|
-غزة حماس- نكسة كبيرة للإسلاميين
محمد أبو رمان
الحوار المتمدن-العدد: 2023 - 2007 / 8 / 30 - 11:20
المحور:
القضية الفلسطينية
لم يعد ثمة جدال أنّ غزة تسير من سيئ إلى أسوأ، وأنّ أولئك المؤيدين لما قامت به حماس في غزة بدأت أصواتهم بالخفوت، فيما تتوالى حججهم بالتهاوي والتهافت، إلاّ بمنطق المكابرة وإشاحة البصر عن الوقائع البادية للعيان. وفيما تتدهور الأوضاع الإنسانية والسياسية في قطاع غزة وتجُرُّ معها المشروع الوطني الفلسطيني بأسره فإنّ حماس ذاتها بدأت تدخل في أزمة داخلية- حركية عميقة تتقاطع مع أزمة أيديولوجية وفكرية بنيوية.
وعلى الرغم من نفي غازي الحمد "الخجول" لنبأ استقالته إلاّ أنّ الوقائع والتطورات تؤكد أنّ الحمد وأحمد يوسف وناصر الشاعر وكل التيار المعتدل داخل حماس والمقربين منها باتوا مُهمّشين بينما يمسك التيار الأيديولوجي المتشدد المتعانق مع قيادة كتائب عز الدين القسّام، الجناح المسلّح في حماس، بزمام الأمور في غزة ويدير المرحلة الحالية، التي تُغرق صورة حماس في مشاهد إعلامية وانطباعات تتكرّس حول المنحى الديني والسياسي المتشدد الذي يصبغ قبضتها على غزة!
فليس اسماعيل هنية من يحكم غزة وإنّما محمد الجعبري وسعيد صيام ومحمود الزهار وأخوه، وقادة الجناح المسلّح والقوة التنفيذية الذين يمنعون المظاهرات والمسيرات المعارضة لحماس ويضربون بصورة حماس والمعركة الإعلامية عرض الحائط ويُضحّون بكل ذلك مقابل اقتحام عرس لاعتقال عدد من أعضاء فتح، أو إطلاق النار على مسيرة لفتح وضرب الصحافيين.. فأي معركة إعلامية وسياسية ونفسية خاسرة حمقاء تتورط فيها حماس في غزة لتؤكد الروايات الإعلامية العربية والغربية كافة، التي صدرت بعد الأحداث، لتقول أنّ حماس سوف تحوّل غزة إلى سجنٍ كبير وسوف تقدّم نموذجاً "طالبانياً" في الحكم!
المهزلة الحقيقية، ولا أقل من كلمة مهزلة هنا، أن نجد من يدافع عن أفعال حماس في غزة اليوم بأنّها من باب "حفظ الأمن" وحماية الناس، وهؤلاء المدافعون والمحللون هم أنفسهم من ينتقدون سياسات الحكومات العربية تجاه المعارضة الإسلامية والحريات العامة وحقوق الإنسان، ويرفضون تغوّل الجانب الأمني على السياسي، فإذا بهم اليوم يسوقون حجج النظم العربية، ذاتها، لتبرير القمع والاستبداد الذي تمارسه "ميليشيا" حماس ضد الآخرين.
بل إنّ ما تقوم به حماس اليوم في غزة هو أسوأ مما تقوم به الحكومات والنظم العربية القمعية الشمولية إذ أنّ حماس تجمع السلطة الدينية والسياسية معاً وتدّعي أنّها تحكم باسم الدين، وهو ما يشوه الإسلام وصورته أولاً ويضع أهل غزة والشعوب العربية في أسْرِ تمزّقٍ وجداني بين انتمائهم لدينهم وبين ما يرون أنه يتناقض مع العقل والواقع.
أخطر من ذلك أنّ ما تقوم به حماس حالياً، من تحكيم منطق أمني وأيديولوجي يسمح فقط بما تؤمن به وما يسير في اتجاه مواقفها وسياساتها، يهدم جهداً كبيراً تبذله حركات الإسلام السياسي متوسلةً به إلى إقناع الناس والعالم بإيمانها بالديمقراطية والعمل المدني السلمي وما يتضمنه ذلك من قيمٍ إنسانيةٍ وسياسية كالقبول بالآخر وبالمعارضة وبحقوق المرأة وحقوق الإنسان والحريات العامة.
الفترة القصيرة الحالية التي يحكم فيها الجناح المتشدد من حماس غزة تلقي بظلال واسعة من الشك والريبة على كل ما أعلنت عنه الحركات الإسلامية، ومنها حركة الإخوان المسلمين، من تطور فكري وسياسي، ما يضع أوراقاً مجّانية وأدلة دامغة في يد خصوم الحركات الإسلامية من قوى علمانية ونظم حاكمة وحكومات غربية معادية لها، ويصيب أنصار الحركات الإسلامية والمتعاطفين معها بخيبة أمل كبيرة وصدمة حقيقية. باختصار ما يحدث في غزة اليوم نكسة حقيقية في مسار الحركات الإسلامية السلمية.
وبصراحةٍ شديدة أنصحُ من يبرون أقلامهم ويطلقون ألسنتهم، الآن، لتبرير ما يحدث في غزة بتلك الأسطوانة المشروخة حول تآمر حركة فتح والحصار الدولي وظلم ذوي القربى أن يتوجّهوا إلى حماس ويعظوها ويحذّروها من الاستمرار في مسلسل الانزلاق وإحكام عقد الحبل حول عنقها، وتضييع الوقت في معركة مخرجاتها ونتائجها محسومة سلفاً ويدركها العقلاء المقربون من حماس، لكنهم للأسف يقولون ذلك في جلسات مغلقة خاصة، أمّا أمام الإعلام فيستمرون في تلك المعزوفة نفسها التي تتحدث بلغة التخدير والعواطف فتساهم في تعميق المأزق وإطباقه وتضليل حماس وأنصارها!
مرّة أخرى؛ هذا لا يعني أنّ حماس لا تتعرّض إلى تآمر وحصار ظالم وأنّ هنالك انحرافاً كاملاً في موازين القانون والديمقراطية، فكل هذا صحيح بلا أية جمل معترضة. في المقابل صحيح أيضاً أنّ حماس بحساباتها الخاطئة وبالمنطق الأعوج الذي تحكم به غزة، حالياً، تُعزّز من رصيد خصومها وتُجذّر من ورطتها وتسير بخطىً متسارعة نحو الهاوية المحققة.
هذا المقال لا ينطلق إلاّ من خندق التعاطف مع حماس والحرص عليها وعلى تاريخها، لكن الخرقَ كبيرٌ والسفينةُ تغرق، والعقلُ نجاة، والمستفيد الأول من الراهن هو إسرائيل، والخاسر الأكبر هو حماس ومعها الحركات الإسلامية، وأهل غزة يدفعون ضريبةً جديدة وهم مثقلون بالضرائب والأعباء!
#محمد_أبو_رمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
-
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي
...
-
ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
-
شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
-
السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل
...
-
الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين
...
-
الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
-
-حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|