيعية لانها كانت تتوخى التوصل الى الطرق الصحيحة لبلوغ الهدف. وكان من الطبيعي ايضا ان تقع القيادة بمن فيها ستالين ببعض الاخطاء في التخطيط وفي التطبيق ولكن العبرة ليست في عدم الوقوع في الاخطاء انما في تمييز الاخطاء وانتقادها انتقادا جريئا وتحري اسبابها وتصليحها في الوقت المناسب وتفادي المزيد من الاضرار الناجمة عنها.
فاذا كان عزيز يقصد هذا النوع من الخلاف فان ما حدث في العراق في الاسس التنظيمية كان عكس ما ادعى به عزيز. فالحزب الشيوعي العراقي بني على اسس العمل السري ولذلك فانه بني على الاسس التي بني عليها الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي في فترة لينين، زمن القيصرية والعمل السري، وليس في فترة ستالين.
ويقول عزيز أن الحزب في عهد ستالين بني وفقا لمفهوم ستالين للبلشفية. ولكن ما هو مفهوم ستالين للبلشفية وبماذا يختلف مفهوم ستالين للبلشفية عن مفهوم لينين لها؟ هنا ايضا لم ينورنا عزيز برأيه في ذلك واكتفى بهذه العبارة بدون اي توضيح.
في الصفحة ٢٤٥ من الكتاب اورد عزيز شيئا عن النظام الداخلي الذي اقره المؤتمر الاول للحزب سنة ١٩٤٥. ولم يلجأ هنا الى قميص عثمان، ستالين، كما فعل في حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية. فقد اكتفى بالقول "جاء النظام الداخلي على غرار حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية مشددا على المركزية وعلى الضبط الحديدي". وهذا بمثابة العودة الى ستالين. ولكننا رأينا ان الواقع هو ان التشديد على المركزية وعلى الضبط الحديدي كان من صفات ومستلزمات الحزب الشيوعي في عهد لينين، عهد العمل السري الذي تتعذر فيه ممارسة الديمقراطية كما ينبغي. ثم يخصص عزيز فقرة طويلة لما لم يجده في النظام الداخلي. "رغم انه منح المؤتمر الوطني السلطة العليا في الحزب الا انه لم يتحدث عن الطريقة التي يتم فيها اختيار مندوبي المؤتمر..." ثم "النظام الداخلي ينص على ان تكون للعمال والفلاحين نسبة عالية في التمثيل. أما كم هذه النسبة فلا اشارة الى ذلك." يبدو ان عزيز يريد من النظام الداخلي ان يحدد النسبة المئوية للعمال والفلاحين كأن يقول ٣٥ بالمائة من العمال و٢٧ بالمائة من الفلاحين. ياله من مطلب واقعي. ثم "والصلاحيات التي يعطيها للجنة المركزية والسكرتير العام تؤكد على المركزية الشديدة داخل الحزب وباستثناء الخلية الحزبية التي نص النظام الداخلي ...على ان تنتخب منظمها لمدة سنة واحدة والمرشح عادة من قبل اللجنة المسؤولة عن الخلية" ثم "جميع اللجان الاخرى (باستثناء اللجنة المركزية) التي تعلوها في المرتبة الحزبية لا تنتخب مسؤولها." ثم "ولا يوضح النظام الداخلي الطريقة التي يتم فيها اختيار مسؤولي اللجان المنطقية او المحلية او اللجان الاخرى," الى اخر ذلك من مواد النظام الداخلي التي تؤكد كلها على التركيز على المركزية وعدم التركيز على الديمقراطية. وهذا كما رأينا من ضرورات الاحزاب السرية.
ولا يتطرق عزيز الى المواد التي تميز النظام الداخلي وتشمل النضال السري والنظام العلني على حد سواء.
فالمادة الاولى من النظام مثلا تنص على ما يلي:
"المادة – ١ – ان الحزب الشيوعي العراقي حزب الطبقة العاملة العراقية التي تجد حركتها الثورية تعبيرا لها في حزبها الشيوعي العراقي، اليها يرجع قيامه ولمصلحتها وضعت وتوضع نظرياته وخططه ولغرض سلامتها وتقويتها وتوجيهها يشاد تركيبه ويسن نظامه الداخلي."
هذه المادة تحدد معنى الحزب الشيوعي وتحدد صفاته باعتباره اداة طليعية للطبقة العاملة العراقية ولا وجود له بغير هذه الصفات.
وتصف المادة الثانية الاوضاع التي تجابهها الطبقة العاملة في نضالها. تجابه النظام الامبريالي المتمثل بالسيطرة البريطانية والسلطة المستقلة اسما والمستعمرة فعلا وتجابه جحافل الانتهازية التي تريد تحويل الحركة عن اتجاهها الثوري وجعلها مطية للبرجوازية وتجابه القوانين النازية الاستبدادية التي تمنع حركتها السياسية.
واستنادا الى كل ذلك تأتي المادة الثالثة لتفسير ضرورة وحتمية وجود حزب شيوعي يستطيع مقاومة كل هذه الظروف وكيفية تعزيزه والعمل على فرض علنيته في المستقبل من اجل تحقيق شعاره "وطن حر وشعب سعيد" ثم تنص نفس المادة على
"فالحزب الشيوعي العراقي حزب سري مجاهد ذو ضبط حديدي يسري مفعوله على جميع هيئاته وافراده دون استثناء يدين بمبدأ الانتقاد الذاتي ويأخذ بقاعدة المركزية الديمقراطية ويطبقها بالشكل الذي لا يتعارض وطبيعة العمل السري، تخضع هيئاته السفلى لقرارات الهيئات العليا وتخضع الاقلية لقرارات الاكثرية. حزب تملك قيادته نفوذا واسعا واحتراما بين هيئاته واعضائه وبالتالي بين الجماهير العمالية والشعبية. حزب لا مكان في صفوفه لمطايا النفوذ المعادي، الانتهازيين والموفقين ولا مكان كذلك للخاملين والثرثارين والجبناء."
وتحدد المادة الرابعة اهداف الحزب القريبة والبعيدة اذ تنص
"المادة – ٤ – تستهدف الطبقة العاملة العراقية في نضالها الوطني، تحقيق السيادة الوطنية والحرية الشعبية والديمقراطية والتقدم والرفاهية لا للعمال وحدهم بل لطبقات الشعب العراقي واقسامه كافة ... ولا تبغي في اهدافها البعيدة تحرير العمال وحدهم من الاستثمار والحرمان والعبودية والتأخر بل تبغي تحرير الفلاحين والحرفيين وذوي الملكية الصغيرة والمثقفين واقسام الشعب كافة من جميع صنوف الاستغلال وتحطيم الاغلال التي تكبل العلم والفن والادب وتكبت المواهب الشخصية عند الافراد والجماعات ... فلا عجب ان نرى كثيرا من الفلاحين والحرفيين والكسبة ورجال العلم والفن والادب والنساء يربطون مصيرهم بمصير الطبقة العاملة، يدخلون حزبها ويصبحون منها ويكرسون حياتهم لخدمة قضيتها."
ثم تحدد هذه المادة موقف الحزب الشيوعي من المناضلين الذين ينتمون الى طبقات اخرى غير الطبقة العاملة والفلاحين كرجال العلم والفن والادب والمستخدمين وصغار التجار والكسبة فتنص "اولئك الذين ينظرون الى قضية التحرر الوطني والى قضية الطبقة العاملة ويعملون لها باعتبارها قضيتهم بالذات، ان هؤلاء هم طليعة الطبقة العاملة ومفخرة شعبنا النبيل."
وهذه النقطة في رأيي ذات اهمية خاصة لانها تبين ان مثل هؤلاء الذين تختلف مصالحهم الانية عن مصالح الطبقة العاملة في انتمائهم للحزب الشيوعي انما يتخلون عن مصالحهم الانية ويتبنون مصالحهم البعيدة التي لا تتحقق الا بتحقيق الاهداف البعيدة للطبقة العاملة اي الاشتراكية. وهذا ما يميز المراتب البتي برجوازية عن الطبقة العاملة لان هذه المراتب عليها ان تضحي بمصالحها الانية لكي تتبنى مصالح الطبقة العاملة كمصالحها هي. لذا يتحتم على العناصر البتي برجوازية المنتمية الى الحزب الشيوعي او الحركة الثورية ان يتذكروا هذه التضحية بمصالحهم الانية لصالح مصالحهم البعيدة وان يكافحوا على الدوام ضد الاغراءات والميول الطبيعية لديهم للعودة الى رغباتهم لتحقيق مصالحهم الانية مما يبعدهم شاؤوا ام أبوا عن طريق الحركة الشيوعية وعن النضال من أجل تحقيق الثورة الاشتراكية وبناء المجتمع الاشتراكي,
وتحدد المادة الخامسة شروط عضوية الحزب الشيوعي بما يلي:
١ الاعتراف بمنهاج الحزب والتقيد بنظامه الداخلي.
٢ مساعدة الحزب ماديا.
٣ العمل في احدى منظمات الحزب.
ثم تشرح المادة معنى ومحتوى كل شرط من هذه الشروط الثلاثة. ومعروف ان هذه الشروط الثلاثة كانت بالضبط شروط العضوية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مؤتمره الثاني سنة ١٩٠٣ باصرار لينين ومؤيديه وبمعارضة العناصر الانتهازية مما ادى الى الانقسام المعروف الى الاغلبية (البولشفيك) والاقلية (المنشفيك).
فاين يا عزيز يكمن التشدد الستاليني في هذه المواد؟ الا ترى انك من اجل التوصل الى ارائك كان عليك ان تورد هذه المواد الجوهرية في النظام الداخلي وتفندها باعتبارها مفاهيم ستالينية او انها وضعت حسب المفهوم الستاليني للبلشفية؟
سياسة الحزب من اجل الجبهة الوطنية الموحدة
في صفحة ٢٩٧ يناقش عزيز سباهي سياسة الحزب تجاه الجبهة فيبدأ بابداء رايه في اهمية الجبهة فيقول "ان الجبهة، عدا عن كونها تجمع وتنسق ما بين القوى المشتركة فيها وتوجهها بصورة مركزة نحو نقطة واحدة تحددها قيادة الجبهة، فانها تشجع فئات واسعة من خارج هذه القوى على ان تركز النار على هذه النقطة ايضا. العمل الموحد وضمن المجموعة الموحدة يظل دائما اكثر تأثيرا من عمل ذات الاطراف ولكن على انفراد. الفرد في اطار المجموعة هو اقوى واصلب منه لوكان منفردا. وما يصح على الفرد يصح على المنظمات. ولان التاريخ تصنعه الشعوب تظل الحاجة قائمة دائما لتحشيد اوسع القوى. ولان الطبقات والفئات الاجتماعية في الشعب الواحد ذات مصالح وتطلعات ورؤى وافكار مختلفة فذلك يعني ان هناك حاجة الى جهاز، منظمة، للتنسيق بين هذه التباينات" ثم يناقش عزيز فكرة الحزب الواحد التي شاعت في الاربعينات ويفندها. ثم ينهي عبارته قائلا "ومع ان الدعوة الى الجبهة الوطنية الموحدة كان يراد بها ان تجمع القوى الديمقراطية وحدها الا ان التجربة التأريخية برهنت على قصور هذه النظرة.. وان هناك حاجة جدية الى تطوير الدعوة لتشمل كل القوى الوطنية التي تعادي الاستعمار واعوانه. وهذا ما حصل بالفعل في العقد التالي". (ان عزيز يقصد بهذه العبارة جبهة ١٩٥٧)
من المعروف ان الرفيق فهد كان ضد اشراك الاحزاب المغالية في الرجعية والمعادية مبدئيا للحزب الشيوعي مثل حزب الاستقلال الى جبهة يشترك فيها الحزب الشيوعي وكان هذا واضحا في الرسائل التي وجهها الرفيق فهد الى قيادة الحزب من سجن الكوت. وهذا واضح ايضا من المذكرة التي وجهتها الهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني بخصوص الجبهة حيث جاء
"١ ان تضم هيئة الجبهة ممثلين اثنين عن كل من الجماعات التالية : جماعة الاهالي، جماعة حزب الشعب، جماعة الاستاذ عبد الفتاح ابراهم، جماعة عصبة مكافحة الصهيونية، جماعة حزب التحرر الوطني، ومن صاحب جريدة (الراي العام) وصاحب جريدة (الشعب).
ان الاحزاب البرجوازية لا توافق على الانضمام في جبهة مع الحزب الشيوعي او مع احزاب او منظمات تنتمي الى الحزب الشيوعي او لها علاقة به الا اذا كانت في امس الحاجة الى مثل هذه الجبهة. وكان ذلك واضحا في الجبهة التي دعت الى الاضراب العام ليوم واحد في ١٠ ايار ١٩٤٦. فلم يكن بامكان الاحزاب البرجوازية ان تحقق اضرابا عاما بدون اشتراك الحزب الشيوعي. وحدث الاضراب العام. ولكن من اهم مبادئ الجبهة ان يكون التعاون فيها مقصورا على النقطة المتفق عليها في الجبهة وفي حالتنا هذه الاضراب العام. ولكن كل جهة في الجبهة من حقها ان تمارس سياستها الخاصة فيما يتجاوز نقطة الاتفاق. اي يجب الا يكون من شأن الجبهة ان تقيد الحزب الشيوعي عن ممارسة نضاله الخاص حتى ضد العناصر المنضمة الى الجبهة. وكان هذا واضحا في قرار الحزب القيام بمظاهرة اسنادا للجبهة رغم عدم موافقة اطراف الجبهة الاخرى على ذلك. ولا ادري ان كان وصف المظاهرة الوارد في كتاب عزيز سباهي دقيقا اذ اتذكر ان المظاهرة لم تخرج الى الشارع بل بقيت محاصرة من قبل الشرطة في كلية الهندسة. وقد هاجمت المظاهرة صحافة الاحزاب في اليوم التالي بدعوى اخلال المظاهرة بقدسية الاضراب.
ان مناقشة قواعد الجبهات وطابعها الطبقي بحث معقد طويل لا يمكن استيفاؤه هنا في موضوع تأريخ الحزب الذي كتبه عزيز سباهي اذ ان موضوع الجبهة اصبح غاية في حد ذاته خلال عقود عديدة من تأريخ الحزب ومازال كذلك حتى يومنا هذا. وعليه ساحاول بحث موضوع الجبهات الوطنية من الناحية النظرية والتطبيقية في موضوع منفصل.
ومع ذلك اشعر ان الموضوع يتطلب هنا بعض الملاحظات عن قواعد الجبهات.
الجبهة هي دائما اتفاق مؤقت بين فئات تختلف عن بعضها من حيث مصالحها الطبقية وتتفق على العمل المشترك حول قضية مشتركة تهم اطراف الجبهة رغم اختلافاتهم الطبقية. فهي مؤقتة لانها تعقد لتحقيق الهدف المشترك وتنتهي بالانتهاء منه. اما التناقضات الطبقية فهي ثابتة لا تتغير حتى تغير التكوين الطبقي لذلك المجتمع. ولذلك كان شعار لينين "لنفترق لكي نتحد". اي ان الخلافات الطبقية هي التي يجب التركيز عليها ثم الاتفاق على الهدف المشترك.
في مرحلة التحرر الوطني او ما يسمى علميا مرحلة الثورة البرجوازية تكون البرجوازية من بين الطبقات المضطهدة التي تعاني تضييقا على تطورها تمارسه السلطة الاقطاعية او الاستعمارية اي ان للبرجوازية مصلحة في تحقيق الثورة البرجوازية. ورغم التناقض بين مصالح الطبقة العاملة والفلاحين والبتي برجوازية مع مصالح البرجوازية من حيث استغلال البرجوازية للطبقة العاملة والفلاحين ومراتب البتي برجوازية هناك مصلحة مشتركة هي التخلص من الاستعمار وبقايا الاقطاع. هذا هو الاساس الوحيد لضرورة الجبهة في مرحلة الثورة البرجوازية.
ولكن البرجوازية لها مصلحة مزدوجة تتناقض مع مصلحة الطبقة العاملة. فهي تريد التخلص من قيود النظام الاقطاعي الاستعماري من جهة وتريد الابقاء على استغلالها للطبقة العاملة من الجهة الاخرى. لذلك فهي تريد ضمان ثورة او مساومة تحقق لها استلام السلطة السياسية في البلاد مع ابقاء النظام الراسمالي قائما. والجبهة التي تريد البرجوازية عقدها مع الطبقة العاملة تنشأ من هذه الطبيعة البرجوازية. فهي تريد ان تستغل نضال الطبقة العاملة لمصلحتها بدون ان تحقق مصالح الطبقة العاملة ذاتها. لذلك فان البرجوازية لا توافق على عقد جبهة مع الطبقة العاملة الا على هذا الاساس. اما الطبقة العاملة من جانبها فانها هي الاخرى لا تريد ان تحقق جبهة لا تحقق لها مصالحها التي تتطلبها الثورة البرجوازية كالاصلاح الزراعي الجذري وشروط العمل التي تخفف من وطأة استغلال الطبقة العاملة كتحديد ساعات العمل وعدم تشغيل الاطفال ومساواة المرأة بالرجل في اجور العمل المماثل وتحقيق الضمان الاجتماعي للعمال ومكافحة البطالة الخ. فالبرجوازية لا تريد تحقيق الثورة البرجوازية تحقيقا كاملا وكل همها هو استلام السلطة. وهذا ادى الى المبدأ اللينيني في قيادة الطبقة العاملة للثورة البرجوازية.
ان القوة الاساسية في الجبهة هي تحالف العمال والفلاحين. وكلما كان نفوذ الطبقة العاملة على الفلاحين اقوى اشتد ذراع الطبقة العاملة في الجبهة. وهذا يعني ان على الطبقة العاملة بقيادة حزبها الشيوعي في الوقت الذي تناضل من اجل التوصل الى الجبهة مع الاحزاب البرجوازية ان تضعف نفوذ البرجوازية على العمال والفلاحين وسائر الفئات الشعبية. وكلما ازداد نفوذ الطبقة على الفلاحين ازداد احتمال موافقة البرجوازية على عقد جبهة مع الطبقة العاملة.
هذه كانت سياسة الرفيق فهد في الدعوة لتحقيق جبهة مع البرجوازية في مرحلة الثورة البرجوازية اي المرحلة الاولى في برنامج الحزب الشيوعي العراقي المتمثل في الميثاق الوطني وفي كافة ادبيات الحزب في عهد الرفيق فهد. وهذا هو الاساس في رفض فهد الاتفاق مع حزب الاستقلال لانه مغال في معاداة الحزب الشيوعي ومساوم دائم للسلطات القائمة. فهل برهنت التجربة التاريخية على "قصور هذه النظرة" في الجبهة التي عقدت "في العقد التالي"؟
من المعروف ان كامل الجادرجي وضع شروطا سنة ١٩٥٦على الحزب الشيوعي من اجل الموافقة على قبوله في جبهة وطنية. وكانت هذه الشروط هي اولا التخلي عن التحدث عن المراحل. وهذا يعني تخلي الحزب عن التحدث عن الاهداف البعيدة للطبقة العاملة، اي عدم التحدث عن الثورة الاشتراكية التي يجب ان تتحقق بعد الثورة البرجوازية. والشرط الثاني هو التخلي عن التحدث عن قيادة فئة معينة للجبهة اي التخلي عن موضوع قيادة الطبقة العاملة للجبهة وترك قيادتها للبرجوازية. والشرط الثالث هو الاصرار على قبول حزب الاستقلال في الجبهة للموازنة بين اليسار واليمين في الجبهة.
وقد خضع الحزب للشروط الثلاثة. ففي الكونفرنس الثاني تخلى عن التحدث عن مرحلتي الثورة، الثورة البرجوازية والثورة الاشتراكية، وتخلى عن التحدث عن قيادة الطبقة العاملة بحلفها مع الفلاحين للجبهة، وكذلك وافق على الدخول في جبهة مع حزب الاستقلال وفقا لشروط كامل الجادرجي. بل اكثر من ذلك فقد زاد الحزب الشيوعي كرما في انه اعلن عدم اشتراط اشتراكه في الحكومة الوطنية التي تتحقق كنتيجة لعقد الجبهة. وفي حالة كهذه ليس من شك في ان الرجوازية توافق على عقذ الجبهة مع الحزب الشيوعي. فالبرجوازية تحب دائما ان تجد من يلتقط لها الكستناء من النار.
اليس هذا ما حدث في ١٤ تموز يا عزيز؟ الم تحقق البرجوازية العراقية هدفها في استلام السلطة من جهة ونبذ الحزب الشيوعي منها وانهاء الجبهة صباح ١٤ تموز من الجهة الاخرى؟ أولم تكن سياسة الحكومة البرجوازية الاستفادة من نضالات الحزب الشيوعي في تثبيت سلطتها الجديدة من جهة والمساومة مع بقايا الاقطاع والعناصر المعادية للشيوعية من الجهة الثانية؟ هل هذا ما برهنته التجربة التاريخية من قصور سياسة الرفيق فهد في الجبهة؟
تقييم قيادة الرفيق فهد
تنتهي فترة بحث عزيز سباهي للجزء الاول من كتابه باعدام الرفاق في ١٤/ ١٥ شباط سنة ١٩٤٩. فيتحدث عن اعادة محاكمة الرفيق فهد واعدامه مع حسين الشبيبي وزكي بسيم.
وبعد فقرات عن اهمية القائد واهمية تجربته التي هي تجربة نضال الطبقة العاملة يأتي الى تقييم قيادة فهد. يقول
"ان من يقيم قيادة فهد ينبغي ان يوجه انتباهه الى امرين خاصين. اولهما السبيل الملموس الذي سلكه لكي يوسع جذور الشيوعية في العراق لاسيما بين كادحيه، ويحدد لها اهدافها في المرحلة الراهنة من تطورها وثانيهما الروح التي اشاعها بين الشيوعيين في الحزب الذي اعاد تأسيسه. وظلت هذه الروح تسري في عروق الشيوعيين بعده." (ص ٤١٠) ثم يتحدث عن ميزات الرفيق فهد الشخصية من حبه للاختلاط بالكادحين ورعاية مصالحهم. ثم يقول "لا يمكن للمرء ان يغفل الاثار التي خلفتها الستالينية في هذه القيادة. فبرغم انتباهه الى اهمية مراعاة الاوضاع الملموسة واهمية الموقف المستقل وحاجة الحركة الثورية في البلاد الى نظريتها الوطنية الثورية، فان تعامله مع بعض الامور لم يخل من روح التشدد والصرامة التي تزيد عن الحد، كما لم تخل من القفز على الواقع الملموس احيانا.(ص ٤١١)
ان عزيز لا ينورنا بأمثلة من سياسة الحزب والرفيق فهد للبرهنة على روح التشدد والصرامة وعلى مظاهر القفز على الواقع الملموس. ويكتفي في انتقاد فهد على اختيار المسؤولين عن الحزب بعد اعتقاله كاختيار مالك سيف ويهودا صديق ثم اختيار ساسون دلال فيما بعد. فما الذي كان بامكان فهد ان يفعله غير ان يختار اقرب الكوادر اليه ممن لم يتم اعتقالهم. او اختيار شخص كان على استعداد ان يعمل في ظروف لم يبق فيها من يستطيع الاعتماد عليه؟ هل كان بامكان فهد ان يخلق كادرا من الهواء لكي لا يقفز "على الواقع الملموس"؟
ملاحظة شخصية
قبل بضع سنوات، ولعل ذلك كان في ١٩٩٩ تلقيت مكالمة تلفونية في بيتي في لندن ولدهشتي كان عزيز سباهي وطلب زيارتي فرحبت به كل الترحيب.
بعد مدة وجيزة جاء عزيز وجلسنا ساعتين او ثلاث نراجع ذكرياتنا عن سنوات قضيناها سوية في السجون. وحين سألته عن نشاطه قال انه منهمك في كتابة كتاب عن الصابئة. وفي مسرى الكلام اخبرني متبجحا انه كان المحرر الاقتصادي لجريدة الثورة لمدة طويلة رغم ان طارق عزيز كان يعرف انه شيوعي. وحين علمت انه مازال ذا علاقة بالحزب الشيوعي سألته كيف يوافق الحزب على نشر اراء مخالفة لارائه في الثقافة الجديدة حتى بدون انتقادها او التعليق عليها. فأجابني اليس من الافضل ان يقرأها ٢٠٠ شخص من أن يقرأها عشرون؟ فعجبت من الجواب وقلت له كنت اتصور ان الحزب ينشر صحافته لاجل تثقيف القراء بثقافته وبآرائه وليس لزيادة عدد القراء فقط على حساب ذلك. وخلال تلك الزيارة لم يخبرني عزيز بانه عاكف على كتابة تاريخ الحزب الشيوعي. لعله شعر بأني ستاليني مثل فهد فلم ير فائدة في اجراء مقابلة معي.
اكتب هذه الملاحظة لان عزيز اشار الي في حالتين ولو انه لم يذكر اسمي صراحة انما اشار الي بصورة غير مباشرة بعبارة الاخوين قوجمان. في الحقيقة كان عليه ان يقول الاخوة الثلاثة قوجمان لان اخي موشي ايضا عاش تلك الفترة وساهم في حياة الحزب سلبا او ايجابا. ولكن من الواضح ان ذكر الاخوين قوجمان كان يقصد فيهما يعقوب قوجمان الذي ذكر اسمه صراحة واشار الى حديث مسجل معه وأنا لان أخي موشي في فترة قيادة ساسون دلال التي يناقشها كان في سجن الكوت.
جاءت الملاحظتان في سياق انتقاد عزيز سباهي لاختيار فهد ساسون دلال لقيادة الحزب.
المرة الاولى التي اشار الينا فيها تنص كما يلي "...فان ماضي ساسون دلال لم يكن ليؤهله الى تولي هذه المسؤولية . فهو حتى عام ١٩٤٥ وبعد ان صفيت الكتل الشيوعية كان يقود هو وشخص اخر يدعى صالح مجلد تنظيما خاصا من الشباب اليهودي الذي كان يدعي الماركسية يقارب عددهم الخمسة والعشرين (كان من بينهم الاخوان قوجمان) يتبنون افكارا واهدافا خاصة تختلف عن افكار واهداف الحزب الشيوعي يحتفظون بكتلتهم الخاصة حتى بعد ان انضموا الى عصبة مكافحة الصهيونية.´(ص٤١٥).
لا اريد هنا ان اناقش موضوع عدم اهلية ساسون دلال بسبب ماضيه السياسي. فالمقياس في الاهلية ليس ماضي الشخص السياسي بل حاضره. فلو كان ساسون دلال قد اكتسب خلال وجوده في الحزب الكفاءات المتطلبة من قائد شيوعي لما حوسب على ماضيه السياسي. وقد شاهدنا في الحزب شخصيات كان لها ماض سياسي معاد للشيوعية صراحة فاصبحت فيما بعد من قادة الحزب الشيوعي سواء اكان ذلك اختيارا صحيحا ام خاطئا.
حسب اطلاعي على تأريخ أخي يعقوب انه كان حتى قبل تأسيس عصبة مكافحة الصهيونية عضوا في الحزب الشيوعي بعد ان اجتاز فترة الترشيح المطلوبة بموجب النظام الداخلي لقبول عضو في الحزب. ولا ادري كيف امكن يعقوب ان يقول لعزيز سباهي انه كان في كتلة مع ساسون دلال حتي بعد الانضمام الى عصبة مكافحة الصهيونية. ولكن ما الذي استطيع قوله وعزيز سباهي يستند فيما ذكر الى مقابلة مسجلة اجراها مع يعقوب؟
كان ساسون دلال صديقا عزيزا علي. وكنت خلال عدة اشهر في تلك الفترة التقي به كل يوم تقريبا وقد تعلمت منه الكثير. فقد كان ضليعا باللغة الانجليزية ويقرأ الكتب الماركسية بها. وقد عرفت منه لاول مرة في حياتي عن وجود علم يسمى المادية الديالكتيكية. ولكني كنت اعرف طبيعة ساسون دلال المتسرعة والمتغيرة. لقد عرض علي خلال بضعة اشهر من صداقتنا ان ادخل الى عدة منظمات كان يقول عن كل منها انها منظمة شيوعية. ولذلك قررت وصارحته بقراري باني لن انضم الى منظمة ينصحني هو بأن انضم اليها لاني اريد ان اجد المنظمة التي اومن بها بنفسي. ولم اعلم عن وجود منظمة له يقودها هو لا قبل تأسيس العصبة ولا بعدها. ولم يحدث انني اجتمعت معه مع اية جماعة انما كانت كل لقاءاتنا انا وهو لوحدنا. اتذكر مرة كنت معه في بيته نتحدث عن قراءاته الماركسية وفاجأنا اخوه عبودي دلال، وكان مدرسا للغة الانجليزية في مدرسة شماش اليهودية، وهو يحمل كتابا باللغة الانجليزية ليقرأ لنا شعرا من الكتاب ويترجمه لنا لشدة اعجابه به. كان الشعر من قبل شاعر موقوف في موقف قذر تنتشر فيه الحشرات والقاذورات وفي ابيات رائعة يقوم هذا الشاعر بوصف الموقف والقاذورات التي فيه. انا في الحقيقة لم انضم الى اية منظمة قبل انضمامي الى العصبة ثم الى حزب التحرر الوطني. كما اني لم اقدم في حياتي طلبا للانضمام الى الحزب الشيوعي ولم امر في فترة ترشيح حسب نظام الحزب انما اصبحت عضوا بصورة تلقائية حين اعتبر كل اعضاء حزب التحرر الوطني اعضاء في الحزب الشيوعي بعد مظاهرة ٢٨ حزيران. وللبرهان على ان يعقوب كان اذ ذاك عضوا في الحزب الشيوعي اورد حقيقة حدثت في بيتنا قبل هذه المظاهرة. فقد جرى في فترة الاعداد للمظاهرة تخطيط العديد من الشعارات التي رفعت في المظاهرة في بيتنا وكان خطاطها صديقي العزيز شاؤول طويق. وقد حضر في تلك الاثناء العديد من الكوادر الحزبية المتقدمة للاطلاع على سير العمل والاشراف عليه ولم اكن انا الذي دعوتهم لاني لم اكن عضوا في الحزب الشيوعي وانما كان يعقوب اخي هو الذي نظم ذلك لانه كان عضوا في الحزب الشيوعي. انا لا اعتقد ان يعقوب كان عضوا في منظمة يقودها ساسون دلال في الوقت الذي كان فيه في الواقع عضوا في الحزب الشيوعي.
والمناسبة الاخرى التي يذكر عزيز سباهي فيها الاخوين قوجمان هي "وفي رسالة خاصة من الاخوين قوجمان الى قيادة الحزب في سجن الكوت حذرا من اختيار ساسون دلال لقيادة الحزب بعد ان علما بالامر (وكان اذ ذاك يختفي في بيتهما)." (نفس الصفحة)
لا استطيع هنا ان اتكلم باسم يعقوب. ولكني لا اعلم عن مثل هذه الرسالة.
حين هرب ساسون دلال من المراقبة بقي في بيتنا بضعة ايام الى حين رتبوا له بيتا حزبيا عاش فيه الى أن قبض عليه. ولم اكن اعلم اين يقع هذا البيت الحزبي لانه كان سرا بالنسبة لي. ولم اكن اعلم في المدة القصيرة التي كان خلالها في بيتنا انه سيتولى قيادة الحزب.
شعرت في الواقع انه في القيادة من كتاباته لاني اميز اسلوبه. وقد قمت بانتقاد كتاباته تحريريا وبينت عدم انسجامها مع الظروف السياسية التي يعيشها الحزب. بعد ان قدمت عدة رسائل انتقادية لمقالات ساسون دلال الكثيرة وللسياسة اليسارية التي مارسها، وبعد عدم تلقي اي جواب على رسائلي طلبت مقابلة شخص من قيادة الحزب فجاءني رفيق جالاك الذي كنا نعرفه باسم ابراهيم على ما اتذكر. فجلست معه حوالى ساعتين لاصف له نفسية ساسون وتهوره وسرعة تقلبه والسياسة اليسارية الجارية في الحزب. وقد اخبرت جالاك ان ساسون دلال لا يصلح لقيادة حزب شيوعي في المجال العملي وحتى كتاباته يسارية لا تتناسب والظروف التي يمر بها الحزب. ولكني لم اعلم عن رسالة بهذا المعنى كتبتها او كتبناها يعقوب وانا واوصلناها الى قيادة سجن الكوت. والى حد علمي لم تكن لدى يعقوب تحفظات من قيادة ساسون دلال اذ انه كان منظم الخلية التي كنت فيها وكان يعترض على كل انتقاد اوجهه للقيادة في اجتماعات الخلية او حتى خارج الخلية في البيت مثلا.
الخاتمة
حين رأيت كتاب عزيز سباهي لم اقرأه لكي انتقده او لكي ابدي ملاحظات عليه. قرأته بكل لهف لانه يبحث فترة عشتها وساهمت فيها. فترة هي من امجد الفترات في حياة الحزب الشيوعي العراقي، فترة قيادة الرفيق فهد الحكيمة التي جعلت من الحزب اقوى قوة سياسية في البلاد واقرب الاحزاب الى قلوب الناس. فترة جعلت الحزب جماهيريا رغم كونه حزبا سريا في نضاله، سريا بمعنى انه يخفي نشاطه عن السلطات التي كانت تتربص له. ولكنه حزب علني بنضاله بين جماهير الطبقة العاملة والفلاحين وسائر طبقات الشعب العراقي بما في ذلك البرجوازية الوطنية العراقية.
قرأت الكتاب بلهفة ولكن لهفي اخذ يضمحل شيئا فشيئا حين بلغت في قراءتي دور الرفيق فهد وبحث اثاره الفكرية. نقل عزيز سباهي عن الرفيق فهد قوله "ان الرجعية الايطالية حين تريد اغتيال تولياتي فانها لا تفعل ذلك عبثا، انما تريد من ذلك اغتيال التجربة الثورية للطبقة العاملة الايطالية. ان القائد هو خلاصة تجربة طبقة ونضالها...". وحين قرأت تحليلات عزيز سباهي لتراث الرفيق فهد شعرت بأنه يريد قاصدا ام جاهلا التوصل الى ما تريد الرجعية التوصل اليه من اغتيال التجربة الثورية بارجاع كل كتابات ونضالات الرفيق فهد الى ستالينيته.
اعتقد ان امجد ما كان في الرفيق فهد هو ستالينيته اي في الواقع ماركسيته اذ ان الماركسية كانت تعني في عهد ستالين اراء ماركس وانجلز ولينين وستالين ولا وجود للماركسية بدون نظريات ستالين. كان استيعابه لنظريات ستالين في مختلف جوانب الماركسية اللينينية ونجاحه في الاستفادة منها في بناء الحزب وتطويره وفي تحليل اوضاع النضال الطبقي في العراق والتوصل الى الحلول الصحيحة فيما يتعلق بمرحلة التحرر الوطني ومرحلة الثورة البروليتارية اروع ما خلفه لنا فهد من تجربة نضال الطبقة العاملة العراقية.
وتجربة نضال الطبقة العاملة العراقية المتجسدة في افكار فهد هي كل ما تبقى من فهد متمثلة في مجموعة مؤلفاته رغم ان المجموعة لم تحتو على كامل مؤلفات الرفيق فهد. ليس بمستطاعي ان اورد كافة ما لم تتضمنه مؤلفات الرفيق فهد التي نشرها الحزب في السبعينات من القرن الماضي لأن ذلك يتطلب بحثا طويلا ومراجع وتدقيق ولكني استطيع ذكر ثلاث وثائق من هذه المؤلفات. الوثيقة الاولى هي الميثاق وقد رأينا ان الميثاق لم يظهر في المؤلفات كما هو في الاصل بل حذف منه المنهاج وهو الوثيقة الاساسية في تحديد استراتيجي مرحلتي الثورة في العراق، هذه الوثيقة التي مازالت حيوية الى يومنا هذا. والوثيقة الثانية هي كراس "الصهيونية عدوة العرب واليهود" الذي نشرته عصبة مكافحة الصهيونية باسم يوسف هارون زلخة رئيسها. ان من عرف يوسف زلخة يعلم ان مستواه الفكري لم يكن من مستوى ما جاء في هذا الكراس الذي حتى باعتراف عزيز سباهي تحليل رائع للقضية الفلسطينية. ان هذا الكراس هو بالتأكيد من مؤلفات الرفيق فهد وقد جاء ذلك صريحا في كتاب "عصبة مكافحة الصهيونية" بقلم الدكتور عبد اللطيف الراوي. كتب مؤلف هذا الكتاب في سياق تقديمه لكراس الصهيونية عدوة العرب واليهود:
"كانت العصبة، والكتاب هو مجمل وجهات نظرها، أكثر المنظمات السياسية في العالم العربي وضوحا في النضال وادراكا لمهمات المرحلة وطبيعتها ولذلك لم تشخص المشكلة اليهودية وتعطيها الحلول فقط انما شخصت الخطر الداهم على الامة العربية من قبل الصهيونية وأسيادها ووضعت يدها على’الطرق الناجعة في مكافحة الصهيونية وحل مشكلة فلسطين’ ..." وقال "ان قراءة متفحصة للكتاب تعطينا مؤشرات لعل اهمها:
١" أن الكتاب محدد الاهداف دقيق التشخيص والمعالجة.
٢" ان مؤلف الكتاب ليس شخصا عاديا يمتلك ثقافة عامة بل ان مؤلفه ذو افق فكري واسع وذهنية قائد يضع خطوطا واضحة للسير على منوالها وعلى هذا لا يستبعد ان يكون مؤلف الكتاب بوسف سلمان يوسف (فهد) سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الذي استشهد عام ١٩٤٩.
"واذا عرفنا ان يوسف هارون زلخة الموضوع اسمه باعتباره مؤلفا لم يكن بمستوى فكر الكتاب وان كل ما نشر موقعا باسمه من مذكرات او بيانات هو من املاء الشهيد فهد توضح الامر اكثر." (ص ٣٦)
وجاء في ملاحظة في اسفل الصفحة ٣٧ من الكتاب ما يلي:
"اكد لي ذلك (كون الرفيق فهد كاتب الكراس) سالم عبيد النعمان الذي يعد في حينه السكرتير الشخصي لفهد وكذلك اكده الاستاذ يعقوب قوجمان أحد اليهود التقدميين الذين ابعدوا بالقوة عن وطنهم العراق في مقابلة خاصة في لندن ايلول ١٩٨١ / آب.١٩٨٢"
اعتقد ان هذه الوثيقة الهامة يجب ان تضاف الى مؤلفات الرفيق فهد. والوثيقة الثالثة هي نصوص محاكمة الرفيق فهد سنة ١٩٤٧. فمحاكمته كانت وثيقة ماركسية رائعة ودفاعا عظيما عن الحزب الشيوعي والحركة الشيوعية في العراق وشرحا لاهداف هذه الحركة الوطنية والبروليتارية.
والحزب الشيوعي لا يمتلك لحد الان وثيقة غير مؤلفات الرفيق فهد يفاخر بها. فلم يقم الحزب الشيوعي باصدار مؤلفات سلام عادل او مؤلفات عزيز محمد رغم انهما قادا الحزب لفترات طويلة تفوق فترة قيادة فهد للحزب الشيوعي. ولا اظن ان الحزب سيقوم في المستقبل ايضا بنشر مؤلفات هذين القائدين. وليس للحزب ما يفخر به غير مؤلفات فهد.
ان شجب عزيز سباهي لكراس حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية والنظام الداخلي بحجة التشدد الستاليني وشجب الميثاق على انه لا يشكل برنامجا حقيقيا لا لمرحلة التحرر الوطني ولا لمرحلة الثورة الاشتراكية هو طمس لاروع ما في تأريخ الحزب الشيوعي العراقي من وثائق.
ولنعد الان الى تحامل عزيز سباهي على ستالين. أصبح من الواضح حاليا لاي انسان له دماغ يستخدمه للتفكير به، وللتفكير تفكيرا موضوعيا، ان شجب ستالين لم يكن ضد ستالين حقا بل كان شجبا للماركسية ذاتها. فالماركسية تتطور وتكتسب افكارا وتجارب جديدة تصبح جزءا لا يتجزأ منها. وكان من نصيب ستالين انه قاد شعوب الاتحاد السوفييتي في بناء اول مجتمع اشتراكي في التأريخ. لهذا اصبحت تجربة الشعوب السوفييتية المتبلورة في اراء ستالين جزءا لا يتجزأ من التراث الماركسي. وكل من يدعي الماركسية بدون اراء ستالين ليس ماركسيا ولا لينينيا ولا ثوريا. والذين شجبوا ستالين ابتداء من خروشوف يعلمون ذلك حق العلم. فحين شجبوا ستالين كانوا في الواقع يشجبون الماركسية اللينينية والاشتراكية والشيوعية. وقد ظهر ذلك جليا في التطورات التي جرت في الاتحاد السوفييتي تحت ستار شجب ستالين. فقد قاد هؤلاء الاتحاد السوفييتي من الاشتراكية المتقدمة نحو الشيوعية الى الراسمالية الامبريالية بابشع صورها. وحين انتهوا من مهمتهم اعلنوا حقدهم على لينين وعلى الاشتراكية وعلى الشيوعية وعلى ثورة اكتوبر. وقد عبر يلتسين، العضو السابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، عن ذلك بصراحة حين اعلن ان ثورة اكتوبر كانت غلطة تأريخية فظيعة. وحين ازيل اسم لينين حتى من مدينة لينينغراد وازيحت تماثيله في معظم ارجاء الاتحاد السوفييتي واغلق ضريحه في موسكو. وحين يأتي عزيز سباهي في القرن الحادي والعشرين ليكرر كل الاتهامات التي الصقها بستالين اعداؤه حتى بعد اكثر من عقد على انهيار الاتحاد السوفييتي واتضاح خطل كل هذه الاتهامات وظهور الغرض الحقيقي من الصاق تلك الاتهامات بستالين وهو اعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي يدل على ان عزيز سباهي لم يفهم شيئا مما جرى خلال هذه العقود التي مرت على الحركة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي والعالم والعراق ايضا.
أنا في الحقيقة لا احسد عزيز سباهي على موقفه الحالي بل اشفق عليه. ففي الجزء الاول من كتابه كان لديه ما يتحدث عنه ويباهي به من امجاد الحزب الشيوعي التي يمثلها الرفيق فهد وهي عائدة لفترة اعادة تأسيس الحزب وقيادته والنضالات التي قادها في الفترة القصيرة التي كان فيها على رأس الحزب. ولكني اشفق على عزيز حين يواصل كتابة الجزء الثاني والجزء الثالث من كتابه. ان عزيز يجابه مهمة غاية في الصعوبة. فعليه ان يعبر عن الازدهار الذي ادى اليه التحرر من عبودية ستالين في الاتحاد السوفييتي حين تحول من دولة اشتراكية متقدمة الى دولة راسمالية متأخرة وازدهار الحزب الشيوعي ذاته بعد تحرره من العبودية الستالينية حين استبدلت المركزية المطلقة الستالينية فيه بالمركزية الديمقراطية وحين تخلى الحزب عن التشدد الستاليني وعن التنظيم الحديدي وعن اعتبار كل معارض عدوا طبقيا والى فتح المجال لكل انسان لدخول الحزب الشيوعي بدون التمسك بشروط العضوية المقررة في منهاج الحزب الشيوعي مما ادى الى تطور الحزب الشيوعي وارتفاع عضويته وجماهيريته من اكثر من عشرة ملايين عضو كما تركه لهم ستالين الى اقل من نصف مليون عضو قبل ان يقوم سكرتيره العام، غورباشوف، بحله واعتباره حزبا غير شرعي. وعلى عزيز سباهي ان يبحث كيف ادى تخلي القيادة السوفييتية عن التركيز على الصناعة الثقيلة وتطوير الزراعة التعاونية الى تفسخ المزارع التعاونية وتدني الصناعة الثقيلة والخفيفة فيما عدا صناعة الاسلحة الى درجة ان المواطن لم يعد يجد الخبز الا في السوق السوداء وباسعار تضخمية رهيبة.
وفي النطاق العالمي على عزيز سباهي ان يشرح التقدم الذي شاهدته الحركة الشيوعية منذ ان تخلت عن التشدد الستاليني وتشقق وحدة الحركة الشيوعية العالمية وظهور انواع واشكال من الاحزاب التي تطلق على نفسها اسم الشيوعية.
أما في النطاق المحلي فمهمته اصعب من ذلك. عليه ان يبين ازدهار الحزب نتيجة لتخليه عن تشدد فهد الستاليني فاظهر مرونة قصوى حين استجاب لمطالب كامل الجادرجي في التخلي عن التحدث عن المراحل وعن القيادة وابداء المرونة في قبول الدخول في جبهة مع حزب الاستقلال المعادي للشيوعية. وان يفسر اسباب الزيادة في كرمه ومرونته حين اعلن انه لا يشترط في دخوله في الجبهة الاشتراك في حكومة الجبهة. وزيادة في المرونة وعدم التشدد تخلى الحزب عن الطبقة العاملة والفلاحين والشبيبة والطلبة والنساء من اجل الدخول في جبهة مع حكومة صدام حسن البكر الفاشية التي تحكم بالاعدام كل جندي يثبت ان له علاقة او كانت له علاقة بالحزب الشيوعي وما نتج عن تحطم هذه الجبهة في الواقع اذ تحول الذين افلحوا في الهرب من العراق الى شراذم منتشرة في ارجاء العالم تريد قيادة الطبقة العاملة والشعب العراقي بالمراسلة.
وعليه ان يبحث موضوع الجبهات العريضة المعقودة تحت رعاية وكرم الاسد والقذافي وخادم الحرمين ثم تحت رعاية توني بلير وجورج بوش حيث اصبحت المعارضة تحت رعايتهما تضم خليطا من ملكيين وجمهوريين ورجال العهد البائد والمتدينين ممن لا مصلحة تربطهم سوى ان يطلقوا على انفسهم اسم المعارضة لينالوا الاموال بسخاء من الولايات المتحدة وغيرها وان ينتظروا ان يقوم بوش وبلير بتحرير العراق من ظلم صدام وتحقيق البديل الديمقراطي من بينهم او من اشخاص اخرين يعتمد عليهم بوش كما اعتمد على كرزاي في افغانستان. وان يفسر كيف اصبح الحزب الشيوعي يدخل في هذه الشلة ويخرج منها بدون ان يشعر به احد وكانه صفر الى اليسار.
هذه كلها مهام صعبة يترتب على عزيز سباهي ان ينجزها. ارجو ان يكون الله في عونه لكي ينجز مثل هذه المهام لاخراج الجزأين الثاني والثالث من كتابه.
وفي الختام اود ان اورد عبارة قالها ستالين في تقرير قدمه في موسع اللجنة المركزية السابع للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي في ٧ كانون الاول ١٩٢٦ لمناقشة خطاب القاه كامينيف باسم كتلة المعارضة التي كان يتراسها تروتسكي وزينوفييف في نفس موسع اللجنة المركزية. قال ستالين:
"ما الذي يحصل اذا نجح الراسمال في تحطيم جمهورية السوفييتات؟ سينشأ عصر اسود رجعية في جميع الاقطار الراسمالية والمستعمرات، رجعية تمسك بخناق الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة، وستضيع مصالح عالم الشيوعية الاممية." (مؤلفات ستالين، المجلد ٩، ص ٢٨-٢٩ ، باللغة الانجليزية)
فهل يستطيع حتى عزيز سباهي المتحرر من عبادة ستالين ان ينكر ان شعوب العالم كلها تعيش عصر الرجعية السوداء الذي تحدث عنه ستالين اليوم في ظل الحرب العالمية التي تشنها الولايات المتحدة على العالم كله ومن اجل احتلال واستعمار واستغلال هذا العالم بحجة الحرب ضد الارهاب؟
لا ادري ان كان يستطيع ذلك ولكننا نعيش عصرا كل شيء فيه ممكن.
المراجع
بعثة الى موسكو، جوزيف ديفيز
الراوي عبد اللطيف، عصبة مكافحة الصهيونية
ستالين ، المؤلفات المجلد ٩ (باللغة الانجليزية)
مزيفو التاريخ (باللغة الانجليزية)
فهد ، المؤلفات
للمؤلف
١ الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق
نشر في المملكة المتحدة ١٩٧٨
٢ Marx and his Dialectical Materialism
نشر في المملكة المتحدة ١٩٨١
٣ ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ في العراق وسياسة الحزب الشيوعي
نشر في المملكة المتحدة ١٩٨٥
٤ قاموس عبري عربي كامل (في ثلاثة مجلدات)
نشر في اسرائيل ٢٠٠٠
٥ Stalin As I Understood Him
نشر في المملكة المتحدة ٢٠٠١
٦ The Maqam Music Tradition of Iraq
نشر في المملكة المتحدة ٢٠٠١
٧ ذكرياتي في سجون العراق السياسية
نشر في المملكة المتحدة ٢٠٠١
٨ الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة
نشر في المملكة المتحدة ٢٢٠٠