إذا كانت الفضائيات العربية,قد شكلت منعطفاً واضحاً في مسيرة الإعلام العربي, جنباً إلى جنب مع باقي الوسائل التي تشكل الثورة المعلوماتية , من خلال تحولها إلى متنفس للمواطن العربي , بل وسائر الاثنيات التي تعيش في (العالم العربي ) , فلقد بدا واضحاً أن هذه الفضائيات العربية , التي تنادي بالرأي والرأي الآخر , والحوار , إنما تنطلق من سياسات إعلامية , أحادية , في الأغلب , وغير حيادية في الكثير من وجهات النظر التي تطرحها .
وحدويون ضد الوحدة ! :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولعل المثال الساطع ـ من وجهة نظري ـ على لا حيادية هذه الفضائيات العربية , هو تلك الحلقة من ــ الاتجاه المعاكس ــ التي استضاف فيها صاحب البرنامج فيصل القاسم كلاً من الباحث الكردي : شيرزاد عادل اليزيدي والروائي العراقي سليم مطر ....
ولقد آلمني جداً , عندما رأيت ــ كملايين المتلقين في العالم ـ كيف أن السيد مطر راح يلجأ إلى الديماغوجية , والمراوغة خلال هذه الحلقة , بل ولم يتردد عن التعبير عن حقده الدفين للقيادات الكردية , وهو ناشئ بالأصل عن حقده تجاه من يمثلهم هؤلاء .
ان السيد مطر , يبكي على وحدة العراق , وهذا بالتأكيد من حقه ,بيد أن الواقع الحالي في العراق ، لا يسوغ مثل ذلك التباكي الزائف . مادام أن الفدرالية قد جاءت أصلاً ــ كما يرى هفال زاخوي ــ كمنقذ في وجه محاولات التقسيم
المعادلة العراقية :
----------------------
ثمة معادلة واضحة ، لم يرد د. مطر فهمها ، تتعلق بعراقية الكردي الذي يعيش فوق أرضه منذ مئات السنوات ، في أقل تقدير ...! ، فهو يرى أن اي مطلب بخصوص دسترة الحالة الكردية مشكوك فيه,لانه لا يوجد في سويسرا حيث يقيم أي دستور يتناول حقوق الاثنيات,وهذا طرح ساذج منه من خلال المقارنة المضحكة التي عمد اليها,بل ان أية إشارة إلى هذه الكردية -بنظره- تعني إلغاء العراقية ، ومحاولة تهديد فاضحة بنسفها ، دون أن يعمم مثل هذا الحرص على أطراف المعادلة الأخرى ممن قدمهم على أنهم محض ضحايا ...! ولا أدري ، كيف سوغ د. مطر لنفسه ، أن يتهجم على اعتزاز الكردي بخريطته ، التي رأى أن بعضهم تمادى و راح يعلقها على جدران بيته ، بل وأن بعضهم الآخر يضمر تعاطفاً ضمنيا لهذه الخريطة وأن الأكراد يعلمون أبناءهم على ( جريمة حب كردستان؟ ) ...وهذا ما يشكل مؤامرة كبيرة على عراقية العراق ، ودون أن يتوجس في المقابل من تضمين العراق في أية خريطة أخرى : عربية – إسلامية – وهذا ما يبدو بجلاء موقفاً أخلاقياً من الباحث تجاه الأكراد ...! كي يسجل بذلك نظرية مهمة في هذا المجال بإسمه , حول العلاقة بين : الشعب ــ الخريطة , وايهما يصنع الآخر , مما يجعلنا نترحم على إنسانية ــ أبي عدي ــ الذي كان متطوراًجداً في النظرة إلى الأكراد بخصوص تسمية أجزاء مهمة من كردستان العراق , قياساً إلى المفكر الجهبذي د. مطر الذي يستكثر عليهم حتى هواء وطنهم , وكأنهم كائنات دخيلة قادمة من كوكب آخر , لأن كلمة (( كردستان )) كانت تصعقه , شأن أية عقلية شوفينية , ويا للأسف ! .
أسطورة السوبر مان :
---------------------
بدا الباحث سليم مطر – في هذه الحلقة ، وكما في عدد من مقالاته ودراساته السابقة أسير نزعة استعلائية ، ونتاج عقلية منغلقة ، وهذا ماكان يقوده ، وتحت وطأة الضغينةالايدلوجية للعمل على نطاقين :
1 – البكاء على النزعة العراقية بعيداً عن أي إطار وعلى غرار فرعوني بحت
2-اعلان الحرب على أية إ يماضة كردية ومن أجل تحقيق رؤيته هذه ، فلقد لجأ إلى التزأبق والدوغمائية ، ناسياً ان طبيعة المرحلة ناهيك عن أن الانتربولوجياوالكشوفات الاثرية قد بدأت تؤسس قراءة جديدة للجغرافية ، في ظل اعادة قراءة التاريخ ، بعيداً عن سدنة التزوير ، لاسيما في ما يخص بالهالة القدسية التي يضفيها بعض المزورين على هذه الرقعة الجغرافية ، التي يعد – العراق جزءاً منها –إلى تلك الدرجة التي يعتقد هؤلاء ان تملكهم للجغرافية , إنما يأتي بموجب صكوك منزلة ، ، وان اية اعادة قراءة تصويبية لها على صعيد تفاصيل الخطوط والإحداثيات والواقع ، انما يشكل مساساً بالتابو ، ويعيداً عن فهم حقيقة تعاقب الشعوب والحضارات على المنطقة ، الأمر الذي يسوغ تعايشاً ضرورياً لابد منه ، دون إعادة السماح لاستفراد أحد مكونات هذا الفسيفساء على سواه ، كما حدث ذلك ، تحت سطوة الحديد والنار وأنهار الدماء والمقابر الجماعية .... , وهذا ما يعزز ضرورات الأخوة بين كل مكونات الطيف العراقي , لأنه المطلوب كأولوية وطنية ملحة ...
الطاغية الصغير :
-----------------
لقد كان واضحاً ان د . سليم مطر,قد عمد على تحوير,بل تزوير حقائق كثيرة,الغرض منها أولا وأخيرا تشويه صورة الكردي وهذا يعني في نهاية المطاف تلميع صورة الطاغية صدام حسين,حتى وان كان السيد مطر يزعم انه من هؤلاء الذين وقفوا ضد صدام حسين الى لحظة سقوطه 9نيسان 2003
لقد جهد الباحث- في تجمع نقاط الإدانة ضد أكراد العراق فإذا بها عبارة عن مآخذ مردودة ، لاأهمية لها ، فلقد غمز من الاقتتال الكردي الكردي ، وكأن هذه المثلبة كافية لإلغاء وتحجيم الإنسان الكردي عن مسرح الحياة ، دون أن يتذكر بأن هناك من نفخ في أ وار هذه الفتنة بدافع وتخطيط من زبانية صدام حسين , وأجهزته المخابراتية , وا ن الاقتتال الأخوي الفلسطيني ــ على سبيل المثال ــ لا يسقط مثلاً حق الإنسان الفلسطيني في ا لعيش فوق ترابه ....! ومما أثار الدهشة والاستهجان هو استماتة د. مطرفي الدفاع عن بقايا آثار جرائم صدام الذي هجر آلاف الاسر الكردية من بعض المناطق الكردية , وبخاصة كركوك , وأحل مكانها اسراً غير كردية بغرض التغيير الديمغرافي للمنطقة ., حيث اعتبر ــ الكردي ــ جلاداً ثانياً مادام أنه يحلم بالعودة إلى بيته الذي بناه لبنة لبنة , وإلى حقله الذي كان يملكه حتى قبل محض عشر سنوات , ذارفاً دموع التماسيح على الضيف ــ الطارئ الشاغل للملكية الكردية في بغداد , انه هنا يفلسف ويترجم الرؤى الصدامية تماماً ...و رغم أن مسعود البار زاني قد أعلن خلال ندائه الشهير إلى العشائر العربية الأصيلة وجميع الأخوة العرب في المناطق المجاورة للشعب الكردي بتاريخ ( 14/4/2003) قائلاً : فاننا جميعاً ايها الأخوة , كنا ولازلنا نتعايش معاً منذ عقود وقرون نعاون بعضنا بعضاً , واليوم حلت فرصة تاريخية , هامة للغاية كي نبني معا _ً ـ مستقبلاً أفضل لأجيالنا القادمة ,
وقال في ندائه هذا : وأعلن بهذه المناسبة إدانتنا الكاملة لمثل هذه الاعتداءات , ونؤكد بانه لن يكون لهؤلاء ملاذ بيننا , وبودنا لو تعرفنا عليهم لمحاسبتهم , وأنزال العقاب القانوني العادل بهم
رغم انه يقول في الكلمة ذاتها مشيراً إلى الاعتداءات الصدامية بحق الكرد : لقد كافحنا خلال ربع القرن الأخير كفاحاً مستمراً , لإزالة هذه الحالة الشاذة من تغيير الهوية القومية والطابع التاريخي لمناطق كردية واسعة وهذه الحالة العنصرية خلفت مشاعر مريرة جداً واليمة لدى الشعب الكردي , فكان همنا الاساسي هو إزالة هذه الحالة الشاذة , وعودة السكان المرحلين و المهجرين إلى منازلهم , وأراضيهم وممتلكاتهم. وحول حقيقة الأكثرية الكردية في كركوك أجد-بدوري- أن خير شاهد على ذلك هو تهجير صدام لألاف العوائل الكردية من هذه المنطقة,نعم ,فهي خير دليل علىذلك
كرككة كردستان :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو ان عقدة التمايز ــ العفلقية ــ لما تزل تهيمن على رؤى كثيرين, ومنهم, بأسف , أصحاب أقلام معروفة , ممن يرون أن ديمومتهم لا يمكن أن تكون , الا من خلال تبعية الآخر , واستلابه , وهذا ما دفع ــ صدام ــ ألا يكتفي بتهجير آلاف الاسر الكردية من منطقتها ، بل أن يهدم مئات القرى والقصبات الكردية فوق رؤوس أصحابها ودفنهم في مقابر جماعية باتت إحدى اعظم فضائح العصر قاطبة ...! ويتضح أيضاً ان سدنة المخطط الصدامي , ينافحون عن تلك الرؤى , من خلال ارتداء قميص المصطلحات البراقة , التي لا تصمد أمام الحقيقة وإذا كان الأكراد هم بحق ــ يتامى المسلمين ــ الا ان سادية سليم مطر ، تدفعه ولأغراض مدسوسة , لتصوير الأكراد , على انهم يلعبون الآن ــ دور الصهيونية العالمية!, بل هم على صلة وثيقة بها ، ماداموا يعيدون وعلى غرار هؤلاء استثمار الرأسمال والإعلام ، من أجل استعطاف الرأي العام العالمي , بل وان ــ الأكراد ــ بحسب زعمه , كانوا قد هيؤوا أنفسهم للتصويت على هذه الحلقةضد نرجسية ذاته الجريحة ، لترجح الكفة لصالحهم
, وهذا ما أضحك المشاهد على بداهة وسعة فكر- هذا المفكر !!- الذي يتناسى الواقع العام المزري للسواد الكردي في العالم, بل وينسى بالمقابل الدور التضليلي للكثير من الفضائيات العربية التي شوهت صورة الأكراد ، ولم يكلف القائمون عليها أنفسهم أثناء المجازر الرهيبة بحق الأكراد من فعل أي شيء تجاه هذا الشعب الطيب ,الذي تعرض لحرب إبادة عرقية على يدي نظام بغداد المأفون ...!
عود على بدء :
ثمة الكثير من المذيعين العرب , يتعاملون مع ضيوفهم على غرار سلوكية الشرطي بعيداً عن التقاليد الصحفية , ولعل الأمر يبلغ أحياناً حد توجيه العبارة النابية الجارحة ليس إلى الضيف وحده فقط , بل والإساءة إلى فكره , أوقومه, بدعوى استفزازه كما فعل فيصل القاسم في هذه الحلقة عندما نعت الأكراد جميعاً , بالكذب والدجل ... ولا أدري من الذي يعطيه مثل هذا الحق ! ؟؟
وبصراحة, انني استغرب كذلك , كيف أن السيد مطر , استخدم خشونة غير معهودة , بل ذئبية مقيتة من خلال القذف المشين , و استمراء ترديد اسطوانة إداناته للضيف المقابل ,وبعيداً عن أبسط مقومات وادوات الباحث الذي يحترم رؤاه , بل ومحاولة التغطية الرخيصة على أصوات المتحدثين ــ هاتفياً ــ الذين لم يروقوا له , وقمعهم , بعد أن مارس في بداية الحلقة,وفي أكثر من مرة, نبوءته في مؤامرة كردية تستهدف اراءه الحكيمة والفذة ,و وصم بالتآمر نوايا كل متحدث كردي , بعكس ما حدث أثناء مكالمة كمال مجيد عبر شهادته المفبركة , معروفة الدوافع والخلفية ... ، وهذا ما يكشف عن مواقف كثير من النخبويين من قضية الرأي الآخر ، الذي لايخدم الرأي ! .
وهذا بالتأكيد ما يدفعنا للحديث عن ضرورة تخلي بعض الانتلجنسيا عن محاكاة صورة الطاغية ، والاحتكام إلى الواقع والمنطق , والتخلص من النزعة الاستعلائية التي جعلته يعيد انتاج تخلفه , من خلال الارتهان إلى عقلية ببغاوية , اسطورية , وارتكاسية , لم تعد تتماشى والواقع , بأي حال ...!
* عدم تشجيع شيرزاد اليزيدي د. مطر على اتمام محاولته المصافحة , أخرجه من إهاب رومانسيته , وكأنه راح يقول ومن خلال صمته : كيف سأصافح بيدي من لا يصافح رؤيتي . ويستكثر علي حقوقي الاولى البسيطة ككردي ...ذ وخصوصية