-1-
ان أي نجاح فعلي لأية حكومة مقبلة يبدأ من عتبة منزلي
ها لقد بدأ العد التنازلي الفعلي لعمر الحكومة السابقة – كما نجد جميعاً- ,ليغدو الإعلان عن بدء تشكيل الحكومة الجديدة موشكا, تماماً ,دون أن يلفت كل ذلك اهتمام الشارع السوري ,بعامة , إلامن من قبيل الرغبة المحايدة من قبل بعضهم في أن يرى على الشاشة الصغيرة , وعلى صفحات الجرائد , وجوهاً جديدة غير بعض تلك التي دأب أن يراها على امتداد اجتماعات الحكومة السابقة ,التي لم تتمكن من أن تحقق ما تبقى من البرنامج الزمني الذي اعلنته لتحسين الأوضاع المعاشية للمواطنين, ويبدو إن عدوى يأس مواطننا السوري من الدورات السابقة لمجلس الشعب ,والتي لم تقم بإجراء اللازم , استشرى بالطريقة نفسها على أداء الحكومات المتعاقبة,بخصوص تحسين أحوال العباد , لا اقتراح إصدار قرارات ومراسم لن تفيدهم على المديين: القريب والبعيد,وإذا كنت عبر هذه الوقفة, أعفي نفسي من الاسترسال طويلاً لخوض غمار تقويم السياسة الخارجية التي يقوم بها بلدنا سوريا , لاسيما إزاء مواجهة الخطط التي تستهدف المنطقة , عموماً , وسوريا, خاصة,ذلك لانني سأتوقف عند السياسة الداخلية لمثل هذه الحكومة, آخذا بعين الاعتبار, تلك البدهية التي يراها معي كل غيورعلى ترابه ,بأنه إذا كان الصمود ضرورة ملحة , إلاان لهذا الصمود ثمة( مقومات ؟ ) لابدّ من أن تتحقق ...,و تشكل هذه المقومات قبل كل شئ –كرامة الوطن والمواطن - والتي تتراوح مابين ضرورة تأمين الرغيف ,والمسكن ,والأمن ,والديمقراطية ,وتكاد لاتنتهي دون أعلى سقف أحلام عامة مواطني بلدنا , هذه القائمة التي لو إن المواطن العراقي مثلاً قد لمس توافرها في بلده, لما سقطت بغداد في أيدي قوات التحالف في ومضة عين .فحسب...!
ولعل أصحاب السيارات الفارهة, التي لا اتقن أسماء آخر موديلاتها ممن يودعون في بنوك العالم ملايين الدولارات ,التي تؤمن ليس رفاهية وبحبوحة وسبل عيش أسرهم وحدها ، فحسب , بل وبحبوحة عيش مستقبلية لسلالاتهم, إلى يوم الدين ,إن هؤلاء-بكل تأكيد- سوف يخالفونني الرأي- وهومن حقهم الذي يفرضه واقعهم وامتيازاتهم ــ فهم يرون : ان كل شئ بخير...!!..وهؤلاء بصراحة؛ ينبغي ان يكونوا مطلوبين – لأكثر من داعٍ وسبب - من قبل اية حكومة جديه مقبلة , كي تطبق عليهم ليس مبدأ المحاسبة ,لتركيزهم الموهم على تقديم الصورة الايجابيةالتي لاتليق الابالتصوير التلفزيوني, هذه الصورة التي تتسبب – مع غيرها من العوامل – لفرض الغشاوة على عيني كل صاحب نوايا سليمة في حال وجوده ..!
لا اخفي ، إنني أحد عباد الله ,الذين ظللت إلى وقت قريب جداً ,أصدق وعود أيٍ من الوجوه الجديدة ,وأعول عليها الأحلام العريضة، بيد ان تجربتي الشخصية ,صارت تدفعني لئلا أصدق الآن - في ظل عوزي وعوز أسرتي وأمثالي في الشارع السوري - إلا الأفعال ـ فحسب , ومن هنا فاني لأقترح على الحكومة المقبلة ,ألا تقدم لنا خططها بعيدة الأمل والأجل ، ما خلا الخطط الإسبوعية ,والشهرية ,على أبعد تقدير, ولتنصرف عن محاكاة سلوك الحكومات السابقة ، وذلك من خلال إقرار ،وتقديم ( الأفعال ) ...نعم الأفعال وحدها ، وترك الأقوال لنا في هذا المجال ..!
ان ما يعانيه أي مواطن – في بلدنا – لهو معروف جداً عند أولي الأمر ، ولا أجد داعياً لاعتماد مسرد هنا بهذا الخصوص، فلقد سبق لي ولغيري,ان توقفنا عند وجوه معاناة مواطننا ، ولعل محاربة الفساد والمفسدين ، وزيادة أجور العاملين لدى الدولة ,ومكافحة البطالة-بعد فشل وصفات مكاتب التشغيل وشؤون العمل - بتأمين فرص العمل الحقيقي لشبابنا ، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص ,ووضع الإنسان المناسب في مكانه المناسب ، ورفع حالة الأحكام العرفية والطوارئ ,واعتبار جميع مواطني البلاد من درجة واحدة ، ماداموا يعملون من أجل مصلحة بلدهم وتطويره ، بل وتحديد مهام كل سلطة في الدولة دون السماح بأي تدخل في هذه المهام ، على حساب الحريات العامة وإطلاق سراح معتقلي الرأي، وإصدار قانون صحافة عصري ..إن كل ذلك سينعكس إيجابياً لخلق لحمة وطنية مطلوبة, ورص الصفوف إزاء أي خطر خارجي ..وهذا أهم ما نحتاج إليه جميعاً في هذه المرحلة المحرجة .
حقاً ؛إن توافر هذه المفردات الرئيسة- المشار إليها أعلاه – إلى جانب سواها من القضايا الأكثر إلحاحاً ، سوف يجعل مواطننا مقتنعاً بهذه الحكومة,وعلى خلاف واقع كل حكومة سابقة ،فرضت عليه ,ليشتهي , دون حرج , متابعة أخبارها ,بل وان أية أسرة سورية ستترقب – إطلالة ممثل هذه الحكومة المقبلة عبر وسائل الإعلام – للإطلاع على خلاصة كل جلسة جديدة تنعكس لصالح معيشتها ,واستقرارها ، وبكل صراحة ؛ فان الإعلان عن أية جلسة جديدة تقر مشاريع قرارات ومراسيم خيالية لا تخدم مصلحة المواطن ، وتحسين أوضاعه المعيشية وصون كرامته وحريته ، فهو لا يجدها مختلفة عن جلسات أية حكومة أخرى في العالم لا علاقة له بها أبداً , بل تدعوه للتثاؤب أثناء فرض تلقيها عليه ! .
أجل ؛إن مثل هذه الأحلام , ستبقى شطحات رومانسية, في ما لو لم يتم اختيار كادر وزاري من الغيارى ، الأكفياء ، وهذا لن يتحقق عندما نجد من بين الأسماء التي ستظهر في قائمة الوزارة الجديدة , من سبق وأُبعِد عن مهمة , كُلِف بها , فأثبت للجميع عدم نظافة يديه , وهذا بالتأكيد سيكون غصة في حلوق كل من يعرفه .
-2-
إذا كنت قد رأيت في – الحلقة الأولى – إن هناك أناساً غير جديرين ، يتسللون بزوبكية مائزة إلى أعلى المناصب الحكومية ، ويقومون بأداء أدوار مفصلية في الحكومات المتعاقبة ، فان، وبصراحة ، ثمة أشخاصاً جديرين لا يتلكأ المواطن العادي من معرفتهم ، معتمداً بذلك على حدسه الوطني ، بل وتجربته ..!
ولعل – سؤالاً وحيداً ، تتفرع منه قبيلة أسئلة لا تنتهي ، يمكن لأي اسم جديد – يكلف برئاسة الحكومة المقبلة ، الإجابة عنه ، ألا ..وهو : هل أنا قادرٌ على أن أرفع من دخل المواطن العادي الذي يعيش تحت خط الصفر ، ليكون هذا الدخل متناسباً بالتالي مع الدخل الوطني ، بحيث تؤمن سبل العيش الكريم ، لإبن بواب أية دائرة حكومية ، كما هو متاح لابن أي وزير مقبل ، مادام أن كلاً من هذين المواطنين يعملان من أجل تطوير وحماية وكرامة هذا الوطن ..!.
وأكاد أقول : من الممكن على رئيس الحكومة المقبلة ، أن يطمئن من احترام رعيته له ، عندما تخلو دوائر الدولة من هؤلاء اللصوص الصغار والكبار الذين لا حد لجشعهم ...، وعندما يرى ان الأموال المنهوبة من أفواه مواطني هذا البلد قد أُعيدت إلى خزينة الدولة ، لتنعكس مباشرة على مواطنينا – كل مواطنينا عبر مشاريع حقيقية ، لا وهمية !، ينتفع منها الجميع على المدى القريب جداً ..
لا أريد أن أخوض في الحديث عن -الفساد – فهو أكبر من يشخص في وقفة – عاجلة – كهذه ..! بيد اننا جميعاً متفقون انه قد أصبح حالة عامة لدرجة يصحُّ معها القول : إننا نعيش " مرحلة فساد " ..بامتياز ..! .
ولكي أكون منصفاً هنا ، فانه لتوجد في مؤسسات الدولة برمتها استثناءات ـ ولو قليلة جداً ـ من هذه الحالة ، بل وأصحاب نوايا لا ستئصال هذه الحالة ، بيد انهم وكما يبدو لي – يروحون ضحية مجابهة هذه الحالة الراسخة ، وهذا ما يدفع للتفكير بأن إضافة وزارة جديدة باسم : وزارة مكافحة الفساد ..لهي مطلب له مسوغاته المرحلية ..! ..
ومن هنا تماماً – فان الطبقة الوسطى في بلدنا – اضمحلت – ولم يبق لها أثر مقابل بروز طبقتين متناقضتين إلى حد التناحر ، كما يرى عدد من مفكرينا وباحثينا – ألا وهما الطبقة المسحوقة المنهكة – والطبقة اللصوصية المتخمة ..! .. وإذا كنت واثقاً ان عدداً كبيراً من لصوص بلادنا – وهم معروفو المنابت – قد انحدروا في الأصل من أعماق الطبقة الأولى العريضة ، لكن أنانيتهم المريضة ، دفعتهم إلى التعامي عن مصلحة طبقتهم نفسها ، وبدؤوا ينسون تدريجياً – أرومتهم تلك – كي يتحولوا بالتالي عقبة كأداء ، أمام أية مصلحة لحاضنتهم الأولى ، ما دامت مصلحتهم المرحلية والمستقبلية مرتبطة تماماً – بمصلحة المنتمين إلى طبقة القلة المتجبرة المتسلطة على الرقاب ..!
ومؤكد أن هناك من سيسأل : إذاً كيف يكون الخلاص ..؟ مادامت هناك طبقة لا يمكن أن نعلق الآمال عليها ، لأن مصلحتها مبنية – في الأصل – على حساب تحطيم أية " روح أمل " لدى المواطن ، رغم معرفة أن آمال العامة هي في المحصلة – آمال وطن ..!! ، وان آمال هؤلاء الخاصة ، أقل ما يمكن القول فيها انها مطية لخدمة أعداء الوطن !، وإذا كنت أرى ان توفير الأمن، وإتاحة الرأي والرأي الآخر لمواطننا ، وإنقاذ كرامته من أية سلطة وصائية ، لعبت دوراً سيئاً في تاريخ بلادنا ، بالإضافة إلى توفير فرص العمل الحقيقية وتوزيع الدخل الوطني على كافة أبناء البلاد على نحوٍ عادل يسبب وجود جوع حقيقي ، بالإضافة إلى وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب ، وعدم التعامل في هذا المجال على أساس وجود مواطنين من درجات متفاوتة ، مختلفة ..وذلك في ظل قضاءٍ نزيه وعادل وسيادة القانون ،وإذا كنت أرى ان مثل هذه النقاط – متفق عليها – من قبل السائس و المسوس ، والرئيس والمرؤوس – وان بشكل نظري لأول وهلة – إلا انه ليشكل المفاصل الرئيسة في خريطة حلم أي مواطن ..، حتى و إن أدمن السواد الأعظم من مواطنينا ، و لأسباب معروفة ـ الاضطرار على عدم البوح بما يفكرون به ، لصالح إعلان التفكير على طريقة السلطة .
لقد تربى المواطن السوري – وعلى امتداد شريط زمني طويل – على نحوٍ خاص ، كان من خلاصته : ابتلاء الرئيس والمرؤوس على حدٍّ سواء كل منهما بـ " عقدة خاصة " حيث عقدة الأول هي : عقدة " الاستعلاء والتمايز " التي استشرت لدرجة عدم الاكتراث بإنسانية سواه ، وليس أدلّ على هذا هو ان من يحجب عن غيره سبل الحياة الكريمة والحرية ، إنما يشكل حالة ذئبية وبائية كارثية مروعة ..! وتأتي ( عقدة العامة ) التي ابتليت أوساط واسعة منها – بالدونية – والخنوع – والقطيعية مقابل الممالقة ، بالإضافة إلى مركبات كثيرة متنافرة منها : الازدواجية أو الحوربة – التي استيقظت كامتداد للحكمة القائلة بتقبيل اليد والدعاء عليها بالكسر ..!!.
إن أية محاولة إصلاح حقيقي – مقبلة – ينبغي أن تضع في اعتبارها وجود مثل هذه المعادلة الخطيرة في حياتنا اليومية ، وان كنا نشهد تراجع شراسة بعض المفردات على نحو ملحوظ ، إلا أن – رموز الفساد قاطبة – لما يزالوا يعيشون في مراتعهم ..كما يحلو لهم .., وهذا بتصوري الشخصي وراء تردد وتريث – من هم في أعلى هرم المسؤولية في البلد ، عن تكليف من يلزم بتشكيل الحكومة المقبلة ، لاسيما وان أكثر الحالات المجربة ، والمعلن عنها اصطدمت وجوبهت بخيبة أمل من قبل المتابعين في هذا الشأن من أصحاب المصلحة الحقيقية المتقاطعة و المتماهية مع مصلحة الوطن ..!.
وإذا كنت أرى ان الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة قد شلَّ على صعيد آخر العمل في بعض مؤسسات الدولة ، إلاّ انه وعلى صعيد الآخر – فتح باب الحوار وإن على نطاق محدود جداً في التباحث بصدد الواقع والمستقبل في آنٍ واحد – ناهيك عن انه يدفع بالحديث عن ضرورة فتح المجال في الصحافة – المحلية – على أوسع نطاق ، لتقويم عمل الحكومة السابقة ، وبالتفصيل ، والإشارة الى مواقع الخلل ، وبالأسماء....!, دون قمع أي رأي ، ليكون ذلك بمثابة مجازاة وعقاب أوليين ، قد يكونان نواة أي إجراء مقبل إزاء المقصر والناجح ، كلٌ بحسب عمله ..! , وبالتالي فتح باب الحوار حول طبيعة الحكومة الجديدة ، ليكون للشارع السوري أيضاً رأيه بهذه الحكومة ..! .
وكمقترح – ربما ساذج مني ، أرى إضافة عبارة جديدة إلى أي قسم وزاري مقبل هو : ألا أسرق البتة !؟ – وأن أعمل على قمع أية حالة سرقة في مجال عملي صغيرةً كانت أو كبيرة ..! ، خاصة ان عدوى السرقة باتت تنتشر طولاً وعرضاً ، عمودياً وأفقياً ، لتطال حتى بيوت الله !، وإذا كان الشئ بالشئ يذكر – فانني أرى أن أي استخدام لمدير أي مؤسسة ، أو أي مسؤول – لأية آلية تابعة ً له – بغرض الاستخدام المنزلي – كتنقلات الأبناء – والزوجة – والخادمة ـ والحارس..الخ .. هي من ضروب السرقة الصغيرة التي لا أتنازل عن حصتي الشخصية منها كمواطن ...وهذا رأس الخيط في حقوق المواطنة من الناحية الاقتصادية ..! .
وأريد أن أقول أيضاً : إنني لست ضد الاستئناس بأصحاب أية خبرات سابقة ، ضمن هيئات استشارية محط تقدير واحترام ، بيد انني ضد أن يسند إلى كل من أسندت إليه مسؤولية سابقة ، ولو في دائرة صغيرة ، أن يتكرر إسمه إزاء أي مسؤولية مقبلة ، لأن في هذا اعتداء سافراً على حق عشرين مليون مواطن سوري ممن لا تدرج أسماؤهم في قوائم دواليب الحظ ..
أجل ، لكي تكون فكرتي متكاملة هنا ، فانني أجد ضرورة تكوين – دائرة خبرة استشارية كما أسلفت بالإضافة إلى دائرة رقابة " محلَّفة " في كل مؤسسة مقبلة ، وان كنت أميل في هذا المجال بقمع أية مخالفة من قبل كل من يسئ إلى استخدام المهمة المسندة إليه ، بما في ذلك التشهير والمحاسبة القانونية الصارمة جداً بحق كل من تسول له نفسه سرقة لقمة المواطن .
-------------------------------------------------------------------------------------------
ـ ملاحظة : كتبت هذه المادة قبل تكليف السيد العطري بتشكيل الحكومة المقبلة