العالم العربي اتفاقيات على ورق المجال الاقتصادي نموذجا

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

الحوار المتمدن-العدد: 619 - 2003 / 10 / 12 - 03:57
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

إن التحولات التي يعيشها العالم حاليا و التغييرات العميقة في الاقتصاد الدولي و ظهور تحديات جديدة تواجه مجمل اقتصاديات البلدان النامية, تضع الدول العربية أمام تحديات مصيرية حقيقية لا يمكن لأية دولة منها أن تواجهها بصورة منفردة, إلا من خلال تنسيق جهودها و تعاونها كمجموعات لمعالجة القضايا التنموية. فلا مناص لها ادن من أن تجد لنفسها أشكالا مواتية للتعاون و التكامل لتطوير اقتصادياتها في ظل التحديات الدولية الحالية.

فلم يعد كافيا, و الحالة هاته, أن يسعى كل بلد لتطوير اقتصاده مستفيدا من تجربته السابقة, اد أضحى من اللازم التفكير بجدية و مسؤولية تاريخية في منطقة التجارة العربية الحرة و تجميع الشروط الضرورية لتفعيل سيرورة التكامل الاقتصادي العربي. و لا مندوحة, في هدا الصدد, من الاستفادة من الماضي و استخلاص العبرة من سيرورة الوحدة و التوحيد التي عرفتها أغلب مناطق العالم خلافا لما وقع في الوطن العربي الذي تميزت محاولاته الوحدوية بالفشل الدريع. و في هدا المضمار فان الدول العربية لن تنطلق من الصفر, و عليها على الأقل تفعيل و إعمال ما تحقق من اتفاقيات على علتها.

لقد كانت هناك محاولات مند نشأة الجامعة العربية, و هي محاولات ارتكزت على مخلين رئيسين, و هما مدخل تسهيل المبادلات التجارية و مدخل التكامل. و كانت الخطوة الأولى في هدا المسار سنة 1953  بتوقيع اتفاقية تسهيل التبادل التجاري بين دول الجامعة العربية و تبعها في سنة 1964 صدور قرار السوق العربية المشتركة كإطار لتحقيق اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية. علما أن جميع الدول العربية وقعت على اتفاقية سنة 1953 إلا أنها ترددت في التوقيع على اتفاقية السوق العربية المشتركة اد يوقها آنذاك سوى سبع دول. و في سنة 1981 جرى التوقيع مرة أخرى على اتفاقية لتسهيل التبادل التجاري بين البلدان العربية, و الآن و بعد أكثر من عشرين سنة, تعود الدول العربية للحديث عن ضرورة تفعيل هده الاتفاقية من خلال إقامة منطقة التجارة العربية الحرة, و هدا إضافة إلى جملة من الاتفاقيات الخاصة بالاستثمارات و رؤوس الأموال, كالاتفاقية العربية لضمان الاستثمار و اتفاقية الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي و الاجتماعي و اتفاقية صندوق النقد العربي و التي تهدف كلها إلى تأمين رؤوس الأموال العربية لتمويل مشاريع التنمية. و في واقع الأمر كانت الفلسفة الكامنة وراء هده الاتفاقيات تقوم بالأساس على اعتبار أهمية الدور الفاعل لآلية السوق و قدرتها بعد تحرير التجارة على إعادة تقسيم العمل على الصعيد العربي على نحو من شأنه أن يؤدي إلى درجة من التخصص. علاوة على أن السوق الواسعة ستؤدي بحد ذاتها إلى زيادة فرص الاستثمار و بالتالي فرص الشغل. إلا أنه مع الأسف الشديد, كل تلك الاتفاقيات ظلت حبرا على ورق, و لم تنفد بالمستوى المطلوب لتحقيق النتائج المنتظرة, و بدلك فإنها لم تؤد إلى زيادة حجم التبادل التجاري رغم تقليص الحواجز الجمركية. و هكذا و نظرا لعدم تحقيق المدخل التجاري و عجزه عن توفير الشروط لانطلاق سيرورة التكامل الاقتصادي العربي بدأ التفكير في مدخل بديل أو مكمل, و هو مدخل المشاريع العربية المشتركة. و كان هدا المدخل يتوخى تقوية و تنوع القاعدة الإنتاجية العربية و كان من ِشانه أن يؤدي إلى زيادة حجم التجارة البينية العربية’ علاوة على أن التركيز على المشاريع الإنتاجية المشتركة يعتبر خطوة أولى على درب تفعيل مسيرة تكامل فروع الإنتاج و تقوية التشابكات القطاعية. و كل هدا كان من شأنه, لو تحقق, أن يمهد الشروط لتحقيق الوحدة الاقتصادية العربية.
و رغم أنه تم إحداث أكثر من 390 مشروعا بتكلفة تفوق 20 مليون دولار في الزراعة و الصناعة و السياحة بفضل الفائض المالي العربي, لا سيما الخاص بالنفط, فان مدخل المشاريع العربية المشتركة لم يحقق هو كذلك أي تغيير يذكر على صعيد الواقع الاقتصادي العربي, لا سيما و أنه لم يستند على استراتيجية متكاملة للتصنيع و التنمية, و كانت المشاريع المحدثة بعيدة عن مبدأ الترابط الاستراتيجي المطلوب, و هكذا ظلت تلك المشاريع المحققة غير ذات تأثير على مجمل الاقتصاد العربي, و بالتالي لم تلعب أي دور فعلي في تطوير الواقع الاقتصادي العربي, اد أن كل المشاريع الصناعية المشتركة ركزت على الصناعة التحويلية الخفيفة و همت منتوجات مشابهة لمشاريع قطرية قائمة أو في طريق الإنجاز, و بالتالي فإنها لم تستطع إحداث أي تطوير في القاعدة الإنتاجية العربية, و أقصى ما بلغته هو توسيع أفقي نسبي أكثر من توفيرها لشروط تكامل فروع الإنتاج على المستوى العربي.

و خلاصة القول أن الدول العربية لم تقو على تبني سياسات مالية و اقتصادية و برامج و إجراءات مواتية لتأمين الشروط لنجاح لا مدخل التبادل التجاري و لا مدخل المشاريع المشتركة, علاوة على غلبة أساليب التنمية القطرية و تقديمها و تغليبها على التنمية العربية, و كذلك التناقضات الاقتصادية العربية فعلت فعلها إضافة إلى تغليب الخلافات السياسية و ترجيحها على المصلحة الاقتصادية المشتركة, هدا دون الحديث عن ضعف الالتزام و سيادة الانفصام بين القول و الفعل و الضعف العربي العام أمام التدخلات الخارجية و التبعية الاقتصادية للخارج. و بدلك تكون أسباب الفشل واحدة و هي غياب الإرادة العربية الفعلية للتكامل و التعاون العربيين, و هدا يعتبر من أكبر المعوقات لتطوير العمل الاقتصادي العربي المشترك.

 

#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات