|
هل حقا أن العراق بلد نفطي ؟
زهير كاظم عبود
الحوار المتمدن-العدد: 2025 - 2007 / 9 / 1 - 11:08
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بدأ أنتاج النفط العراقي في العهد الملكي في منتصف العشرينات مع وجود الاحتلال الانكليزي ، حينها كانت البلدان التي تنتج النفط على عدد الأصابع في المنطقة ، ولم يكن الإنتاج بالكمية والنسبة التي صار اليها ، وبدأ أنتاج النفط بوجود الشركات الأجنبية التي كانت تأخذ الحصة الأكبر من عوائده وتمنح الأقل للحكومة العراقية ، وتمنح نسبا أخرى لكوبنكيان وغيره ممن قدم الخدمات والأعمال التي تخدم عمليات الاستخراج والاستكشاف والإنتاج . ومع هذا الإيراد القليل الذي يعود الى الحكومة العراقية ، ومع قلة المشاريع التي كانت تقدم عليها الحكومة من خلال مجلس الأعمار ، و بقي العراقي بحاجة ماسة الى مكونات أساسية للحياة التي تليق بالإنسان ، فبقي العراقي يركب قطارا واحدا لايوجد غيره في العراق ، وبقي العراق بملعب رياضي واحد لايوجد غيره في العراق حتى منحنا المرحوم كولبنكيان من حصته ملعبا للشعب ، وقاعة اخرى للعرض ، لم تجرأ الحكومة أن تؤسس غيرها. وبقيت نسبة الجياع والمعدمين والمحرومين في العراق نسبة عالية ، يرافقها نسبة غير طبيعية في البطالة ، تتزامن مع هجرة من الريف الى المدينة ، ينتج عنها انحسار في الأيادي العاملة في الريف والنتاج الزراعي ، وكثافة غير منتجة في المدن . ويستمر النفط العراقي في التدفق ، ويتم إصدار قانون الاستثمار رقم 80 في العام 1961 من قبل حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم ، بناء على مفاوضات وطنية أجرتها الحكومة مع الشركات لتحجيم أرباح تلك الشركات ومناصفة العراق معها في عوائد تلك الأرباح ، وتعريق العاملين والموظفين في عمل الشركات ، وتحديث الأجهزة والآلات وتركها للعراق لتأسيس صناعة نفطية وطنية مستقبلا ، ولحاجة البلد الى موارد مالية للبناء والاستثمار وتأهيل الحياة العراقية بما يتناسب مع وجود النفط فيها ، ليتم تأسيس منظومة وطنية لإنتاج النفط العراقي ، على أساس أن يتم توسيع القاعدة الإنتاجية ليكون مردودها الى الشعب ، ولقي القرار المذكور تأييدا ساحقا من الأحزاب الوطنية والعراقيين عموما ، ومع تقلبات الحياة السياسية في العراق يزداد العراقي بؤسا وفقرا ، وتبقى معالم الحياة العراقية متواضعة لاأثر لعوائد النفط فيها ، ومن الطريف أن العراقي كان على الدوام يحتاج الى المشتقات النفطية التي تنتجها الدوائر العاملة في العراق وبإنتاج متواضع ورديء غير متطور ، وبقي العراقي يلهث وراء النفط والغاز والبانزين والدهون المستعملة للسيارات ، وغالبا ما يستورد تلك المنتجات من خارج العراق ومن دول كان قد سبقها في الإنتاج والاستخراج . وحين تم تأميم النفط في العام 1973 ، لم يكتشف أهل العراق اللعبة السياسية التي أقدمت عليها حكومة البكر – صدام ، في إقدامها على تأميم حصة وممتلكات الشركات الأجنبية وإبقاء حصة فرنسا ، بالنظر لقرب انتهاء المدة القانونية لعمل تلك الشركات وتركها جميع معداتها دون تعويض وفقا للعقود المبرمة ، وبذلك ضمنت تلك الشركات تعويضات ضخمة وكبيرة من خلال تلك اللعبة لم يتم الكشف عنها حتى اليوم . والمتمعن في خارطة العراق النفطية يجد أن المدن التي تنتج النفط لم تزل على حالها ، لم يلحقها التطور ولا التحديث ولا كان لإنتاج النفط ووجود المنشآت النفطية فيها أي آثر ، ولم تزل مدن بدائية قديمة ، الكثير من شوارع القرى والنواحي والأقضية لم تعبد طرقها ، ولا إنارتها الكهرباء ، ولاكانت الخدمات فيها تليق بالإنسان ، ويكفي أن البصرة لم تزل حتى اليوم تشرب ماء مالح ولا تستطيع أن تشرب الماء الحلو لأمر في نفس يعقوب . ومع حجم الكميات التي قام العراق بتصديرها من النفط الخام ، فقد كانت أسعار برميل النفط في تصاعد مستمر ، دون أن يلمس العراقي فائدة من هذا التصاعد ، ودون أن يتحسن مستوى الفرد العراقي في الحياة العراقية ، وبقيت مشاكل البطالة والتسول والهجرة وتردي الأحوال الاقتصادية تؤشر تدنيا في الخط البياني لحياة الإنسان ، وبقيت مناطق نفطية عراقية عديدة تحت سلطة شركات النفط الأجنبية ، وبقي العراق يراوح في مكانه منشغلا بمشاكله الداخلية ، حيث كانت السلطات العراقية المتعاقبة تخصص الجزء الكبير من دخلها النفطي لأغراض القمع والحروب وعمليات إبادة شعب كوردستان والأنفاق على الأجهزة الأمنية وعمليات الاغتيالات وشراء الذمم والضمائر العربية والأجنبية . في حين بقي العراقي يتطلع الى النفط الذي تتصاعد أسعاره مع تصاعد خطوط الفقر والبطالة وتحطيم الصناعة الوطنية العراقية، وبروز ظاهرة الخصخصة في مؤسسات الدولة ، حتى بات العراق من الدول التي تنتظر بفارغ الصبر المعونات الاقتصادية والمنح والهبات كأي دولة فقيرة ومعدمة ، وصار المواطن العراقي يستلم أكياس الرز وصفائح الزيوت مقرونة بعبارات المساعدات الإنسانية من الدول والشعوب التي تعطف على الدول الفقيرة ، ويكفي للدلالة على أن أسواق بيع الملابس القديمة ( البالات ) بقيت رائجة ومستمرة في مدن العراق ، الذي بقي مستمرا في استيراد كل تلك المخلفات والأسمال من الملابس ليرتديها أهل العراق بقناعة ووقار وصمت . وبقي دخل الفرد العراقي متدهورا الى درجة لايصدقها العقل مع استمرار تدفق النفط في الأبارالعراقية ، وتحول العراق من بلد زراعي الى بلد يعتمد في عصب حياته على ما يتبقى من شحيح الإيرادات التي تعافها السلطات لتقتات عليها الناس ، وترك أهل العراق الزراعة، وانتحرت الصناعة الوطنية ، حتى أطبق الاستيراد الأجنبي على خناق العراق . وطيلة الفترة الزمنية من بدء الإنتاج وحتى اليوم لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تعمل على تطوير الصناعة الاستخراجية و فتح آفاق و فرص كبيرة لتحسين الوضع الاقتصادي في العراق . ويبقى العراق يعيش وعلامات الاستفهام تملأ رأسه ، في جدوى وجود وزارة للنفط ، لم تستطع منذ قيامها حتى اليوم أن تسد حاجة المواطن العراقي من المشتقات النفطية ، ولا كشفت له عن الأسباب الحقيقية وراء تلك الأزمات المتكررة ، ولا عرف الناس بصدق الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء وجود النفط والبانزين في شوارع المدن ، وعدم توفره في محطات الوقود ، وبقيت تلك الوزارة تضخ الوعود وتخلف في وعودها دون محاسبة برلمانية ، وبقي العراقي يتطلع بعيون ممتلئة بالدموع الى القطط السمان وتجار الأزمات وهم يزدادون سمنا وثروة وانتفاعا ، في حين يصل الأمر بالعراقي الى استجداء رغيف الخبز من الدول الفقيرة والمعدمة ، ويصير مشردا ولاجئا في دول الله ، ويبقى العراق بلدا نفطيا محسوبا على منظمة الأوبك ، ومسجلا ضمن بلدان النفط المنتجة بغزارة واستمرار . ولن نتعرض الى السرقات اليومية للنفط العراقي ، والتي بلغت مليارات البراميل والدولارات ، والتي لم تكشفها الحكومة حتى اليوم مع معرفتها بالقائمين بها ، والجهات الداعمة لهذه السرقات والعراق يمر في فترة من أحلك فترات حياته ووجوده ، و نتعرض لحاجة المواطن العراقي الى النفط كمادة أساسية في التدفئة ، إذ مضت سنوات عجاف ترتفع الأسعار مع وجود النفط خارج أطار منافذ البيع الحكومي وبأسعار خيالية لاتتناسب مع وضع العراق النفطي ، وحاجة المواطن العراقي الى قنينة الغاز الذي يطبخ بها قوت عياله بعد ان وصل سعرها عشرات الأضعاف ، والى البانزين حيث اعتاد أن يقف ليملأ خزان سيارته بصعوبة وعناء كبيرين ، بينما يجده في شوارع الطرق الخارجية متوفر بالبراميل وبأسعار مرهقة . هل العراق بلد نفطي ؟ والجوع يملأ البيوت !! وهل العراق بلد يبيع النفط ؟ وأهله يحتاجون نفوطه قبل غيرهم !! وهل العراق بلد نفطي ؟ والعراقي لم يعرف حتى اليوم أين استقرت تلك المليارات التي عادت لبلاده طيلة سنوات التصدير ؟ ولم تزل بيوتنا الطينية وأكواخنا وصرائفنا علامة عراقية فارقة ، ولم تزل طرقنا الموحشة والممتلئة بالحفر والمستنقعات منتشرة ، ولم يزل قطارنا الواحد البائس كما كان ، وملعب الشعب وحده كما كان ، وطرقنا ذات الممر الواحد كما كانت ، والمدن الممتلئة بالمستنقعات والمياه الآسنة كما كانت ، ولم تزل البصرة تشرب المياه المالحة كما كانت ، فأن لم نستطع إن نجد الرحمة والمروءة من الحكومة ومن وزارة لنفط في تأمين حاجة المواطن ، فهل نلتمس رحمة ومروءة سراق النفط ليكفوا عن السرقة بعد أن شبعوا ، أو على الأقل ليتقاسموا دون خجل مع الشعب المحروم ثروته التي ضيعتها الحكومات واختلسها الزمن الرديء .
#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علي السوداني إرهابيا !!
-
تسلل القاعدة وطريق العبور الى العراق
-
ولم يزل الفاعل مجهولا !!
-
موفق محمد .. الإنسان والشاعر وملك الضيم
-
العدالة الأنتقالية
-
هل ينتقص الدين من الوطنية ؟
-
مسؤولية الدولة عن الجرائم المرتكبة إنتهاكا لأحكام القانون ال
...
-
أغتصاب القانون الدولي في العراق
-
محنة تغيير القومية
-
سيد محمود القمني ومحنة الزمان
-
الهروب من العدالة
-
الطائفية حين تتغلب على الكفاءة
-
حزب العودة
-
استقلالية القضاء العراقي
-
الشهيد الأب رغيد عزيز كني وداعا
-
محكمة المقابر
-
علاجنا خارج العراق
-
قضية المرأة والزواج
-
هل تقر تركيا بفاعلية مواثيق الأمم المتحدة ؟
-
فتح الأسلام الى أين ؟؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|