يجب على المسئولين الفلسطينيين إعلام الشعب بوضع الرئيس الصحي خاصة أن حياته معرضة لخطر الاغتيال أكثر من خطر الإصابة بنوبة قلبية.
أثناء تقديم أبو علاء لتشكيلة حكومة الطوارئ الفلسطينية ، ظهر الرئيس الفلسطيني أبو عمار بمظهر المتعب والمنهك ، ولم يكن خافيا على أحد أن الوضع الصحي للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ليس على ما يرام، فبحسب بعض الأوساط والمصادر الفلسطينية المطلعة التي تحدثنا معها، أكدت لنا تلك المصادران الرئيس عرفات مريض منذ عدة أيام ، حتى أنه لم يتمكن من لقاء ابو علاء واستقبال حكومته الطارئة قبل الثلاثاء.
قد يكون سبب تفاقم المرض فجأة يعود لتقدم الرئيس في السن بالإضافة للعوائق و الحصار الطويل المفروض عليه منذ حوالي السنتين، حيث لا يتمكن من الخروج أكثر من بوابة المقر الرئاسي، ولا يقوم بالتفسح في الهواء الطلق، ويبقى داخل مكتبه شبه المدمر وشبه الواقف ، بفعل الدبابات والبلدوزورات الصهيونية التي هدمت ودمرت أجزاء كبيرة من مقر المقاطعة ومجمع الرئاسة الفلسطينية. كذلك بسبب عدم توفر العلاج الصحي وإمكانيات الفحص الدقيق والدوري ، ثم أن الرئيس الفلسطيني من لحم ودم مثله مثل غيره من أبناء آدم وحواء، والحمل الذي يحمله أبو عمار ثقيل جدا ولا تتحمله أقوى الجبال.
استمر عرفات في حمل العبء مدى الفترة الطويلة التي قاد فيها منظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم السلطة الوطنية الفلسطينية، وليدة اتفاقيات إعلان المبادئ بينه وبين رابين، ولازال يواصل حمله بالرغم من كل العواصف والصواعق التي مرت بها القضية الفلسطينية وسلطته وزعامته وحتى صحته، التي لم تكن في أحسن أحوالها يوم أمس، وقد بدا واضحا أن عرفات مريض وبحاجة للراحة.
ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في عددها الأربعاء، نقلا عن أحد المقربين من عرفات أن الأخير أصيب بأزمة قلبية غير حادة ولكن الخبر لم ينشر لعدم إشاعة الفوضى بين الفلسطينيين.
نفس المصدر أقر بأن الأطباء قالوا بأن عرفات سيتعافى كليا من الأزمة الخفيفة، وأنه يتحمل مسئولياته كاملة ولا شيء يستدعي الخوف.
طبعا لا ندري مدى دقة الخبر وصحته خاصة أن المصادر الفلسطينية نفته وكذبته، لكن ظهور عرفات وهو يستقبل أبو علاء وحكومته كان ظهورا يعكس حالته الصحية، إذ بدا الرئيس عرفات منهكا ومتعبا ، أستند على الطاولة التي كانت أمامه بكلتا يديه، وكان صوته متعبا أيضا ويخرج بجهد، مع أن الرئيس عرفات حاول أن يظهر بمظهر الرجل النشيط السليم والمعافى من أي مرض.
لكن لماذا يقوم مساعدو الرئيس الفلسطيني بكل هذا الجهد والعناء من أجل إخفاء مرض الرئيس، هذا أن كان ما قيل عن الأزمة القلبية التي تعرض لها عرفات صحيحا؟ من البديهي أن يتم اعلام الشعب بحالة الرئيس، فمن حق الشعب الفلسطيني أن يعرف كل شيء عن صحة رئيسه المنتخب،لأنه هو الذي أنتخب الرئيس وليس مساعدوه،وخاصة أن الرئيس عرفات يعتبر من صمامات أمان وحدة الشعب الفلسطيني حاليا، وأي شيء يتعرض له سوف ينعكس سلبا أو إيجابا على الوضع الفلسطيني الذي لا يحسد عليه شعب فلسطين.
يجب على المسئولين الفلسطينيين إعلام الشعب الفلسطيني بوضع الرئيس الصحي خاصة أن حياة الرئيس معرضة لخطر الاغتيال أو التصفية أكثر من خطر الإصابة بنوبة قلبية أو أزمة عابرة. وهناك من يقول أنه قد يكون الإسرائيليون تمكنوا من الوصول للطعام الذي يتم تحضيره أو إحضاره للرئيس الفلسطيني، حيث يقوموا أو قاموا بوضع مواد سامة أو قاتلة أو ما شابه ذلك في طعام الرئيس عرفات.خاصة أنه هناك أنواع من السموم التي تظهر نتائجها وعوارضها بعد فترة من وضعها أو تناولها.
أن المظهر الذي ظهر به وعليه الرئيس عرفات يوم الثلاثاء يثير الكثير من الشكوك حول حالته الصحية بشكل عام، وهذه الحالة الصحية الرديئة سوف تنعكس على الوضع الفلسطيني بشكل عام، ذلك عبر ما سيتخذه الرئيس من قرارات.
وقد يكون أول هذه القرارات إعلان حالة الطوارئ في فلسطين وتشكيل حكومة الطوارئ، برئاسة ابو علاء، حيث لقي القرار المذكور معارضة شبه تامة من قبل كافة المنظمات الفلسطينية بما فيها حركة فتح نفسها.
المهم أنه لا يجوز لأي رئيس أن يتخذ قرارات مصيرية وهو في حالة صحية سيئة، إذ لا يمكن لرئيس مريض أن يتخذ قراراته بشكل جيد وقويم وسليم، دون تأثير المرض على قراراته.
تعود بي الذاكرة الآن لكتاب "مرضى حكموا العالم" صادر عن دار "جروس برس" في طرابلس شمالي لبنان. ويتحدث الكتاب المذكور عن نتائج المرض وتأثيراته على قرارات الرؤساء والقادة والزعماء في العالم.
فالتوازن الفكري والجسدي لدى الحاكم يعتبر شرطا ضروريا لبقاء الحاكم في سدة الحكم ، وذلك لقيادة الدولة والشعب بشكل سليم وصحيح. جاء في مقدمة الكتاب المذكور " يؤكد الأمريكي روسك والذي تسنى له مراقبة تصرفات الرئيسين " كيندي" و " جونسون" عن كثب وحضور أهم القمم العالمية أن عددا كبيرا من القرارات أتخذ تحت تأثير ارتفاع في الضغط مثلا أو تشنج في العضلات والأعصاب أو ... وكان من الممكن أن تكون مختلفة ومغايرة لما جاءت عليه".
وجاء في مكان آخر من الكتاب أن " ستالين في مؤتمر يالطا تمكن من السيطرة على الرئيس الأمريكي روزفلت الذي كان يشكو يومها من وضع صحي متدهور... إلا أن هذا الأخير استطاع أن يثأر لنفسه بعد مرور 150 يوما بالضبط في بوتسدام بشخص الرئيس تشرشل ، إذ أن ستالين بدا خائفا على نفسه. قليل الكلام والحركة إثر تعرضه لنوبة قلبية."
الذي نريده إظهار مدى تأثير الحالة الصحية والمرض على قرارات الرؤساء والزعماء والقادة ، حيث أن قراراتهم أثناء مرضهم تكون مغايرة ومختلفة ، فلو أن الرئيس أو القائد كان في وضع صحي جيد وسليم لكانت قراراته بالتأكيد سليمة.
أوردنا هذه الأمثلة لكي تكون مفيدة للذين يهمهم الأمر في الساحة الفلسطينية، فالرئيس عرفات قائد وطني وزعيم للشعب الفلسطيني ولا يوجد خلاف على مكانته ، لكن المرض هو المرض والجسد هو الجسد والصحة هي الصحة، وطاقة الإنسان معروفة ولها حدودها وإمكانياتها التي لا يمكن تجاوزها، والرئيس عرفات الذي هو مثلنا كلنا من لحم ودم ليس من طينة أخرى ، فحياته كما حياة كل إنسان بيد خالقها، والموت حق يصيب كل كائن حي على وجه هذه الأرض.
الرئيس الفلسطيني كائن حي مثل كل كائن حي على وجه هذه الأرض، ويرفض أن يموت في غير بلده وأن يدفن في غير موطنه وأرضه، يرفض الخروج من مقره المحاصر للعلاج في الخارج أو الخضوع لعملية جراحية في معدته، ويقول أنه لن يخرج من هنا لمعرفته بأنه إن خرج فأنه لن يستطع العودة ثانية إلى فلسطين، فهو يؤثر التحمل والتضحية والصمود في حصاره على الخروج والعودة إلى المنفى من جديد.
نتمنى للرئيس الفلسطيني دوام الصحة والعافية والتقدم والعمر المديد لما فيه خدمة الشعب الفلسطيني وقيادته نحو الاستقلال الحقيقي والدولة والحرية والعودة.
المشكلة التي تقض مضاجع الفلسطينيين هي القلق من حدوث أسوأ الاحتمالات وهي وفاة الرئيس الفلسطيني لسبب أو لآخر، بسبب نوبة أو أزمة قلبية أو بسبب اعتداء أو اغتيال أو تصفية أو أي شيء آخر.
فإمكانية قتل الرئيس عرفات واردة واحتمالات تنفيذها من قبل حكومة شارون واردة في كل لحظة، هذا بالرغم من خطورة هكذا عملية وانعكاساتها الخطيرة جدا على كامل الأوضاع في المنطقة كلها.
في حال غاب الرئيس الفلسطيني ،من سيتحمل المسئولية ومن سيكون المسئول عن منظمة التحرير الفلسطينية ؟ ومن الذي سيتمكن من قيادة دفة السفينة الفلسطينية العالقة بين الأمواج العاتية، في وضع ضبابي لا أحد يعرف كيف ستتضح صورته؟.
فمنظمة التحرير الفلسطينية المفترض أنها المسئول والمرجعية للسلطة الفلسطينية وضعت على الرف منذ زمن ما بعد اوسلو بقليل، وكان ولازال للرئيس عرفات باع طويلة في وضعها على الرف، لأنه يستخدمها لتكتيكاته فقط لا غير.
ومع أن اتفاقيات إعلان المبادئ وقعت بين المنظمة وإسرائيل وليس بين السلطة وإسرائيل،مما يعني أن المنظمة مسئولة عن السلطة وليس العكس كما يحصل منذ وضعت المنظمة على الرف.
نعتقد أن الوضع الفلسطيني بحاجة لعملية قيصرية شاملة تعيد ترتيب البيت الفلسطيني على أساس وطني وحدوي يخدم القضية والوطن، فتفيعل مؤسسات المنظمة وترتيب البيت الفلسطيني بما يتناسب وخطورة المرحلة ودقة الوضع الصحي الذي يمر فيه الرئيس عرفات يجعل المسئولية الوطنية والأخلاقية مضاعفة عند الرئيس وعند كل أبناء الشعب الفلسطيني في السلطة والمعارضة