سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2023 - 2007 / 8 / 30 - 04:13
المحور:
القضية الفلسطينية
لقد بات واضحا إقبال الرئيس محمود عباس, والذي يمثل رأس الشرعية الفلسطينية, على الاستجابة لدعوات التسوية السياسية مع الكيان الإسرائيلي,وفق أجندة سياسية واضحة تحت مظلة فلسطينية وعربية ودولية, على أمل إنهاء الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية, التي احتلت في الرابع من حزيران 1967 كسقف أعلى, والعلامة الفارقة في نهج الرئيس عباس, مصداقية وشفافية سياسية, تجلت منذ بداية توليه سدة الحكم, كرئيس منتخب للشعب الفلسطيني, وقد اتضحت معالم سياسته الثابتة, بنهج الانفتاح والدعوة إلى المشاركة السياسية الكاملة والنزيهة للأحزاب والحركات الفلسطينية, كي ينطلق من أرضية وطنية داخلية صلبة لمواجهة التحديات الخارجية,وكانت النتائج ترجمة صادقة على أرضية تنحية الانتماء الحزبي جانبا, من منطلق احترام موقعه السياسي كرئيس لكل الشعب الفلسطيني, تحت سقف السلطة الوطنية الفلسطينية, وقد عمل مع حركة حماس الفائزة بالأغلبية البرلمانية, وتشكيل الحكومة ذات اللون الحزبي الواحد, وقد وصلت معه إلى حدود معينة لاتتجاوز الهموم الوطنية الداخلية, وانكفأت تلك المشاركة عند عتبات التحديات السياسية الخارجية, وتناقض الأجندات,التي كان مردها الأساسي إلى منطلقات حزبية, بدء بالتنكر والانقلاب على الاستحقاقات والاتفاقيات السياسية السابقة, وفي مقدمتها خارطة الطريق, وما تتضمنها من الاعتراف بالكيان الإسرائيلي ونبذ الإرهاب.
من جهة أخرى وبعد الانفصام بين الرئاسة والحكومة التي تشكلها حركة حماس والوصول إلى نهاية النفق المغلق, عاد الرئيس إلى مرجعية المرجعيات, وان جاز التعبير مرجعية البدايات السياسية,م.ت.ف , ذلك المربع الذي اعتبر بيت الشرعية للعملية السياسية, والذي يوكل إليه عملية التفاوض وتوقيع الاتفاقيات, بموجب أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني,وكل مواطن فلسطيني هو عضو فيها, ولا ينتقص من شرعية المنظمة أن لاتمثيل لحركة حماس بها, لأنها قامت بعشرات السنين وانطلقت بإرثها النضالي والسياسي والاقتصادي ,قبل ميلاد حركة حماس, ثم لم تمانع المنظمة من انضمام حركة حماس إليها ولم يكن طرح جدي سابقا لذلك, ولم يلجا الرئيس إلى المجلس المركزي ولا للجنة التنفيذية , إلا عندما حدث الخلل الدستوري , والفجوة السياسية الوطنية, حيث عصيان الحكومة لرأس شرعيتها لأنها حكومة الرئيس, ومن ثم الشلل الذي أصاب بيت العهدة الدستوري, والمرجع الاستثنائي الشامل بعد م.ت.ف, وذلك نتيجة التنكر للاتفاقيات, ومن ثم اعتقال عشرات من أعضاء المجلس التشريعي من قبل قوات الاحتلال على اعتبار أن المجلس والانتخابات هي إفراز اتفاق أوسلو, ونتيجة سياسية واقعية لاتفاق إسرائيلي فلسطيني دولي,فتعطلت فعاليات المجلس باختلال التمثيل, ومن ثم تنكر المجلس لنداءات الرئيس بالانعقاد الدوري, والعمل في أقصى الظروف سوء, حتى وصلت التراكمات الانفصامية, إلى العصيان الكامل والانقلاب على شرعية الذات الحكومية, وعلى شرعية الهرم الرئاسية, فأقدم الرئيس على إقالة الحكومة الحادية عشر, والتي كان من المفترض بعد اتفاق مكة, أن تعيد ترتيب الأوراق السياسية, وفق أجندة وطنية,لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية,فسقط البنيان بالكامل على اثر الانقلاب في قطاع غزة.
من ناحية أخرى أقدم الرئيس بمصداقية , ربما اعتبرها البعض في غير زمانها ومكانها, لإدارة عملية التسوية مع الكيان الإسرائيلي, بتفويض كامل من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية, المرجع الأساسي للسلطة التي وجدت جراء أوسلو, والاتفاق بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي من جهة والرباعية الشرعية الدولية من جهة أخرى.
وتركز حديث الرئيس أبو مازن حول قضايا الحل النهائي, وكثف جهوده في حشد التأييد العربي والإسلامي والدولي, لدعم حقوق الشعب الفلسطيني, وفي مقدمتها تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني الفلسطيني, انطلاقا من قرارات الشرعية الدولية ومحاولة إحياء ماعفى عليه زمن الهيمنة السياسية,ومفاد التسوية هي الوسطية بعيدا عن روح الترجمة النصية الحرفية للقرارات الدولية, لان القضية الفلسطينية منذ إعلان دولة كيان الاحتلال العبري, تم استبعادها عن التدويل, باستثناء بعض القرارات الباهتة الآلية والمصداقية, تسوية وسطية في أي قضية بدء بالقدس الشرقية, سواء من حيث كامل المساحة الجغرافية, أو من حيث السيادة الكاملة, ليدور الحديث عن سيادة مشتركة وأحيانا سيادة إدارية, وأخرى إسلامية مشتركة دينية,وثالثة دولية..حدث لاحرج.
ولم تنتهي عملية تجزيء أو الالتفاف عل السيادة, واستبدال أراضي ومواطنين ,مهزلة مابعدها مهزلة, للوصول إلى السيادة المنقوصة المرضية للأيدلوجية الصهيونية,أو حتى قضية الحدود , والتي مازالت دولة الاحتلال, تشرع في بناء المغتصبات والكتل الاستيطانية, وإكمال سور الفصل العنصري, الذي يبدد ويبتلع مصداقية القرارات الدولية, ويخلق واقعا يحرم تدويل القضية, ويُجرم العودة إلى روح القرارات النصية للأمم المتحدة, والبديل هو ترك المجال للمفاوضات الثنائية التي ستكون على أساس موازين القوى في ظل الترنح العربي الإسلامي الفلسطيني, والانحياز الدولي شبه الكامل للكيان الإسرائيلي, ومن ثم فهي حلول التسوية الوسطية, التي من شانها تقطيع أوصال الوطن إلى أشلاء وكنتونات مترامية لاترابط عضوي بينها, انطلاقا من أيدلوجية صهيونية ثابتة تسمح بسقفها الأعلى التنازل عن مجرد قطع أراضي غير إستراتيجية هنا وهناك,بما يحول دون أمل بدولة فلسطينية تحظى بسيادة وحدة الإقليم, ولا تتجاوز الكيان السياسي المعنوي المتكامل.
وصولا إلى قضية اللاجئين على خط التسوية الوسطية النهائية, وهي الشعرة التي تقسم ظهر بعير التسوية النهائية, لان عودة أكثر من ستة ملايين فلسطيني إلى قطاع غزة والضفة الغربية, هو ليس ترجمة لحق العودة أولا, ثم إن هذا الطرح ترتعد له ضفائر الدولة العبرية, ولعل أخر تصريح لوزيرة خارجية الكيان الإسرائيلي(( تسيبي لفنيي)) بان أي مفاوضات فلسطينية إسرائيلية يجب أن تتركز على شرط أساسي في قضية اللاجئين دون أي حلول وسط مفادها, أن الدولة الفلسطينية هي الحل الأبدي لقضية اللاجئين, وعدم السماح بالعودة للأراضي الإسرائيلية حسب تصريح وزيرة خارجية الكيان, والحديث يدور عن عودة عشرات الآلاف كحالات إنسانية, ومهما راوغ الساسة, فان قضية 52 ألف مواطن عادوا ولا يوجد لهم رقم وطني, سوف يكونوا عنوان تسوية قضية اللاجئين في المفاوضات, ومن جهة أخرى وبضغط عالمي عام وغربي خاص وأمريكي تحديدا, للضغط بالعصا والجزرة على العديد من الدول العربية والإسلامية, على إفساح المجال للفلسطينيين برغد العيش, وحق التملك, وتقليص ممانعة التجنس, والتحريض على الهجرة , من اجل إعادة صياغة القضية المعضلة, ومن ثم تبدأ عملية التعويضات, لأنها لن تطرح على شكل, لاعودة وتعويض, ولا عودة أم تعويض, بل تعويض دون عودة دائمة, توطين يصاغ في شكله الطوعي سيستنزف مئات المليارات النقدية بعيدا عن التوطين القسري.
كل هذا لايمنع مصداقية الرئيس في الإقدام على المخاطرة المحسوبة بالوعود والضمانات الدولية, والمحسومة بالاستفتاء الشعبي الفلسطيني, للخوذ في تفاصيل اللعبة السياسية لحلول المرحلة النهائية, وذلك حسب التشجيع العربي والدولي الخبيث, والترحاب الإسرائيلي المبطن, والتفويض الفلسطيني الحذر,مع الأخذ بعين الاعتبار إعلان الرئيس المسبق, برفض الدولة ذات الحدود المؤقتة,عدم القبول بما يسمى إعلان مبادئ لدولة والنتيجة حسب نهج إعلان المبادئ مضيعة وقت لا دولة ولا دويلة,ولا يقبل الالتفاف على حق العودة, لايقبل بغير القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين,وهنا تكمن المفارقة السياسية, حيث أصبح العنوان الفلسطيني المعلن, الإقدام الجريء على عملية التسوية النهائية, من اجل سلام حقيقي شامل وعادل, وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة, إلى جانب الدولة العبرية, كجارتين يحترم كل منهما سيادة الآخر, وهيهات هيهات, عندما نعلم علم اليقين أن الثوابت الفلسطينية هي نفسها الثوابت الصهيونية سياسيا بعيدا عن جدلية الحق والباطل, فلنا هنا أن نقرا النتائج الحتمية للمصداقية الصهيونية في مواجهة المصداقية الفلسطينية!!!
وفي الاتجاه المقابل والموازي, وبعد انخراط حركة حماس في مشاريع التسوية السياسية, بدء بتغيير موقفها من حرمة المشاركة السياسية لعام 1996 إلى المشاركة السياسية الكاملة لعام 2006, فسقطت المحرمات الأولية, وأصبحت الضرورات تبيح المحظورات تحت شعار التغيير والإصلاح, ووصلت الحركة بقدرة قادر, وبتسهيل ألف فاعل وفاعل, إلى سدرة المنتهى السياسي حيث سدة الحكم, واخذ الجمل بما حمل(تشريعي وحكومة) , وشكلت الحكومة تحت مظلة شرعية الرئيس محمود عباس, ورغم وحدة الأرضية التي يقف عليها التشريعي, والحكومة, والرئاسة, وكل المؤسسة الرسمية, وهي أرضية أوسلو بالمطلق, إلا أن الأمر توقف عند التلكؤ في التعاطي مع الاستحقاقات, والالتزامات الوطنية والدولية,وكأن المشاركة السياسية جاءت بعد تحرير الوطن!!! , في حين أن كل الإفرازات التشريعية هي نتاج اتفاق مبادئ مع سلطة الاحتلال,, التي مازالت جاثمة على صدر الوطن,إفرازات تشريعية من اجل إفراز هياكل تحظى بالتفويض الوطني, والدعم الدولي للتفاوض المرحلي مع الكيان الإسرائيلي, وهذا يعلمه القاصي والداني قبل الشروع في عملية المشاركة السياسية.
المهم أن الانكفاء على الذات من قبل حركة حماس, كحكومة شرعية وأغلبية برلمانية, والتنكر لأطراف المعادلة سواء الطرف الإسرائيلي أو الطرف الدولي, كان نتيجته كتحصيل حاصل, حصار ظالم وعقوبات جماعية للمفوض والمُفَوَض, وبالتالي طالما شرعية الحكومة والبرلمان مستمدة من عقد شراكة بين أطراف ثلاثة, فقد كان نتيجة التنكر إسقاط شرعية البرلمان والحكومة على المستوى الخارجي, وشلل الشرعية على المستوى الداخلي, وبقي الطرف الفلسطيني وحيدا في الساحة, لتدار معركة التجاذبات والأجندات والشرعيات والتناقضات , بين رئاسة تعتبر حكومتها انقلبت عليها, وكان لابد من مخرج للانعتاق من شبح الانغلاق والتقوقع, وما يواجهه من حصار بشع, تم تقنينه عربيا ودوليا, فما كان من حركة حماس, ليس كحكومة أو برلمان, بل كحركة إلا أن تطرح عروض التهدئة بما يتلاءم مع أيدلوجيتها , وما هو مسموح لها وفق خارطة الإطار الشرعي الشامل لحركة الإخوان العالمية, حيث أن التسويات النهائية الوسطية, وقضايا الحل النهائي, في ظل موازين القوى الحالية, وحال العرب والمسلمين, سينتج عنه واقعيا حلول وسطية للثوابت, ولا أجندة سياسية ثابتة كاملة وواضحة, بعيدا عن ثابت الحق من البحر إلى النهر, إلا أن حركة حماس طرحت مخارج لتأجيل الصراع أو تجميده مؤقتا للخروج من المأزق, بما لايمكن الإطلاق عليه تسويات نهائية ولا حتى مشاريع مرحلية, بل عنوانها الهدنة طويلة المدى, والمشروطة بسقف أعلى حدوده الانسحاب المسبق الإسرائيلي الكامل عن حدود الرابع من حزيران 1967, ولم يتم التطرق إلى قضايا الثوابت مثل اللاجئين والحدود النهائية والمياه وغيرها, بما يتلاءم مع المخرج بعيدا عن تسميته مشروعا, بل هدنة أو مهادنة قد تستمر إلى عشرات السنين, ويمكن تجديدها, وبرهنت حركة حماس على طرحها بتهدئة من طرف واحد, لمدة زادت عن العام, تركزت بوقف إطلاق الصواريخ والعمليات الاستشهادية, والتي لخبطت كيان العدو الصهيوني.
وهنا لانلوم حركة حماس لان هذا الطرح الذي يتطلب إلى مفاوضات مضنية مع قيادة الكيان الإسرائيلي, هو مجرد طرح يفتقر إلى الآلية السياسية, والواقعية التي تتنكر لشروط الإعجاز حسب غطرسة المحتل, وهذا مجرد طرح ليس أكثر بحدود تتناغم مع أيدلوجية الحركة المقيدة وإطارها الشامل, لكن المأخذ على هذه التهدئة المجانية المسبقة, والهدنة الدائمة بعيدا عن الثوابت, رغم أنها ستكون الأقرب تقبلا لدى الكيان الإسرائيلي, الذي لايؤمن بتسوية نهائية تتطرق لثوابت الانتحار السياسي, إلا أنها ووفق التهدئة الطوعية الحالية وبعد الانقلاب العسكري, والاستيلاء على قطاع غزة بالقوة, ومحاولة التضييق على فصائل المقاومة لتجاوز سلاح الهاون إلى إطلاق الصواريخ, فلن ينتج ذلك العرض المترجم, قوة تجبر الكيان الإسرائيلي الذي لايؤمن إلا بالقوة, على أي عمليات انسحاب بحجم شروط الهدنة.
والمفارقة هنا تكمن في الخيارين المطروحين على المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي, تسوية نهائية, أم تهدئة طويلة المدى, ومن ثم للتعاطي مع إحداها سيكون وفق الشروط والتنازلات الإسرائيلية, ومتطلبات اختبار المصداقية وتوفير الأمن للمواطن الإسرائيلي كأولوية, لا وفق شروط فلسطينية, لا تحظى بدعم مؤثر عربيا وإسلاميا ودوليا, وفق خارطة موازين القوى الدولية سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
وهنا نجد وفق الأيدلوجية الصهيونية التي لم تتزحزح قيد أنملة عن منطق التهديد والتهويد , والترانسفير , والاغتيال, والاعتقال, فهذا الثابت والمتغير صعودا وهبوطا في تلك الأيدلوجية, وما هو متاح لذر الرماد في العيون, يكمن في تحسين ظروف الحياة , وربما في أقصى درجات الكرم الانسحاب من بعض الأراضي الغير إستراتيجية, ووقف عمليات الاغتيال مؤقتا, والإفراج عن بعض الأسرى, والهدف الأساسي للتعاطي مع أي من الطرحين, هو انتزاع عملية تطبيع سياسي واقتصادي مع معظم الدول العربية والإسلامية, دون أي حلول حقيقية للقضية الفلسطينية, أو حسم الصراع, بل تهدئة أو هدنة هي اقرب إلى القبول الإسرائيلي , بما يسمح بالالتفاف وتصفية الثوابت, وما الشعارات الإسرائيلية الزائفة بحل الدولتين , إلا حربا نفسية مضادة تستهدف كسر الحواجز العربية, وتفعيل الثقة المفقودة, وإقامة علاقات كاملة مع تلك الدول , التي من ضمن الأهداف تجيير مواقفها لجعل الطرف الفلسطيني المتصارع هو المُلام في عرقلة المساعي الحميدة للإقبال الإسرائيلي على السلام, خاصة وان الصراع لم يعد منذ زمن عربيا إسرائيليا, ولم يعد في الواجهة حاليا كصراع فلسطيني إسرائيلي, بل تحول بعد الانقلاب لتناقض قرعي إلى صراع فلسطيني فلسطيني, وللقارئ الكريم أن يعود إلى مقالتي(( سباعية الصراع)) ليقرأ الطامة الكبرى, جراء هذا المستوى الآثم التدميري, لدرجة الصراع الفلسطيني الفلسطيني وتداعياته على مجمل القضية القومية والفلسطينية.
وبالتالي وحسب رصد النوايا السياسية الإسرائيلية, وانطلاقا من واقع فلسطيني هش, ومشاريع تسوية متناقضة, يطيب موسم الصيد الصهيوني, للاستخفاف بكل مايعني تحرر كامل أو جزئي, والتي كان أخرها طرح مبادرة الاستخفاف من قبل رئيس الدولة العبرية(شمعون بيرس) وسط ذروة الحديث عن المؤتمر الدولي والحلول النهائية والدولتين, ليكشف عن نوايا العبث الصهيوني بمبادرة ومشروع سياسي عنوانه(( تهدئة كاملة لمدة خمس سنوات مقابل الإفراج التدريجي عن كل الأسرى الفلسطينيون؟؟؟!!!) ويتزامن مع هذا العرض السياسي السخي دعم عسكري لترسيخه, حيث يصرح وزير حرب الكيان الإسرائيلي مؤخرا انه لم يغير نظرته للفلسطينيين, ولايمكن الانسحاب من الضفة الغربية على الأقل قبل خمس سنوات, إذن أين نوايا التسوية النهائية, فلا نرى إلا النية لتهدئة وهدنة مرحلية, يمكن استثمارها لغزو العالم العربي تحت مظلة سلام وهدوء وهمي كاذب, فالأسرى رغم أنهم لايجب أن يكونوا كصفقة مقابل ضياع الثوابت, بل تحريرهم هو ثابت جراء أي تسوية , وليس وفق صفقة منفردة, والحديث عن أسرى بهذا السخاء والكرم الصهيوني, يفيد إيصال رسالة من أعلى الهرم الصهيوني أن نتحدث عن هدنة غير متكافئة, وان نبتعد عن أحلام الثوابت, لذلك فان أي هدنة أو مهادنة أو مساومة على قدسية المقاومة هي انتحار حقيقي, وإذا وافقنا عليه طوعا سيصبح جريمة فيما بعد يجرمه الصديق قبل العدو.
ومن هنا نستطيع القول أن طرح التهدئة الكاملة بعيدا عن الثوابت هي الأقرب إلى الأيدلوجية الصهيونية, ووقف جميع أعمال المقاومة الفلسطينية, ووقف حملات الحرب النفسية والإعلامية, مقابل تحسين الأوضاع الحياتية والاقتصادية, والإفراج عن الأسرى والانسحاب من بعض الأراضي السياسية البور, أو حتى الملعونة في التوراة كغزة_ أريحا فالوقوع في هذا الشرك كارثة, بل من المتوقع قريبا وبعد الفشل المتوقع حتما لما يسمى بالمؤتمر الدولي, واهزولة إعلام مبادئ دولة فلسطينية, والسماح بما لايتجاوز الشعار, وبعض الكرامات الصهيونية, ليعطوا من الشاة أذنها ,في مسالة الثوابت, وصولا إلى هدف المؤتمر الدولي, أو الاجتماع الدولي الفاشل, والذي يقوده رأس الهزيمة والفشل الأمريكي البريطاني, بوش _بلير, لنذهب له بإرث فلسطيني مهلهل قبل إنهاء آثار الانقلاب والاتفاق على كلمة على قلب رجل واحد, وهذا يتطلب من حركة حماس أن تعلن فورا قبول طرح الرئيس للعودة إلى العمل المشترك, من اجل حضور فلسطيني كامل يختبر مصداقية ذلك التجمع, الذي اعتبره منذ اليوم الأول للإعلان عنه, انه مجرد إعداد لمحفل دولي في حديقة البيت الأسود, لتخريج بوش كبطل سلام, ليترجم على مرآي ومسمع العالم أكذوبة رؤيته للدولتين على الورق, كمبادئ واقتراحات وسطية, لإخراج دويلة بالمعايير الصهيونية العالمية, قابلة للحياة؟؟؟!!! بحدود مؤقتة؟؟؟!!!دولة قبل التفاوض؟؟؟!!! بمعنى أن المحفل لتكريم المجرم بوش سوف يكون مهد ولحد الدولة المقترحة في نفس الوقت, ومن بعد المحفل فليكون الطوفان.
فسواء التسوية العادلة والنهائية وهي وهم كبير, مهما توجهنا بمصداقية لتحقيق السلام, أو التهدئة والهدنة المشروطة بانسحاب لن يكون هي كذلك وهم كبير, مهما تعهدنا بوقف الصواريخ والعمليات الاستشهادية بشهود, فلن تقبل الدولة العبرية إلا بتهدئة رخيصة وغير مشروطة من جهة, ومفاوضات من اجل المفاوضات وكلاهما لعشرات السنين, ولنسميهما كما نشاء تسوية مؤقتة أم تهدئة طويلة المدى, فالتهدئة الغير متكافئة, والتي تحدث بين طرف قوي وأخر ضعيف بعيد عن الندية, وعن النوايا السليمة, هي الأقرب للهضم الصهيوني, لتكريس ثوابتهم , الساعية إلى مزيد من الحفريات أسفل المسجد الأقصى تمهيدا لاقتلاع جذوره في وضع عربي وإسلامي لايقوى على المعارضة الكلامية, واستمرار معاناة ومجازر بحق اللاجئين وتوزيعهم على شتى أنحاء العالم بعيدا عن عتبات الوطن فلسطين, واستنساخ جيل قادم غير مرتبط عمليا بالوطن الأم, وبالمقابل استجلاب مئات آلاف اليهود من شتى بقاع العالم, طالما توقفت أعمال المقاومة أو حتى تم احتوائها في بعض الأعمال الغير مؤثرة على ذلك الاستجلاب الأسود.
وبالمحصلة فمصداقية الرئيس محمود عباس سوف تصطدم قريبا بأكاذيب والاعيب القيادة الصهيونية, ويمكن التلويح في وجهه بالتعاطي مع التهدئة التي تطرحها حركة حماس, من اجل مزيدا من الضغط والابتزاز, وشق الصف الوطني, وتكريس عزل غزة بالمطلق عن الضفة الغربية, ولكن بالمحصلة النهائية سوف يتم استهداف حركة حماس قبل غيرها قريبا مهما حاولت تقليص العمليات الاستشهادية ووقف إطلاق صواريخ القسام, فمشروع الدولة العبرية بعد المؤتمر الدولي عمليات شاملة وواسعة في الضفة الغربية وربما اجتياح شامل لقطاع غزة, للقضاء على وهم التهدئة والتسوية والبدء من جديد, مع حكومة إسرائيلية قادمة, لان الحكومة الحالية اضعف من أن تنتج عملية تسوية جدية, فمهمة الإبقاء عليها بكل ضعفها وتناقضاتها أمريكيا, من اجل المؤتمر الدولي الذي سيكون مقدمة لمحفل التكريم لتاريخ آل بوش قريبا كدعاة سلام, ومحاولة طمس معالم الهزائم جلب اللعنة على سمعة الولايات المتحدة الأمريكية ,,,والسلام
وفي النهاية لايسعني ومن منطلق الحرص الوطني من وسط العاصفة التي مازالت في ذروتها, والتي من المتوقع أن تحصد الأخضر واليابس ولا تذر أحدا, إلا أن ادعوا حركة حماس بعدم المكابرة, وعدم البحث عن وساطات عربية ودولية, ودعوة الرئيس محمود عباس إلى طي صفحة الماضي, والعودة عن الانقلاب بالكامل, وما دونها من قضايا يمكن معالجتها في إطار القانون والعدالة الوطنية الفلسطينية, وعدم التمادي في تدمير خطوط العودة, والاستجابة لشرعية الرئيس الذي احتضن حركة حماس وسط أنواء المعارضة لتوقيت الانتخابات, فما هو ممكن اليوم قد يكون مستحيل غدا.
الوحدة الوطنية صمام الأمان, والمقاومة الشرعية المنظمة ضمانة التحرير, وكان حري بنا أن نستثمر ضعف وتخبط الكيان الإسرائيلي, بدل أن ينقلب الاستثمار ليطال وينال من وحدتنا الوطنية جراء الانقلاب والتمادي في نشوة النصر الزائف, وبالتالي كل يوم يمضي على هذا الحال الفلسطيني المُشين, سيدفع أجيالنا ثمنا باهظا له.
والله من وراء القصد
[email protected]
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟