|
من سوس العالمة إلى سوس العلمية
ابراهيم ازروال
الحوار المتمدن-العدد: 2024 - 2007 / 8 / 31 - 10:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
منذ أن نشر الفقيه الصوفي الوطني المختار السوسي كتابه " سوس العالمة " ، لا يستحضر الكثيرون منطقة سوس إلا مرفقة بعنوان ودلالات المؤلف المذكور أعلاه . لقد كتب المختار السوسي جزءا من مؤلفاته ، للإبانة عن النبوغ السوسي في مضمار الأدبيات والفقهيات والصوفيات ، في سياق صراع النخب السلفية الجديدة حول الممتلكات الرمزية والرأسمال الرمزي ، وفي سياق ارفاد الوجاهة العلمية لسوس بجينيالوجيا وذاكرة ومتخيل جماعي متوطن جهوياو منتظم في الأفق الكوني للحضارة الإسلامية . لقد كان المشروع التأريخي للمختار السوسي في ( المعسول ) و ( خلال جزولة ) و ( الإلغيات ) و ( سوس العالمة ) و ( مدارس سوس العتيقة ) مشدودا إلى النسق الفكري السلفي / الصوفي الطرقي ، ومرتبطا بتوجهاته المركزية . وعليه ، فلم يكن واردا التعويل عليه ، لتقديم الذاتية السوسية وهي ترتقي المسالك المعرفية والمراقي العلمية ، وتقرأ العلامات الكونية والإمارات التاريخية قراءة نظرية جديرة بالتقدير والاعتبار . لقد حصر المختار السوسي نظره في انبناء المعرفة العربية الإسلامية في الوسط السوسي ، ونوعية ودرجات تعاطي تلك المعرفة العالمة مع الموروث الثقافي السوسي الامازيغي واليات استيعابه وتهذيبه وتكيفه مع المقتضيات الأساسية اللغوية والمعرفية والعقدية للمجال التداولي العربي الإسلامي . إن سوس العالمة ، هي سوس المتفرغة للعلم الشرعي ، وهي الحريصة على إجادة المسالك المنهجية والمفهومية والمعرفية للنظام الفكري الحجاجي والتحاجي العربي- الإسلامي ، والبعيدة كل البعد ماضيا وحاضرا عن مقتضيات النظام المعرفي البرهاني وعن أدواته ومناهجه في بناء المعرفة وصياغة البراهين والاستدلالات و بناء التدليلات العقلية . إن سوس العالمة ، هي احد الملاجئ الرئيسة في الغرب الإسلامي ، للعلم الشرعي ، ومستنبت جهوي وإقليمي متخصص في احتضان الفكرانية والمفاهيم المالكية في الأصول والفقه ، والمقولات الكلامية الأشعرية في علم الكلام والطريقة الجنيدية في التصوف ، وحاضنة للقوى الساعية دوما إلى تفعيل مقولات وطوبى ومثاليات السياسة الشرعية . لقد تمكن الدعاة الإسلاميون بسوس من تأسيس وترسيخ مؤسسات دعوية ، هدفها احتواء وفك الترابط المنهجي والرؤيوي بين العناصر المؤسسة للوعي و الثقافة الأمازيغية السوسية السابقة للإسلام ، وتفكيك الذاتية السوسية الأمازيغية وإعادة تركيبها بعد إلحاقها إيديولوجيا وسياسيا بالمراكز الفكرية والعقدية والثقافية بالمشرق العربي .وهكذا ، فقد تكفلت نخب تلك المؤسسات الدعوية منذ وجاج بن زلو اللمطي مؤسس أول مدرسة علمية بسوس ( مدرسة اكلو قرب تزنيت ) وعبد الله بن ياسين خريج ( دار المرابطين ) والمنظر الأيديولوجي للدولة المرابطية ، بأداء وظائفها الإيديولوجية في وسط له لغة خاصة مقررة بين أهلها ( اللغةالأمازيغية ) ، وله رؤية مختلفة للعالم ، وله معارف راكمها في سياق تقاطعاته واحتكاكاته الثقافية والحضارية مع الثقافات الآتية من الشمال (الثقافة اليونانية والرومانية والوندالية والبيزانطية ) ومن الشرق (الثقافة الفينيقية واليهودية ) منذ قرون . لقد انكبت تلك النخب ، على نشر وبث وترسيخ الفكرية الإسلامية ، و تغليب مؤثثات المتخيل العربي الإسلامي على مؤثثات المتخيل الأمازيغي السوسي في حرب رمزية ، كثيرا ما يعود ريعها العملي والمالي إلى المتحكمين في استراتيجيات التدافع الإسلامي في المشرق والى مدبري ومستثمري المقدس السياسي والثقافي بالمغارب . كما تكفلت تلك النخب ، بامتصاص التراث الامازيغي ، الممانع ، وأسلمته بالطرق التلوينية والفكرانية والإلحاقية المعروفة في الإبدال العقدي التوحيدي اليهودي والمسيحي والإسلامي . وحين ينصرف السوسيون إلى أجزاء من متخيلهم القديم ، أو يعتمدون آليات تنظيمية أو قواعد تشريعية مستقلة عن الشريعة العربية – الإسلامية ، فان تلك النخب غالبا ما تميل إلى التبديع أو التفسيق أو التكفير وتطالب بالتزام محمودات الشريعة المحمدية والتخلي عن مذمومات القوانين الجاهلية الطاغوتية فيما يقرب مما يسمى الآن بالمهابدة الثقافية . لقد نهض العلم الشرعي الإسلامي على ثوابت ومسلمات ، فحواها الصلاحية الأنطلوجية والإبستمولوجية المطلقة للمنظومة المعرفية الإسلامية ،وبطلان المبادئ والمسلمات الأنطلوجية والإبستيمية للثقافات الأمازيغية بشمال إفريقيا عموما . وبناء على هذا المقتضى ، فان الفاعلين المعرفيين الإسلاميين ، بالمغارب وبسواها من الأقطار المؤسلمة جزئيا أو كليا ، نزعت أية صلاحية أو مطابقة أو مصداقية عما راكمته تلك الثقافات منذ قرون ، لمجرد استنادها إلى مستندات التجربة العملية و المعرفة الكسبية والقياس العقلي لا إلى المعارف النبوية أو اللدنية أو الكشفية . والحقيقة أن العلم الشرعي لم يفرض هيمنته المعرفية أو المنهجية ، إلا لارتباطه بالدول المركزية ( ارتباط الصحوة المالكية بالمرابطين مثلا ) وبالأرثوذكسية الدينية الأكثر تطهرا وانخراطا في المتخيل التسلفي والذاكرة التسننية ( نشير هنا مثلا إلى الصحوة الأخرى للمذهب المالكي أيام المرينيين بعد محنة المالكية ( مثل القاضي عياض ) أيام الموحدين ) وبالثقافة المكتوبة العالمة . ومن المحقق أن الفضاء الثقافي الأمازيغي ، تميز عموما ، بلا مركزيته الثقافية والمذهبية ، ولم يتمكن من تقديم صياغات نظرية مركزية نظير ما قدمه اليونان في الفلسفة والرومان في القانون والفرس في السياسيات والعقديات .
إجمالا يمكن القول ، إن المعرفة الرائجة في سوس منذ وجاج بن زلو اللمطي ، أي منذ التمهيد للدولة المرابطية ، هي المعرفة الفقهية الصوفية السنية ، الملتزمة بمنهجية الإمام مالك بن انس في الفقهيات والأصوليات وبمقررات أبي الحسن الأشعري في الكلاميات وبمسالك التصوف السني الميال لاحترام وتقديس السلف والبعيدة عن الاستقصاءات التذاهنية والفلسفية نظير ما هو موجود عند الحسين بن منصور الحلاج وأبي يزيد البسطامي ومحيي الدين بن عربي وعبد الكريم الجيلي وعبد الحق بن سبعين . لقد انحصرت المؤسسات التعليمية الفقهية والصوفية بسوس ، في الفقهيات والكلاميات والصوفيات الاتباعية المأخوذة بهوىالتسلف والتسنن وبالتزام فحوى النصوص دون تأويلية تجاوزية أو إبداعية منساقة نحو اعتبار الإنسان مصدر وغاية التفكير ،و المفتقدة إجمالا ،للنقدية ولقابلية الترهين والتحيين والاشكلة . لقد عمد السوسيون منذ فاتحة العصر الإسلامي بسوس وبالمغارب عموما إلى القيام بما يلي : 1- إحلال نسق تصوري وايديولوجي عربي –إسلامي محل نسق تصوري إيديولوجي أمازيغي مختلف في جوهرياته الفكرية والرؤيوية عن المجال التداولي العربي الإسلامي ، 2- تشكيل الذهنيات السوسية، فقهيا وكلاميا وصوفيا، وتجفيف منابع التعقيل البديهي أو التدليل البرهاني أو الحس العملي الحاذق نظير ما نجده في ازرفان ، 3- ارتهان سوس وشمال إفريقيا عموما للحسابات العقدية و الإيديولوجية للأنظمة العقدية والسياسية بالمشرق العربي( الدولة الأموية والعباسية والعثمانية ) رغم الاستقلالية المعلنة ( التماس يوسف بن تاشفين التزكية من الخليفة العباسي دليل على نسبية استقلالية الدول المغربية الإسلامية عن المراكز العقدية – السياسية في المشرق مثلا ) ، 4- تحجيم التراث و التاريخ و والذاكرة والمتخيل الأمازيغي واخضاعه لمقتضيات الاتباعية العربية الإسلامية وللعوالم المغلقة للفقه المالكي والتصوف السني ، 5- تفكيك الذاتية الأمازيغية والهوية السوسية وإلغاء الفرادة الإنسية للسوسيين وربطهم بمتخيل حربي جهادي وبرؤى مهدوية خلاصية . وقد نتج عن هذه الفعالية التفكيكية للمأصولات السوسية ، مايلي : 1- عدم مأسسة وتقعيد اللغة الأمازيغية وتآكلها معجميا و تركيبيا ودلاليا وتداوليا بفعل الاختراق العربي لمعجم وتركيب ودلالة الكثير من النصوص الأمازيغية( نص " أخبار سيدي ابراهيم الماسي " دليل على الحضور الكبير للمعجمية والدلالية العربية – الإسلامية في النصوص الأمازيغية ) ، 2- هيمنة المتخيل الديني على الساكنة السوسية وتمسكها الدوغمائي بمعتقدية شرق أوسطية محكومة بمقتضيات التاريخ وموجبات فلسفة الحضارة لا عابرة للتواريخ والثقافات كما يعتقد المفكرون الدينيون ؛ أي غياب أي خطاب ميتا- نظري عن الخطاب النبوي الإسلامي ، 3- هيمنة الانشغالات العقدية والتعبدية والقداسية على لحمة وسدى النصوص الشعرية و الغنائية السوسية ( تشهد النصوص الشعرية للرايس الحاج بلعيد والرايس محمد الدمسيري والرايس احمد امنتاك على تطويق الأفق الديني للممارسة الشعرية والغنائية بسوس ) ، 4- هيمنة التصوف الطرقي على السوسيين وانقطاعهم إلى رؤية العالم رؤية فقهية / صوفية ، وانشغال فائق بالغيبيات وضمور بالغ في استقصاء الواقعات والسببيات الكونية ، 5- غياب أية ممارسة ناسوتية علمية إنسية في مباحث الأدب والتاريخ ومقارنة الأديان في حدود ما تسمح به الفكرية القروسطية الإسلامية على غرار ما أنجزه مسكويه والتوحيدي وابن كمونة والجاحظ والمسعودي واليعقوبي والبيروني . لقد انطلق الفقهاء السوسيون مما اسماه المفكر البودشيشي طه عبد الرحمان "بمبدأ التفضيل "وصاغه على النحو التالي : ( ليس في جميع الأمم ، أمة أوتيت من صحة العقيدة وبلاغة اللسان وسلامة العقل مثلما أوتيت أمة العرب ، تفضيلا من الله . ) ( - طه عبد الرحمان – تجديد المنهج في تقويم التراث – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء –الطبعة الأولى – 1994- ص 252) . عملا بفحوى مبدأ التفضيل التداولي ، انشغل الفقهاء بسوس على توطيد قواعد ومبادئ المجال التداولي العربي – الإسلامي ، في فضاء ثقافي امازيغي لسانا ، تعددي – قدساني معتقدا ، ومبلور لنظام فكري رمزي وتداولي فكرا ومعرفة . انطلاقا من تسليمهم بالأفضلية التداولية لأركان المجال التداولي العربي الإسلامي ، عمل الفقهاء وعموم المنشغلين بتثبيت دعامات العلم الشرعي بسوس ، على الانخراط الوجداني والعقلي والروحي في موجهات الفضاء الثقافي الإسلامي ، وعلى اجتياف مرتكزاته وتوجهاته ، وعلى تثبيته محل المجال التداولي الامازيغي السوسي ، غير المعتمد أصلا على أية مركزية فكرية أو عقدية أو منهجية والمنفتح قبل الحضور الإسلامي بسوس خصوصا وبشمال إفريقيا عموما ، على آفاق الحكمة البشرية وعلى موارد المعرفة الكسبية العقلية المعتبرة في موازين النظر والعمل على السواء . وبهذا الصنيع فقد أدى إقرار أركان المجال التداولي العربي الإسلامي ذي الطابع المركزي ، والعقلانية المغلقة والمنهجية الدائرية ، في فضاء ثقافي موسوم بفكرية منفتحة وفضاء ترميزي منفتح ، إلى تفكيك نسيج الهوية الأمازيغية بسوس ، وإفقاد بعض مكوناتها الصامدة في وجه رياح التشريق والأسلمة والتعريب العربية الإسلامية ، نواظمها الكلية وثوابتها اللاحمة وسؤددها الأنطلوجي والإبستمولوجي . فقد تم إقرار هوية مستعارة محل هوية مقررة بين أهلها ، وتم الحكم على سوس بالتخثر في بداوتها الفكرية والثقافية أزمانا طوالا رغم مكانتها الجيو-استراتيجية البالغة الأهمية و أدوارها التاريخية في قيام الدول المغربية أو تصليب كينونتها ( نشير هنا إلى دور وجاج بن زلو وعبد الله بن ياسين في قيام الدولة المرابطية والى دور المهدي بن تومرت السوسي في قيام الدولة الموحدية والى مساهمة السوسيين في قيام الدولة السعدية ) أو مزاحمتها بإمارات وممالك مستقلة ( أشير هنا إلى إمارة السملاليين بتازروالت مثلا ) أو تهديدها بفاعلين تاريخيين كاريزميين ( أشير هنا إلى ابن هود والطالب صالح ومحمد الكرسيفي و أحمد بن محرز و محمد العالم و محمد الكثيري والثائر بوحلاس مثلا ). لا اعتقد انه من الإجحاف القول ، بأن منطقة سوس أو جزولة بتعبير المختار السوسي ، عانت من ركود كبير ، ومن جمود في الفعالية الابداعية طيلة قرون . فقد تمسك السوسيون بصيغ ثقافية ، بادية المحدودية ، منهجيا ومفهوميا ونظريا ، وحصروا قدراتهم الفكرية والثقافية في استظهار المتون والنصوص المرجعية وإتباع مضامين وإفادات النصوص المقدسة ، ولم يظهروا أية إبداعية منهجية أو تفسيرية أو تأويلية نظير ما أبان عنه المؤلفون الإسلاميون المجتهدون في سياق نفس المنظومة المعتمدة عند السوسيين : مثل أبي حامد الغزالي و أبي الوليد بن رشد وأبي إسحاق الشاطبي وعبد الرحمان بن خلدون . والحقيقة أن النخب الثقافية السوسية ، افتقدت دوما إلى حس المبادرة الإبداعية ، وانشغلت بالمرويات والنقول والآثار بدون إعمال للعقل المستقل أو للبرهان العقلي وبالجمود على المنهجية الفقهية السلفية لمالك بن أنس بعيدا عن التأويلات الاجتهادية للمعتزلة والمرجئة والماتريدية والحنفية أو عن الاستدلالات البرهانية للفلاسفة والمفكرين المتحررين من هيمنة الابستيمية اللاهوتية . وحتى إن حصرنا نظرنا في سياق فقهي محض ونأينا عن المسلكية البرهانية للتفلسف بدعوى غياب الشروط الحضارية للتفلسف ببادية سوس ، فإننا نلاحظ أن النخب السوسية أبانت عن قصور في الاجتهاد الفقهي ، فبقيت جامدة فقهيا ، تكتفي بتدبير الضروي من الفكر ، وبتنزيل القواعد الفقهية المالكية على معيش السوسيين ،لاحتواء عنفوان الناس وزخم العلائق البشرية وفورة الوجدان الإنساني وسيولة التراث السوسي المتشكل في أتون التجارب المتواترة عبر القرون خارج الزامات المنظرين والموظفين الإيديولوجيين وتحكمات مدبري ومستثمري حقل المقدس . لقد انشغل بعض كبار الفقهاء المالكيين في الغرب الإسلامي وخصوصا ابن رشد الجد وابن رشد الحفيد و الشاطبي ، بتجديد القول الفقهي والأصولي وإعادة تعقيل الأسس الفقهية والأصولية بعد تواتر أزماتها المنهجية ومآزقها الابستيمية ، أما الفقهاء السوسيون فقد انشغلوا بترسيخ سلطتهم العلمية وسلطتهم السياسية تاليا في وسط لا يستجيب إلى معايير التشريع الإسلامي إلا عرضا ، وعملوا المستحيل لتغيير ذلك الوسط حتى يستجيب بطريقة أو بأخرى للمعايير الشرعية المرعية عند أقطاب المالكية . لقد انشغل الفقهاء المالكيون الأندلسيون ، بإعادة تأصيل القواعد والمبادئ الأصولية والفقهية وبالدفاع عن حيوية النظام الفكري الحجاجي البياني عموما والنظام الفقهي المالكي خصوصا ( انظر نقد الشاطبي لان حزم الظاهري مثلا في الموافقات في أصول الشريعة ) ، فيما انشغل الفقهاء السوسيون بتحويل الانثروبولوجيا والسوسيولوجيا السوسية و توجيه السياق الاجتماعي توجيها عقديا إسلاميا يبدأ بإذلال التعقيل والمعاقلة ، وباستبعاد العقل النظري من حقل الإمكان الفكري ، وينتهي بتأثيث المخيلة بمفاهيم الغزو والجهاد واحتواء المغايرة مهما كانت مأصولة غير منقولة نظير التراث الأمازيغي وتطويق الأغيار من أهل الملل والنحل والمذاهب الأخرى . لقد تجاوز المفكرون الإسلاميون المجتهدون الإطار الضيق للنظام الفكري البياني الحجاجي ، واستعانوا بالعرفانيات أحيانا وبالبرهانيات تارة أخرى لدعم رؤاهم أو تأويلاتهم وعقد مصالحات أو موافقات بين الخصوم العقديين أو المذهبيين أو الحضاريين مراعاة للمصالح أو لميزان القوى الثقافي والحضاري . وهكذا ، تبلورت اللغويات والأدبيات والتاريخيات والأخلاقيات ، وانفتحت الفعالية الفكرية لبعض المفكرين الإسلاميين على آفاق التفلسف اليوناني أمثال أبي نصر الفارابي وأبي علي بن سينا و أبي سليمان السجستاني ، فيما انفتحت زمرة من المفكرين على أماد الحكمة والروحية الغنوصية والهرمسية أمثال الحسين بن منصور الحلاج وشهاب الدين السهروردي . فلم تعد الفعالية الفكرية مرتبطة حصريا بخدمة اللاهوت والبيانيات الحجاجية إلا في أوساط المحدثين والفقهاء الأكثر دوغمائية من مالكية وحنبلية وشافعية وظاهرية . وحين نقارن هذه الوضعية بوضعية النظام المعرفي بسوس ، فإننا نعاين الهيمنة المطلقة للنظام المعرفي البياني ، المفتقد إلى أي دعامات برهانية أو عرفانية عالمة . لقد انحصر الفقهاء السوسيون في حدود مؤسسات عصر التدوين ، وانقطعوا ، طوعا أو كرها ، عن الانشغالات الفكرية والمنهجية للفكر الإسلامي المتحرر من دوغمائية السلف وتحكمات الأصوليين وتطلبات المحدثين . لقد عمل الفقهاء السوسيون طيلة قرون على تحكيم النصوص في الوقائع ، وإلغاء حيوية الاجتماع البشري وحركية التاريخ وعنفوان الإنسان لصالح مرادات النصوص ، وحصروا العقل في مجرد آلية قياسية غير تقريرية . لا غرابة إذن ، في أن يفرغ الفقهاء السوسيون وسعهم ، لتجفيف منابع الإنسية الأمازيغية السوسية ، وإخراج الإنسان السوسي من مداراته الدهرانية والناسوتية ، وإلحاقه قسريا بتاريخ غير تاريخيه ، وبرمزية غير رمزيته ، وبتأويلية غير تأويليته ، وبهوية غير هويته . والأنكى ، أن بعضهم أبدى حدة كبرى في مهاجمة بعض تجليات حيوية العقل التشريعي الأمازيغي السوسي و بعض مظاهر استقلالية الإنسية الأمازيغية عن المتخيل الشرعاني . ففي جوابه عن سؤال يحيي الحاحي عن شرعية نظام اينفلاس ، أجاب القاضي محمد بن عمر الهشتوكي بما يلي : ( إن الضوابط التي اتفق عليها الشيوخ والضمان ، فهي ضلال مبين ، لأن أحكام الشرع أتى بها مولانا محمد صلى الله عليه وسلم ، فبينها وبين حكم السارق ، وبين حكم المحارب ، وبين حكم الغاصب ، وبين حكم المعتدي ، وبين حكم الزاني . فلم يمت صلى الله عليه وسلم حتى بين للناس ما نزل الله . ولو علم الله دينا أفضل من هذا الدين ، لأتى به محمد صلة الله عليه وسلم ، وشرعه لأمته . ) ( - عن – تاريخ المغرب أو التأويلات الممكنة – علي صدقي ازايكو – مركز طارق بن زياد – الطبعة الأولى – 2002- ص. 191) . يعكس جواب القاضي الهشتوكي المسلكية الفقهية وما تنطوي عليه من انسدادات نظرية ومنهجية وصعوبة في استكناه مقتضيات الاجتماع القبلي بسوس ، وطبائع العمران بهذه المنطقة . ويحق لنا أن نستخلص من هذا الشاهد ما يلي : 1- استمرار الممانعة الثقافية الأمازيغية الجزئية ضد فرض كلية النظام الثقافي العربي – الإسلامي بسوس ، واستفحال الالتباس العلائقي القائم بين القبائل ومؤسسات العلم الشرعي ، 2- صدور الفقهاء عن فكرية آلية ومنهجية غير تدليلية في قراءة الواقع واستكناه النص ، 3- اعتقال حيوية ودينامية التاريخ البشري وإرغام الفاعل التاريخي على الانخراط في سياقات تشريعية وفي اطر اعتقادية وفي عوالم تخيلية مؤمثلة ومقدسة .
لقد احتفظ التنظيم القبلي بسوس ببعض استقلاليته التشريعية والتنظيمية وحرص على عدم التنازل الكلي للعقل الشرعي الإسلامي عن ابداعيته التشريعية والتقعيدية ، في القضايا المرتبطة بالعقوبات والملكية وتدبير العلائق والخلافات داخل القبيلة وبين القبائل المكونة للف أو الأحلاف القبلية . وقد تعددت المواقف التكتيكية للفقهاء المالكيين خصوصا بعد هيمنتهم شبه المطلقة منذ المرينيين ، إلا أن مواقفهم الإستراتيجية موحدة ، وكلها تجمع على تطويق العقل التشريعي القبلي ، وإلحاق الفاعلية التشريعية القبلية بالأطر الفكرية والمنهجية لعلم الأصول . لقد شكلت المؤسسة الفقهية والصوفية ، أدوات لاحتواء ما تبقى من الفعالية العقلية للأمازيغيين بسوس ، ووسائل تمهيدية لفرض ذهنية عربية إسلامية ومخيال إسلامي ، في وسط له تاريخ رمزي مختلف عن التاريخ الرمزي العربي – الإسلامي ومخيال مغاير للمخيال الشرقاني عموما . وقد عملت الزوايا الدينية ، على تفكيك النظام الرمزي الأمازيغي السوسي ، وأعملت يد الاحتواء والتوجيه والأسلمة في المقدس الأمازيغي ، ووجهت الأفراد والجماعات والقبائل وجهة تعبدية صارمة ، انقطعت بموجبها أواصر بعض المأخوذين بالهوى الصوفي بعالم الحوادث ، وانصرفوا إلى الانهمام بعالم التكوين وبالتملي في عالم العناصر وإتباع مسالك التروحن و التجوهر الصوفي في نصابه السني الجنيدي حصرا . لقد حرص الفقيه على تلاؤم السلوك العملي للسوسيين مع مقتضيات الشريعة ، مما حد من الحس و الفعالية التشريعية والتنظيرية ومن الحيوية الفكرية والثقافية للسوسيين عموما . أما الزوايا فقد شددت على امتلاك القلوب والتحكم جذريا في الانثروبولوجيا الأمازيغية ، و احتواء علامات وأفضية ورموز المقدس الأمازيغي ، وتحويل الإنسان السوسي المنفتح بالقوة وبالفعل على الحقائق الحكمية وعلى أتواق الكينونة المحايثة . يمكن القول بان المشهد الثقافي بسوس كان يتقاسمه الفقيه والمحدث والصوفي ، في غياب كلي للمفكر الإنسي المستقل ، منهجا ورؤية ،عن الاعتبارات والمقتضيات الشرعية . ويشهد الفضاء الثقافي السوسي طيلة العصر الإسلامي ، مفارقة فاقعة . فإزاء المغايرة الأمازيغية السوسية ، للفضاءات الأصلية للتشريع الإسلامي ، واختلاف الخصائص اللسانية والمعرفية والتاريخية والانثروبولوجية ، للاجتماع السوسي ، اختار الفقهاء ، الاستنكاف عن الاجتهاد في الأصول الإبستمولوجية للعلم الشرعي نظير ما أنجزه نجم الدين الطوفي ( المصالح ) وأبو إسحاق الشاطبي( المقاصد ) . فقدت كانت المغايرة الأمازيغية ، تستحق إعمال النظر في العقل الأصولي والكشف عن تكوينه وبناه المركزية ، وإبداع مسالك منهجية في إطار ما يسمح به العقل الشرعي على الأقل . إلا أن الفقهاء اثروا ، إلغاء تلك المغايرة ، وفضلوا التقريب التدريجي أو الفوري بين الواقع السوسي والواقع الحجازي بما هو الفضاء السوسيو- ثقافي والسوسيو- تاريخي للشريعة العربية - الإسلامية . ونعتقد أن وضعية الاكتفاء بالضروري من المعرفة النظرية والإغراق في الفروع والفقهيات العملية يرجع إلى : 1- تجفيف منابع الفرق والطوائف والمذاهب المختلفة عن المالكية والأشعرية و أهل السنة والجماعة وإقصاؤها من الفضاء الثقافي السوسي خصوصا ، والفضاء المغاربي عموما ، ونقصد بالذكر : الخوارج و المعتزلة والأحناف والظاهرية والأوزاعية ، 2- غياب الفكر الفلسفي بسوس ، ومعلوم أن الفلسفة وخصوصا المنطق آلة أساسية في أي اجتهاد منهجي أصولي آنذاك ، بشهادة أبي حامد الغزالي في مقدمة( المستصفى من علم الأصول ) ، وشرط شارط للتفكير المنهجي الإبداعي أصلا ، 3- الانشغال العملي بالفقه العملي ، وبالمدافعات الجهادية في سياق الصراع العابر للتاريخ الميلادي بين الفكرانية المسيحية والإسلامية . لقد انشغل مدبرو المقدس ، من فقهاء وصوفية وحفاظ ومحدثين ، بتحقيق الهيمنة الثقافية العربية – الإسلامية في وسط متميز بنسق لساني مستقل ومتميز عن النسق اللساني العربي ، وبنظام قداسي منفتح ومتعدد ، وبجهاز تنظيمي وبعقل تشريعي يحصر التشريع في العقل الجماعي المؤهل ، عكس العقل التوحيدي الإسلامي الميال إلى نزع الكفاءة التشريعية عن الإنسان مبدئيا . والحقيقة أن الفقهاء السوسيين ، حققوا الهيمنة الثقافية على النظام الثقافي السوسي التقليدي ، دون أن يمسحوا الطاولة كما اعتقد محمد عابد الجابري ، ويلغوا بصفة كلية النظام الثقافي الأمازيغي خصوصا في اللغة والتشريع والتنظيم الجماعي رغم كل الاختراقات والتفكيكات والتسربات العربية الإسلامية لتلك الاحياز المعرفية . والحقيقة ، أن مؤسسات العلم الشرعي العربي – الإسلامي ، قد تمكنت من تكييف عقلية ووجدان الكثرة الكاثرة من السوسيين منذ بداية الدولة الموحدين على أقل تقدير ، لكنها لم تتمكن قط من إنهاء الممانعة الثقافية الأمازيغية الناعمة واللاواعية في غالب الأحيان . فقد تمكنت مؤسسات العلم الشرعي من اكتساح الوعي المعرفي السوسي ، لكنها عجزت عن اختراق مناطق من اللاوعي المعرفي السوسي ، ومساحات من الرمزية والقدسانية الأمازيغية . مما ولد وضعية مفارقة ، لحاملي العلم الشرعي بسوس . فقد انفردوا بالساحة الثقافية ، وامتلكوا السلطة العلمية والسلطة العلمية والسلطة القدسانية ، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق التجاوز مثل الأصوليين المشارقة والأندلسيين الكبارمن أمثال أبي حامد الغزالي( المستصفى من علم الأصول ومشكاة الأنوار ومعيار العلم ) والفخر الرازي ( المحصول ) وابن رشد الحفيد ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد والكشف عن مناهج الأدلة ) والشاطبي ( الموافقات في أصول الشريعة ) وابن حزم ( الإحكام في أصول الأحكام والفصل في الملل و الأهواء والنحل ) ..... لقد استمرت هيمنة العلم الشرعي العربي الإسلامي بسوس العالمة ، منذ أيام وجاج بن زلو اللمطي إلى الحماية الفرنسية ؛ وقد عاش السوسيون طيلة الفترة الإسلامية لسوس ، تحت تحكم الفكرية المالكية – الأشعرية – السنية في النظريات والسياسة الشرعية في العمليات . ونتج عن هذه الوضعية المعرفية والاعتقادية والسياسية ، أن انحصر الوعي المعرفي والسياسي واللاوعي المعرفي والسياسي السوسي ، في نطاقات محدودة ، عملت التحركات الأوروبية منذ القرن الرابع عشر على الكشف عن فواتها التاريخي ، ولاجدوى الانقياد إلى ملابساتها بدون مراجعات أو استشكالات أو تجاوزات . لقد أعلنت الحماية الفرنسية ، أفول الفترة الإسلامية لسوس وللمغارب عموما ، ووضعت رهن السوسيين ، سلما وحربا ، نظاما رمزيا آخر ، يختلف عن النظام الأمازيغي التقليدي السابق على الحضور الإسلامي بالمغارب ، وعن المجال التداولي العربي - الإسلامي على السواء . والرمزية الجديدة مبنية على منهجية وعلى ابستمولوجيا وانطولوجيا جديدتين و مختلفتين من حيث الأسس والثوابت والمقاصد ، عن الابستمولوجيا و الانطولوجيا المسيحيتين المعروفتين في المناظرات وفي كتب الملل والنحل. وعليه ، فلا يمكن مدافعة الخصم الثقافي والحضاري لا العقدي ، بمفاهيم المناظرة التقليدية وباليات الجدال الأشعري المعروف ، ولا بصور ومثالات صلحاء القرن السادس عشر . شكل الحضور الاستعماري بسوس خصوصا بعد 1934 ، منعطفا أساسيا ، في تغيير كثير من الوقائع السوسية ،وإحداث رضة ورجة في قلعة المجال التداولي المستعار أو المبيأ وخلخل مبدأ الأفضلية التداولية المعزو إلى ذلك المجال فكرانيا . لقد تمكنت فرنسا من إحداث التغييرات في الفضاء الفكري والسياسي السوسي وذلك عبر : 1- إخضاع القبائل للسلطة المركزية وإضعاف سلطتها السياسية وقدرتها العسكرية والتنظيمية ، 2- إضعاف السلطة التدبيرية والإدارية للقبائل والأحلاف القبلية بسوس( حلف تحكات وحلف تكوزولت ) ، 3- تحديث بعض القطاعات الإنتاجية وتزويد بعض الفضاءات السوسية بالبنيات التحتية ، 4- نشر المدارس الحديثة والوحي العصري الحداثي ، 5- إضعاف السلطة للعلماء الشرعيين والفقهاء والصوفية . وقد نتج عن هذه المستجدات أن فقدت الزوايا والمدارس العتيقة والمؤسسات القضائية والعدلية التقليدية هيمنتها وتفردها بالسلطة الرمزية في بادية وحواضر سوس . وقد تحسس المختار السوسي هذا الواقع في ( رحلة من الحمراء إلى ايليغ ) وكتب عن تراجع مؤسسات العلم الشرعي بتارودانت ما يلي : ( ...ثم استفهمت عما يلقى هناك من الدروس العامة فأخبرت أنه لا يدرس ذلك الحين إلا الأستاذ سيدي رشيد و أخوه مفتي المدينة وكبير علمائها سيدي أحمد بن المصلوت وإلا الباشا الشنكيطي يلقي أحيانا في الزاوية التيجانية بعض دروس ، وهذا كل ما هناك على أن ذلك أيضا غير دائم لأن هؤلاء ليس لهم دروس منتظمة لعدم طلبة ذوي قريحة ممن يحب الاجتهاد (......)ولا يزال الحال على ذلك هذه السنة 1361ه/ 1942م ، فلا دروس فيها إلا نتقا متقطعة ، فهذا ما آلت إليه تارودانت الذي ذكر عنها التمانارتي في عصره ما ذكر وقبله ، ثم تتابع فيها مدرسون وعلماء كبار وفي مقدمتهم شيخ الجماعة بسوس الهوزيوي ثم الخياطي ثم اخرون كثيرون . ) (- محمد المختار السوسي – رحلة من الحمراء إلى إيلغ – ضمن كتاب – التاريخ والفقه – أعمال مهداة الى محمد المنوني – منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط - الطبعة الاولى – 2002- ص. 306-307) وهكذا اصطدمت الثقافة السوسية الغارقة في المقدس وفي ترميز الكينونة والحد من تدفق مفاعيل السيرورة والصيرورة التاريخيتين في شرايينها ، بنظام معرفي مختلف ، لا يمكن احتواؤه أو محوه بموجب الكفاءة المعرفية الفقهية أو الدراية العرفانية الصوفية أو الطرقية . من المحقق أذن ، أن النظام المعرفي والانطولوجيا المباطنين ، للفعل الاستعماري ، قد شكلا أحروجة تاريخية للنظام المعرفي التقليدي ولنسق التمثلات والوعي الجمعي بسوس طيلة الفترة الاستعمارية . إلا أن الاستعمار الفرنسي ، اختار تغليب الخيارات الإيديولوجية والسياسية الظرفية ، فأقر بمقتضى السياسة الإسلامية للماريشال اليوطي ، توازيا بين المؤسسات التقليدية للعلم الشرعي ، وبين المدارس الحديثة .وكان من نتائج هذه السياسة المهادنة للتقليد القروسطي العربي / الإسلامي ، بسوس وبشمال إفريقيا ، احتفاظ البيات التقليدية للعلم التقليدي ، على استمراريتها وعلى تحكمها في وعي ولا وعي الساكنة ، وعلى استحالة امتلاك الكائن السوسي لمكاسب المواطنة و لتمثل اعتبارات وخلفيات الفلسفة السياسية الحديثة . ولا بد من الإشارة هنا ، إلى أن الحركة الوطنية المغربية ، حاولت أن تعيد النظر في بعض الثوابت الثقافية للمغرب الإسلامي ، وخصوصا في شرعية الزوايا والفكر الصوفي والطرقي من منطلقات سلفية متأثرة بالوهابية وبالحركة الفكرية السلفية الجديدة لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا . ومما لا شك فيه أن لحملة أبي شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي على التصوف الطرقي وعلى الزوايا ( التجانية والناصرية والدرقاوية مثلا ) أصداء سوسية . إلا أن تلك المواجهة السلفية الصوفية ، افتقرت إلى التأسيس النظري والى الوضوح المنهجي والى القاعدة السوسيو- تاريخية والسوسو- انثربولوجية ، للتقدم في تعقيل المقدس والكشف عن تاريخيته وعن جينيالوجياه ، المغطاة عادة بسجف الترميز والتلغيز لاعتبارات معرفية أو سياسية . لقد خرج المختار السوسي مثلا من تشغيب ابي شعيب الدكالي بالرباط ومحمد بن العربي العلوي بفاس على الزوايا ، بالتوفيق بين اقتناعاته السلفية السنية وبهواه الصوفي الدرقاوي تماما مثل سابقه الحاج الحسن التاموديزتي . لقد شكلت لحظة التناول السلفي للفكر الطرقي وللزوايا ، فرصة سانحة لطرح أسئلة جوهرية عن ماهية وتكوين هوية سوس منذ القرن الثاني عشر ، وماهية وتكوين الهوية المغربية منذ المرابطين وخصوصا منذ انتصار الدول الشريفة أي دولة السعديين ودولة العلويين . إلا أن المنغمسين في السجال السلفي / الصوفي – الطرقي ، كانوا إما مآخودين بتسلف دعوي ، يكتفي بالنهل غير النقدي من المنظومة التيمية / الوهابية ، أو منحازين كليا إلى جينيالوجياهم القدسانية المستلهمة من تواريخ عير قابلة للمعاينة أو المعاقلة أو التدبر بالاستدلال العقلي أو بالدليل التاريخي . وبعد الاستعمار اتبعت الدولة الوطنية نفس السياسة الثقافية . لقد فقدت المؤسسات العلمية التقليدية بسوس جزءا من سلطتها العلمية وطرفا من سلطتها السياسية ، بفعل استنبات مؤسسات علمية جديدة في التربة الثقافية السوسية ، وتفكك العلائق والتنظيمات و الروابط الأسرية والقبلية والطرقية،وانكماش الاقتصاد القروي ، وسيطرة السلطة المركزية على القرار السياسي والإداري والسياسية الثقافية والاقتصادية بالمنطقة بصورة شبه مطلقة . إلا أن الدولة الوطنية ، كانت عاجزة عن الخروج من عقم التوازي العقيم بين المؤسسات العلمية التقليدية والمؤسسات العلمية الحديثة ، والنظام المعرفي القروسطي البياني ، و النظام المعرفي البرهاني الحديث ، بين العلم الشرعي والحداثة الفكرية .
ابراهيم ازروال رئيس جمعية افا أمازيغ اكادير
#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في مطلب الحكم الذاتي لسوس الكبير
-
الأخلاق والعقل-التسويغ العقلاني للأخلاق
-
تأملات في المعضلة العراقية
-
نحو فكر مغاربي مختلف بالكلية
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|