|
مستقبلنا؟! هل لنا مستقبل؟!
هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 2018 - 2007 / 8 / 25 - 09:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الحالة (مستقرة) في العالم العربي..الأخبار هي هي والأحداث تتكرر بانتظام ومصيبة اللامبالاة تتوزع بدرجة كبيرة من العدالة على الجميع، الأخبار لا تخرج عن سرد أعداد القتلى في العراق- دون أن نتوقف كثيرا أمام هوية القاتل- أو تكسير العظام بين فتح وحماس- دون أن نتوقف عند قيمة الكعكة التي يتعاركون عليها- أو تورط القوات الأمريكية في دولة هنا وهناك- دون أن يتوقف الأمريكان أنفسهم أمام عشرات الدروس التاريخية التي تفيد بالنهاية المعروفة لقوات إمبراطوريات سابقة تورطت مثلها- أو أخبار باردة عن نظم باردة في بلاد حارة المناخ باردة الاستجابة، نفس الأحداث ونفس منوال الصراع بين القوى والفئات في فلسطين والعراق ولبنان وباقي بلدان العرب، نفس أخبار السخف عن الحزب الحاكم في مصر وعن التوريث وعن استعدادات تنحي مبارك عجوز عن سلطة في يده وتحفز مبارك شاب للقبض مواصلة للطريق.. دون أن يبدو على أي أحد في مصر أنه يبالي بالأمر، وماذا حتى لو اهتم أحد.. لا جديد إطلاقا.. هنا وهناك! في ظل هذه الحالة وبينما تتنافس عشرات القنوات الفضائية العربية الإخبارية على أخبار هذه هي لا غيرها.. يبدو أن المجال صار مفتوحا بدرجة أو بأخرى أمام تلك الفضائيات كي تتفلسف على مهل!.. فالأخبار هي هي والأحداث تتكرر بانتظام والمصيبة عامة على الجميع! أكثر البرامج التي تؤشر إلى الأنماط الفلسفية المختلفة التي تتبناها هذه الفضائية أو تلك هي برامج (المناقشة) على الهواء مباشرة.. ومعنا هذه الليلة فلان الفلاني لمناقشة مستقبلنا! هكذا إذن.. من قناة إلى أخرى على مدار الأسبوع المنصرم كله كان مستقبلنا- نحن سكان المنطقة العربية المعلنة عالميا (منطقة كوارث)- معروضا عاريا للنقاش.. مع خبراء استراتيجيين ومحللين مفكرين وباحثين موضوعيين وعلماء دنيا ودين! الفرصة متاحة لمناقشته على مهل إذ يبدو أن بيننا وبين وقوع (حدث عظيم) في حياة العرب.. قرون! أحد الموضوعات التي تناقش مستقبلنا عاريا كان موضوعا يدور حول سؤال (هل السلفية الإسلامية الجهادية التكفيرية تعولمت؟!) كان ذلك في برنامج قضية الليلة على قناة الجزيرة الذي يبث من المغرب.. وكانت هناك موضوعات مشابهة أو أسئلة مماثلة في برامج أخرى على باقي القنوات.. فالجميع يعمل أربع وعشرين ساعة ولا توجد هناك أحداث.. ضيف بلحية تصل في طولها إلى ما بعد الحجاب الحاجز قال إننا نخطأ إذ لا نعمل على (تحرير المصطلح)! المصطلح الذي يقصده هو السلفية الجهادية التكفيرية كما طرح في الحلقة، يريد أن يحرر المصطلح من كلمة التكفيرية.. يقول إنها سلفية جهادية لكنها ليست تكفيرية، هي سلفية جهادية لأنها أفكار ورؤى تستلهم سلوك السلف الصالح في الجهاد ضد الكفار! حسنا! هي ضد الكفار لكنها ليست تكفيرية! من هم الكفار؟! لا تتوقفوا كثيرا أمام سؤال من هم الكفار؟ فقد علمنا من خبرتنا معهم على مدى عقود أنهم كل من ليس مثل صاحبنا! بالطبع المغاربة المساكين الذين كانوا يتعايشون في مجتمع معروف تاريخيا بالتسامح والانفتاح حتى وقت قريب يناقشون الموضوع بذهول.. وهم يرون سلوك السلف الصالح لجدود أهل المشرق البعيد يطبق في طرقات مدنهم بأدوات حديثة.. لم يعرفها من كانوا يجاهدون على ظهور البعير منذ أربعة عشر قرنا!.. قنابل ومتفجرات وأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة تفجر بالريموت كنترول والتايمر الإلكتروني! كان السؤال المطروح هل تعولمت السلفية؟ حسنا.. أدلى كل بدلوه فلنفعل نحن! فالأخبار هي هي والأحداث تتكرر بانتظام والوقت متاح للتفسير والتفلسف والتأويل! بالنسبة إلى نتائجها وبلواها.. بالطبع نعم!.. انتقلت من مهدها مثل فيروس أنفلونزا البعير إلى بلدان الدنيا.. لنجد أنفسنا ونحن في نهايات العقد الأول من القرن الأول بعد العشرين.. وقد تحولنا إلى أمة تحلم ليلها ونهارها بالجنة.. نجحت إعلانات التليفزيون التي تروج للمتعة في (المنتجعات) السياحية الراقية باهظة التكاليف في تصويرها-الجنة- منتجعات بديلة للمحرومين.. المحرومين من منتجعات السواحل الراقية في عالمنا الأرضي.. حيث الخمر والنساء والمتعة بلا حدود وبلا تحريم.. (الخمر والمتعة والنساء بالنسبة للرجال.. أما بالنسبة للنساء الحالمات بمنتجعات العالم الآخر فلا توجد وعود محددة بمتعة ما لهن!) وفي سبيل العبور إلى منتجعات المتعة في العالم الآخر نحطم عالمنا الأرضي ونفجر أنفسنا والآخرين! بلا حدود.. العالم كله هدف للتفجير لأن منتجعاته حيث المتعة بلا حدود مغلقة في وجوه الفقراء البؤساء المسحوقين.. في العقد الأخير تقريبا لم تسمع عن مفجر لنفسه وللآخرين من رواد منتجعات الدنيا.. كلهم من المحرومين الذين أخذوا تماما بمسألة (المتعة اللامحدودة) في الجنة أو منتجعات العالم الآخر! السلفية لم تتعولم كفكر فأصحاب الألباب والعقول لا يمكن أن ينتهجوها فكرا.. وإنما تعولمت كمصيبة.. هذا الاتجاه العدمي الذي يريد انتهاج سلوك السلف لرسم المستقبل هو عدمية وعبثية.. فمع كل الاحترام والتبجيل للشخصيات التاريخية مثل عمر بن الخطاب أو ابن عبد العزيز أو أبو بكر الصديق أو هذا أو ذاك رضي الله عنهم جميعا.. مع الاحترام لمكانتهم.. كيف يكون سلوكهم ومخزونهم المعرفي والمعلوماتي والموضوعي وسيلة لتصميم مستقبل من تخطوهم بألف وأربعمائة عام.. هذا عبث.. ضياع.. عدمية.. أي مستقبل هذا الذي يتحدث عنه السلفيون وهم طوال الوقت مشغولون بمعركة العبور إلى المتعة اللامحدودة خارج العالم الموجود؟! هذا هو الفرق بين صنفين من البشر.. صنف يريد أن يستلهم وسائله من المستقبل فيجتهد ليعرفها ويتعلمها فيبدع كل يوم.. وصنف لا يقدر على التطلع إلى المستقبل .. هو مشدود طوال الوقت إلى الماضي.. ولا يعرف عن المستقبل إلا قضية العبور إلى عالم أنهار الخمر والحور العين! ربما تكون دورة تاريخية لابد أن تأخذ مداها قبل أن نفيق وندرك أن الجهاد يمكن أن يكون من أجل (الحياة على الأرض).. ووسائله العلم واستخدام العقل ونبذ ما تخطته البشرية في تجربتها الطويلة مع الأشياء والأفكار! أسلافنا عاشوا حياتهم بأدواتهم.. نحن نعتز بهم.. نحترم تجربتهم.. لا بأس أن ندرس تجربتهم مع الحياة حياتهم هم.. لكن مستقبلنا؟! هم أعجز عن أن يعطوننا وصفته! يمكن أن نستفيد من حكمتهم من خبرتهم الوجودية.. أما تصميم المستقبل فهذا ما لا يجب أن نطلبه منهم، أنظر إلى أحفادنا مثلا بعد خمسة أو ستة قرون.. ماذا يمكن أن يأخذون منا من وصفات لمستقبلهم؟! هذا عبث.. لعل ما يمكن أن يستفيدوه منا هو خبرتنا الوجودية مع الخيبة والعجز.. لا أكثر! لكل زمن فكره ووسائله.. كفوا عن اعتبار مقولات الأسلاف الأحبة نبراسا.. اللهم إلا الشعراء! سلف العرب ليس فيه جميلا والله إلا الشعراء! هناك متعة حقيقية في قراءة ما ترك لنا هؤلاء الرائعون.. هذا هو أبو العلاء المعري يضيق ذرعا بمن يأتون بأفكار تهدد الناس وتبتزهم وتخوفهم وتحرمهم من الإبداع والتحليق بلا خوف: " فلا تحسب مقالَ البعض ِ حقا ..ً ولكن قولَ زور ٍ سطروهْ.... وكان الناسُ في عيش ٍ رغيدٍ فجاءوا بالمحال ِ فكدروه"!
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سينما بلا هواجس
-
مصر في قبضة رئيسها
-
غريزة القتل في فلسطين والعراق
-
ابتزاز العمائم للمبدعين
-
الهموم اليومية تكسب
-
متى يعلنون وفاة الرئيس
-
الجسور تبقى والحكام يرحلون
-
أعزائي في الداخلية وأمن الدولة:شكرا للتعاون وإلى اللقاء في ع
...
-
الناس على دين فنانيهم.. لكن أي فنانين؟
-
هي دي مصر يا عبلة
-
صراخ فقراء العرب وعلمانية الأتراك
-
الاختيار بين نفاق الشعوب أو خض سكونها
-
إوعوا تقولوا للشعب إن الأرض تدور
-
مرارة بطعم النفط: عضة كلب أمير
-
خراب يا مصر (2): خليني في حالي!
-
قناة الحوار وتساؤلات عن التمويل وهموم الناس في البرامج
-
خراب يا مصر!
-
غضب المصريين على الفيلم الإسرائيلي أخطأ الطريق
-
!يعني أفلح القوم عندما ولوا أمرهم ذكرا
-
التفاوت الطبقي في مصر مشروع انفجار
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|