|
صحيفة الصباح العراقية/ من فراغ الزاير حتى تركات الشبوط(2)
محمد خضير سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 2024 - 2007 / 8 / 31 - 09:52
المحور:
الصحافة والاعلام
لايخفى على أي باحث علمي اذا تصدى للبحث في تحليل صحيفة الصباح ، ان ينطلق في بحثه من قاعدة معلوماتية محايدة ، تقارن بعدد من المصادر الاعلامية المحلية والعربية والعالمية ، وتتيح للطرائق المنهجية ان تجري تحليلا مقارنا بين ما وقع على الساحة العراقية الساخنة بجميع ملفاتها العامة وبين طريقة نقل الوقائع ( الاخبار ، التقارير، اللقاءات، التحقيقات، المقال الافتتاحي ومقالات الرأي)على صفحات الصباح، فهذا الامر ليس من السهل تجاوزه ولايمكن ان يكون عابرا لأن الاحداث ومجرياتها ، سوف تدخل في اطار وجهة نظر اعلامية عامة ، تشكل صيغة من التعاطي مع الحدث وتميز النقل المحايد من طرائق النقل والانتقاء للاعلام الحزبي مثلا . لن يرى الباحث المفترض في مملكة الصباح سوى مغازلة الحدث الحكومي( وخاصة في اعلى ملوكها الان) بدوافع رسمية لم تظهر كخطأ عند الاعداد الاولى لأنها تعددت في البدء في اكثر من محور وكان من اللازم ان تصوغ( الصحيفة او هيئة الاعلام( مخططا اعلاميا لنقل الحدث الحكومي الى جانب الحدث السياسي والحدث الاجتماعي الا ان هذا المخطط ، جاء بطرائق لامنهجية ومرتجلة ، حسابات تآكلها صار اكثر من الاهتمام بنتائجها الاولية وشيئا فشيئا ، انقرضت باقي المحاور وظل الحدث الحكومي هو الاول والاخير(1) حتى تماهت الصحيفة مع مكاتب ومستشاري مجلس الوزراء وصارت تنظر الى الفضاء العراقي من خلال منظور الحكومة (2) فضلا عن ان الحكومة الديمقراطية) وحكومتنا ديمقراطية منتخبة لاشك ) تأبى ان تكون الصحيفة والاعلام الجديد كذلك ولكن ارادة الصحيفة عازمة من خلال مقاصد ومآرب كثيرة لدى القائمين على ادارتها( كل حسب وضعه( ان تصل كما هي الان الى الاستقواء بالحكومة لعدم توفر العقل الاعلامي المخطط لاعلامنا الديمقراطي واساءة فهم الحكومة مبدئيا بالرغم من بعض الارادات من المستشارين التي تشجع على ذلك من خلال غض النظر عن هذا السلوك الخطأ. ولنر بالتجربة محصلة مثل هذا الخطأ اذ درجت معظم المصادر الاعلامية العربية والعالمية على وصف الصباح بالحكومية اينما ذكرت وهو ليس بصالح الحكومة ابدا في بلاد تكفل نظمها الدستورية الاعلام الحر بما فيه البث العام الممول من قبل الدولة، واذا كانت الصباح لاتأبه به وربما تعده جزءا من الرصيد التزلفي المتصل باللاشعور المستحكم لرواسب بعض الاعلاميين العميقة منذ العهد الماضي فان مكتب رئيس الوزراء مطالب بالتصحيح لتلك المصادر، ليؤكد فصل اعلام الحكومة من اعلام الدولة، هذا من الجانب المبدئي ، اما الجانب العملي وهو المهم لدى المصادر التي تزعم بان الصباح حكومية، لانها تحتاج عمليا لشل الاعلام العراقي قبل ان يقدم على مبادرة لصنع حدث يحرج المؤسسة الرسمية العربية او من ان يأخذ دوره في التكامل مع الحكومة تبعا للمعايير الديمقراطية كونه ركنا من اركان الدولة، والوصف لم يطلق على اساس لفظي كما يعتقد البعض، يراد منه الاشارة الى لاديمقراطية الصحافة في العراق وانما هو وصف قائم على اساس رسمي، يستطيع مراقبة محاسبة الاعلام العراقي عن طريق الاجهزة الرسمية اذا ما فضح عيوب الشارع العربي بكل مركباته الثقافية ضد العراق واذا ما تطرق الى اساءة الفهم المشاركة في الجريمة حول قضيتنا العراقية، فضلا عن اختبار الديمقراطية وحقوق الانسان التي تتيح للاعلام العراقي كشف الاختراقات اينما كانت، عندئذ تخاطب تلك الجهات الحكومة العراقية بوصفها المسؤولة عن حملة اعلامية ضد هذا النظام او ذاك، وبالطبع لاتريد الحكومة ان تتحول الصحافة الحرة في العراق الى ملحقيات دبلوماسية كما هو سائد الان لدى المكاتب الاعلامية في الخارج ، وصحيفة الصباح في الداخل. اما اذا تجاهل المكتب الاعلامي لمجلس الوزراء مثل هذا الوصف فسوف يؤكد للمصادر التي تطلقه بان هيئاتنا الاعلامية ما هي الا نموذج معاد الصياغة لوزارة اعلام حكومية، وذا مايريده من من يطلق على صحيفة الصباح بالحكومية. ونعود الى الباحث المفترض الذي يتصدى الى تحليل نقل الوقائع في صحيفة الصباح اذ لا يخفى عليه ايضا ان يأخذ بحسبانه بان هذه الصحيفة ليست محمولة باعباء جهوية حتى تتعامل بانتقائية تعبيرية مع هذا الحدث او ذاك تبعا لتبئير الحدث عبر وجهة النظر الحزبية، الاثنية ، الطائفية، الفردية، وانما منذ البداية لانطلاقها هي تدشين اولي لتحرر الاعلام العراقي من خلال ايجاد موقعه الحقيقي الذي يعكس المكونات الاجتماعية العامة ويضبط المسافة المتساوية بدقة مع الجميع بالرغم من المفارقة العملية لقوانين سلطة التحالف المنحلة كونها لاتمثل اساسا فعليا لقانون او ميثاق وطني للاعلام ولكنها تشكل مرحلة انتقالية في هذا التحرر الاعلامي كأية مؤسسة في الدولة، ناشئة عن حزمة القوانين المؤقتة ومنتقلة من سريانها حتى التحول الدستوري والتطبيق البرلماني الا ان ما حدث على مستوى الاعلام هو ضياعه بين سريان لوائح سلطة التحالف المنحلة وتعطيل سلطة البرلمان والدستور بشأنه بما يجعل المهام ، تذهب بشكل تلقائي الى ادوار الجهات التنفيذية بوضع لا ينفي استقلال الاعلام كسلطة رابعة ولا يؤكد بناءه ضمن مؤسسات الدولة. انسحب هذا الوضع على طرائق نقل الوقائع في صحيفة الصباح وألف رؤية انتقائية متذبذبة بين دور الاعلام كوسيط بين المكونات الاجتماعية ومؤسسات الدولة، والاخطر من ذلك، ان هذه السكونية، تثبت عطالة الركن الرابع من الدولة في الحدود الدنيا وتنازل الجهة التشريعية عن تكاملها مع الاعلام لاسباب سياسية كثيرة وواقعية ، وتفتح الباب واسعا امام الوصوليين وارباع المواهب ونابغي التزلف ومقاولي الثقافة حيث الطريق سالكة لوسائل الارضاءات الوظيفية بين منازل العاملين، يرافقها نشوء نوع من البطرياركية (3) المنظمة التي تكسب الادارة السيئة شرعية وتصيغ من جديد حالة من التراتبية والقرابية المغطاة ولو يحلل من يعمل الآن بالصباح موقعه لوجد نفسه آزاء خريطة قرابية وتراتبية ومجموعاتية، يستطيع من خلالها ان يدرك وضعه المعنوي، اذا كان مهمشا او اساسيا ، أي ان يقول كلمته ايا كانت او يعقد لسانه وقلبه فالموظف الفلاني يعود الى ذاك المسوؤل والمدير العلاني الى ذياك الحاج اما اذا رفع اسم من خريطة التراتب فسرعان ما يتم التخلي عنه، ويهمش او يطرد كما حدث للمحاسب السابق(4).
الشوط الاول
مرت مملكة الصباح بمراحل مهمة كان من الممكن ان ترسي خطوات اساسية وترتقي بخطاب اعلامي فتي في مرحلة التأسيس على يد اسماعيل زاير قبل ان تصل الى اعلى ملوكها ليصل بها الى ما آلت اليه من محو حتى لبعض الاثار الجيدة ، وتلك المراحل المهمة ، لم تكن نتيجة لظروف الخطاب الاعلامي وطاقاته المبدعة بل هي توقفات وعتلات تعويق له ناجمة عن ادارة غير مناسبة في ظل الوضع المؤسساتي للدولة ونظرته غير الحاسمة للاعلام. بدأ التعويق الاول عندما اشرفت اعداد الصدور على الثلثمائة وبعد نحو سنة من النجاح الملموس حين تخلى اسماعيل زاير عن الصحيفة في آيار ، 2004 وهو مؤسسها ورئيس تحريرها وصاحب الفضل في تحقبق النجاح للايراد والتوزيع ولكنه لم يتخل وحده، وتلك هي النقطة الخطيرة، اذ ايدته باصرار هيئة التحرير من خلال بيا ن نشرته الصحيفة الى جانب افتتاحية زاير التي تعلن رفضه بشدة وصاية شركة الفوارس الكويتية وما تلعبه بحسب الافتتاحية من دور مرفوض في طمس ملامح الخطاب الاعلامي الوطني الناشىء، تتبعها بنفس الشاكلة ، شركة هاريس الاميركية المكلفة بتطوير الاعلام العراقي. وانتقل زاير بحزم مع هيئة التحرير المساندة له باصرار مؤثر ليصدر صحيفته الصباح الجديد وسط صمت غريب لم يلق بالا من احد المجلسيين في الحكم وقتها ودون ان تصدر مطالبة من جهة وزارية ونقابية ومدنية وحزبية على نحو ما بل صدرت من البعض مزاعم تؤكد على انه خلاف شخصي بين زاير والشركة الكويتية وسكت البعض لأنه يرى قرار زاير بارعا وفي محله المناسب بدلا من ان يغرق في صحيفة ممولة من قبل الاميركان. وبهذا فقد ترك زاير ساحة الصحيفة خالية ولم يتبق الا القليل جدا من المحررين وعدد من الفنيين لم يؤثروا البقاء لولا انهم موظفون على ملاك وزارة الاعلام المنحلة وعاملون في نفس المكان او سواه قبل التغيير اذ يعتقدون وهو صحيح انهم يعملون في مكان وآليات ومطابع ، تعد جزءا من ممتلكات الدولة. واذا كان زاير قد اسس صحيفته الثانية(الصباح الجديد) فان الصباح القديم لم تعد موجودة على الاطلاق وقابلتها صباح جديدة ثالثة مختلفة ، تشكلت من سعي ممثل شركة الفوارس الكويتية وبعض المحررين المتخلفين عن اللحاق بزاير لاسباب كثيرة، والذين استجلبوا آخرين بسرعة ، وهكذا ضللت تلك المفارقة من يأتي لرئاسة تحرير الصباح ويعتقد بانها هيئة تحرير تقوم على اثر اسماعيل زاير وانما هي هيئة طوارىء مستحدثة وحملت مفارقات كثيرة في تضليل رؤساء التحريراللاحقين حتى تمكنت من السيطرة حتى على رئاسة التحرير الآن. هوامش 1 حاول عبثا احد الكتاب ممن يعملون في الصحيفة كسر الحائط الحكومي بكتابة عمود حول قضية دار الحنان وابعادها العامة وحدثها الاعلامي الشهير الذي لم يقع في وقائع نقل الاخبار في الصباح ولم يذكر الامن خلال نقل تصريحات وزارة الشؤون الاجتماعية ولم تفلح كل توضيحاته حول ضرورة النشر لهذه القضية في الصحيفة الا انه سكت حين رأى الملامح المتجهمة على وجوه الاوصياء. 2 اشيع ان السيد فلاح المشعل ، رئيس التحرير ، سوف يتم تعيينه مستشارا اعلاميا لرئيس الوزراء ليحل محله احد اثنين من المحررين والاشاعة جزء من المناخ الاعلامي الحكومي السائد في الصحيفة الذي يحيي فكرة ارتقاء رئيس التحرير الى مستشار ويجعل من نشاط العمل مهنيا جسرا للوصول الى مجلس الوزراء وحينما جاء رئيس التحرير من سفره، ابطل الاشاعة بالنفي ولمح الى غرضية اصحابها، أي من يحل مكانه. 3 مرة انبرى احد رؤساء التحرير في الصباح امام هيئة التحرير بالقول I am god here مما دفع احد اعضاء هيئة التحرير ان يهمس ، اذا كان هو كذلك فاننا الموقع التالي بعده حتما، وما من شك في ان تلك العبارة، هي مزحة غير مقصودة الا انها تعبر عن وضع فضفاض لم يصاحبه نمو في الاطار القانوني والمهني ولا ينجم عن رسوخ في الرؤية الاعلامية الواضحة. 4 قبل ان يقدم رئيس التحريرفلاح المشعل على اول خطوة له بعد تسلم منصبه وهي اقالة المحاسب السابق في وقت عبد الجبار ، لم ينس ان يطلب الاذن من المرجعية التراتبية له، فوجد انه من غير الممكن اتخاذ قرار دون الاتصال بسين من المسؤولين ليتاكد على وجه الدقة، هل ان هذا الرجل من الاقارب او الاصدقاء ام من الممكن التصرف، وعندما اعطي الاشارة الخضراء بتخلي المرجع، اناط المسؤولية الى آخر وانهى عقده فورا، ولو اصر سين من المسؤولين على بقاء المحاسب لكانت القوانين بالمنزلة العاشرة مما يدبر بليل.
#محمد_خضير_سلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صحيفة الصباح العراقية/ من فراغ الزاير حتى تركات الشبوط(1)
-
الراحل مهدي علي الراضي في روايته الاخيرة/ العودة الى ربيع لم
...
-
حول وحدة الخطاب الديمقراطي للاعلام العراقي/الدور التكاملي لل
...
-
مرقاة الدخول الى سومر
-
شهادة قصصية، العين والآثر
-
السؤال الثقافي العراقي بعد اربع سنين من انهيار الطغيان
-
الى هيئة الحكام للاعلام العراقي..مشاركة فعالة لمركز معالجة ا
...
-
بعد اربع سنين من انهيار الطغيان المشكلة العراقية في الحل
-
في العراق الزمن كبنية مفقودة
-
اللغة والارهاب
-
بين النظام العربي والمجتمع العراقي ثنائية الانقسام الثقافي و
...
-
فكرة مسرح الحياة وسط جلبة الموت/ طقس الصلاة في طاحونة حرب
-
تنازل الدولة عن الاعلام
-
ما الذي لا يحدث لكي لا ننتبه /الى الشاعر الراحل خال حمرين
-
صانع الجرار التي لاتتحطم
-
الجدار العالي بين مجرى الدم ومسرى النفط
-
المصالحة الثقافية اولا
-
مقارنة بين الدستورالاتحادي والفدرالي الكوردستاني/ المركب الس
...
-
تطبيقات مبكرة لهوية السرد في الذاكرة الرافدينية/ القاصان محم
...
-
العلامة حسين علي محفوظ/ لم اقو على السياسة ولو بحمل عصاي بعد
...
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|