|
بن غريون أول من بادر إلى استيطان القدس والخليل
برهوم جرايسي
الحوار المتمدن-العدد: 2015 - 2007 / 8 / 22 - 10:44
المحور:
القضية الفلسطينية
بحث جديد: بن غريون أول من بادر إلى استيطان القدس والخليل *لم ينتظر حتى انتهاء حرب حزيران 1967، بل في أوجها سعى للإسراع لتدمير حي المغاربة المحاذي لباحات المسجد الأقصى المبارك، وإرسال المستوطنين للاستيطان في البلدة القديمة للقدس *موشيه ديان كان يتخوف من اضطراره للانسحاب من القدس الشرقية فور احتلالها *بن غريون صمت أمام عروض التطهير العرقي، وبادر بنفسه لفكرة كهذه، ضمنا، في ما يتعلق بالقدس المحتلة*
كثيرا ما يُطرح اسم رئيس أول حكومة لإسرائيل، دافيد بن غريون، في ما يتعلق بالموقف من احتلال الضفة الغربية، وهناك من ينسب له موقفه العام بضرورة الانسحاب من الضفة الغربية، وكان خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، إيهود أولمرت، في خريف العام 2006 الماضي، عند قبر بن غريون بمناسبة الذكرى السنوية لوفاته، مناسبة لإعادة طرح موقف بن غريون من جديد. فقد قال أولمرت في ذلك الخطاب إن بن غريون دعا إلى الانسحاب من المناطق المحتلة منذ العام 1967، ليزيد هذا من الانطباع الوهمي بأن بن غريون سعى حقا إلى الانسحاب من جميع المناطق المحتلة، خاصة الضفة الغربية وقطاع غزة. إلا أنه يتضح من بحث جديد للبروفيسور زكي شالوم، الباحث في معهد أبحاث إسرائيل في جامعة بن غريون في مدينة بئر السبع، أن موقف بن غريون لم يكن بهذا الطابع السلامي الذي يعتقده البعض. وإن كان هدف البحث هو إبراز وضعية بن غريون خلال الحرب، كمن يريد أن يبقى في المشهد السياسي العام، رغم عدم توليه أي منصب وزاري أو قيادي، إلا أن مقاطع البروتوكلات وذكريات بن غريون الخاصة، التي يتضمنها البحث، الذي نشر في مجلة "كيفونيم حداشيم" (توجهات جديدة) الصادرة عن الوكالة الصهيونية، تؤكد ان ما كان يطالب به بن غريون لم يكن هو أيضا كفيل بحل الأزمة التي نشأت ابتداء من تلك الحرب. ففي هذا البحث يظهر بن غريون "مؤسس إسرائيل" كمن يبحث عن هيبته السياسية، بعد أن بقي خارج الحكومة برئاسة ليفي أشكول، وحاول الوصول إلى خفايا القرارات الإسرائيلية من خلال وزراء حزبه "رافي" في تلك الحكومة، ومن أبرزهم وزير الحرب في حينه، موشيه ديان. ولكن بن غريون الذي ضاق ذرعا من مسألة تهميشه، أو عدم تفرغ هذا المسؤول أو ذاك للتحدث إليه، كان شديد الحركة في أيام الحرب، ولم يوفر وقتا لإصدار توجيهاته للإسراع في استيطان البلدة القديمة للقدس المحتلة الحديثة، ولكن ليس قبل إزالة حي المغاربة، المحاذي لحائط البراق للحرم القدس الشريف، وطرد من فيه من فلسطينيين، وكان يضم 135 بيتا، وعشرات المحال التجارية وغيرها من المرافق، وكذلك التوجه بسرعة للاستيطان في مدينة الخليل المحتلة، خاصة في محيط الحرم الابراهيمي الشريف، تحسبا لاضطرار إسرائيل الانسحاب من الضفة الغربية. ولكن في نفس الوقت فإن بن غريون كان قلقا من الهاجس الديمغرافي، ولهذا فإنه طلب افحص جوانب احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، لئلا تضطر إسرائيل ضم قرابة مليون فلسطيني جديد إليها، إلى جانب حوالي أربعمائة ألف فلسطيني في مناطق 1948. ونستعرض هنا مقاطع أساسية من هذا البحث الطويل في المجلة التي تصدر على شكل كتاب نصف سنوي.
بن غريون يبحث عن هيبته
في هذا الباب يتحدث الكاتب عن سعي بن غريون للبقاء في دائرة اتخاذ القرارات، ولو بشكل غير مباشر من خلال وزراء الحزب الذي يرأسه في الحكومة، يقول الكاتب، "في فترة ما قبل حرب الأيام الستة (حزب حزيران) أكثر بن غريون في توجيه انتقادات حادة للتحركات السياسية والأمنية التي كانت تتخذها الحكومة الإسرائيلية برئاسة ليفي أشكول، فبرأيه فإن نهج القيادة وما فعلته من خلل ساهم مساهمة كبيرة في تدهور الأوضاع الأمنية في ما يتعلق بالعلاقة بين إسرائيل ومصر، وهو ما قاد إلى المواجهة الحربية". وتجنب بن غريون توجيه انتقادات للقيادة العسكرية بل ركز جل انتقاداته على رئيس الحكومة ووزير الأمن (الدفاع) ليفي أشكول، وكان هذا سببا لمطالبته باقالة أشكول من منصبه، وفي نهاية الأمر فقد تمت تلبية أمنية بن غريون جزئيا، بتعيين المقرب منه، موشيه ديان وزيرا للأمن، بدلا من أشكول الذي حافظ على منصبه، رئيسا للحكومة". وخلال تلك الفترة رأى بن غريون ان على إسرائيل الامتناع عن أي تحرك يقود إلى حرب شاملة، وخاصة مصر، لأن بتقديره أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر ستكفيه بعض الإجراءات الاستعراضية ليعزز مكانته السياسية في العام العربي، ولهذا فإن على إسرائيل ان تضبط ردها وتعمل "بوتيرة هادئة" بقدر الامكان. وقدّر بن غريون انه في حال تلقت الجبهة الداخلية في إسرائيل ضربات جدية فإنها ستكون بحاجة إلى مساعدة من قوة عالمية، وحتى في حال تحقيقها نصر، فإنها أيضا ستكون بحاجة إلى مساعدة من إحدى الدول العظمي في المجال السياسي على الساحة الدولية، "ولهذا على إسرائيل أن تنسق مواقفها مع الدول العظمى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة". وعشية الحرب كان بن غريون ينتظر من يقدم له المعلومات بشأن ما هو متوقع حدوثه، فمنذ استقالته من الحكومة في منتصف العام 1963، بقي خارج دائرة اتخاذ القرارات، وكذلك كون أن خصمه ليفي أشكول تولى رئاسة الحكومة فإن هذا زاد من عزلته السياسية، خاصة بعد هزيمته السياسية في انتخابات العام 1965، حين خاض بن غريون الانتخابات على رأس قائمة حزب "رافي" بعد انشقاقه عن حزب "مباي" (العمل حاليا)، وحصل على عشرة مقاعد فقط، وكان الحزب الرابع في الكنيست. وخلال تلك الفترة كان ينتظر بن غريون من يطرق بابه ويبادر إلى تزويده بالمعلومات، ولكن قلة جدا كانوا يبادرون للحضور إليه، وقبل يوم واحد من شن الحرب جاء إليه اقرب المقربين، الوزير (في حينه أيضا) شمعون بيرس، وابلغه ان وزير الأمن موشيه ديان سيأتي إليه ويعرض عليه صورة الوضع، و"قد انتظره بن غريون بفارغ الصبر". ويقول بن غريون في مذكراته، "في نفس الليلة، وحين صعدت لسريري سمعت طرقات على الباب، فتوجهت لأفتح الباب اعتقادا مني أن موشيه ديان قد وصل، ولكني فوجئت ان الطارق هو حاييم يسرائيلي"، الذي جاء ليبلغ بن غريون انه بسبب الوضع الذي يواجهه وزير الأمن ديان، فإن الأخير على استعداد لتخصيص خمس دقائق" له. ويقول الكاتب زكي شالوم، "إن صيغة مذكرات بن غريون تؤكد خيبة الأمل التي مني بها، خاصة وان ديان كان من المقربين إليه جدا"، وبسبب هذا فقد ابلغ بن غريون يسرائيلي انه لا حاجة للقاء ديان. ولكن ليس بالضرورة ان ما يحدث هو استخفافا ببن غريون، فحسب الكاتب، "فإنه الممكن أن ديان تخوف من أن بن غريون لن يكون قادرا على حفظ السر في قلبه، وأن يفشي به لآخرين، خاصة وأنه قبل أيام من اندلاع الحرب، وخلال اجتماع لقيادة حزب "رافي"، كشف بن غريون أمام الحاضرين ان الحكومة قررت احتلال قطاع غزة، وهذه معلومة سمعها من موشيه ديان، وردا على ما كشفه بن غريون غادر ديان الجلسة بغضب، وانتقد بن غريون بشدة لأنه لم يحفظ السر". ويقول بن غريون في مذكراته بشأن شن الحرب، وقبل ليلة من شنها، "لست مطمئنا للعملية (الحرب) غدا، خاصة وأنني لا اعلم ما الحديث الذي جرى بينا وبين قادة أمريكا وبريطانيا، إنني متخوف من الخطوات التي ينوون القيام بها، ولا أفهم سبب التسرع". ولكن في اليوم التالي وعندما يعرف بن غريون بأن الحرب قد اندلعت فإنه يبدأ تدريجيا في تغيير موقفه، و"ضبط تحفظاته" لتختفي كليا بعد عام في مقابلة صحفية، تنكر فيها لكل تخوفاته السابقة، كما سنقرأ في البحث. ويقول بن غريون في مذكراته، أنه حين جاء إليه صديقاه شمعون بيرس ويوسيف ألموغ، قال لهما، "إن الأمر قد وقع، ولكن يخيل لي انه ما كان يجب أن تقع الحرب قبل ان يتحدثوا مع بريطانيا والولايات المتحدة، ويشرحوا لهم مبررات الحرب". وحين أبلغه بيرس أن الحكومة أجرت محادثات مع كل من البلدين، ولكن الباحث يشكك في صدق راوية بيرس لبن غريون. في ساعات ما بعد ظهر اليوم الأول للحرب، الخامس من حزيران/ يونيو 1967، يقرر بن غريون التوجه إلى غرفة العمليات المركزية في قيادة أركان الجيش الإسرائيلي في تل أبيب، دون أن يكون مدعوا، لأن المكان مخصص فقط لذوي الصلاحيات، ولا صلاحيات كهذه لبن غريون. ويقول الكاتب، إن القادة العسكريين استقبلوا بن غريون بترحاب نظرا لمكانته السياسية في إسرائيل، ولكن في نفس الوقت فإن حضور بن غريون يخلق عدم ارتياح لدى المسؤولين، ذوي الصلاحيات الذي تواجدوا هم أيضا في نفس المكان وعلى رأسهم وزير الأمن موشيه ديان. ويقول الكاتب في بحثه، "لم يكن واضحا لأي من الشخصيات المتواجدة هناك، إلى أي مدى من الضروري ان يتواجد هناك بن غريون وأن يتلقى تقارير عما يجري، والى أي مدى بالإمكان أن يُكشف له عن المعلومات الحساسة جدا، وما هي أهمية رأيه بما يجري".
من القلق إلى الفرح وطلب الاستيطان
في هذا القسم من البحث يبدأ الحديث عن كيفية تقلب مشاعر بن غريون، من القلق إلى الفرح بإنجازات الحرب في يومها الأول، ليكون هذا انطلاقة لمواقف أخرى من الحرب. وأولى المعلومات التي تلقاها بن غريون كانت أن سلاح الطيران الحربي قد حسم الحرب أمام مصر وسورية، و"هنا انجرف بن غريون وراء مشاعر الفرح، ومشاعر لم يسبق لها مثيل منذ أن أعلن عن قيام دولة إسرائيل (1948). ويكتب بن غريون في مذكراته، "لربما أنه يوم فريد من نوعه في العالم، فقد فجرنا 362 طائرة عربية، بالأساس طائرات مصرية، لقد دمرنا تقريبا كل مطارات مصر وسورية، واحتللنا خانيوس ورفح، فقط الأردنيين لا يزالوا يقاتلون، لقد هُزمت مصر وسورية، وموشيه ديان لم يعلن بعد انجازاتنا". ويعبر بن غريون عن فرحته في رسالة يبعث فيها إلى أصدقائه، بعد أيام قليلة من انتهاء الحرب، ويقول فيها إن فرحته بما حققته الحرب أكبر من فرحته بيوم إعلانه عن قيام الدولة، ويقول في مذكراته، "ما من شك ان فرحة الانتصار بحرب حزيران 1967، اكبر من فرحة إعلان الدولة، وهي توازي يوم قدومي (هجرتي) إلى البلاد". وتزداد فرحة بن غريون في نفس اليوم حين يتسنى له التوجه إلى القدس من تل أبيب في مساء نفس اليوم، برفقة موشيه ديان ويوسيف ألموغ، خاصة وانه واصل تلقي المعلومات أولا بأول، بعد أيام من الشروع بالعزلة واستبعاده من دائرة القرار، ومعرفة مجريات الأحداث. ومن تلك المعلومات تظهر تخوفات موشيه ديان من احتلال القدس الشرقية، ويقول بن غريون في مذكراته، أن مساعد الوزير ديان، حاييم يسرائيلي قال له، "إن ديان لا يريد احتلال البلدة القديمة للقدس، لأنه لا يريد ان يتولى مستقبلا إعادة الحائط الغربي (الحائط الغربي لهيكل سليمان المزعوم، وهو حائط البراق- المحرر)"، وعلى ما يبدو فإن ديان كان في أوج الحرب يفكر في المسار السياسي المستقبلي مع الدول العربية. وهنا بدأ بن غريون يستوعب أن إسرائيل انتصرت في الحرب، ويفرح جدا لاحتلال القدس، ويريد الاحتفاظ بهذا "الإنجاز"، ويقول الباحث، بعد يومين من الحرب واحتلال القدس يتوجه بن غريون في السابع من شهر حزيران/ يونيو، إلى القدس للقاء رئيس بلدية القدس الغربية تيدي كوليك، ووزير الداخلية حاييم شبيرا، ليبحث معهما، "تجديد حارة اليهود، وتوطين يهود في البيوت الخالية لباقي المواطنين (الفلسطينيين) في البلدة القديمة للقدس". ولكن بن غريون لم ينجح في لقاء وزير الداخلية الذي كان متواجدا في تل أبيب للمشاركة في اجتماع للحكومة، ولهذا فإنه يكتفي بلقاء رئيس البلدية، ويقول بن غريون في مذكراته، "لقد أوضحت له ضرورة الإسراع كثيرا في تنفيذ عملية توطين القدس"، وقد وعده كوليك بنقل رسالته إلى رئيس الحكومة ليفي أشكول. ولكن، حسب الكاتب، لم يكتف بن غريون بهذا الرد، وتخوف من مماطلة بيروقراطية تلزمه بإجراء أبحاث إضافية، قبل اتخاذ قرارات تتعلق بالميزانيات، ويظهر من مذكرات بن غريون ان كوليك ابلغ أشكول ان لديه خطة جاهزة تحتاج إلى 1,25 مليار ليرة (أول عملة لإسرائيل)، "من أجل إعادة تأهيل القدس ونقل يهود إلى البلدة القديمة". وحتى هنا لا يطمئن بن غريون وهو يتوجه مباشرة الى تل أبيب للقاء وزير الداخلية، ويقول له، كما جاء في مذكرات بن غريون، "إننا خسرنا حتى الآن يوما واحدا لتوطين البلدة القديمة في القدس، وفي هذه الأيام يجب عدم الاستهتار حتى بيوم واحد، ولا أعرف ما إذا الحرب قد انتهت وقد تطرأ تعقيدات في هذه البقعة، وعلينا ان ندعم الاحتلال العسكري من خلال توطين سريع، بأسرع ما يمكن، حتى في منطقة الخراب في حارة اليهود، وأيضا احتلال البيوت العربية الخالية، إذا وجدت، ونوطن فيها يهودا، وإذا ما عاد العرب فسنعطي لهم بيوتا في القدس الجديدة". وحتى بعد كل هذا لا يطمئن بن غريون لتطمينات الوزراء والمسؤولين، ويقرر في اليوم التالي، في الثامن من حزيران (يونيو)، التوجه بنفسه برفقة جنرالات جيش الاحتلال، إلى منطقة حي المغاربة بمحاذاة المسجد الأقصى المبارك، وهناك يستقبله جنود الاحتلال بحماس شديد. ولدى وصوله إلى حي المغاربة، وحائط البراق، واعتبر ان الحي والمباني قرب حائط البراق أقامها الأردنيون في السنوات التي تلت العام 1948، ويقول في مذكراته، "استغرب كيف لم تصدر الأوامر بعد لتدمير كل هذه المباني"، علما ان الحرب لم تزل دائرة في ذلك اليوم. ثم يقترب إلى حائط البراق ويأمر بأزالة اللافتة التي تدل على قدسية الحائط في الديانة الإسلامية، دون المس بأحجار الحائط، الذي يزعم انه الجدار الغربي لهيكل سليمان المزعوم، ثم يواصل محاولاته للقاء وزير الأمن موشيه ديان، إلا أن اللقاء لم يخرج إلى حيز التنفيذ بسبب انشغالات ديان بالحرب. وفي مساء اليوم نفسه، يعقد بن غريون اجتماعا لقيادة حزبه "رافي" وعلى الرغم من أنه على جدول الأعمال كان إعادة اندماج رافي بالحزب الأم "مباي" (العمل) حاليا، إلا أن بن غريون هنا يكرس خطابه إلى تحركاته المتسارعة للاستيطان في البلدة القديمة في القدس، في حارة اليهود، وفي كل بيت هجره العرب اضطرارا. ولكن بن غريون لا يتوقف عند هذا، بل بدا الحديث عن ضرورة استيطان مدينة الخليل، ويقول بن غريون في ذلك الاجتماع، "هذا أيضا يجب ان يسري على مدينة الخليل، في ايامنا (الماضية) أزالوا كل اثر يهودي في المدينة، وأنا واثق من أنه في ظل الأجواء السائدة في إسرائيل فإن يهودا سيتوجهون للاستيطان في المدينة (الخليل) ولكني لا أرى أحدا في الحكومة يشجع على فعل هذا". يشار هنا إلى موضوع اجتماع حزب "رافي" فعلى الرغم من الحرب الدائرة، فإن النشاط السياسي والحزبي كان ساريا وكأنه لا توجد حرب، وهذا يشير إلى أجواء الاطمئنان السائدة في الحلبة السياسية الإسرائيلية في ذلك الحين.
الهاجس الديمغرافي ومحاولات الترحيل
في هذا الباب من البحث يعكس قلق بن غريون من ضم مليون فلسطيني إلى السلطة الإسرائيلية في حين ان حوالي أربعمائة ألف فلسطيني يعيشون في مناطق 1948، كذلك يتضح من مذكرات بن غريون ان الوزير المتطرف (في حينه) مناحيم بيغن، يدعو إلى تطهير عرقي في قطاع غزة. ويقول الباحث انه في اليوم الثالث للحرب، في السابع من حزيران (يونيو) يتحادث بن غريون مع الوزير يوسيف سبير حزب حيروت اليميني الذي شارك في حكومة الوحدة القومية في حينه، حول انعكاسات الحرب الدائرة. وفي نفس المحادثة عبر بن غريون عن قلقه من "الانعكاسات الديمغرافية"، ويقول بن غريون في مذكراته، "لقد قلت له إن علينا تحقيق نصر نهائي، كما علينا توجيه ضربة قاصمة لسورية" ولكن على ضوء حجم الانتصار "علينا أن لا ننسى انه في الضفة الغربية هناك مليون عربي (فلسطيني)، وهؤلاء ينضمون إلى عرب إسرائيل (فلسطينيو 48)، إضافة إلى مئتي ألف لاجئ في قطاع غزة، وليس من السهل التخلص منهم". ولم يكن بن غريون وحيدا في هذا "القلق" بل يتضح أيضا ان رئيس الحكومة نفسه، ليفي أشكول تحدث عن الموضوع أمام قيادة حزبه "مباي" لاحقا، كذلك فإن وزيرة الخارجية في حينه غولدا مئير، التي سألت أشكول، "ماذا سنفعل بمليون عربي. وفي الثامن من حزيران (يونيو)، في اليوم الرابع للحرب، وفي خضم انشغاله باستيطان القدس والخليل، يدعو بن غريون إلى بيته الوزير المتطرف مناحيم بيغن، ويلفت النظر الباحث هنا إلى أن بن غريون، وعلى الرغم من أنه لم يكن وزيرا بل عضوا في الكنيست فقط، فقد كان يتصرف من منطلق ان الجميع عليهم أن يأتوا إليه. وفي ذلك المساء يبحث بن غريون مع بيغن الترتيبات التي ستتبع الحرب، ولأول مرة يبدأ بن غريون بعرض مواقفه التي بلورها للتو، ويقول، إن على إسرائيل ان تستوطن بسرعة في القدس والخليل، ويجب عدم إعادة الضفة الغربية إلى الملك حسين، ولكن في نفس الوقت فإن ضمها إلى إسرائيل يعني ضم مليون عربي (فلسطيني) وهذا خطر كبير، كذلك هناك مشكلة كبيرة وهي قطاع غزة. وفي المقابل فإن مناحيم بيغن يدعو في ذلك اللقاء إلى تطهير عرقي في قطاع غزة، وحسب اللغة الملطفة التي يستعملها الكاتب، "نقل لاجئي غزة إلى منطقة العريش (المصرية) وابقائهم هناك"، إلا أن بن غريون لم يبد أي موقف من هذا العرض، ولكنه يشكك في ما إذا سيقبل "اللاجئون" بذلك، كذلك فإن بيغن يطالب بأن تبقي إسرائيل لنفسها الضفة الغربية، وهناك أيضا يبقى بن غريون موقفه ضبابيا. في اليوم الأخير للحرب يلتقي بن غريون، كرئيس لحزب رافي، بوزيري الحزب، موشيه ديان وشمعون بيرس لوضع تصورات للمستقبل، في تلك الجلسة يقول ديان، إنه يجب ترحيل "اللاجئين" في قطاع غزة إلى الأردن، وفرض حكم ذاتي على الضفة الغربية، وهذا ما يلقى حماسا لدى بن غريون، الذي يضع شروطا لانسحاب إسرائيل الكامل من صحراء سيناء، وهي تسهيل عبور السفن الإسرائيلية في مضائق البحري الأحمر وقناة السويس.
استنتاجات
لربما ان هذا البحث الذي جاء لهدف معين، "تحركات بن غريون في أيام حرب حزيران"، يلقي ضوءا هاما على مواقف بن غريون، التي يتغنى بها سياسيون إسرائيليون، ومن بينهم من هم في اليسار الصهيوني. ولكن من المستبعد ان رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، لم يكن يعرف دقة موقف بن غريون، حين قال أمام قبره في خريف العام الماضي، إنه تصوره السياسي مشابه لتصورات بن غريون التي اعتقد البعض أنها تقضي بانسحاب كامل من الضفة الغربية. ولا يمكن ان يكون بن غريون قد طالب بانسحاب كامل كهذا حين كان يصر على استيطان القدس والمحتلة ومدينة الخليل، علما ان الاستيطان في مدينة الخليل يعني السيطرة على جنوب الضفة الغربية بكاملها، من أجل ضمان وصول المستوطنين إلى المدينة. إلى ذلك فإن بن غريون لم يعترض في أي من النصوص الواردة في البحث على التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، على الأقل في قطاع غزة، كذلك فإن بن غريون، ولكن هذا هو جوهر موقفه أيضا في ما يتعلق بالقدس المحتلة حين دعا بوضوح إلى استيطان البيوت "الخالية" في القدس المحتلة، بمعنى أن من اضطر للهرب من ويلات الحرب، ولربما بقي في منطقة القدس وترك بيته خاليا، فإن بن غريون أراد السيطرة على هذه البيوت كليا، وهو أيضا تطهير عرقي للمدينة. من الجدير الإشارة إليه أيضا إلى انه في جميع النصوص التي تم اقتباسها من مذكرات بن غريون فإننا لا نجد في أي مكان ذكر "الفلسطينيين"، وإنما "العرب"، وهذا من منطلق تنكر الحركة الصهيونية، التي بن غريون من أكبر روادها إلى مبدأ وجود شعب فلسطيني، "شعب بلا أرض (يهود) لأرض (فلسطين) بلا شعب". بعد أربعين عاما لم يتغير أي شيء في عقلية حكام إسرائيل، وكل ما ورد هو أساس لكل ما يجري على الأرض، وكل ما واجهه الشعب الفلسطيني على مر هذه السنوات.
عن مجلة الدراسات "قضايا إسرائيلية" الفصلية
#برهوم_جرايسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نتنياهو حضيض سياسي جديد
-
دورة صيفية برلمانية اسرائيلية تنقل الأزمة إلى الدورة الشتوية
-
باراك القديم الجديد
-
مقايضة المستوطنين بالفلسطينيين
-
عام على الحرب وإسرائيل تترقب
-
معركة السبت في اسرائيل بين الديني والاقتصادي
-
محمود في حيفاه وعلى كرمله
-
أولمرت يدخل دائرة حسم مصيره
-
الشريك الفلسطيني والسياسة الإسرائيلية
-
إسرائيل: مجتمع مهاجرين متفكك
-
عودة براك: حالة الترقب وتحلل المعسكرات التقليدية في -العمل-
-
انقلاب حماس وحقيقة النوايا الإسرائيلية
-
عودة براك.. عودة الجنرالات
-
عمير بيرتس يخسر معركته في بيت العناكب
-
المناورة الإسرائيلية في الملف السوري
-
انتخابات -العمل- الإسرائيلي: أزمة قيادة وشلل سياسي
-
إيلان بابي نصير فوق العادة لحق العودة
-
قبضايات في غزة
-
مدن فلسطين الساحلية تعيش النكبة من جديد
-
فترة حاسمة لمصير -العمل- و-كديما-
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|