(( أيها السوريون ابتهلوا إلى الله أن تهاجمكم أمريكا! ))
بمنحى يراد له أن يكون جديدا، أغارت إسرائيل على قرية قرب دمشق فجرحت مواطنين، فتدخل حزب الله وقتل بهجوم مباغت أوقع عدة إصابات في الجيش الإسرائيلي اعترفت تل أبيب منها بمقتل عسكري وجرح اثنين.
ولقد جاءت الغارة إثر عملية بطولية استشهادية نفذتها حورية اسمها هنادي، دية بأخيها الشهيد. ويا لعظمة وغلاء دية كانت 70 نفسا ما بين قتيل وجريح.
وعلى صعيد آخر وافق البرلمان التركي على إرسال قوات إلى العراق فاعترض مجلس الإمعات أولا، ثم راح يدرس العرض. كما اعترض مسعود برزاني في الكويت على الاستمرار بدفع تعويضات العدوان الثلاثيني، وتواصلت الهجمات في العراق على المحل والمتعاونين معه، بينما تأججت حملة هستيرية، على الكتاب الوطنيين في مواقع الإنترنيت.
فكيف نقرأ هذه الأحداث؟!
أولا:
يقول المثل: (( حاجة المخنوق يرفس )). ومكا كان الرفس من ردود الفعل الرقيقة أو الحسنة. وقد يرفس المحتضر المتفاطس برجله،، أو بلسانه، خصوصا إذا كان خائنا ملعونا باع وطنه لمحتل غاشم أملا بحضوة، فإذا بالمحتل أعجز عن أن يحمي نفسه. فتبخرت أحلامهم وسيضطر من يبقى منهم لطلاء وجههم بالقار مادام حيا.
وأزاء هذا المصير المخيف فلسان هؤلاء المفاطيس وما يكتبون سيكون حادا قميئا نشازا مقرفا وكصوت مومس منعت أجرها المتفق عليه، لكنه لدقائق ويمضي. لذاك أهيب بالكتاب الوطنيين عدم الرد، بل عوضا تكميم أنوفهم إذا ما مر بهم واحد من هؤلاء المفاطيس.
الغريب أن هؤلاء المفاطيس، ما برحوا يتغنون بالمحتل وعهده الجديد في العراق الأتم من التمام، وأن الحال في بغداد ربيع وحلاوة، وأن عمليات المقاومة لا تؤثر على الأمريكان بل الأمريكان على العكس يستفادون من عمليات المقاومة ليطيلوا فترة احتلالهم للعراق،،، الخ. هذا ما يقولون ويؤكدون عليه. لأمر الذي يذكرنا برد جميل للشيخ المجاهد أحمد ياسين، حين قال له مذيع الجزيرة: (( إن صواريخكم وعملياتكم الإستشهادية لا تؤثر على إسرائيل بل هي تستفاد منها إعلاميا،،، )) فقاطعه الشيخ الجليل قائلا: (( ما دامت إسرائيل مبسوطة ومرتاحة لصواريخنا وعلمياتنا الإستشهادية، إنت زعلان ليه؟ بشرهم أن عندنا نفس طويل وحنبسطهم أكثر وأكثر))
والمقاومة الوطنية العراقية هي الأخرى، للأمريكان وكتبتهم الجلاوزة، تقول: (( ما دمتم مرتاحين لعمليات المقاومة وأنها تخدمكم لذا نراكم لا تداهمون أحدا ولا تطلقون النار كالمرعوصين خوفا،، ما دامت الحال على هذا، فلا أحد يستعجل، هاتوا جنود واخذوا بسط،،، عراقي ))!
ثانيا:
والمثل يقول أيضا: (( من حفر حفرة لأخيه وقع فيها )) وحاجة الواقع في بئر هي الاستغاثة. والغوث أمر مرهون بظروف، أقلها أن يكون هناك مغيث قادر على الإنقاذ، وأن يكون شهما لا ينتظر لقاء غوثه مقابلا. والشرط الأساس أن يكون المستغيث قد وقع في البئر عرضا وليس لأنه حفره لأخيه.
وكنا، نحن العراقيين، نتغنى بالأخوة العربية الكردية دهورا. وما شاب هذه الأخوة شيء سوى قيادة كردية برزت في بداية القرن الماضي، أعلنت ولاءها، تكسبا، لعدو الشعوب واخترعت للكرد قضية حيف لم يقلها تاريخ العراق منذ عصوره الحجرية.
كنا نتغنى بهذه الأخوة دهورا حتى جاءت هذه القيادة التي جعلت من الشعب الكردي قبل غيره ضحيتها الأولى. تآمرت على جسده لتحقق لغيره طموحاته اللامشروعة. وقد نختصر التاريخ، ونذكر في هذا الشأن سلوك هذه القيادة خلال العقود الخمسة الأخيرة، وكيف باعت الكرد وجعلت من كردستان ركائز للمحتلين ووكالاتهم السرية. وكم من دعوة صريحة من هذه القيادة لأمريكا لتحتل العراق وكم من نشاط عسكري وتجسسي قامت به لصالح احتلال العراق،، حتى لقد زحفت بعض جيوش المحتلين إلى بغداد من مناطقهم. فعلوا كل هذا ليكون العراق سوقا سهلة لتجارتهم الحرام وحسب.
لكن الله يمهل ولا يهمل، وها هو الجيش التركي قادم ليحتل بلاد الكرد، قبل غيرها.
الجميل، أن مجلس الإمعات بغلمانه وحاخامه المعمم سارعوا وأعلنوا رفضهم لمجيء هذه القوات، حتى عاجلهم الرباي الأعظم لهم - رامسفيلد، وصرح قائلا: (( لا توجد معارضة عراقية لمجيء القوات التركية إلى العراق )) فكفأهم على أنفسهم، وسيأتي الجنود الأتراك رغم أنوفهم/ وسيتغنون بها أيضا.
بقي أن يتذكر الطرزان كل ما قدموه لتركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني، وأن يتذكر الطالباني اعتذاره الشهير من إذاعة أنقرة، عما اعتبره هفوة العمر وقدم تعهدا لأجله أيضا. ذلك أنه أكتشف مؤخرا أن اسم الديك الرومي بالأفرنجية هو (( تركي )) لذا، وحيث لا يأكل المرء لحم حليفه، آلى طلباني على نفسه أن لا يأكل الديك الرومي ثانية.
ثالثا:
بعد العدوان الثلاثيني، وخلال سباق الانتخابات الرئاسية بين بوش الأب وكلنتون، نشرت صحافة عائلة الصباح كاريكاتيرا عن عابر سبيل يرفع صورة لفيل وتحته جملة: (( انتخب بوش ونام مطمئنا في الحوش )) وعابر آخر يرد عليه قائلا: (( عِتيجة طال عمرك،، هل الحين لازم نكول: انتخب كلنتون ونام بالهلتون ))
وهكذا، فالأحول تتغير، يوم تنتصر بكلنتون ويوم ببوش، ويوم يستخدم بوش آل صباح ويوم يستخدم آل مساء!
وكنت وفي أكثر من حلقة سابقة من (مع الأحداث) ذكرت أن المثل الأكثر رواجا للعقد القادم سيكون (( على نفسها جنت عائلة الصباح )). فبعد كل ما قدمت عائلة الصباح لأمريكا صرح بول بريمر قبل أيام مستنكرا دفع التعويضات للكويت متظلما متحججا بفارق الدخل بين الكويت والعراق. وبعد كل ما قدمته عائلة الصباح للقادة الكرد، ها هو مسعود، وقريبه هوش، يظلم هو الآخر عن لا مبررية الاستمرار بدفع التعويضات لأنه لا داعي لمعاقبة الشعب العراقي بجريمة أقترفها نظامه السابق.
وتصريح مسعود، ومثله تصريح هوش، تقليدي، وحالة مميزة لسلوك قادة الكرد، ألا وهو الإنقلاب على الحليف حالما يظهر حليف جديد. ومسعود الذي استلم الملايين من عائلة الصباح التي دعمته بإعلامها وسفاراتها، مسعود وبتصريحه الناكر للجميل هذا، ما كان ليقول ما قال لولا شعوره بأن دور عائلة الصباح انتهى. أو هذا ما فهمه من خلال تصريح بول بريمر. أما تحججه بعدم مشروعية دفع الشعب العراقي للتعويضات عن جريمة اقترفها النظام السابق، فهذه مزحة وسفيهة أيضا. فالتعويضات كانت تدفع من لقمة عيش الشعب العراقي، وهو ذاته كان يقبض منها مباشرة أو عبر عائلة الصباح. فلم سكت سابقا وتكلم الآن؟ أم أنه المثل: (( عند البطون تعمى العيون )).
أما بول بن بريمر فهو حتما لم ينس خدمات عائلة الصباح له ولعسكره وأن جيشه أصلا انطلق من الكويت نحو العراق، وأن الإدارة الأمريكية وخلال الـ 13 عاما التي هيأت بها للغزو، كانت تستند في حججها ودعاياتها لاحتلال العراق إلى ثلاثة أشياء فقط: أسلحة الدمار الشاملة، الأسرى الكويتيين، التعويضات للكويت. أي أن ثلثي الفضل في تبريرات الحرب، قدمته عائلة الصباح. بل وحتى أخبار أسلحة الدمار الشاملة كانت تستق من المعارضة الخائنة، التي في حالة الشك بمصداقيتها تتبرع عائلة الصباح لتؤكد. ومن هنا فلاشك بشدة الغصة التي تخنق حلاقيم عائلة الصباح من تصريحات سيدها بول.
لكنه تغيير الموازين، الذي سبق وبرره الكاريكاتير الكويتي عن كلنتون وبوش، ويبرره الآن الواقع الذي وصلت به النار إلى مراح هوش غلام بول مبعوث بوش. وهؤلاء الآن منشغلون بأرواحهم، فمن بصدد الاهتمام بعائلة الصباح!
بقي أن نستنطق الكلبة براقش عن رأيها فيمن صار لها بديلا!
رابعا:
أما في فلسطين، ولقد جرت العادة أن بعد كل عملية استشهادية تتهم إسرائيل أسيرها السيد عرفات ليس بالتقصير في حفظ أمنها وحسب، بل وبكونه منفذ العملية أو مخططها على الأقل. وجرت العادة أن لا يعلق أحدا على هذا الاتهام، أما لسخفه وابتذاله أو لكون الجميع يعرف أن مصدره الأساس مكتب في وزارة الدفاع الإسرائيلية شبيه تماما بمكتب الكذب والتلفيق الرامسفيلدي في البنتاجون. ناهيك عن بِشر يعم قلوب أحرار العالم جراء هذا الاتهام، باعتباره إشارة لبلوغ قائله إلى آخر النفق، وإشارة عن صورية وقزمية ما أسموه (جيش إسرائيل وموسادها) والذي صوروه كمارد لا يقهر.
وكلما نفذت عملية استشهادية تزداد قناعة العامة بأن كل مؤهلات الجيش الإسرائيلي وموساده، من تقنية متطورة إلى أسلحة وأسيجة إلكترونية إلى تقسيم المناطق المحتلة كمربعات شطرنج، كل هذه المؤهلات ما عادت تمثل عائقا أمام المقاومين العرب، بل وها هي صباياهم تخترقها كسكين في زبدة.
وربما وعى مكتب الكذب الإسرائيلي التبعات، ووعى معها أن الحبل بدأ يلتف حول عنقه. لذاه خرج بصرعة جديدة في التعاطي مع الإستشهاديين وذلك بتصدير ما يعانيه منهم إلى خارج الحدود. ومن هنا جاءت الغارة على دمشق.
من هنا أيضا لا أرى بالغارة على دمشق أمرا يستحق الذكر، لمجر أنه صرعة. والصرعات، كفساتين الموضة، موسمية!
المضحك، أن الغارة قضّت وجلجلت، فجاء عقاب حزب الله أنجع وأقوى، حيث هاجم وقتل من الإسرائيلين وجرح أكثر مما فعلته الغارة!
خامسا:
إن صياغة الخبر المتعلق بالغارة على دمشق، تضمن جملة لا أراها أدخلت عرضا، وإن قيلت بأشكال متعددة. فمحطة cnn وفي معرض حديثها عن الغارة قالت: (( والطائرات الإسرائيلية حلقت فوق قصر الرئيس الأسد قبل أن تقصف أهدافها )) بينما محطة jara الجورجية التي تذيع باللغة الروسية قالت: (( إن قصر الرئيس السوري يقع في مرمى المدفعية الإسرائيلية )) وأثنت bbc عليها وغيرها أيضا. ويوم دشن الأسد قصره الجديد علقت cnn قائلة أن القصر يقع على بعد 30 كم من الحدود، وتحت سمع وبصر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
طبعا، إذا كنا لا نتحدث عن مجتمع الغاب ولا عقلية الويسترن الأمريكية، فقصور الحكم أو مقرات مؤسساته، تقع أين حتمت الظروف لها ودون أن يعني ذلك شيئا. فالحروب لا تحدث بغتة والرصد المبكر لأسبابها سيفرض حيطة من ضمنها ولاشك، الابتعاد عن منطقة الخطر. لذا، فالمسافة التي بين قصر الأسد وحدود إسرائيل هذه المسافة ليست مكرمة من إسرائيل ولذا تريد مقابلها. هذا ناهيك عن أن المسافة ما بين حدود الضفة الغربية وساحل المتوسط هي 15 – 25 كم، وأبعد نقطة حدود إسرائيلية عن ساحل المتوسط هي 35 كم. والقدس الغربية لا يفصلها عن الحدود الأردنية غير البحر الميت أي 8 – 10 كم. ومن هنا، فكلنا في الهوى سوى، ولا يتغامز بوقوع عدوه تحت مرماه سوى الأبله الذي يتصور أن مسافة 10 كم بينه وبين عدوه ستكون طويلة جدا إذا استهدفه عدوه وقصيرة جدا إذا استهدف هو عدوه.
وقصر عرفات ضمن مدى مسدسات الجيش الإسرائيلي، ولم يعصم الإسرائيليين من ضربات الإستشهاديين.
مختصرا فنحن أمام وهم جديد بدأ يتسرب إلى العقلية الإسرائيلية اسمه: (( مسافات القصور الرئاسية )). وهم أرادوا أن يؤصلوه فينا، عبر وضعهم قصر عرفات تحت مرماهم، فتأصل بهم فصاروا أسرى العمل بموجبه. وبالتالي فلن نفترض بالتركيز على جملة (( وقوع قصر الأسد بمرمى الجيش الإسرائيلي )) سوى انعكاس لبؤس التفكير الإسرائيلي وحسب.
سادسا:
ومنذ حرب الاستنزاف عام 1974 تغير منطق سوريا تجاه الصراع مع إسرائيل، وبما يمكن تلخيصه بأوجه منها: تركيم النسيان على قضية الجولان مع هدوء تام على خطوط التماس، المعاداة شبة المطلقة لأية تيارات علمانية أو دينية سورية تحاول إثارة الجبهة أو التذكير بالجولان بل ووصل الأمر حد إيقاف المصالحة التي كانت جارية تحت السطح مع الإخوان المسلمين لمطالبتهم بأن يفسح لهم المجال للقيام بأعمال قتالية في الجولان، ومقابل ذلك نزلت سوريا بكل ثقلها على الساحة اللبنانية كلاعب غريم لإسرائيل، وبحيث يمكن القول معه بإن الصراع السوري الإسرائيلي وللعقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي صار يجري على ساحة لبنان فقط.
وإسرائيل دخلت لبنان قبل سوريا، وقد قامت ومنذ 1969 بعمليات قتالية وبحرية تامة، لدرجة أنها كانت تبعث كوماندوس بطائرات الهليوكوبتر إلى مطار بيروت يحرق الطائرات المدنية وينسف المباني ثم ينسحب بهدوء. ثم دخلت المقاومة إلى لبنان وبالزخم المعروف فبدأ الدور الإسرائيلي يتراجع كعصا تعيث بحرية، ليتقو مقابله الدور السوري، ودون قصد من سوريا نفسها. وللحقيقة فقد أجادت سوريا إدارة الصراع بصبر وأناة، خصوصا وقد نهض الشعب اللبناني بقيادة قواه الوطنية وعلى رأسها حزب الله، حتى تكاملت عوامل النصر العظيم بطرد إسرائيل من لبنان في الأول من حزيران 2000.
وكان على سوريا قبل غيرها الاستنتاج من هذا النصر أن معزوفة التفوق الإسرائيلي ليست غير وهم بلى ولم يعد له وجود سوى في عقلية بعض الزعامات العربية؛ وأن تستنتج الصورة التي يجب أن تظهر عليها سوريا بأعين العالم، هي الأخرى فبركة لغرض الابتزاز وحسب. وقد جربت سوريا وقدمت التنازلات بما فيها ذلك الجرم الكبير بحق تاريخها المعاصر - المشاركة في العدوان الثلاثيني على العراق، ولازالوا يتهموها بالإرهاب، وها هم أصدروا قانونا لعقابها.
ومن هنا، فمهما قدمت سوريا من تنازل، فلن يشفع لها. لأنها، وهذا هو العامل الحاسم، مستهدفة منذ فترة، لتلغى كعاثور بين تركيا وإسرائيل. وستحتل أو على الأقل تضرب وتضرب حتى تصبح مجرد عقار يتقاسم ملكيته الطوران واليهود. وهذا الاستهداف مجدول ومنذ زمن. ومسبباته جاهزة، مياه الفرات من ناحية تركيا، والجولان من ناحية إسرائيل، ومسبب ثالث سيفبرك حين يتم احتلال العراق، عبر الدعوى أن سوريا تصدر الإرهابيين ليقوموا بعمليات تخريبية(!) ضج العراق (!!).
المهم إن صاحب مشاريع احتلال أمريكا للشرق الأوسط، ملتزم بخطته، التي (كانت) تشمل سوريا وإيران وباكستان والسعودية. ولن تنفع سوريا تلاميع صور ولا مضايقة للموطنين العراقيين أو المنظمات الفلسطينية. وبوادرهذا تلوح الآن في الأفق وعبر تهديدات أمريكية صريحة لها ولإيران. أما الغارة الإسرائيلية فلا أهمية لها، من حيث هي صرعة عابرة وحسب.
فإن أعدنا ترتيب الأحداث أعلاه في سلسلة، فسنلخصها بالتالي:
كان هناك مشروع جديد لاحتلال كل الشرق الأوسط عسكريا، بدأ بأفغانستان، ثم العراق. وهو مشروع معد ومرتب حسب جدول زمني صارم، ولا علاقة له بإرهاب ولا بالشيخ المجاهد أسامة بن لادن، ولا بغيره.
وضمن هذا الجدول الزمني جاء الدور الآن على سوريا، وإيران، ليسهل فيما بعد استفراد السعودية، ومن ثم باكستان. والسعودية وباكستان، حتى اللحظة هما الحلقة الأضعف، من حيث كلاهما مثال مكبر فقط، للحالة في شمال العراق. فأرض البلدين تختنق بالقواعد ومراكز التجسس الأمريكية،،، التي ستمهد حتما لاحتلالهما وتسهله أيضا.
أسهل طريق لاحتلال سوريا هو قطع عمقها مع العراق. وقطع باحتلال العراق، وسيقطع بصورة أشد بإنزال القوات التركية في شمال العراق، لتحصر سوريا بين الكماشات.
وبالمناسبة فصحيح أن الجيش التركي قاس جدا، أو هو أقسى من يتعامل مع خصومه. لكن هذا ليس دليل قوة بله دليل ضعف. والجيش التركي، حقيقة، أضعف جيوش المنطقة، ولأسباب، منها: تغلغل الماسونية في مؤسساته فكبلت إرادته؛ ولا جيش يفقد إرادته وينتصر، والأزمات التي يعاني منها الاقتصاد التركي والصحوة الوطنية للإسلام السياسي عند الشعب التركي، ستحد وبلا شك من فعالية هذا الجيش. والشعب التركي أعلنها صراحة أنه ضد إرسال هذه القوات، ولا جيش ينجح بأمر دون مساندة شعبه. وأعتقد جازما أن الجيش التركي لو دخل العراق، فإن عمليتين استشهاديتين ضده ستكفلان انسحابه. والشعب الكردي ليس قليل بأس ولا ضعيف، ولا ينقصه سوى قيادة وطنية واعية لمصلحة الشعب العراقي عموما، وليس تجار حروب. والقيادة الوطنية الكردية نهضت إن بثوب الإسلام السياسي أو بثوب العلمانية الوطنية التي وعت على هول ما حدث فإذا بالعراق كله تحت الاحتلال، فذهب قرن كامل من تاريخه سدى. كل ذلك بفضل الخونة من الكرد والعرب.
المهم إن الدور الآن على سوريا.
وكان على صاحب قرار احتلال الشرق الأوسط، وبعد اتضاح أن مجرى الرياح لم يكن مريحا في أفغانستان ومن ثم العراق، ناهيك عن الوضع اللاهب في فلسطين، كان عليه التريث قليلا لمراجعة قراره وخطته. لكنه، وكما يبدو صار أسير جدول قراره، الذي وظف له كل شيء وأعد له ما استطاع. ولا مجال للتراجع مطلقا، لأن في التراجع الموت المحتوم. وما بقي إلا المجازفة والمضي قدما، عسى ولعل.
هذا من جانب صاحب قرار احتلال الشرق الأوسط، وخطته التي (كانت).
لكن من الجانب المقابل، فقد وعت شعوب المنطقة القرار الأمريكي وما عاد شيء يحجب الحقيقة الماثلة التي تقول إن هي إلا قصة حياة أو موت. وقد اختارت الشعوب الحياة، وبدأت تعد نفسها للحرب، وبدأت روح النهضة الوطنية تشيظ بعد سبات عقدين أو يزيد. مثلما بدأ العرب يمتلكون السلاح الأخطر،، الإعلام، وما عادوا به متلقين للأخبار المفبركة بلهم صاروا من صانعيها، وإن في بداية الطريق. ولا أحد الآن مثلا يستمع إلى إذاعة لندن ولا صوت أمريكا ولا cnn. المهم أن نهضة تشتمل على العديد من الجوانب بدأت. إضافة إلى النهضة الأم الكبرى - روح المقاومة العسكرية، والتي صارت، في الوقت ذاته، درسا بليغا وبرهانا حيا على بطلان جميع مسلمات لامقهورية أمريكا أو إسرائيل وبقية المعتدين.
ناهيك عن عامل جديد غير مألوف دخل الصراع ألا وهو الاستشهاد، الذي ربما ارتكز على الحكمة التراثية (( عطايا قليلة تدفع بلاوٍ كثيرة ))
وإن بدأت المقاومة في فلسطين ومن ثم أفغانستان والآن العراق وأذاقت المحتلين الموت الزؤام فجعلتهم يستغيثون بالعالم، فهذا ليس سوى مقدمة وإعلان أن الأرض العربية والإسلامية وبقية الشعوب المحبة للحرية والسلم، هذه الأرض قد نهضت وحل عليها ربيعها الروحي.
من هنا، فعلى الشعب السوري أن يشمر عن سواعده ليس ليهيئ نفسه للحرب، التي بدأت تلوح، بل ليأخذ زمام المبادرة فيهاجم، ويبتهل إلى الله أن لا يتراجع صاحب قرار الاحتلال عن هذه الحرب.
فلتقم الحرب، ولينتصر الأقوى!
والأقوى، بلاشك، هو الشعوب التي من أبنائها الأسامات أيمن وبن لادن والغامدي ونصرالله وخطاب وفضلله والخالصي والقرضاوي وكل من لا يحضرني أسمه، الشعوب التي حورياتها عروسات من أمثال هنادي ولولا وسناء محيدلي وشجعانها كفتيان شنعار وفلسطين وأفغانستان الأشاوس!
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون!
وسيسجل التاريخ، قصته عن جبروت أمريكا الذي كان!!