|
(2) التغنيم والتنفيل ....؟
خليل عبد الكريم
الحوار المتمدن-العدد: 2027 - 2007 / 9 / 3 - 10:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
_________________________________________3 إذن الغنائم والأنفال والفيء والأسلاب(ج سلب) مسألة كانت تحظى بقدر وفير من اهتمام الصحابة- أو غالبيتهم التي أدركت الإسلام على كبر- ولاحظ محمد ذلك ووعاه ، وكان من كمال قيادته أن يحقق لهم هذا المطلب فيشبع لديهم ناحيتين: مادية وهي سد الخلة(21) ، ونفسية وهي الشعور بالغلبة والنصرة على العدو وقهره بالاستيلاء على أمواله وحريمه. ولذلك كان يسارع بتقسيم الغنائم ونفح الأنفال عقب المعركة مباشرة وفي ميدانها قبل أن يكر راجعاً حتى تهدأ نفوس صحبه وتستقر وتطمئن أنها حصلت على نصيبها من المغانم وأن خروجها للعراك والقتال وتعريض حياتها للخطر لم يكن بغير عائد ولا طائل بل على العكس رجع بفائدة جزيلة ومكاسب وفيرة : ( قال الأوزاعي: لم يقفل رسول الله – ص – من غزوة أصاب فيها مغنماً إلا خمّسه وقسم قبل أن يقفل(=يرجع)، من ذلك : غزوة بني المصطلق ، وهوازن ويوم حنين وخيبر) (22) ( وأكد هذه الحقيقة التاريخية الإمام الشافعي شيخ المذهب: قال الشافعي : وذلك أن النبي –ص- قسم أموال بني المصطلق وسَبْيَهُم في الموضع الذي غنمه قبل أن يتحول عنه ، وما حوله كله بلاد شرك، وقسم أموال أهل بدر بـ (سَيَر) ، على أميال من بدر ، ومَنْ حول (سَيَر) وأهله مشركون)(23) ، وعلى سبيل المثال إثر الانتهاء من غزوة حنين جُمع السبي وحبس في الجعرانة وكان ستة آلاف: 1 - ( .... وقد كان فرّق منه وأعطى رجالاً) : عبد الرحمن بن عوف كانت عنده امرأة منهن وطئها بالمِلْك وكان رسول الله –ص- وقد وهبها له بـ(حنين) فردها إلى الجعرانة حتى حاضت فوطئها وأعطى صفوان بن أمية أخرى وأعطى علي بن أبي طالب جارية يقال لها ربطة... واعطى عثمان جارية يقال لها زينب . فوطئها عثمان فكرهته ولم يكن علي وطيئاً وأعطى عمر بن الخطاب جارية فأعطاها عمر ابنه عبد الله بن عمر فبعث بها ابن عمر إلى أخواله بمكة بني جُمح ليصلحوا منها حتى يطوف بالبيت ثم يأتيهم وكانت جارية وضيئة مُعجبة؛ وأعطى رسول الله-ص- جبير بن مطعم جارية من سبي هوازن فلم توطأ وأعطى رسول الله-ص- طلحة بن عبيد الله جارية فوطئها طلحة وأعطى سعد بن أبي وقاص جارية وأعطى رسول الله-ص- أبا عبيدة ابن الجراح فوطئها وأعطى رسول الله – ص – الزبير بن العوام جارية ، وهذا كله بـحنين )(24) هذا الخبر يدلنا على أن محمداً قد وهب – عقيب المعركة- كبار أصحابه كل واحد منهم جارية وُصفت إحداهن بأنها ( وضيئة مًعجبة) – أي فائقة الحسن والجمال- بعضهم افترشها أو وطئها وبعضهم لم تتح له فرصة مفاخذتها أو مجامعتها إذ أصدر محمد أمراً آخر بردّ السبايا إلى أهلهن ومن الذين لم يتمكنوا من الوطء عبد الله بن عمر ، ونلاحظ أن الذين نفحهم محمد السبايا الحسان كلهم من قريش ومنهم ثمانية (1/عبد الرحمن2/عليّ3/عمر 4/ عثمان 5/ طلحة 6/ سعد،7/ أبو عبيدة، 8/ الزبير) من (العشرة المبشرين بالجنة) وهم مجلس شورى محمد الذي حل محل ( ملأ قريش)أو(حكومة مكة) قبل الإسلام، ولقد كان منح محمد لهم الجواري ذروة الحنكة منه ، فقد عاشوا باستثناء علي – ردحاً طويلاً من عمرهم في فترة ما قبل الإسلام، وهم وإن كانوا قرشيين- إلا أن عرف الحصول على الغنائم والأنفال والسبايا والأسلاب إثر الغارات كان طاغياً على مجتمع شبه الجزيرة العربية آنذاك وهم لا مشاحة تأثروا به بل هو مترسبٌ في أعماق شعورهم ويزداد يقيناً بحصافة محمد وذريته في سياسته لصحابه، إذا علمنا أن أولئك جميعهم ما عدا علياً وعمر ممن ولّوا مدبرين مع المنهزمين (يوم حنين) . ( وبقي رسول الله –ص- في نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته : العباس وعليّ والفضل بن عباس، وأسامة بن زيد وأبو بكر وعمر عليهم السلام) (25)، وقد جاء بالخبر أن محمداً عند هجوم هوازن عليه لم يبق معه إلا نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته و(النَفَر – بفتحتين – عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة) (26) وأكد السهيلي أن أصحاب محمد فروا عنه (حتى لم يبق منهم إلا ثمانية)(27) وسجّل القرآن عليهم ذلك الموقف (ثم وليتم مدبرين) (28) وقال أبو سفيان بن حرب مستهزئاً وكان حديث عهد بالإسلام ( لاتنتهي هزيمتهم دون البحر)(29) . لو كان القائد غير محمدفي تلك الوقعة لعاقب الفارين ومن بينهم أولئك الذين وهبهم الجواري الحُلوات الملاحات- باستثناء عمر وعلي – لكنه اغتفر لهم فرارهم من الزحف رغم أنه كبيرة بنص القرآن (30) لأنه كان شديد البراعة في معالجة صحبه. حتى الذين لم يشتركوا في القتال اشتراكاً فعلياً كان محمد يحرص على مراضاتهم :- ( إنه –ص – قسّم ما غنموه يوم بدر على من حضر ، وعلى أقوام لم يحضروا أيضاً وهم ثلاثة من المهاجرين وخمسة من الأنصار، فأما المهاجرون فأحدهم عثمان فإنه عليه السلام تركه على ابنته لأنها كانت مريضة وطلحة وسعيد بن زيد فإنه-ص- كان قد بعثهما للتجسس عن خبر العير وخرجا في طريق الشام)(31) ، ويلفت الانتباهفي هذا الخبر أن الثلاثة المهاجرين كلهم من قريش ومن مجلس الشورى(العشرة المبشرين بالجنة) أو الصورة الإسلامية لـ(ملأ قريش) حاكم مكة قبل الإسلام ، والأنصار الخمسة حالت ظروف صعيبة بينهم وبين القتال في المعركة ، ومن ثمة رأى محمد ألا يحرمهم مهاجرين وانصاراً من (القسمة) لهم لأنها تمثل رأسمال رمزي – بغض النظر عن القيمة المادية ولذلك يعد هؤلاء – لدى كُتّاب السَيَر والإخباريين – ممن شهد بدراً معنوياً وإن لم يشترك فيها جسدياً مستندين في ذلك إلى (القسمة) محمد لهم إذ عدّوا ذلك إقراراً بالمساواة بالمساهمة الفعلية في الغزوة, وقد رأينا في الفصل الخاصبـ(تعريف الصحابة) أن شهود بدر يعتبر رتبة عالية لدى الصحابة ، كما أن محمداً قدّر بثاقب بصره ألا يعزل عنها(=الرتبة) ثلاثة من مجلس شوراء(العشرة المبشرين بالجنة)، خاصة وأنهم في وقت العراك كانوا يؤدون واجبات جسيمة، وأن حجبهم عن هذه الدرجة الرفيعة يُخِلّ بشرف عضويتهم للمجلس. ومما يكشف عن اهتمام الصحاب بمسألة الغنائم وملحقاتها والتفاتهم إليها والتطلع دائماً صوبها أنه في غزوة بني النضير تمت المصالحة بين محمد واليهود الذين خلّفوا وراءهم الشيء الكثير من الأموال والحلقة (السلحة) فاستشرفت إليها نفوس الصحب وعبّر عن رغبتهم عمر بت الخطاب وسوف نرى فيما بعد أنه كان جريئاً في مخاطبة محمد – فقال( يا رسول الله ألا تخمّس ما أصبت من بني النضير كما خمّست ما أصبت من بدر ) (32) . ونرجح أن محمداً كان بوده أن يفعل كدأبه في تطييب خواطرهم ولمعرفته العميقة بتعلق نفوسهم بالمغانم وما إليها، ولكنه لم يستطع لأنه كان قد تلا عليهم آيات من القرآن تجعلها لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل(33) ومن ثم كان ردّه حاسماً على وافد الصحابة ومندوبهم في هذا الشأن : ابن الخطاب ( لاأجعل شيئاً جعله الله لي دون المؤمنين بقوله تعالى ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى..) الآية كهيئة ما وقع فيه السُهمان للمسلمين)(34) ، وفهم عمر من ذلك أن غنائم بني النضير هي من صفايا محمد وأن(الفيء) هو البديل الإسلامي لـ(الصفيّ) ولو أنه ليس البديل الوحيد لأن لمحمد صفياً من كل غنيمة يصطفيه لنفسه مالاً كان أو حلقة أو سبياً وأبرز مثل على ذلك تذكره كتب السيرة : صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية؛ إذن(الفيء) يمكن أن يطلق عليه(صفيّ إضافي) ، ولذلك ( كان عمر بن الخطاب –ر- يقول لرسول الله-ص- ثلاث صفايا- فكانت بنو النضير حُبساً(=وقفا) لنوائبه...)(35) وكلها(فيء) ولكن ابن الخطاب اعتبرها صفايا وبذلك سوّى بين الفيء والصفيّ . والصفايا هي التي كان يأخذها رئيس أو زعيم القبيلة لنفسه من الغنائم في الغارات- دون باقي المغيرين- وكان ذلك عرف مستقر في الجزيرة العربية بأسرها ولدى جميع القبائل بلا استثناء(36) ؛ ففي القاموس المحيط للفيروز آبادي ( الصفيّ من الغنيمة ما اختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة)(37) . وبانتقال هذا العرف إلى الإسلام أصبح تعريف الصفيّ(هو شيء نفيس كان يصطفيه النبي-ص- لنفسه كسيف أو قوس أو أمة)(38) ولم يكن أحد من أفراد القبيلة يعترض أو يمد عينيه إلى صفيّ أو صفية الرئيس. ولهذا ولغيره قلنا ولا زلنا نكرر أن معرفة الأعراف والتقاليد والعادات والأنظمة التي كانت متجذرة في أعماق مجتمع الحقبة المتقدمة على الإسلام ضرورية للغاية لتفسير (النصوص) المتعلقة بالأحكام ولفهمها الفهم الأمثل وبالتالي الوصول إلى الإجابة الصحيحة عن سؤال على قدر وفير من الخطر وهو : هل هذه (النصوص) متعلقة بالمجتمع الذي انبثقت من باطنه وتخلقت في أعماقه أم هي ليست كذلك وتتمتع بالعمومية والاتساع والشمولية؟ إن الإجابة عن هذا السؤال الجوهري ستضع كثيراً من النقاط فوق الحروف وسوف ترفع العنت والحرج والضيق عن المخاطبين بتلك (النصوص) . .. ( من كتاب – شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة –السفر الأول – محمد والصحابة الكاتب ، خليل عبد الكريم – الناشر سينا للنشر – القاهرة 21- في مختار الصحاح للرازي – الخلة بالفتح الحاجة والفقر . 22- سنن الأوزاعي للإمام عبد الرحمن الأوزاعي- تصنيف الشيخ مروان محمد الشعار , ص 411 – الطبعة الأولى 1413هـ/1993م – دار النفائس- بيروت والأوزاعي من أصحاب مذاهب الفقه المندرسة . 23- كتاب المغازي – للوافدي- الجزء الثالث- ص944 – مصدر سابق . 24- كتاب الأم للشافعي جـ4 . 25- المصدر نفسه ص 900. 26- مختار الصحاح للرازي. 27- السهيلي في الروض الأنف على هامش السيرة النبوية لابن هشام – الجزء الرابع ص 141 – مصدر سابق . 28- سورة التوبة – الآية 25 . 29- ابن هشام السيرة النبوية – الجزء الرابع- ص 124 – مصدر سابق. 30- مثل كثير من فقهاء التبرير يقول السهيلي ( لم يجمع العلماء على أنه من الكبائر إلا يوم بدر) نفس المصدر والصفحة نفسها . 31- مفاتيح الغيب او التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي مجلدالسابع ص 431مصدر سابق 32- كتاب المغازي للوافدي – الجزء الأول –ص 337- مصدر سابق . 33- الآية السابعة من سورة الحشر 34- كتاب المغازي للوافدي – الجزء الأول- ص377- مصدر سابق . 35- كتاب المغازي للوافدي – الجزء الأول- ص 377-مصدر سابق . 36- لمعرفة النظم والأعراف والتقاليد التي أخذها الإسلام من الفترة السابقة عليه يمكن الرجوع إلى الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية تأليف خليل عبد الكريم طبعه أولى1990 دار سينا 37- القاموس المحيط في مادة الصفو، والتعريف ذاته ورد في مختار الصحاح للرازي . 38- التعريفات لأبي الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني المعروف بالسيد الشريف .
.. ( من كتاب – شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة –السفر الأول – محمد والصحابة الكاتب ، خليل عبد الكريم – الناشر سينا للنشر – القاهرة يتبـــــــع
مرسل من قبل مصطفى حقي
#خليل_عبد_الكريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|