|
الثقافة القانونية والمسميات الأخرى
ياس خضير محمد الشمخاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2025 - 2007 / 9 / 1 - 11:06
المحور:
المجتمع المدني
واقع تردّي مستوى الثقافة القانونية من المشكلات التي عانت ولازالت تعاني منها المجتمعات العربية ولاشك أن لتلك المعضلة إرتباط وثيق بواقع الحياة الأجتماعية والسياسية وما خلفته من رواسب فكرية وتربوية عبر مراحل الجرد التاريخي لشخصية الفرد العربي وبنيتهِ السيسيولوجية Sociology المتمثـلة بالقبلية والسلوك ذو الطابع العشائري . الإبداعات والأبتكارات الفكرية التي أنتجها العقل البشري في كل الأتجاهات المعرفية على مرّ العصور بدت معالمها واضحة في جميع مرافق الحياة وكان للعرب نصيبا منها أيضا ، بيد أن معظم الساسة وعلماء الأجتماع يرون أن الرسالة الإنسانية مهما بلغت أوجها من الحضارة والرقي في مجال العلوم المادية والطبيعية لن يـُعتد بها ما لم ترتقي إلى مستوى الكرامة واللياقة في دائرة حقوق الإنسان وترسيخ مفاهيم الحريات والديموقراطيات التي تعتبر اللبنة الأساسية لبناء دولة المؤسسات والدستور . ومما لا جدل فيه إنّ دولة المؤسسات وسيادة القانون من أهم السمات الحضرية التي ميزت نظام الدولة العصرية والشعب المتمدن عن المجتمعات القبلية والكيانات البدوية . ولا يكفي أيضا أن نصنع قانون في عصرٍ إتسعت فيه المفاهيم وأنقلبت فيه البداهات بل يجب أن ينال القانون قدسيته من خلال التعاقد مع الشعب على أحترام تلك التشريعات والسنن حسب ما يرتئيه جمهور من الحقوقيين وفلاسفة الأجتماع أمثال المحلل السياسي الفرنسي جان جاك روسو وغيرهِ في كتابه نظرية العقد الأجتماعي . وبالتالي يعتبر أي خرق لأي نص من نصوص القانون أخلال صريح من طرف الفرد بالعقد والأتفاق مع المجتمع . ومن الواضح أن الدستور لايمكن أن تـُصان له هيبته ومكانته دون تشريع قانون جزائي أيضا يتم بموجبه رصد التجاوزات والأنتهاكات والمحاسبة عليها . لعل القانون يتعارض أحيانا مع الحريات الفردية لدى الشعوب المتحرّرة والمستعبدة على حدٍ سواء ولكن لايمكن أن نكفل حريات وحقوق الآخرين بدون التنازل عن جزء من حرياتنا مقابل ضمان حريات وحقوق أوسع . بالتأكيد أن الحريات الشخصية إذا ما أ ُطلـِق لها العـَنان دون قيد أو شرط سوف تتزاحم مع حريات الآخرين ، مما قد ينجم عن ذلك خلق أجواء من الفوضى بدل العدالة لذا فأن الحرية ليست مطلقة ولايمكن القول بوجود حرية غير محدودة لأي فرد من الأفراد طبقا لما يراه المفكر الإنجليزي جون ستيوارت مل ، إذ أن العدالة حسب رأيهِ تتطلب تنعم الأفراد بالقدر المسموح به من الحريات . وحتى الفيلسوف الإنجليزي التجريبي جون لوك John Locke المؤيد لمبدأ التسامح يشدد على عدم التسامح في مجموعة حالات مثل الترويج لمعتقدات وأفكار فاسدة تهدف إلى نسف المجتمع وتخريب بنيته الأقتصادية والأجتماعية . وعليه فأن القانون عندما يحظى بمصادقة الشعب أو منْ يمثـله من البرلمانيين يعتبر واجب الأحترام والتقديس ولا يحق لأي جهة منفردة أن تخل بهِ أو تحل محل الدولة في الحكم والتشريع تحت أي ذريعة كانت ، مع ضمان حق البرلمانيين Parliamentarians الذين يمثلون أرادة الشعب المطالبة بتعديل القوانين إذا ما عجزت عن تحقيق مفهوم العدالة . إذ لا يخفى أن من عوامل أقامة دولة القانون أن تناط مهام السلطات الثلاث ، التشريعية والقضائية والتنفيذية للأكاديميين Academics والمتخصصين من الحقوقيين بعد أن تضفى عليهم الصفة الرسمية والحق الدستوري . فعندما يتم حصر جميع السلطات بيد الجهات الرسمية التابعة للدولة تصبح هي المسؤول المباشر عن ظاهرة الجـُنح والمخالفات والجنايات بالتعاون والتنسيق مع مفاصل الدولة الأخرى ذات العلاقة . وبذا يترتب عليها أبداء إلتزاماتها في دراسة تلك الظواهر وإيجاد الحلول الناجعة للحيلولة دون أنتشارها . وينبغي للمنظمات المدنية والأحزاب الوطنية والجهات غير الحكومية أن تلعب دور الرقيب على أجهزة الدولة وحركتها كذلك عليها أن تجند طاقاتها في خلق فضاءات ملائمة لنشر روح المحبة والسلام وأحترام القانون بين الأوساط الشعبية إذ لا يمكنها أن تقوم بنشاط قانوني يفضي إلى إلغاء دور السلطة . بلا ريب أن إصدار حـُـكم ٍ ما يتعلق بجناية أو جنحة معينة قد يحتاج إلى دراسة مستفيضة لوقائع وظروف الجريمة ولعل بعضها يحتاج إلى التشريح أو الطب الجنائي . فمن أين لتلك الجهات التي نصبت نفسها مكان القــُضاة والمحققين تلك الأمكانات !! ؟؟ وكيف يتسنى لشيخ عشيرة أو رجل أمي ذو سطوة أجتماعية أو نفوذ معيـّن أن يفصل في حوادث المرور والسيارات على سبيل المثال دون أن يدرس القانون ؟؟ فلسفة العقوبة عند الفقهاء وعلماء الأخلاق والأجتماع لا تعني التشفي عند أقامة الحد وليس هو الهدف الأسمى الذي تريد أن تصل إليه الفضيلة ، أنما هو جزء من تحقيق العدالة في حين يبقى الهدف المنشود هو أصلاح الفرد والمجتمع والعروج بهِ إلى مستوى الكمال النسبي ، لذلك من واجب الجهات القانونية ضمن أطار البحث الأجتماعي أن تقوم بدراسة أسباب الجنوح لأجل أن تــُناسب حجم العقوبة مع نوع الجريمة مع مراعاة الظروف الأجتماعية والنفسية التي وقع تحت تأثيراتها الجـُـناة . مثل تلك الإشكالات والملابسات القانونية لايمكن أن يجزم بها سوى المختص في الدراسات القانونية والعمل الحقوقي . ولو تـُرك الأمر بيد كل من هبّ ودب لحكم بعضنا على بعض بكفر الآخر ولقطع زيد يد عمر وعمر يضرب عنق زيد والعين بالعين والسن بالسن على حد فهم جدتي وجدتك حتى يغدو الشعب كلهم معاقين وعوران . لا تكمن الإشكالية في عدم شرعية الجهات غير الرسمية بتمثيل السلطة بفقدانها الخبرات القانونية والمؤهلات الثانوية فحسب ، أنما في عدم حياديتها ، لأنها مؤكدا إمـّا أنْ تنطوي تحت علم عشائري أو مظلة حزبية أو تجمع طائفي ، وبالتالي ينجم عن ذلك محاباة في الأحكام وغلو وتطرف تهان فيه الكرامات وتـُصادر فيه الحقوق والواجبات وبالنتيجة ننتهي إلى شعب ممزق أشلاء لعدم الأتفاق على مرجعية الحاكم والحكم . علاوة على ذلك ، أنّ الجهة التي تمنح لنفسها حق المحاسبة القانونية عليها أن توفر كل الضمانات التي تتعلق بالحقوق والواجبات والخدمات المطلوبة لصالح المجتمع ، إذ طالما هي منحت لنفسها الشرعية والحق في إصدار الأحكام بحق السارق والمتسول والمتسكع ، أذا ً هي معنية ومسئولة وفق لوازم العدالة بتوفير فرص العمل للعاطلين والمستشفيات للمدمنين والمأوى للمتسكعين ومسئولة أيضا عن توفير السجون الملائمة والرعاية الكافية للسجناء ، ومن واجبها أن تتحمل مسؤولية أمنهم وسلامتهم من الأخطار الداخلية والخارجية وعليها أن تمنح لسجناءها حق الدفاع والتوكيل وتعطيهم حق أقامة الدعوى ضد موظفيها و... و. .. إلخ . جميع تلك المعطيات تحتاج إلى إمكانات دولة وليس عشيرة أو تكتل معيّن . لا ريب عندما تقصر الدولة في جانب معين مما أ ُشير إليه ، بالأمكان مطالبتها أو مقاضاتها وفق الدستور ، وعندما يخل أحد موظفيها بتلك الشروط يمكن أقامة دعوى قضائية بحقهِ . ولكن أين لنا أن نحصل على تلك الأمتيازات من قاض ٍ ثوبه لا يتعدى ركبتيه في ظل أهداف وبواعث تغييب دولة القانون التي يسعى إليها !!؟؟ أخيرا ً ، عندما تمنح أي جهة غير حكومية الحق لنفسها في تمثيل الدولة في الممارسات القانونية تحت عنوان التكليف الشرعي أو تحت أي مسمى آخر يقتضي أن تعترف بهذا الحق أيضا لجهات أخرى إذا ما إدّعتْ هذا الحق إنطلاقا من قاعدة التخويل الذي عملت بهِ ، إذ لا يصح أن تعترف بهِ لنفسها دون غيرها . وإذا ما إنتهينا إلى تلك الفرضية سنعود إلى شريعة ممزقة ومجتمع طوطمي Totemic لم تسطع عليه شمس الحضارة بالمرة . يؤلمنا جدا أن نقول إنّ ثقافة القانون ليس لها حضور مميّـز في ذهنية العقل العربي لاسيما ما تمخضت عنه الأحداث من إفرازات مخيفة على الساحة العراقية في الوضع الراهن . بطبيعة الحال ليست تلك الأطروحة من موضع الأستهانة بالعقول العربية أو العراقية التي سبق وأن أمتدت حضارتها إلى مشارق الأرض ومغاربها ، أنما من باب الإشارة والتنويه عن عمق السبات الذي وصل إليه الإنسان العربي وحثه على التخلي عن رواسب الجاهلية وتذكيره بأن الأتكال على قضية الحسب والنسب للتراث والأمجاد ما عاد يكفي لبناء صرح حضاري ينسجم والأنعطافات الحديثة للثورات العلمية والتحولات الفكرية في التجديد النظري الذي يشهدهُ العالم . الأفتخار والتباهي بحضارة وادي النيل والرافدين وأور وسومر ومسلة حمو رابي دون مواكبة وتجديد تعد ضربا من التنويم المغناطيسي الذي يميت وحي العقول . ماذا تعني لنا حضارة كنــّا أسيادها حقبة من السنين ثم توقفنا عنها آلاف القرون قبالة دولة لم يمر على تأسيسها كذا سنة تعتلي صهوة المريخ وإذ نحنُ لازلنا على ظهر الحمير !! ؟؟ دولٌ وجمهوريات بالأمس ما كانت تعرف الكتابة ، ليس لها تاريخ أو جذور وليس بينها أيــّة روابط مشتركة ، لا بالقومية ولا باللغة ولا بالدين ولا حتى بالوطن ، أستطاعت أن تبني لها مجدا وتسنّ لها دساتير أوصلتها غاية الحضارة والتمدّن . (( أليس ساعة واحدة حافلة بالأمجاد تساوي عصرا برمتهِ عاطلا عن المجد ؟؟ )) كما يقول الشاعر الإنجليزي موردنت Mordaunt1730 - 1809 م . One crowded hour of glorious life is worth an age without a name )) )) أليس من المخجل أن نكون أول منْ شرّع الدساتير ووضع الشرائع كما ندعي ثم نلجأ إلى حكومة القبيلة والعشائر وحـُكم ( الفراضة Judge of clan or tribe ) لحلّ النزاعات !!؟؟ ألا يكفي ما حدث من حمــّاماتٍ وأنهار ٍ من الدماء تسيل وتغلي كل يوم ؟؟ ألا تبكيكم بغداد التي تغفو بجراحاتها على دجلة الحزينة !!؟؟ أما آن الأوان أن نبني عراقا خالٍ من الأحقاد والصراعات ؟؟ ما ذنب الأطفال والأمهات والأبرياء الذين يسقطون تحت سنابك خيولكم ، وما ذنب منْ ليس لهُ عشيرة سوى العراق !!؟؟
ياس خضير محمد الشمخاوي رئيس منظمة حوار الديانات [email protected] http://www.rezgar.com/m.asp?i=1846
#ياس_خضير_محمد_الشمخاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فقراء تحت رحمة النظريات
-
أنحطاط فكري في زمن الحداثة
-
الرومانسية والمصالح السياسية
-
قراءة واقعية لتاريخ الحكومات الدينية
-
الأنسان المسلم وتفشي ثقافة العنف ... كيف ولماذا ؟؟
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|