|
الخروج من بؤر التخلف والتعلق بأذيال القرن الواحد والعشرين..
عبده جميل اللهبي
الحوار المتمدن-العدد: 2026 - 2007 / 9 / 2 - 02:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ خمسة قرون تقريباً ، وبعد طرد الاحتلال العربي من اسبانيا وبعض أطراف أوربا ، نفخ في الصور ، وقامت القيامة ، وحشر الناس على محيط الأبيض المتوسط ، ثم قرأ أصحاب اليمين كتابهم ، وقرأ أهل الشمال كتابهم ، فأخذ كل منهم نتيجة عمله وما كسبت يداه ، فالشعوب الأوربية ذهبت إلى جنات تجري من تحتها الأنهار ( خالدين فيها ) في السويد ، والنرويج والدنمرك وبريطانيا ( وكندا ) .. والشعوب العربية ذهبت إلى جحيم العالم الثالث تكتوي بنار البطالة وتتجرع ألم الجوع ، ووكل بهم زبانية شداد غلاظ لا يتزحزحون من كراسيهم ولا يتركون السياط من أيديهم إلا بقوة من العلي القدير .. غير أن الغريب في الأمر أن دول الاتحاد الأوربي لازالت تنظر إلى هذه البقعة من العالم بعين الشفقة والرحمة ، وتعمل جاهدتاً على إصلاح ما أفسده الدهر ، في محاولة منها لإخراج العرب من الجحيم الذي مزق أشلائهم وقصف أعمارهم طيلة قرون مضت .. ولم يبد على أحد أن رعى هذا الجميل أو اعترف به .. برغم ماتأتيهم من معونات من بلدان الاتحاد الأوربي لإخراجهم من براثن التخلف المصيري ومن غوايات الجهل المزمن الذي أسرهم قرابة الألف عام ، ومحاولة إشراكهم في المجتمع الدولي بما يخدم مصالحهم في العيش الرغيد والحياة المعاصرة .. برغم ذالك كله .. تجدهم لايزالون يؤمنون بكل بساطة تقزمية من أن الغرب بتأمر عليهم في محاولة منه لسرقة ثرواتهم المنهوبة ، وتهديد عقيدتهم المزيفة .. لكن المشكة من أساسها ، أن المجتمع العربي ، مجتمع غير شرعي ، خلفته مؤسسات إقطاعية معادية لمعظم مبادئ الديمقراطية والمجتمع الحر ، ورسخت في ذهنه مبدأ تحريم الاستقلالية في التفكير والحكم الفردي ، وضمان حرية الحوار والقضاء .. لأنه تأسس على نظرية تحكيم القوة ، والتعصب الطائفي وتقديس الخرافة والأساطير .. ولم يصل العرب منذ عصر الثورة الصناعية حتى دخولهم عصر العولمة إلى فهم أهمية هذا المنحى التاريخي الهام في تاريخ أوربا والعالم . فمع كل عصر يجدون أنفسهم فيه غرباء ، فيلجئون إلى تبرير خيبتهم بالتواري خلف الجدران والتغني بالماضي العقيم على حساب حياتهم ومستقبل أجيالهم .. فهم لفترة ظلوا رابضين على الثروات النفطية من دون معرفة بكيفية استخدامها لبناء أنفسهم ، إلى أن جاء الغرب بترسانته العملاقة لينقب ويستكشف ويفجر بعصاه عيونا من النفط الخام رجعت عائداتها إلى مجتمعات بدوية قبلية أثرت في بناء دول بغنى فاحش لم يستفاد منه في شيء غير دعم الجماعات الدينية المتطرفة والمنظمات الإرهابية .. وظل الحكم في العالم العربي على حاله كما تركه فرعون، ولازال جهاز الإدارة من شواطئ الأطلنطي غرباً إلى بلاد الشام وأطراف العراق شرقاً، قائم على الائتلاف الأزلي بين الدولة والمؤسسة الدينية.. بل زادت العلاقة ولم تنقطع بين الدين والسياسة في العالم العربي والإسلامي وتحولت وتطورت من الدعوة إلى الخلافة الإسلامية في عهد الدولة العثمانية إلى الأصولية الإسلامية المعاصرة من : السلفية والاخوانية والشيعة انتهاء بالتيارات الراديكالية الجهادية التكفيرية التي جمعت تحت جبتها درجات من العنف والمواجهة مع النظم السياسية ثم الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ..والتي بلغت أعلى درجاتها عند تنظيم القاعدة . ففي كل الأحوال لم يعرف العالم العربي نظاماً ديمقراطيا حقيقياً ، إلى جانب أن الأنظمة العربية ظلت على علاقة ملتبسة مع التيارات الدينية ، الالتباس الذي كان سبباً في حالة التخلف الذي طوق المنطقة العربية ، فأقعدها عن اللحاق بعصر التنوير والتعلق بأذيال القرن الواحد والعشرين.. فالديمقراطية التي نتغنى بها صباح مساء ، ولدت في أحضان المؤسسة الدينية في العالم العربي ، ولا علاقة لها بما حدث في غرب أوربا ، فالديمقراطية العربية صيغة مطوعة لصالح الائتلاف القديم بين الدولة والمؤسسة الدينية ، وهي لاتصلح إلا إذا كان المواطن هو نفسه رجل الدولة أو رجل الدين ، أما غيرهم فلا تشملهم آية الديمقراطية ، فالمراهق مثلاً مواطن مراقب ، يشاهد وهو يختلس النظرات إلى فتات مثله ويأتي إلينا بغير مايفعله في سره ، فنقمعه ونحقره ونعلم كذبه الذي لايغير من نزعتنا العدائية ضده ، فنحن لا زلنا نعتقد ، لسبب يعلمه الله أن المراهقة أمر مشين ومعيب ، ونبرر عدوانيتنا الموجهة ضده بأنها واجب أخلاقي مقدس معزز بشهادة رجال الدين . لم يفكر احد منهم أن فترة المراهقة هي أثر بيولوجي طارئ لهذا الإنسان الذي أختاره الله لان يكون مراهقاً .. وكذالك الرجل المسن ، رجل من نوع أخر ، فالقانون يمنعه من العمل ومن ممارسة أي نشاط إنساني ، بحكم أنه عجوز وقور ينتظر ملك الموت . ولايجد المؤسسة الخاصة التي ترعاه ولا النوادي المهتمة به ولا الجمعيات التي تعنى بشأنه .. والمرأة إنسان ناقص الحقوق ، فهي الضلع الأعوج ، والحية التي أخرجت آدم من الجنة ، وهي العورة والعيب ورمز الخصاء ، ليست بأكثر من إنسان خطأ وسبب في المعصية تابع للرجل وخادم له في كثير من الأحوال .. مجمل القول أن المجتمعات العربية والإسلامية لن يكون بوسعها أن تتجاهل الضغوط التي تمارس دولياً لفرض نوع من الإصلاح الديني الذي من شأنه إبعاد الدين عن مؤسسات الدولة. حيث طالب الغرب بتغيير المناهج التربوية وتشديد الرقابة على الجهات التي يديرها الأصوليون .. وستظل هذه المجتمعات مطالبة بالعمل على تغيير الرؤية الصراعية مع الغرب والتي نبتت بعد أحداث سبتمبر 2001 م . الأمر الذي يتطلب عملاً جاداً ومنظماً في تجديد الفكر الديني ، والالتفاف حول المفكرين الليبراليين في العالم العربي والإسلامي ، الذي تم تجاهلهم طيلة حقب متتالية ، وتوسيع البعد الثقافي والاجتهادي وأدلجة الإسلام وفق متطلبات العصر وإشاعة روح التسامح بين الشعوب والأمم .. فالمسلمون في الغرب بحاجة إلى أفاق واسعة ودين أكثر مرونة وثقافة أكثر تسامحاً ومحبة ، كي يتسنى لهم التوائم مع الثورة الفكرية والتكنولوجية التي تحملها رياح العولمة واستيعاب مراكز التنمية والديمقراطية وهضم مكتسبات الحداثة .. فالحداثة ليست كما تزعم قماقم سليمان من أنها نفياً للذات وإعدام لها .. بل هي مساعي دؤبة وخطاً حثيثة في استيعاب المتغيرات من حولنا .. فالأوربيون على اختلاف ألوانهم وأديانهم ومعتقداتهم ورغم حداثتهم لاينفون ذاتهم ولا يعدمون ماضيهم ، بل يعيشون فيه بتطلعات أكثر إشراقاً للمستقبل .....
#عبده_جميل_اللهبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اروع نبيذ في يد سكران مجنون ..
-
أتبول فوق حروف الوطن ...0
-
إنتباهة ..0
-
قصائد مهملة ...0
-
طفرة عودة ...0
-
فيما زال الرئيس متمسك بمشروع القانون..القانون يسئ إلى الصحاف
...
-
الفنان رشيد الحريبي .. يتفتح ربيعاً في قلب الجفاف .0
-
كم عقولكم لينة ايها الدانمركيون ..مثل اجبانكم ..0
-
وضع المراة في قائمة الفرد اليمني المتخلف .. الحلقة الاخيرة .
-
وضع المراة في قائمة الفرد اليمني المتخلف .. الحلقة الثالثة
-
ماذا تبقى بعد جار الله عمر ...0
-
وضع المرأة في قائمة الفرد اليمني المتخلف .. الحلقة الثانية .
...
-
وضع المرأة في قائمة الفرد اليمني المتخلف .... الحلقة الاولى
...
-
طفرت الكتابة
-
طفرت قلم موجوع ....!0
-
طفرت القصيدة ..!0
-
صلاة على سجادة المتاهات .. ولا طريق الى الله .0
-
عضو المنظمة اليمنية لحقوق الانسان ..أمن فنام !0
-
العقل العربي ... بين التبعية وفقدان الذات .
-
السماء لاتمطر ذهباً هي تمطر مواعظ واوصياء وحواة لتغطي مساحة
...
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|