الحرب العالمية الثالثة
منذ ان تحولت الراسمالية من مرحلة المنافسة الحرة الى مرحلة الامبريالية، حيث تم اقتسام العالم اقتصاديا وعسكريا بين الدول الراسمالية الكبرى، واستنادا الى قانون التطور المتفاوت للدول الراسمالية، اصبحت الحرب العالمية حتمية. وقد ثبت ذلك بقيام الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية. ان التطور المتفاوت للدول الامبريالية يغير الوضع الاقتصادي النسبي لهذه الدول بحيث ان الامر يتطلب اعادة اقتسام العالم. واعادة اقتسام العالم لا يمكن ان تتم دائما بصورة سلمية. وبما ان الحرب في النظام الراسمالي استمرار للسياسة فمن الطبيعي جدا ان تجري اعادة اقتسام العالم بصورة حربية.
وكان لنشوء المعسكر الاشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية تأثير جديد على الوضع العالمي. فالحرب ليست من طبيعة الدول الاشتراكية لأن الاشتراكية لا تهدف الى الاستيلاء على الاقتصاد العالمي بل تريد تحريره من عبودية الراسمالية. ادى وجود معسكر اشتراكي على ثلث الكرة الارضية الى وضع لم تعد فيه الحرب العالمية حتمية كما كانت قبل الحربين العالميتين. فنشأت حركة السلام التي كانت تهدف الى منع وقوع حرب عالمية ثالثة وشعارها هو شعار ستالين "ان السلم سيصان ويتعزز اذا اخذت الشعوب قضية السلام بأيديها". واذا كانت الحرب العالمية غير حتمية فمعنى هذا انها يمكن منعها رغم ان خطر وقوعها ما زال قائما. ولكن ارتداد الاتحاد السوفييتي بعد وفاة ستالين عن الاشتراكية وما تبعه من ارتداد الدول الاشتراكية الاخرى أدى الى نشوء وضع عالمي مشابه لما قبل الحربين العالميتين، اي ان الحرب العالمية اصبحت حتمية الوقوع مجددا.
وقد ادى قانون التطور المتفاوت الى نشوء الظروف المؤدية الى وقوع هذه الحرب. فالدول الراسمالية الكبرى عدا الولايات المتحدة التي خرجت من الحرب مدمرة اقتصاديا اخذت صناعتها تنتعش من جديد. أصبحت الدولتان الكبريان المانيا واليابان دولتان صناعيتان متطورتان تبحثان عن الاسواق الجديدة وتحاول كل منهما ان تحصل على حصتها المناسبة من الكعكة الراسمالية. وكذلك الوضع مع الدولتين الحليفتين انجلترا وفرنسا ولو بدرجة لا تضاهي تقدم المانيا واليابان. فاصبحنا نرى منظمة جديدة اسمها منظمة الدول الصناعية الكبرى السبع التي تنضم اليها روسيا كدولة ثامنة احيانا. وكثيرا ما نسمع عن صراعات "سلمية" بين بعض هذه الدول ضد الولايات المتحدة احيانا وفيما بينها احيانا اخرى. كالمقاطعة وفرض العقوبات الاقتصادية وسن القوانين الوقائية اقتصاديا مما تسميه حتى وسائل الاعلام الامبريالية حروبا كحرب اللحوم وحرب الحبوب وحرب الخمور ومشاكل صيد الاسماك وغيرها. وجاء انهيار الاتحاد السوفييتي الاشتراكي منذ ١٩٥٣وانفتاح السوق الاشتراكية للسوق الامبريالية وسيلة مؤقتة لتخفيف هذا الصراع لفترة ما. ومع ذلك نشأت الحروب الموضعية في ارجاء العالم، حروب تبدو محلية في ظاهرها ولكنها ليست في الواقع سوى تعبير عن صراعات الدول الامبريالية على اعادة اقتسام هذه المناطق من العالم. ولكن ذلك كله لم يكن كافيا وأصبح نشوب الحرب العالمية الكاملة ضروريا. ان شعار الولايات المتحدة بخلق نظام اقتصادي عالمي جديد وعولمة الراسمال الاميركي حتم عليها اعلان حرب عالمية ثالثة. فتم اعلان الحرب العالمية الثالثة رسميا من قبل الولايات المتحدة فور الهجومات الانتحارية على نيو يورك والبنتاغون. ففي نفس اليوم صرح بوش بانها الحرب. حرب عالمية، حرب صليبية، حرب ضد الارهاب. وأعلن انها حرب تهدف الى تحقيق هدفين؛ الاول تحقيق عالم بدون ارهاب؛ والثاني انقاذ الاقتصاد الاميركي من الركود الذي يعاني منه، اي من الازمة. والهدف الاول يعني تحقيق سيطرة الولايات المتحدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا على العالم كله، بينما يهدف الهدف الثاني الى تحقيق عولمة الراسمال الاميركي تحقيقا كاملا. وأعلن بوش ان العالم كله هو اما متحالف مع الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب او انه ارهابي او مؤو للارهاب.
ان هذه الحرب العالمية الثالثة تختلف اختلافا جوهريا عن سابقاتها. فكيف تحقق الحرب انقاذ الاقتصاد الاميركي من الركود او الازمة؟
ان الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك هي زيادة استهلاك الاسلحة بجميع انواعها خلال الحرب وزيادة النفقات العسكرية اللازمة للعمليات الحربية. وقد رأينا ان انتاج الاسلحة الدائمة التطور نتيجة الثورة التكنولوجية واتساع التجارة بهذه الاسلحة وكذلك غزو الفضاء وحرب النجوم كانت في عهد السلم انجع الوسائل في تخفيف الازمات الراسمالية للامبريالية. ولكن الحرب تزيد من استخدام هذه الاسلحة اضعافا مضاعفة يأمل بوش في ان يؤدي ذلك الى انهاء ازماته الاقتصادية. ولكننا نعلم ان الازمات الاقتصادية قانون طبيعي متحكم في النظام الراسمالي وليست هناك اية وسيلة لتحاشيه او التخلص منه. فأمل بوش في انهاء الازمة الاقتصادية قد يؤدي ثمارا في تخفيف ازمته الحالية ولمدة محدودة ولكن الازمات ستبقى وتتفاقم طالما بقي النظام الراسمالي قائما. نرى من هذا ان استهلاك الاسلحة في هذه الحرب العالمية الثالثة غاية بحد ذاته تهدف الى تخفيف الازمة الاقتصادية الامبريالية. هذا فيما يتعلق بأحد الهدفين اللذين حددهما بوش رسميا عند اعلان حربه العالمية الثالثة، هدف انقاذ الاقتصاد الاميركي من الركود.
ولكن هذه الحرب واستخدام الاسلحة المدمرة فيها وسيلة ايضا. فهي وسيلة لتحقيق الهدف الثاني الذي حدده بوش يوم اعلان هذه الحرب، هدف القضاء على الارهاب وتحقيق عالم بلا ارهاب. وقد رأينا ان دول العالم كله تقريبا سارعت وتنافست على اعلان انضمامها الى التحالف مع الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب خوفا من ان تشملها الولايات المتحدة ضمن الدول الارهابية او الدول المؤوية للارهاب.
وهذه الحرب العالمية الثالثة حرب تختلف عن الحربين العالميتين السالفتين في خصائصها وفي طبيعتها ايضا.
أول خصائص هذه الحرب في رأيي هو ان الولايات المتحدة هي التي بدأتها. ففي الحربين السابقتين كان دور الولايات المتحدة الحربي ضئيلا نسبيا وجاء متأخرا. ففي الحرب العالمية الثانية مثلا لم تدخل الولايات المتحدة الحرب فعلا الا بعد هجوم اليابان عليها في ﭙرل هاربر. وكان دور الولايات المتحدة الاساسي طوال سنوات الحرب مقصورا على تزويد الاطراف المتحاربة بالسلاح والمواد الاخرى الضرورية مما أدى الى ازدهار الاقتصاد الأميركي وامتلاء جيوب قوارين المال الأميركيين بالذهب الرنان. أما في الحرب العالمية الثالثة فان اميركا هي التي تتحمل نفقات هذه الحرب بالدرجة الرئيسية. لقد حدثت حروب بعد الحرب العالمية الثانية تحملت فيها الولايات المتحدة الجزء الأكبر من نفقاتها كحرب كوريا والفيتنام ولكن هذه الحروب كانت صغيرة بالقياس الى الحرب العالمية الثالثة التي نعيشها الآن. وهذه الظاهرة ذات اهمية بالغة. إذ حين تكون الولايات المتحدة مجهزا للدول المتحاربة بالأسلحة والمواد الأخرى تتلقى مقابل ذلك ارباحا تستطيع ان تقدم بعض فتاتها الى الشعب الأميركي. أما حين تتحمل الولايات المتحدة نفسها نفقات الحرب فان الشعب الاميركي هو الذي يدفع نفقاتها ويتحمل عواقب ذلك. ولكننا نعلم ان انتاج الأسلحة والمواد الملحقة الضرورية للحرب يجري في مصانع الشركات الكبرى وهي التي تجني الأرباح الخيالية الناجمة عن ذلك. ولا فرق لدى هذه الشركات ان كان المشترون دولا اخرى متحاربة ام الولايات المتحدة نفسها. ان بيع الاسلحة هو هدفها الوحيد. والفرق هو فيمن يتحمل نفقات الحرب. ان الحرب ايا كان القائمون بها لا تؤثر على أرباح هذه الشركات لأن استهلاك الأسلحة هو الذي يحول الدماء البشرية المندمجة بنيران الاسلحة الى ذهب رنان يدخل خزانات قوارين المال العالميين وعلى رأسهم راسماليي الولايات المتحدة.
والخاصية الثانية لهذه الحرب العالمية هي انها حرب موجهة ضد العالم كله. فقد قسم بوش العالم الى حليف له في الحرب ضد الارهاب او عدو له في هذه الحرب. فهي حرب ضد الصديق قبل العدو. لقد اكتسبت الولايات المتحدة خبرة في هذا النوع من الحرب فيما يسمى حرب الخليج الثانية. فقد بدأت الولايات المتحدة تلك الحرب باحتلال دول الخليج العربية عسكريا لا بصفتها محتل او مستعمر بل بصفتها منقذ ومحرر وهذا يعني انها بدأت الحرب ضد اصدقائها. وبعد ذلك فقط شنت حربها على العراق وأجبرت حليفاتها العربية على الاشتراك في تلك الحرب بجيوشها وأموالها. ولكن احتلال هذه الدول لم يكن مؤقتا لاغراض الحرب ولا لكي ينتهي بانتهائها انما هو احتلال ابدي لا تستطيع الدول المضيفة للجيوش الأميركية ازاحتها منه لأن الدولة التي تقع تحت وطأة الاحتلال العسكري لا حول ولا قوة لها الا بالجيش المحتل.
ان الولايات المتحدة استفادت من هذه الخبرة فشنت حربها العالمية الثالثة ايضا كحرب ضد الأصدقاء قبل الأعداء. بدأت الولايات المتحدة حربها العالمية الثالثة ضد افغانستان بحجة ان القائمين بالهجوم في ايلول هم منظمة القاعدة وحكومة طالبان التي تحمي بن لادن رئيسها. ففي اللحظات التالية للهجوم وقبل اي تحقيق حول من قام بالهجوم اعلنت الولايات المتحدة ان القاعدة وبن لادن هم المسؤولون عنه ولذلك اعلنت ان حربها العالمية ضد الارهاب تبدأ في افغانستان للقضاء على بن لادن والقاعدة. وما أن اعلنت ذلك الا وطلبت من كافة الدول تأييدها والتحالف معها في حربها هذه ضد الارهاب في افغانستان. ورأينا كيف تسابقت دول العالم كله في تأييد الولايات المتحدة في حرب تعرف هذه الدول كلها انها في الواقع حرب ابادة ضد شعب افغانستان وان الهدف الأول في هذه الحرب ليس سوى احتلال افغانستان والاستيلاء على ثرواتها واستعباد شعوبها.
ورأينا كيف ان الولايات المتحدة بدأت حربها باحتلال واخضاع باكستان واوزبكستان وتاجكستان وأقامة القواعد العسكرية فيها بحجة مساعدتها في حربها ضد الارهاب في افغانستان. ولم تصدر من هذه الدول كلمة احتجاج او انتقاد لحرب الولايات المتحدة الضارية في افغانستان حيث القيت عليها من القنابل والصواريخ واسلحة الدمار الشامل ما لم تشاهد مثيله اية حرب اخرى بهذه الضراوة والتدمير في بلد دمرته الحروب لعدة عقود. وانتهت هذه الحرب باحتلال الولايات المتحدة العسكري التام لهذا البلد الذي لم تكن الولايات المتحدة قد احتلته من قبل بعد ان اخفق الاتحاد السوفييتي في احتلاله. ونجحت الولايات المتحدة في تنصيب حكومة عميلة لها وجعلت من مواطن اميركي من اصل افغاني، وموظف في شركات النفط الاميركية رئيسا لها. ورأينا رئيسها في الولايات المتحدة يتوسل الى الامم المتحدة ومجلس الامن بأن ترسل المزيد من جيوشها لاستكمال احتلال كافة الاراضي الأفغانية وارسال شركاتها الكبرى لاعادة تعمير ما دمرته بأسلحتها الفتاكة، ولجني الأرباح الهائلة من جراء ذلك. وضمنت الولايات استيلاءها على ثروات هذا البلد المسكين كما ضمنت سلامة انابيب الغاز التي تنوي مدها عبر اراضي افغانستان. وبعد ان انتهت الولايات المتحدة من تثبيت استعمارها للدول الصديقة المحيطة بافغانستان ولافغانستان بدأت فيما تسميه المرحلة الثانية من هذه الحرب. فأين ستبدأ؟ أعلن بوش نيته في القضاء على الارهاب في العراق وايران وكوريا الشمالية التي اطلق عليها لقب محور الشر لأنها حائزة او ترغب في حيازة اسلحة الدمار الشامل. ويبدو ان الولايات المتحدة تنوي استعمال اسلحة الدمار الشامل ضد هذه الدول لتبيد شعوبا ترغب حكوماتها في نيل اسلحة الدمار الشامل. فالولايات المتحدة وحليفاتها فقط لها الحق المطلق في حيازة واستعمال اسلحة الدمار الشامل وويل لمن يتجاوز على هذا الحق. وفي حين تواصل الولايات المتحدة حملة التهديد وكسب الأصدقاء واضطرارهم على تأييد حربها المقبلة ضد هذه الدول كما فعلت قبل ذلك في حربها ضد افغانستان نراها في الواقع قد بدأت حربها باحتلال الدولة الصديقة، الفليبيين، حيث انزلت جيوشها لمساعدتها في حربها ضد الارهاب هناك وهي تشمل جماعة ابي سياف وربما تشمل كذلك الثوار الشيوعيين في هذا البلد. ولدى اعلان نيتها في محاربة دولتين اسلاميتين اخريين العراق وايران تريد كسب تأييد الدول العربية والاسلامية التي ايدتها في حربها ضد افغانستان الاسلامية. فهل تستطيع الدول العربية مثلا وهي واقعة تحت الاحتلال العسكري او الاحتلال الاقتصادي أن تقول لا للعدوان الأميركي على الدول العربية والاسلامية الاخرى؟ لا اظن انها تستطيع ذلك. وها هو بوش يعلن في خطابه الاخير الذي دام انتظاره ان سوريا ولبنان مؤويتان للارهاب. وهذا يعني ان هاتين الدولتين مدرجتان في قائمة الدول التي ينبغي القضاء على الارهاب فيها. وهدد في خطابه هاتين الدولتين بوجوب القضاء على اوكار الارهاب فيها والا! وكذلك حذر الدول العربية الصديقة غير الارهابية من مغبة تقديم المعونات المالية الى الفلسطينيين او الى المنظمات الارهابية الفلسطينية على حد تعبيره وطالبها بايقاف هذه الاعانات والا!
وبينما تهدد الولايات المتحدة العراق وايران وكوريا الشمالية في هذه المرحلة من الحرب تواصل حربها الحالية ضد "الارهاب" الفلسطيني. وكما جاء اعلاه أن الحرب الاسرائيلية ضد فلسطين اصبحت حاليا جزءا لا يتجزأ من الحرب العالمية الثالثة. فالولايات المتحدة هي الرابح الوحيد من هذه الحرب لأن اسرائيل في الواقع تحارب من أجل تحقيق مصالح الولايات المتحدة في فلسطين والشرق الأوسط كله. ان وجود هذه البقعة الملتهبة في الشرق الأوسط مبرر منطقي لاستمرار الاحتلال العسكري لدول الخليج ولبيع كميات هائلة من الاسلحة الاميركية لهذه البلدان المحتلة.
ان ما يزعج الولايات المتحدة واسرائيل في هذه الحرب هو الانتفاضة. فاسرائيل شأنها شأن الولايات المتحدة مبنية على اساس الحرب الجبهوية. وأسرائيل متفوقة على البلدان العربية عسكريا وتستطيع مجابهة اية دولة عربية عسكريا وتتغلب عليها بمساندة الولايات المتحدة والدول الاستعمارية الاخرى. ولكنها عاجزة عن مجابهة حرب الحجارة والحرب الانتحارية. وليس أمام اسرائيل وسيلة للانتقام من أطفال الحجارة ومن الفدائيين سوى استخدام قابلياتها العسكرية الجبهوية بتهديم البيوت والأراضي الزراعية والمطار والعمارات الاخرى. ولذلك نرى ان كل شروط الولايات المتحدة واسرائيل كما راينا في خطاب بوش الاخير تبدأ في انهاء الانتفاضة وما يسمونه قتل المدنيين. وانهاء الانتفاضة يجب ان يبدأ بالاعتراف بأن قادة الانتفاضة هم ارهابيون ومنظماتها منظمات ارهابية. ورغم ان القيادة الفلسطينية اعترفت بذلك حين قامت بطلب وقف ما سمته بالعنف وقتل المدنيين الاسرائيليين واعتقلت قادة المنظمات المشتركة بالانتفاضة من أجل ارضاء اسرائيل. ورغم انها شجبت كل عملية انتحارية تقوم بها هذه المنظمات فور قيامها فان الولايات المتحدة واسرائيل تصران على ان عرفات هو المسؤول عن هذه العمليات واصر بوش في خطابه الاخير على وجوب تغيير القيادة الفلسطينية الى قيادة مختلفة اي قيادة اميركية باسماء عربية او ما يحلو تسميته حاليا ايجاد كرزاي فلسطيني.
تختلف هذه الحرب العالمية عن سائر سابقاتها ايضا في انها حرب ضد عدو غير منظور. ففي جميع الحروب التي عرفناها كانت هناك جبهتان للحرب وجيوش تحارب بعضها البعض. اما هذه الحرب فهي حرب من جانب اكبر قوة عسكرية عرفها التأريخ ضد عدو لا شخصية له، لا دولة له، لا جيش له، لا بلد له، عدو ليس له سوى اسم مبهم هو "الارهاب". وما هو الارهاب؟ لقد امتنعت الولايات المتحدة عن تعريف الارهاب او عن اعطائه صفة محددة. انه في الواقع كل من يعارض الولايات المتحدة الأميركية والنظام العالمي الجديد والعولمة. فمن ليس معنا هوضدنا وهو ارهابي . وأعلنت الولايات المتحدة ان هدفها من الحرب هو القضاء على الارهاب في العالم كله وبشر بوش العالم بان نتيجة هذه الحرب الطويلة الامد ستكون عالما سلميا لا ارهاب فيه. دمرت الولايات المتحدة تصاحبها دولة ذيل لها هي بريطانيا بلدا فقيرا وجائعا بأشد اسلحة الدمار الشامل التي توصل اليها منتجو الأسلحة ضد شخص اسمه ابن لادن وحكومة اسمها طالبان فماذا كانت النتيجة؟ احتلال هذه البقعة من العالم وهي بقعة حاول المستعمرون البريطانيون والسوفييت احتلالها من قبل فلم يفلحوا. ولم تفلح الولايات المتحدة في حربها ضد افغانستان في القضاء على ابن لادن او الطالبان او القاعدة انما افلحت فقط في ابادة جزء من الشعب الأفغاني واستعباد ما تبقى منه بحجة القضاء على الارهاب. والحرب في افغانستان مازالت مستمرة وطويلة على ما يبدو اذ نسمع عن مصادمات متعاقبة وعن وجود حملات متواصلة لملاحقة بقايا اعضاء القاعدة في الجبال والمغاور وما يصحب ذلك من قتل للمدنيين عن طريق الخطأ مرة وعن طريق الصواب مرة اخرى بينما مازال بن لادن حيا لا يعرف احد مقره او اي شيء عن نشاطه. وأين سيظهر الارهاب في المرحلة الثانية من هذه الحرب؟ لقد تحدث بوش عن ستين دولة ينبغي ان يقضي فيها على الارهاب. وهي دول منها صديقة للولايات المتحدة توجد فيها منظمات مسجلة في قائمة المنظمات الارهابية تتألف من كل من يعارض الحكومات العميلة لها وينبغي على مثل هذه الدول الصديقة أن تقبل احتلالها عسكريا بحجة مساعدتها على محاربة الارهاب فيها ومنها دول لم تصبح بعد عميلة للولايات المتحدة ويجب اخضاعها واحتلالها عسكريا للقضاء على ارهابها او الارهاب فيها. فكوريا الشمالية تمتلك اسلحة صواريخ تهدد بها الولايات المتحدة ويجب ابادة شعبها بأسلحة الدمار الشامل دفاعا عن الولايات المتحدة. وايران تحاول الحصول على اسلحة دمار شامل فعلى الولايات المتحدة ان تدمر شعبها باسلحة الدمار الشامل لمنع حكومتها من الحصول على هذه الاسلحة. ولبنان تؤوي ارهابيين فيجب ان تسمح للولايات المتحدة بان تحتل لبنان لكي تساعدها على القضاء على الارهاب فيها. وفي فلسطين ارهابيون يعتدون كل يوم على اسرائيل فيجب على عرفات او السلطة الجديدة أن تثبت جديتها بالقضاء على الانتفاضة وبتحطيم المنظمات الارهابية المعادية لاسرائيل لكي تقوم الولايات المتحدة بتقديم دولة فلسطينية تدافع عن مصالح الولايات المتحدة في فلسطين واسرائيل. وهذا ينطبق على جميع الدول الستين القابلة للتمدد بحيث تشمل العشرات من الدول الصديقة والعدوة على حد سواء.
والحرب الحالية اتخذت طبيعة مختلفة عن الحربين العالميتين السابقتين وفرتها للدول الكبرى مخترعات الثورة التكنولوجية. فالدولة الكبرى، كما رايناه في العراق ويوغوسلافيا وفي افغانستان مثلا، تشن حربها من جانب واحد، اي انها تهاجم البلد المنكوب من الجو بأسلحتها الجوية المتطورة والانواع الجديدة من القنابل الشديدة التدمير وبالصواريخ المطلقة من حاملات الطائرات الموزعة في جميع البحار بدون ان تكون للطرف الثاني فرصة مواجهة القوات المهاجمة لعجزه عسكريا عن مقابلة القوات المهاجمة باسلحة مماثلة. ولا يجري الاحتلال العسكري البري الا بعد ان تنجز هذه الاسلحة الجوية مهمتها في تحطيم ما يسمونه البنية التحتية في البلد المنكوب تحطيما تاما يشمل الاخضر واليابس. فلا فرق عند هذه القوات الغازية بين المنشآت المدنية والمنشآت العسكرية, ولا فرق عندها بين المدارس والمستشفيات انما تلقى القنابل من اجل التحطيم وحسب. وهذه الطبيعة الجديدة للحرب مدروسة ومقصودة. فتدمير البنية التحتية للبلد المنكوب هو الاخر هدف من اهداف هذا النوع من الحرب. اذ ان اعادة بناء ما دمرته الحرب عند نهايتها يتطلب دعوة الشركات الامبريالية الى القيام بها وهذا ما تتطلبه الشركات الكبرى لزيادة ارباحها.
الصراع بين الدول العظمى في الحرب وفي السلام
يبدو في الحرب العالمية الحالية كأن الدول العظمى متفقة ومتحالفة في حرب الارهاب التي تشنها الولايات المتحدة. فقد اعلنت هذه الدول كلها بما فيها الاتحاد الاوروبي وروسيا عن تأييدها لهذه الحرب وعن استعدادها للمشاركة فيها الى جانب الولايات المتحدة فأصبح شعار محاربة الارهاب شعار اغلب دول العالم اذ لم تحجم عن رفع هذا الشعار سوى ما يدعوه بوش بمحاور الشر التي يجب تحطيمها او تحطيم الارهاب فيها. وهذا التحالف حول محاربة الارهاب قابل للتحقيق في اتجاه واحد هو ان تشارك كل الدول الامبريالية الاخرى الولايات المتحدة في اقتسام غنائم وارباح هذه الحرب بحصص تتناسب مع مستوى تطور كل من هذه الدول. الا ان الولايات المتحدة تريد ان تحوز على حصة الاسد من هذه الغنائم وأن تحرم الدول الاخرى الحليفة لها لا من مكتسبات الحرب فقط بل حتى مما تستطيع الولايات المتحدة ان تسلبه من اقتصاديات هذه الدول ذاتها ايضا. فهذه الدول تتفق فيما بينها على عملية النهب والاستغلال ولكنها لا ولا يمكن ان تتفق على عملية الاقتسام. فالاتفاق والتحالف الظاهر على السطح يخفي صراعا هائلا يجري تحت ستار هذا الاتفاق. وما المؤتمرات ومؤتمرات القمة التي تجري من حين لآخر تحت ستار شعارات رنانة كمساعدة الدول المتطورة على تقوية اقتصادها وبحث قضية القروض المتراكمة على هذه الدول ومعالجة مشكلة الفقر وما شاكل ذلك سوى محاولات لتسوية هذه الخلافات بطرق سلمية في الظاهر وتنطوي على اشد انواع الصراع في الباطن. فهذه الدول كلها تعاني من نفس الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة. وكل هذه الدول تريد استعباد جزء من هذا العالم لاستغلاله تخفيفا لازماتها وزيادة في ارباحها. فدول مثل المانيا واليابان مثلا وهما الدولتان الصناعيتان الكبريان تريدان حصتهما في اقتسام الكعكة العالمية. ولكن حصتهما يجب أن تأتي عن طريق اقتطاعها واغتصابها من الولايات المتحدة التي تريد السيطرة على ارباح العالم كلها. وحتى بريطانيا التي اشتركت في الحرب الى جانب الولايات المتحدة في تدمير افغانستان ويقوم جيشها بالدور الرئيسي في المحافظة على سيطرة الولايات المتحدة على هذا البلد المنكوب ومستعدة لمرافقة الولايات المتحدة في حربها العالمية الى النهاية تريد حصتها من مكاسب هذه الحرب. والصراع بين هذه الدول وبين الولايات المتحدة ما زال "سلميا" لحد الان. ولكن الى متى تستطيع هذه الدول تحمل سطوة الولايات المتحدة التي تسلب هذه الدول الصديقة الحليفة حتى مما لديها ولا تترك لها سوى الفتات؟ ان منطق التاريخ يعلمنا ان هذه الدول لا يمكن ان تخضع لسطوة الولايات المتحدة الى الأبد ولابد ان تتحول الحرب في النهاية من حرب غير معلنة الى حرب معلنة بين هذه الدول الامبريالية نفسها. ان انفتاح اسواق الاتحاد السوفييتي والصين افسح المجال للدول الاستعمارية ان تحتل كل منها جزءا من هذه الأسواق الواسعة مما اجل تحول الصراع السلمي الى صراع حربي. ولكن الولايات المتحدة تقوم في حربها الحالية بسلب حصص هذه الدول من هذه الأسواق كما فعلت مثلا باحتلال تاجكستان واوزبكستان عسكريا بحجة ضرورة هذا الاحتلال من اجل القضاء على بن لادن والارهاب في افغانستان. ولا يخفى ما لهذا الاحتلال من تجاوز على مصالح روسيا في هذه البقعة من العالم.
وتتخذ روسيا التي انفصلت سياسيا عن سائر مجموعة الدول التي كانت تؤلف الاتحاد السوفييتي وضعا خاصا متميزا في هذا الصراع. فقد تطور الاتحاد السوفييتي في فترة الحكم الاشتراكي الحقيقي من دولة زراعية متأخرة حطمتها الحروب وخاضعة اقتصاديا للدول الامبريالية الكبرى الى ثاني دولة صناعية بعد الولايات المتحدة. وقد ادى غزو المانيا للاتحاد السوفييتي الى تأخير هذا التقدم والاتجاه نحو الانتاج الحربي الضروري لمواصلة الحرب التي دحرت اقوى دولة امبريالية في التأريخ عرفها العالم قبل واثناء الحرب العالمية الثانية والمسيطرة عمليا على كامل اقتصاد اوروبا عدا الاتحاد السوفييتي. ولم يكن انتصار الاتحاد السوفييتي ناجما عن كون الاتحاد السوفييتي اقوى عسكريا من المانيا بل ان انتصاره نجم عن وحدة شعوب الاتحاد السوفييتي في الدفاع عن وطنهم الاشتراكي واستعداد جميع هذه الشعوب رجالها ونسائها، شيوخها واطفالها للتضحية بالنفس من اجل هذا الوطن الاشتراكي الاول. ورغم هذه الحرب المدمرة خرج الاتحاد السوفييتي منها اقوى مما كان عليه قبلها. واستمر تقدم الاتحاد السوفييتي بعد الحرب فاعيد بناء المدن التي دمرتها الحرب بسرعة مذهلة وتضاعف تقدم الاتحاد السوفييتي صناعيا وحاز على القنبلة الذرية التي استخدمتها الولايات المتحدة وسيلة لتهديد الاتحاد السوفييتي.
وتحول الاتحاد السوفييتي بعد وفاة ستالين وصعود الخروشوفيين الى الحكم من دولة اشتراكية تتقدم نحو الشيوعية الى دولة اشتراكية بالاسم وامبريالية بالفعل اي دولة امبريواشتراكية. وكان من ضرورات هذا التحول كما جاء اعلاه تجويع وافقار الشعوب السوفييتية لغر ض خلق عمال لا يمتلكون سوى قوة عملهم سلعة يبيعونها. ولكن الاتحاد السوفييتي بقي الدولة الصناعية الثانية بعد الولايات المتحدة وثاني دولة في صناعة وانتاج وتجارة الاسلحة. وقد اثبت الاتحاد السوفييتي تفوقه حتى على الولايات المتحدة في مجال الصواريخ العابرة للقارات ونتيجة لذلك في عملية غزو الفضاء. اثبت الاتحاد السوفييتي ذلك في ارساله اول قمر اصطناعي الى الفضاء في ١٩٥٧ ، سبوتنيك وما تلاه من ارسال لايكا الكلبة الاولى التي غزت الفضاء ثم يوري غاغارين اول انسان غزا الفضاء. ولكن ضرورات التحول الى الراسمالية جعلت الاتحاد السوفييتي من الجهة الثانية يلجأ الى القروض الامبريالية والسماح للراسمال الامبريالي بالاستثمار في ارجاء الاتحاد السوفييتي ثم جاء الانهيار الاخير حيث انهار ما كان يدعى الاتحاد السوفييتي وتناثرت اشلاؤه الى دول صغيرة تكثر فيها النزاعات والمشاكل. واخذت الدول الامبريالية وعلى راسها الولايات المتحدة تتنافس في السيطرة على هذه الاجزاء المتناثرة. فنحن نرى تكالب الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي مثل لاتفيا واستونيا وليتوانيا ولاتفيا ودول اوروبا الشرقية الاعضاء في حلف وارسو سابقا الى الانضمام الى الحلف الاطلسي والاتحاد الاوروبي.
ولكن روسيا ما زالت رغم كل هذا التفكك والانحلال دولة صناعية كبرى ربما اكثر تقدما من الولايات المتحدة في فن غزو الفضاء وتملك ترسانة من الاسلحة الذرية والصواريخ العابرة للقارات. وما زالت رابع دولة بعد الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا في صنع وتجارة الاسلحة. وواضح ان روسيا مازالت من اكبر الدول الصناعية بحيث اضطرت الدول الامبريالية السبع الكبرى الى ادخالها احيانا كالدولة الصناعية الكبرى الثامنة. ولذلك نرى الصراع بين روسيا والولايات محتدما في كل خطوة تسعى فيها الولايات المتحدة الى سلب السيطرة الروسية عن بعض الدول التي كانت تحت نفوذ الدولة الروسية كقبول دول اوروبا الشرقية في حلف الاطلسي وغير ذلك حتى ما حدث اخيرا من احتلال الولايات المتحدة لتاجكستان واوزبكستان وقرغيزيا والاتفاق على انزال جيوش في جورجيا بحجة المساعدة على مكافحة الارهاب. فالى متى تستطيع روسيا تحمل هذا التجاوز على اسواقها وعلى اسواق الدول التي كانت تعتبر تابعة لها؟ ان هذه الحرب التي تبدو فيها جميع الدول الامبريالية موحدة ضد ما يسمونه بالارهاب لابد أن تتحول الى حرب بين الدول الاستعمارية ذاتها ان عاجلا او آجلا.
الثورة التكنولوجية والنضالات الشعبية
تحدثنا عن الثورة التكنولوجية من حيث انها وسيلة لزيادة ارباح الراسمالية وزيادة استغلال شعوب الدول الامبريالية وشعوب الدول المستغلة المستعبدة على حد سواء. والان احاول ان اتطرق الى تأثير الثورة التكنولوجية على حياة العمال والفلاحين وسائر الكادحين في ارجاء العالم.
لا شك ان الثورة التكنولوجية قد أثرت تأثيرا كبيرا على حياة الشعوب ثقافيا واجتماعيا. فالمنتجات المدنية الجديدة التي انتجتها الثورة التكنولوجية غيرت من حياة الجزء الحي من البشرية. فقد اصبح الحاسب الالكتروني وما يرافقه من الانترنت وغير ذلك والتلفزيون والفاكس واجهزة التسجيل الموسيقي وغيرها جزءا لا يتجزأ من حياة المجتمعات الحية. اقول هنا المجتمعات الحية لأن جزءا كبيرا من البشرية في عصرنا وبفضل الاستغلال الامبريالي ليس حيا في الواقع. فالملايين التي تموت جوعا في شتى انحاء العالم مثل اثيوبيا والسودان وغيرها لا يمكن اعتبارها مجتمعات حية. انها في الواقع احياء ميتة لا يميزها عن الاموات سوى كونها موجودة فوق الارض بينما الاموات موجودون تحت الارض. فليس لدى هذه المجتمعات ما يربطها بالتطور التكنولوجي او اي تطور من تطورات الحياة بل وبأية صورة من صور الحياة للبشرية. فحين لا يجد الانسان ما يأكله أو ما يعمله لا يستطيع استخدام الكومبيوتر او التلفون المحمول.
ان استفادة الشعوب من المخترعات والمنتجات الجديدة مرتبط بأرباح الراسمالية اذ لو لم يكن الناس قادرين على شراء هذه المنتجات وعلى استعمالها لما استطاعت الراسمالية ان تحقق الارباح من بيع هذه المنتجات. فالراسماليون لا ينتجون هذه السلع التكنولوجية المتقدمة لاستعمالهم الخاص انما ينتجونها من اجل بيعها للناس وكلما ازداد استعمالها من قبل الناس البسطاء تضاعفت ارباح الراسماليين. فالفائده هنا مشتركة بين الراسماليين والناس البسطاء. الراسماليون يجنون الارباح من بيع المنتجات والناس البسطاء يطورون حياتهم لدى استعمال هذه المنجزات.
ان هذه الظاهرة، ظاهرة الاستفادة المشتركة بين الراسماليين من جهة والناس البسطاء من جهة اخرى جعلت بعض المنظرين يتوصلون الى اراء مختلفة حول تأثير الثورة التكنولوجية عموما على البشرية. فالبعض توصل الى ان موضوع الصراع الطبقي لم يبق له وجود. وتوصل البعض الاخر الى ان الثورة التكنولوجية جعلت ظروف الانتقال الى الاشتراكية سهلة للغاية نتيجة للتطور الصناعي في البلدان المتطورة او ما يسمى ببلدان العالم الثالث. وتوصل اخرون الى ان زيادة الانتاج الى هذه المستويات العالية جعل بالامكان التحول الى الشيوعية عملية سهلة نظرا الى ان الانتاج بلغ درجة من الوفرة تكفي لتحقيق شعار الشيوعية "من كل حسب عمله ولكل حسب حاجته". فهل كانت للثورة التكنولوجية كل هذه النتائج او بعضها؟
في الحقيقة ان الثورة التكنولوجية لم تنجم من الناحية السياسية الا عن تفاقم التناقضات في النظام الراسمالي. فتطور قوى الانتاج الذي بلغ مرحلة ضرورة الثورة على علاقات الانتاج الراسمالية منذ اكثر من قرن، ازداد تفاقما اضعاف المرات نتيجة للتطور الناجم عن الثورة التكنولوجية. فقد ادى هذا التطور الى تحول مستمر الى مرحلة فناء الضدين، قوى الانتاج وعلاقات الانتاج، فناء جزئيا نتيجة لتحول الازمات الاقتصادية من ازمات دورية الى ازمات مستمرة دائمة خالية من فترات الرواج التي كانت تحصل بعد كل دورة من دورات الازمات الاقتصادية. فالبطالة كمظهر من مظاهر الازمة اصبحت تحصى بالملايين وعشرات الملايين وكل ما يحدث عند تفاقم الازمة هو زيادة العاطلين بكذا عشرات الملايين وفي حالة انفراج الازمة جزئيا انخفاض جزء من عشرات الملايين هذه. وكذلك الحال لدى الراسماليين انفسهم الذين يعانون من ازمة متواصلة مستمرة تنفرج جزئيا احيانا وتتفاقم احيانا اخرى. ولكن التطور التكنولوجي والمنافسة بين الشركات الامبريالية يضطر هذه الشركات الى تقليص عدد عمالها والقاء ملايين اخرى في احضان البطالة.
ومن الناحية الثانية ادت الثورة التكنولوجية الى المزيد من ابتعاد الراسماليين عن انتاجهم الراسمالي وتحولهم الى حاملي الكوبونات لسحب ارباحهم من الشركات التي يمتلكونها بدون ان يكون لهم اي دور حتى في ادارتها. اي ان الثورة التكنولوجية فاقمت من تحول علاقات الانتاج ذاتها الى علاقات اجتماعية يديرها موظفون يتقاضون اجورا عن عملهم ولا دور للراسماليين فيها رغم بقاء ملكية هذه الشركات ملكية خاصة.
الغنى والفقر في عصر الثورة التكنولوجية والعولمة
من نتائج الثورة التكنولوجية زيادة الغنى وتركز الثروات في جانب وزيادة الفقر والادقاع في الجانب الثاني. ليس الغنى والفقر ظاهرتين جديدتين. فالغنى والفقر في النظام الطبقي، شأنهما شأن النظام الطبقي ذاته وحدة نقيضين لا يمكن فصل احدهما عن الاخر ووجود احدهما مرهون بوجود الاخر. أقول هنا في المجتمع الطبقي لأن الفقر والغنى موجودان جنبا الى جنب في المجتمعات الطبقية وحدها. فقبل نشوء الطبقات كان الفقر عاما بالقياس الى وضع البشر بعد تلك المرحلة. فلم يكن للبشر الذين انفصلوا عن الحياة الحيوانية واقاموا مجتمعاتهم البدائية من مواد المعيشة الا ما يستطيعون انتاجه سوية في تلك الظروف الاجتماعية والطبيعية القاسية. ولكن هذه الحال كانت عامة تشمل كل المجتمعات الانسانية ولم تكن نتيجة اثراء البعض على حساب البعض الاخر. وفي المجتمع الاشتراكي قد تكون ثمة فترة من الفقر كما كان الحال بعد ثورة اكتوبر. ولكن هذا الفقر نشأ من الظروف التي انجبت المجتمع الاشتراكي. فالمجتمع الاشتراكي لم ينشأ من خلق الله بل نشأ من رحم المجتمع الراسمالي وتلقى من الثروة ما خلفه له المجتمع السابق. وزاد الفقر بسبب الحروب الامبريالية والحروب الاهلية والمقاطعة الاقتصادية التي فرضتها الدول الامبريالية على هذه الدولة الفتية. ففي الفترة الاولى من بناء الاشتراكية شمل الفقر كافة ابناء المجتمع. ولكن هذا الفقر ايضا ليس ننيجة لاغتناء فئة على حساب فئة اخرى. وادى تطور الاشتراكية الى ارتفاع مستوى الناس كلهم بدون ان يغتني احدهم على حساب الاخر.
فالفقر والغنى نقيضان حتميان في المجتمعات الطبقية وحدها كحتمية التناقض الطبقي ذاته. وكان تأثير الثورة التكنولوجية زيادة الفقر الى المستوى الذي نشاهده ونسمع عنه في ايامنا في الوقت الذي اصبح صاحب شركة ميكروسوفت اول مائة ميلياردير في العالم. وقد بلغ الفقر بجميع اشكاله من البطالة والنسب العالية من سكان الدول الغنية مثل الولايات المتحدة وغيرها الذين يعيشون دون المستوى الادني الضروري للمعيشة الى الفقر في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث والى الملايين التي تموت جوعا لعدم توفر اي نوع من الغذاء والكساء لهم نتيجة نهب ثرواتهم من قبل هذه الدول الغنية مستويات لم تستطع حتى الدول الامبريالية السكوت عنها. فقد عقد مؤتمر قمة دولي حضره عشرات رؤساء الدول لبحث مشكلة الفقر وتوصل المؤتمر الى قرار بخفض الفقر الى النصف في عام ٢٠١٥. وهو قرار مضحك يتخذه مؤتمر حضره قادة الدول الكبرى والصغرى، الدول الغنية والفقيرة, على حد سواء اي حضره كافة المسببين لهذا الفقر.
كيف يمكن خفض الفقر الى النصف مع استمرار زيادة استغلال جميع شعوب العالم من اجل البلوغ بالارباح الامبريالية الى الحد الاقصى؟ رأينا ان الفقر والغنى نقيضان يلازم بعضهما البعض في المجتعات الطبقية وهذا يعني ان الظارهتين تتطوران بنسبة طردية اذ أن ازدياد الغنى يرافقه دائما ازدياد الفقر. وهذا يعني ان الفقر من الان حتى ٢٠١٥ سيتضاعف بدلا من ان ينخفض الى النصف. فهل تقوم الدول الامبريالية بالتنازل عن ارباحها الهائلة أو حتى عن جزء منها في سبيل تقليص الفقر؟ او هل تستغني الدول الامبريالية على الاقل عن زيادة ارباحها ونهبها لثروات هذه الشعوب الجائعة؟ هذا ينافي القانون الاقتصادي الاساسي للراسمالية ولذا فهو مستحيل. كيف يمكن للمرء ان يتصور خفض الفقر لدى الملايين من البشر التي تعيش عيشة غير انسانية محرومة من كل وسائل الحياة البشرية وحتى من وسائل الحياة الحيوانية؟ اذ ان الحيوان يصطاد في الغاب ما يجده من الفرائس ليعيش بينما ليس امام هذه الملايين ما يصطادونه او يقتطفونه لسد رمقهم. وليس لهذه الملايين اية صفة من صفات الحياة البشرية كالعمل والتعلم والثقافة ووسائل اللهو وغير ذلك. فكيف يمكن خفض الفقر في مثل هذه المجتمعات؟ قد يمكن ذلك بصورة مؤقتة بتحويل هذه الملايين من اموات فوق سطع الارض الى اموات تحت سطحها اذ لا يدخلون حينئذ في احصاءات الفقر. ولا يكون هذا الحل الا حلا مؤقتا الى حين ظهور مثل هذه المجتمعات من جديد في بقاع مختلفة من العالم.
الثورة التكنولوجية والثورة الاجتماعية
ما هو تأثير الثورة التكنولوجية على النظرية الماركسية اللينينية فيما يتعلق بالثورة الاجتماعية، ثورة قوى الانتاج الجماعية على علاقات الانتاج الراسمالية؟
قبل ان اجيب على هذا السؤال اود أن اناقش بعض الاراء التي نشأت لدى المنظرين ومنهم من يسمون انفسهم شيوعيين وماركسيين لينينيين في هذا الخصوص.
يرى البعض ان الماركسية اللينينية لم يعد لها مكان في عصرنا عصر الثورة التكنولوجية وعصر العولمة. وهؤلاء يقدمون حججا مختلفة منها ان الثورة التكنولوجية قد انهت ما يسمى بالطبقة العاملة لان العمال العاملون في المصانع الحديثة للثورة التكنولوجية لم يعد ينطبق عليهم اسم الطبقة العاملة بل هم ينتمون الى البتي برجوازية اكثر من كونهم عمالا.
صحيح ان المستوى الثقافي للعمال الفنيين الذين يعملون في المصانع الحديثة اعلى من مستوى العمال القدماء الذين كانوا يعملون في المصانع القديمة. وصحيح ايضا ان مستوى معيشة هؤلاء العمال هي اعلى من مستوى اولئك. فالراسمالية تشترط في الايدي العاملة التي تشتريها ان تكون ملائمة لمهمتها في الانتاج اذ لا يستطيع الراسمال اكتساب فائض القيمة من القوة العاملة التي يشتريها اذا كانت عاجزة عن تشغيل ادوات الانتاج الفنية الدقيقة التي تتميز بها مصانع الثورة التكنولوجية. لذلك تخلق الراسمالية للقوى العاملة الظروف المناسبة لرفع مستواها الى مستوى الكفاءات اللازمة لتشغيل مصانعها مع ما يتطلبه ذلك من وسائل ثقافية واقتصادية مناسبة. ولكن هذا الوضع شبيه بوضع العمال في الثورة الصناعية التي شملت الدول الراسمالية قبل قرنين. فلم يكن الفلاح الذي انتقل من الريف والحياة الزراعية الى العمل الصناعي قادرا على تشغيل المكائن الحديثة التي انجزتها الثورة الصناعية بمستواه الثقافي الفلاحي بل كان على القوة العاملة ان تطور نفسها وفقا لظروف العمل الجديدة. فالراسمالية، رغم انها لا يهمها ان كان العامل مثقفا ام جاهلا طالما هو قادر على تأدية العمل الذي يكلفه به الراسمالي، مضطرة في الوقت ذاته ان تخلق ظروفا تسمح للعامل ان يرفع مستواه الثقافي والفني الى المستوى الذي يتطلبه تشغيل ادوات الانتاج الجديدة.
وهل صحيح ان الطبقة العاملة العالمية كلها اصبحت بمستوى البتي برجوازية ولم تعد ثمة طبقة عاملة بالمفهوم القديم للطبقة العاملة؟ ان الذين يعبرون عن رأي كهذا ينظرون الى العمال جميعا وكانهم العمال في بريطانيا والولايات المتحدة وسائر الدول الصناعية الكبرى. وكون نشوء مرتبة من العمال اعلى من مستوى العامل البسيط في هذه البلدان بحثه معلمو البروليتاريا منذ منتصف القرن التاسع عشر كما فعل ذلك فريدريك انجلز في كتابه حول ظروف الطبقة العاملة البريطانية. فان النهب الذي مارسته الراسمالية الصناعية من جميع بلدان العالم منحتها الفرصة لخلق ما سمي باريستوقراطية الطبقة العاملة لكي يكونوا عاملا مؤخرا ومعيقا لنضالات الطبقة العاملة ضد الراسمالية. وطبيعي ان هذه الصورة محدودة حتى في هذه الدول الصناعية وحتى في ايامنا، ايام الثورة التكنولوجية. صحيح ان العامل الفني في بريطانيا اصبح مالكا لبيت يقضي طوال عمره يكافح هو وعائلته في سبيل ايفاء القرض الذي يقترضه لشرائه. وصحيح ان بعض العوائل العمالية تعيش في مستوى يمكن تمييزه عن مستوى حياة الطبقة العاملة. ولكن ماهو مكان ملايين العاطلين الذين يعيشون على "الصدقات" كما توقع ماركس وانجلز في البيان الشيوعي من مثل هذا الوضع؟ وما هو وضع عمال البناء والكناسين وجامعي القمامة؟ وما هو مكان المنظمات الشبابية كالبيتنيكيين وغير ذلك من مجموعات الشبيبة التي اودى بها النظام الراسمالي الى التسكع وادمان المخدرات وغيرها؟ وما شأن عشرات الوف الشابات المراهقات اللواتي يبعن اعراضهن ويمارسن الدعارة في سبيل الحصول على ثمن الهيرووين الذي يدفعهن تجار المخدرات، تجار الموت، الى الادمان عليه؟ ان وجود فئة من اريستوقراطية الطبقة العاملة تقتصر مهمتها على تحطيم الحركة العمالية لا يلغي الصراع الطبقي ولا يغير من الواقع الذي حددته الماركسية حول هذا الصراع.
وما هو الوضع في سائر انحاء العالم خارج هذه الدول الصناعية السبع او الثمان؟ هل ارتفع مستوى العمال الذين يعملون في مصانع الراسمالية الحديثة في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث الى نفس مستوى اريستوقراطية العمال في بريطانيا والولايات المتحدة؟ ان الراسمالية تصدر صناعتها الفنية الدقيقة الى هذه البلدان لأن الايدي العاملة فيها رخيصة ولأن هذه البلدان لا "تعاني" من قوانين تحدد ساعات العمل وتمنع استخدام الاطفال كما هو الحال في البلدان الصناعية الكبرى وبذلك يفسح المجال للراسمالية لمضاعفة ارباحها عن طريق زيادة استغلال هؤلاء العمال واخضاعهم لاقسى ظروف العمل بحيث ان العمال في بعض المصانع بصبحون عبيدا لمصانعهم طيلة فترة حياتهم القصيرة نسبيا بسسبب هذا الارهاق. فالادعاء بأن الثورة التكنولوجية قد الغت مفهوم الطبقة العاملة وان الماركسية لذلك لم تعد تنطبق على ظروف الصراع الطبقي في عصر الثورة التكنولوجية محض هراء. يبدو لي ان مثل هؤلاء المنظرين الذين يسمون انفسهم ماركسيين لينينيين لم يفهموا في الواقع شعار الماركسية "يا عمال العالم اتحدوا". فالاتحاد كلمة لا تنطبق الا على فئات لها مصلحة طبقية واحدة. والشعار الماركسي بني على اساس هذه المصلحة الواحدة للطبقة العاملة في ارجاء العالم. ان مصلحة الطبقة العاملة العالمية كلها هي القضاء على الراسمالية والاستيلاء على الثروات التي خلقتها بعملها للطبقات الراسمالية وبقايا الطبقات المستغلة السابقة كبقايا الاقطاع. ولولا هذه المصلحة الواحدة للطبقة العاملة العالمية لما كان للشعار اي معنى اذ لا يمكن من الناحية العلمية اتحاد فئات ليست لها مصلحة مشتركة واحدة. والماركسية هي النظرية الوحيدة التي تهدف الى تحقيق هذه المصلحة الواحدة للطبقة العاملة العالمية، مصلحتها في القضاء على الراسمالية واعادة ما اغتصبته الراسمالية من العمال والكادحين طوال القرون الى مالكيه الحقيقييين.
كذلك يدعي بعض المنظرين المحسوبين على الماركسية ان عصر الثورة التكنولوجية خلق ظروفا اكثر ملاءمة للتحول الى الاشتراكية من الظروف السابقة. فان نشوء الصناعات الفنية المتطورة في البلدان المتأخرة صناعيا وزيادة الانتاج الى مستويات لم تعرفها هذه البلدان من قبل جعل التحول الى الاشتراكية اسهل مما كان عليه سابقا. فاذا تحول بلد ما الى الاشتراكية يصبح الانتاج الواسع الذي بلغته الصناعة فيه عاملا مساعدا على بناء مجتمع اشتراكي بسهولة بحيث انه لا يمر بالمراحل الصعبة التي عانت منها شعوب الاتحاد السوفييتي مثلا. ليست هذه النظرية سوى امتداد لنظرية خروشوف بامكانية الانتقال السلمي الى الاشتراكية ونظرية الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية الناشئة عنها. فلو صح ان بامكان دولة مثل سنغافورة او كوريا الجنوبية او تايوان وغيرها من الدول التي استخدمتها الراسمالية لانتاج احدث منجزات الثورة التكنولوجية الانتقال الى الاشتراكية سلميا لامكن البدء في بناء الاشتراكية من مستوى اعلى من المستوى الذي وجدته امامها شعوب الاتحاد السوفييتي نظرا لتوفر المزيد من الصناعات والمزيد من الانتاج كبداية لبناء مجتمع اشتراكي رغم ان هذا لا يغير من صعوبات بناء المجتمع الاشتراكي من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولكن هذا الراي مبني على اساس ان الراسمالية الامبريالية يمكن ان تتخلى طوعا عن دولتها وجيوشها وشرطتها ومحاكمها وسجونها واسلحتها والاهم من ذلك عن ارباحها وعن ثرواتها وتسلمها للشعوب عن طيب خاطر. فكأني اسمع من يقول ان الراسمالية بعد ان شاخت في عمرها الطويل نضجت عقليا وانبها وخز الضمير وصحت من سبات لتقول للشعوب "خذوا كل ما سرقناه واغتصبناه منكم بدون مقابل طوال هذه القرون وارحمونا لأننا كنا على خطأ رغم اننا لسنا سيئين قساة القلوب كما صورتمونا. واذكروا اننا كنا دائما على رأس جمعيات الرفق بالحيوان فنحن لا نستطيع تحمل ايذاء حيوان مسكين ولا ندري كيف طاوعتنا قلوبنا ان تبيد ملايين البشر في حروبنا واسلحتنا المدمرة سعيا وراء الربح." ولعل بعض السياسيين قد صدقوا مثل هذا الكلام واعتبروا اننا كنا قساة في حكمنا على الولايات المتحدة مثلا التي وسعت سياسة الرفق بالحيوان الى سياسة الرفق بالشعب العراقي وقررت انقاذه من ظلم صدام الى درجة انها بذلت الملايين لمن يسمون انفسهم معارضة كمقدمة لانقاذ العراق من صدام وتقديمه على صينية من ذهب الى المعارضة بجميع فروعها المتناقضة. وقد سمعنا عند اعادة قراءة هذه السطور قبل طبعها عن انعقاد مؤتمر معارضة جديد حضره سبعون ضابطا عراقيا ممن ساهموا مع صدام في ابادة الشعب الايراني والشعب العراقي تحت رعاية الاستخبارات الاميركية والبريطانية في لندن لغرض تحقيق شعار بوش بالقضاء على صدام.
ارجو معذرة القارئ الكريم عن اندماجي في كلام خيالي بعيد عما تعوده مني من صرامة ودقة في الاسلوب وعن تقديم الحقائق خالية من العبارات الرنانة. ولكن الوضع الذي نعيشه هو الذي اوحى لي بهذا الخروج عن اسلوبي. اليس من المضحك المبكي ان نطلب من الولايات المتحدة التي تشن حربها العالمية الثالثة على كل ما هو ثوري وتقدمي وشعبي ومقاوم للاستعمار والاستعباد والاستغلال في العالم، الولايات المتحدة التي تشن حرب الابادة على الشعب الفلسطيني مستخدمة الجيش الاسرائيلي كجيش مرتزقة، ان تقوم بتحرير الشعب العراقي الذي دأبت على تدميره طوال هذه السنوات وارسلت الملايين من اطفاله الابرياء الى الموت تحقيقا لمصالحها كما صرحت به وزيرة الخارجية السابقة مادلين اوبرايت حين قالت ان سلوك الولايات المتحدة في العراق يبرر قتل نصف مليون طفل عراقي، بالقضاء على صدام الذي ربته وسلحته وصنعته حبا بجمال اعين المعارضة ومساعدة لهم على بناء عراق ديمقراطي على غرار الولايات المتحدة؟ ولنعد الان الى الجد. فبما ان السلطات الراسمالية لا يمكن ان تتخلى عن سلطاتها ودولها وجيوشها واسلحتها وارباحها وثرواتها طوعا للشعوب التي انتجتها فان الانتقال السلمي الى الاشتراكية خرافة لم يؤمن بها سوى سياسيون لم يدركوا شيئا من واقع التأريخ ومن مبادئ الماركسية اللينينية ومن قوانين تطور المجتمع الانساني.
فما الذي يحدث لو ان دولة من دول ما يسمى بالعالم الثالث نجحت حقا بالتحول سلميا عن طريق الانتخابات الى بناء الاشتراكية رغم ان هذا مستحيل؟ قبل كل شيء يترتب على هذه الحكومة التي تهدف حقا الى بناء الاشتراكية ان تحطم مقاومة رأسمالييها الذين يتكالبون على استعادة سلطتهم المفقودة سلميا. وهذا يحتم على الحكومة الجديدة ان تقيم سلطاتها الخاصة من جيش وشرطة ومحاكم وسجون وسلاح وغير ذلك من مستلزمات مقاومة نضالات السلطات المدحورة والا فان صعود هذه الحكومة عن طريق الانتخابات لن يدوم طويلا لان السلطات السابقة لابد ان تفلح بالاطاحة بها والصعود ثانية بنفس الطريقة، بطريق الانتخابات.
ومن الناحية الخارجية على هذه الحكومة الجديدة ان تعد نفسها لمقاومة الدول الاستعمارية التي لا تتورع عن تدميرها والقضاء عليها بكل ما يتوفر لديها من وسائل عسكرية واعلامية واقتصادية وغيرها. وهذا بدوره يتطلب من الحكومة الجديدة ان تبني دولتها بحيث تستطيع مقاومة هذه الدول الاستعمارية.
وقد رأينا ان الدول الراسمالية الكبرى اخذت احتياطاتها اقتصاديا من وضع كهذا. فحين نقلت صناعاتها التكنولوجية المتقدمة الى خارج بلدانها امتنعت كليا عن خلق صناعات ادوات الانتاج فيها. وهذا يعني ان هذه الدول الراسمالية تستطيع ان تخنق الدولة المتمردة اقتصاديا بالتوقف عن تزويدها بأدوات الانتاج وبقطع الغيار للصناعات القائمة، اي بما يسمى رسميا بالحصار الاقتصادي. هذا ما حدث في الاتحاد السوفييتي بعد فشل حروب التدخل بعد ثورة اكتوبر وما حدث في الصين والبانيا حين تمردتا على الخروشوفيين. ولكن حكمة الحزب الشيوعي بقيادة لينين ثم ستالين نجحت في التغلب على هذا الوضع بالعمل على خلق صناعة ادوات الانتاج وهي السياسة التي لم تغتفرها الدول الاستعمارية وكذلك لم يغتفرها الخروشوفيون لستالين فاتهموه بأنه ركز على الصناعات الثقيلة غير المربحة على حساب انتاج المواد الاستهلاكية وهي السياسة التي حققت للاتحاد السوفييتي الاستقلال الاقتصادي ولولاها لما امكن بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي. وقد رأينا ان اهمال الخروشوفيين لما اسموه بالمصانع غير المربحة ادى اقتصاديا الى تحطيم الاشتراكية والارتداد الى الراسمالية.
يبدو من كل ما سبق ان القانون الطبيعي للمجتمع الذي يتطلب ثورة قوى الانتاج على علاقات الانتاج ما زال القانون الضروري والحتمي للانتقال الى الاشتراكية وهذا بدوره يحتم انشاء دكتاتورية البروليتاريا، الدولة الوحيدة المؤهلة للقيام بهذا الواجب التأريخي العظيم. ولكننا نعيش الان في زمن الثورة التكنولوجية والعولمة وعليه فان الثورة ايضا يجب ان تجري في هذا العصر وأن تتكيف لهذه الظروف المختلفة عن ظروف ١٩١٧ حين اندلعت ثورة اكتوبر. فما هو تأثير الثورة التكنولوجية على تحقيق ثورة او ثورات اشتراكية؟ هل ساعدت الثورة التكنولوجية مثل هذه الظروف ام جعلتها اكثر صعوبة؟
لا شك ان الثورة التكنولوجية خلقت ظروفا اكثر مناسبة للراسمالية اذ اوجدت في حوزتها وسائل اكثر تقدما لقمع الحركات الثورية. فالغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه القوية وغيرها من وسائل تفريق المظاهرات والحركات الثورية قد تطورت كثيرا عما كانت عليه. وكذلك تطورت وسائل حماية رجال الشرطة والجيش من هجمات المتظاهرين والثائرين. ودخل استخدام الطائرات المروحية وغيرها من الادوات لهذا الغرض. وازدادت قدرات السلطات على تتبع العناصر الثورية وملاحقتها اذ ان الاقمار الاصطناعية المخصصة للتجسس وطائرات التجسس الموجهة عن بعد بدون طيار اصبحت من التطور بحيث انها تستطيع تشخيص وتصوير كل انسان مشترك في مظاهرة. ثم ان سرعة تحرك الجيوش الاستعمارية قد ازدادت اضعافا بوجود حاملات الطائرات المنتشرة في جميع البحور والطائرات الحديثة السريعة بقنابلها المتطورة القادرة على ابادة شعب من دون ان تكون له اية قدرة على مجابهة وصد العدو المهاجم بهذه الطائرات لعدم وجود لديه ما يقاوم به هذه الاسلحة الواسعة التدمير. وهذا ما شاهدناه في فييتنام والعراق ويوغوسلافيا واخيرا في افغانستان. لذلك نجد بين المنظرين من يقول ان الثورات اصبحت مستحيلة.
والثورة التكنولوجية خلقت كذلك ظروفا تفيد الثائرين. ان اهم ما تحتاجه الاحزاب الثورية هو المحافظة على سريتها في العمل. ففي الوقت الذي يجب ان تكون هذه الاحزاب واسعة الانتشار بين الجماهير عليها ان تبقي على اشد انواع السرية تجاه السلطات. والثورة التكنولوجية خلقت ظروفا ملائمة للمحافظة على سرية الاتصالات والنشاطات. فلم يعد الحصول على مطبعة لاصدار الجريدة السرية صعبا كما كان الحال في السابق. فان كل انسان يملك حاسبا الكترونيا وجهاز طبع الكتروني في بيته يستطيع ان يصدر جريدة وأن يوزعها في ارجاء العالم كله عن طريق الانترنت. ويستطيع كل عضو في حزب سري ان يتصل باي عضو اخر عن طريق هذه الوسائل الالكترونية المتطورة بدون صعوبة. ولكن هذه التطورات الملائمة للحركة السرية لا تضاهي التطورات التي خلقتها الثورة التكنولوجية للدول الراسمالية كلها والدول الاستعمارية خصوصا. فهل اصبحت الثورات مستحيلة في عصرنا, عصر الثورة التكنولوجية والعولمة؟
ان الثورات هي ادوات الشعوب في تقرير مصيرها وتحويل مجتمعاتها. ولسوء حظ الدول الاستعمارية انها لا تستطيع ابادة شعوب بأسرها لأن وجودها وارباحها رهن بهذه الشعوب. فالشعوب هي التي تنتج للراسمالية منتجاتها التي تتضمن فائض الانتاج. والشعوب هي التي تستهلك منتجات الراسمالية التي بدونها لا تتحول هذه المنتجات الى نقود تزيد من ثروات الراسماليين وتحقق لهم امكانية استمرار الانتاج. فبدون الشعوب الكادحة لا توجد راسمالية. لذا فان وحدة شعب وتصميمه على الثورة هو اعظم قوة تتيح له تحقيق ثورته. ان وسائل التدمير الهائلة التي يستخدمها الامبرياليون والحكومات الموالية لهم في تحطيم الحركات الشعبية هائلة لم يسبق لها مثيل. ولكن التضحيات التي تقدمها الشعوب في نضالاتها الثورية اعظم اضعاف المرات عن التضحيات التي كانت الشعوب تقدمها في السابق. ان تصميم شعب ما على تحقيق مصالحه اقوى من كل ذلك. وقد رأينا ذلك واضحا في الحرب الفيتنامية التي قهرت اقوى قوة في العالم تحالفها دول اخرى باسم هيئة اللامم المتحدة وما يدعى المجتمع الدولي. ورأينا ذلك في حروب اخرى مثل الثورة الايرانية وثورة الجزائر وغيرها. ونرى ذلك واضحا في الحرب الاسرائيلية الفلسطينية حيث تعجز القوة الهائلة المسلحة بأشد اسلحة الدمار والتي تساندها جميع الدول الامبريالية بالسلاح والاعلام وفي المحافل الدولية بما في ذلك ما يسمى المجتمع الدولي عن اخضاع اطفال الحجارة والناس الذين يضحون بأنفسهم في عمليات الاستشهاد او ما يسميه اخرون بالعمليات الانتحارية او حتى الارهاب الذي تشن الولايات المتحدة حربها العالمية ضده.
ان ما تحتاجه الثورات الشعبية والحركات الثورية المنتشرة اليوم في ارجاء العالم ونرى ان بعضها تفلح حتى في قلب حكومات فاسدة لكي تأتي بحكومات اقل منها فسادا هو التنظيم. فالتنظيم تحت قيادة حازمة حكيمة توحد شعبا كاملا هو الضمان الوحيد لنجاح ثورة ولصيانتها والسير بها في درجات التقدم المطلوبة. كان هذا السلاح هو الذي مكن الحزب الشيوعي السوفييتي من اعلان ثورة اكتوبر وتحقيق المجتمع الاشتراكي رغم الاحاطة الامبريالية والحصار الاقتصادي. وكان هذا سلاح الشعب الصيني في القضاء على حكومة الكومنتانغ وسيدها الولايات المتحدة. ولا يستطيع تحقيق الوحدة الثورية لشعب كامل سوى حزب ماركسي لينيني يستطيع ان يقود حركة شعب بكامله نحو اهدافه. ثبت ذلك ايجابيا في ثورة اكتوبر والثورة الصينية والثورة الالبانية مثلا. وثبت ذلك سلبيا في ارتداد الاتحاد السوفييتي والصين والبانيا وغيرها عن الماركسية. كل التغيرات التي احدثتها الثورة التكنولوجية لم تغير من حقيقة ان الثورات الاشتراكية لا يمكن ان تنجح الا بقيادة حزب ماركسي يوحد الشعب تحت قيادته، قيادة الطبقة العاملة. حزب كهذا وحده قادر على الاستفادة من ظروف الثورة التكنولوجية وظروف العولمة والظروف العالمية والمحلية لايجاد انجع الوسائل لقيادة الطبقة العاملة والشعب نحو الثورة رغم وسائل القمع الرهيبة المتوفرة لدى الراسمالية ليس بالسلاح وحده بل بالاسلحة الاعلامية التي خلقتها الثورة التكنولوجية. فالثورات الاجتماعية هي اليوم اذن اصعب كثيرا من الثورات القديمة ولكن الشعوب بقياداتها الحكيمة تستطيع ان تتغلب على ذلك وتحقق ثوراتها التي حتمها التأريخ.
ثمة عامل تأريخي واحد هام جدا لا علاقة له بالثورة التكنولوجية كان له اكبر الاثر في جعل الثورة اصعب اضعاف المرات مما كانت عليه في السابق، ارتداد الاتحاد السوفييتي عن الماركسية وتراجعه نتيجة لذلك عن الاشتراكية الى الراسمالية. كان من نتائج الحرب العالمية الثانية نشوء المعسكر الاشتراكي. والحرب ليست من طبيعة هذا المعسكر كما هي من طبيعة النظام الراسمالي. ونظرا لسعة هذا المعسكر الذي شمل ثلث العالم اصبحت الحرب العالمية غير حتمية اي من الممكن قيامها ومن الممكن تحاشيها. وعلى هذا الاساس ظهرت نظرية التعايش السلمي الستالينية كما ظهرت حركة السلام العالمية. ليس التعايش السلمي سباقا بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في انتاج وتجارة الاسلحة كما صوره خروشوف. وليس التعايش السلمي عدم وجود الحرب العالمية كما صوره مختلف قادة الحزب الشيوعي السوفييتي وجميع قادة الاحزاب الشيوعية السائرة في ركابه. ولا تفترض نظرية التعايش السلمي تغيير طبيعة النظام الراسمالي الحربية. ان التعايش السلمي الستاليني يفترض استمرار الطبيعة الحربية للنظام الراسمالي حتى القضاء على اخر دولة رأسمالية. ان التعايش السلمي الستاليني يعني تقوية النظام الاشتراكي وتوسيع حركة السلم العالمية الى درجة تعجز الراسمالية فيها عن شن حرب عالمية لأن الحرب العالمية يجب ان تضم المعسكر الاشتراكي الذي لا يريد الحرب. فالتعايش السلمي اذن لا يعني التهادن مع الامبريالية بل ردعها واعجازها عن القيام بالهجوم على المعسكر الاشتراكي.
من اهم مبادئ النظام الاشتراكي مبدأ ان اي هجوم على دولة اشتراكية يعتبر هجوما على المعسكر الاشتراكي كله. فعلى الدول الامبريالية التي تريد شن حرب عالمية ان تأخذ في حسابها انها يجب ان تحارب المعسكر الاشتراكي بأكمله. كانت اول تجربة من هذا النوع الحرب الكورية. فقد بدأت الولايات المتحدة حربها ضد المعسكر الاشتراكي في بقعة اعتبرتها اضعف حلقة فيه، كوريا الشمالية. فشنت حربها باسم الامم المتحدة والمجتمع الدولي على هذه الدولة الضعيفة الحديثة العهد. ولكن مبدا كون اي هجوم على دولة من دول المعسكر يعتبر هجوما على المعسكر بكامله دخلت الصين الحرب وزود الاتحاد السوفييتي الحرب بالسلاح. انتهت الحرب الكورية بغير ما توقعته الولايات المتحدة من القضاء على كوريا الشمالية فبقيت كوريا الشمالية دولة اشتراكية رغم انف الولايات المتحدة والدول المشتركة معها. قد يقول البعض ان كوريا الجنوبية ايضا بقيت ولم تحرر من احتلال الولايات المتحدة. وهذا شيء طبيعي لأن المعسكر الاشتراكي لا يهدف الى تصدير الثورة ولم يفكر في مهاجمة اية دولة بما في ذلك كوريا الجنوبية لفرض الاشتراكية فيها. ان موضوع الثورة الاشتراكية محلي يخص كل شعب على حدة ولا يحق لاية دولة ان تفرض الاشتراكية على شعب لم يفلح هو في تحقيق ذلك. ان نظرية صيانة الاشتراكية بهجوم مسلح كما حدث في بولندا، وهنغاريا وجيكوسلوفاكيا كانت نتيجة لتخلي الاتحاد السوفييتي عن النظرية الماركسية وسلوكه سلوكا راسماليا فيما يتعلق بالدول الاخرى حتي الحليفة له في حلف وارسو. ان الهجومات المسلحة التي مارسها الاتحاد السوفييتي في البلدان الحليفة له في حلف وارسو ثم في افغانستان هي حروب امبريالية لا تختلف عن جميع الحروب الامبريالية الاخرى بسوى الزعم بالحفاظ على اشتراكية لا وجود لها في الواقع.
كانت تجربة الولايات المتحدة في الحرب الكورية درسا رائعا لها في حروبها التالية. ورغم ان الولايات المتحدة ادركت تحول الدولة السوفييتية عن طريق الاشتراكية في عهد خروشوف لم تكن الدول الامبريالية واثقة بعد من موقف الاتحاد السوفييتي من الهجوم على دولة اشتراكية. واكبر برهان على ذلك ما حدث في حرب السويس سنة ١٩٥٦. فقد كان خروشوف انذاك يتبجح بقوة الاتحاد السوفييتي ومقدرته على ضرب اية دولة رأسمالية في عقر دارها. وبلغ به التبجح خلال حرب السويس الى درجة انه هدد بريطانيا وفرنسا بأنهما ان لم توقفا الحرب فان الاتحاد السوفييتي سيحول الحرب الى اراضيهما. وقد روع هذا التهديد ايدن رئيس وزراء بريطانيا بحيث اوقف الحرب فورا. ولكن الدول الامبريالية اجرت تجارب اخرى لاختبار جدية الاتحاد السوفييتي في تهديداته. فكانت مشكلة برلين حين حدد خروشوف موعدا يعلن فيه الصلح المنفرد مع المانيا الشرقية ان لم تقم الدول الامبريالية بالتفاوض حول ذلك في يوم معين. وبقي خروشوف يهدد بذلك حتى اليوم الاخير ولكنه في اليوم الاخير تراجع تراجعا فظيعا بالتخلي عن كل تهديداته. وكانت التجربة الثانية العالمية قضية كوبا والصواريخ. حين تتخذ دولة مثل الاتحاد السوفييتي قرارا بارسال صواريخ الى كوبا مثلا عليها ان تدرس الخطوة من جميع جوانبها ومنها رد فعل الولايات المتحدة. وقبل الاقدام على مثل هذه الخطوة كان على الاتحاد السوفييتي ان يقرر الرد على الولايات المتحدة في حالة اعتراضها على وضع الصواريخ على حدودها. فالولايات المتحدة وضعت الصواريخ حول الاتحاد السوفييتي علنا وصراحة وقررت مقدما مقاومة الاتحاد السوفييتي اذا اعترض على ذلك. أما الاتحاد السوفييتي فقد ارسل صواريخه سرا وأنكر وجودها بصورة مطلقة حتى قبل يومين من التصادم بينما اتضح ان الولايات المتحدة كانت تعرف حتى عدد الصواريخ ومواقعها. وفي اليومين الاخيرين تراجع الاتحاد السوفييتي تراجعا فظيعا بحيث سمح للجنود الامريكيين بتفتيش سفنه الحربية للتأكد من عدد الصواريخ التي يستعيدها الاتحاد السوفييتي من كوبا. هاتان التجربتان اقنعتا الولايات المتحدة والدول الراسمالية بأن تهديدات الاتحاد السوفييتي تافهة لا اهمية لها وهذا ما جعلها تهاجم دولة اشتراكية في فييتنام دون ان تخشى ردا حاسما من المعسكر الاشتراكي او ما اخذوا يسمونه المنظومة الاشتراكية كما كانت الحال في الحرب الكورية.
ان ارتداد الاتحاد السوفييتي وتحوله الى دولة امبريالية تحطم الحركات الثورية وتحاربها وتسعى الى حل الاحزاب الشيوعية ولو انها بفضل المؤتمر العشرين لم تبق احزابا شيوعية بالمعنى العلمي للعبارة كما فعل في مصر وحاول ان يفعل في العراق مثلا، شأنه في ذلك شأن الدول الامبريالية الاخرى جعل الثورات الاشتراكية وثورات التحرر اكثر صعوبة مما كانت عليه عند وجود معسكر اشتراكي حقيقي يساندها ماديا ومعنويا واعلاميا.
ختاما اود ان اقول ان الشعوب تقف امام خيارين لا ثالث لهما. فاما الثورات الاشتراكية رغم الصعوبات التي تواجهها من جراء الثورة التكنولوجية والعولمة وأما الفناء جزئيا او كليا.
للمؤلف
١ الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق
نشر في المملكة المتحدة ١٩٧٨
٢ Marks and his Dialectical Materialism
نشر في المملكة المتحدة ١٩٨١
٣ ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ في العراق وسياسة الحزب الشيوعي
نشر في المملكة المتحدة ١٩٨٥
٤ قاموس عبري عربي كامل (في ثلاثة مجلدات)
نشر في اسرائيل ٢٠٠٠
٥ Stalin As I Understood Him
نشر في المملكة المتحدة ٢٠٠٠
٦ The Maqam Music Tradition of Iraq
نشر في المملكة المتحدة ٢٠٠١
٧ ذكرياتي في سجون العراق السياسية
نشر في المملكة المتحدة ٢٠٠٢