د. ميثم محمد علي موسى Maitham Moussa
08-10-2003
تناول ألأستاذ كريم النجارو د.عبدالخالق حسين ، وغيرهم من المثقفين موضوع النداء ألموجه ألى مجلس ألحكم ألانتقالي في ألعراق وألذي يطالب فيه عدد من الأخوة العراقيين ألمهتمين بشأن بلدهم (بينهم كاتب هذه ألسطور) بإعادة العمل بحكم الإعدام بحق المجرمين وألقتلة ، ألذين يعيثون في ألعراق فساداً ، ويقضّون مضاجع ألمواطنين ألأبرياء ، وبتشجيع واضح من قوى داخلية وخارجية مرتبطة بنظام صدام ألمندحر وحزب ألبعث ألمجرم ولها غايات متنوعة في مثل هذا ألوضع. هذا ، في وقت تتناقل فيه ألفضائيات ألعالمية صوراً مروعة عن أشكال ألجريمة أليومية في ألعراق (عدا ألنهب وألسرقة) وألتي تتراوح بين أغتصاب وخطف ألأطفال و ألنساء وطلب ألفدية ، وبين ألأعتداء ألمروع و ألقتل ألوحشي . ومن ألمؤكد أن تجد مثل هذه ألموضوعة تبايناً في وجهات ألنظر بين ألمثقفين ألعراقيين ، بأختلاف وتباين ألمنطلقات وألزاويا ألتي يُنظر منها ألى سؤال كهذا ، وفي وضع معقد كوضع ألعراق.
لن أضيف كثيراً إن كررت وجهة نظري متفقاً مع مؤيدي (إعادة حكم الإعدام) بحق مقترفي جرائم ((القتل والإغتصاب ونهب الممتلكات وهتك الأعراض واختطاف الأطفال والنساء والتخريب)) ألذي يذهب ضحيته ألأبرياء دائماً. مع أني أقر أيضاً بأن الطموح أكثر من مشروع ببلد تحكمه قوانين تحترم ألأنسان ، ومؤسسات دستورية منتخبة بشكل ديمقراطي ، خاصة و أن ألعراق يملك من ألكوادر ألمؤهلة لأنجاز هذا ألمشروع وبناء مجتمع مدني متحضر ، يمكن أن يصبح مثالأ لكل ألمنطقة ألغاطسة في أوحال ألدكتاتوريات وظلامية ألحكام ألأزليين ! بيد أن ذلك وبأعتراف كل ألأطراف ليس من ألأمور ألتي تتحقق بطريقة( كن فيكن ).
قد يكون مجافياً للحقيقة أعتقاد ألأخ ألفاضل كريم ألنجار بأن ((بعض المثقفين والكتاب والمفكرين)) لم يجهد نفسه((في مسألة إنسانية ودستورية حساسة تغفل البحث والتقصي عن طبيعة وأسباب الظاهرة ومعالجتها بشكل حضاري)) فمن ألمعروف أن نداء مثل هذا لايستطيع ألدخول في مثل هذه ألتفصيلات ، بل وليس مطلوباً ذلك على ألأ طلاق ، فنداء كهذا هو نتيجة ، بل ردعلى ظاهرة ، يفترض أن أسبابها غير خافية على أحد ، ومعالجتها ألحضارية مرتبطة بمدى تطور ألوعي وألواقع ألأجتماعي ، ألأ قتصادي وألسياسي (وغير ذلك) للبلد. مع أن النداء يشيرهنا وهناك مختصراً ألى ذلك ، فقد ورد فيه (( عانى الشعب العراقي من ظلم الحكومات المستبدة طيلة تاريخه الطويل الذي بلغ الذروة في عهد النظام البعثي الصدامي)) ((ولكن يبدو أن صدور هذا القرار قد شجع فلول النظام وعشرات الألوف من المجرمين المحترفين الذين أطلق صدام حسين سراحهم من السجون قُبَيل سقوطه، على التمادي والإمعان في ارتكاب ابشع الجرائم بحق الشعب والتي زعزعت الأمن والاستقرار وعملت على نشر القتل والنهب والإختطاف والإغتصاب وسلبت من العراقيين فرحهم بسقوط النظام)) – أود ألأشارة أيضاً ألى أن نداء كهذا يمثل نوع من أتفاق على خطوط أساسية ، ويكون عامل مشترك في موضوعة محددة ، قد يضع كل طرف فيها تحليلاً خاصاً ، يتطابق أو يتباين مع ألأخرين ، ويبقى ألهدف ألعام مشتركاً.
كما أن ألنداء يحتوي على ألعبارة ألتالية في نصه ((ويمكن إلغاء هذا الحكم بعد أن يستتب الوضع وتستقر الأمور في العراق مستقبلاً.)) مايعني أن ألنداء لايدعو ألى أعادة حكم ألأعدام ألى ألأبد ، ثم كيف يدعو ألى ذلك من كان نفسه ضحية لأحكام تعسفية جائرة ومنها ألأعدام ، إما لمجرد ألأنتماء ألى أحزاب غير ألحزب ألأجرام (ألبعثي) أو حتى لمجرد عدم ألأنتماء ، أو بسبب الدراسة في ألخارج ، أو لأسباب يعرفها كل عراقي ـ على ألأطلاق- وهناك أسماء عديدة في هذا ألنداء كانت محكومة بالأعدام في زمن ألطاغية .
ألديمقراطية في ألبلدان ألمتحضرة ، كما هو معروف ، تختلف من بلد ألى آخر ، حيث لا توجد ديمقراطيات متطابقة مئة بالمئة ، ويأتي ألأختلاف كنتيجة لعوامل كثيرة ، ليس مجال بحثها في عجالتنا هذه ، ولكن لانظام سياسي ديمقراطي متكامل ، مع أن كل نظام وبتعمق ألتجربة ألذاتية ، وألأنسانية عموماً ، يسعى ألى صيغ أكثر تكاملاً ، وأكثر ملائمة لحياة ألأنسان ، وكرامته وألظروف ألتي يعيش فيها. وكمثال على ذلك ، فليس كل ألبلدان األديمقراطية ألغت حكم ألأعدام ، كما أشار ألأخ د. عبدالخالق حسين . ولو أخذنا دولة متحضرة (كهولندا ألتي ذكرت في سجال د. عبد ألخالق حسين) لوجدنا أن نظامها ألحالي لم يكن قبل سنوات عديدة كما هو عليه أليوم ، ومر بتطورات عديدة ( وسيستمر).
تقليدياً ، تعتبر هولندا من ألدول ألتي أدخلت في نظمها حق ألأنتخاب وألغت حكم ألأعدام بشكل مبكر . عند إلقاء نظرة تأريخية نجد أن ألتغييرات ألتي أقرت على ألدستور في هولندا عام 1887 وسعت من نطاق ألمواطنين ألقادرين على ألأنتخاب ، حيث شملت الرجال ألذين يقدمون منفعة للمجتمع (مثلاً من يدفع أيجاراً) أو ألمتعلمين (من يقرأ ويكتب) . أما ألأنتخابات ألعامة فلم تعرف قبل 1919 و شملت النساء ، وكانت مقصورة منذ عام 1917 (مبدئياً) على الرجال (دافعي ضرائب معينة) . كان عمر ألمُنتَخِب قد حدد ب(25 عاماً) سنة 1887 ، وخُفِّض ألى (23 عاماً) في 1946 ، في 1963 أصبح (21 عاماً) ، وأخيراً وفي سنة 1972 تقرر أن يكون ألحد ألأدنى لعمر ألمُنتَخِب (18 عاماً). من ألجدير ألأشارة ألى أن ألمشاركة في ألأنتخابات كانت ألزامية – للمشمولين - وقد يدفع ألمتخلف غرامة مالية. أما ألمُنتَخَب فكان يجب أن لا يقل عن ( 30 عاما) وفي 1963 أصبح ( 25 عاماً ) ومن ثم (21 عاماً) في 1971 ، و (18 عاماً) في 1983.
ولنعود ألى موضوعنا ألرئيسي (حكم ألأعدام) ، في ألعام ألماضي (2002) أطلق وزير شؤون ألأجانب ألسابق رأياً صريحاً بأعادة حكم ألأعدام في هولندا، وذلك كرد فعل على أغتيال السياسي ألهولندي (بيم فورتاون Pim Fortuyn ) ولم ينجح ذلك ألوزير في مسعاه ، أذ لقي معارضة شديدة ( وكان له مؤيديه أيضا ً !) .
عام 1809 أدخل حكم ألأعدام ( ألشنق أو قطع ألعنق ) في قوانين هولندا ، وتم ألغاء ذلك في عام 1870 ، لكنه ظل قائماً بالنسبة للجيش ، وفي زمن ألحرب . ولكن ونظراً لظروف ألحرب ألعالمية الثانية تتم أعادة ألعمل بأحكام ألأعدام لفترة قصيرة وذلك من عام 1943 ولغاية أنتهاء ألحرب في 1945 . أما ألتغييرات أللاحقة ألتي طرأت على قوانين هولندا عام 1983 فهي تؤكد على عدم جواز تنفيذ حكم ألأعدام ، وفي عام 1990 يتم ألغاء حكم ألأعدام نهائياً بالنسبة للجيش و ألمحاكم ألعسكرية .
رغم تخلفنا (ولللأسف) عن تلك ألبلدان ألمتحضرة في مجالات حقوق ألأنسان ، فأن عراقنا أليوم قادر على أللحاق بركب ألأمم ألمتحضرة ، أذا لم تضيع ألفرصة ألتاريخية ألحالية بعد سقوط عروش ألمجرمين ألطغاة ، وأذا لم يتح لتدخل ألقوى ألظلامية ألمحلية (بقايا صدام ألمهزوم) وألعربية ، بل وألعالمية ، بأعادة عقارب الساعة ألى وراء (لاسامح ألله ) ، وأعادة ألعراق مجدداً ألى عصور الظلام. ولابد أن نستفيد من (لا أن نطبق حرفياً !) تجارب شعوب سبقتنا في هذا ألمجال. فأذا كانت ألظروف هي ألتي تحتم ألأبقاء على عقوبة ألأعدام ، فكلنا يطمح ألى توفر ظروف ألغاءه بعد استتباب ألأمن . ولابد من مستقبل مشرق يحتّم ألغاء ألأعدام ، وسيكون كاتب هذه ألسطور ممن يؤيدون ألألغاء آنذاك.*
-------------------------------------------------------------------------
*ملاحظة: ألمعلومات ألواردة من ألأرشيف ألوطني ألمحفوظ في ألعاصمة ألهولندية بلاهاي