ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2012 - 2007 / 8 / 19 - 00:43
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
اعادة قراءة تاريخ ما لحقبة او حركةفكرية ضرورةمطلبية كون التاريخ لا ينظر من افق واحد ,ومراجعته تغني فهمه وتعين على تفسيره بل ان المراجعات المستمرة لتاريخ الافكار والمجموعات البشرية النوعيةهو الدليل الى الحقيقة اكثر من تقديس النصوص والادبيات المؤسسة,وحين نجادل في تاريخ لم يزل الغموض يكتنف الكثير من حلقاته ,مثل تاريخ الحزب الشيوعي العراقي فاننا لانتجادل عن نص ابداعي تختلف مناهج النقد في تقويمه,ولاعن عمل موسيقي تتدخل الذائقة الشخصية والمزاج في تقدير قيمته ,بل نتحدث عن بشر سحقوا ,بشر بالالاف تم تطويبهم للشهادة بموجب مراسيم تشبه تلك التي تقيمها المجامع اللاهوتية,فان كنا حقا من رعايا اولاء الكرادلة يصبح في ذلك الحين السؤال عن السر في مغزى الشهادة ضربا من الردةوالهرطقة ,ولكننا نانف من جعل الارضي سماويا,ولهذا فرفع الغطاء عن المقدس الايديولوجي ليس ردة ولا كفرا بالنسبة لنا صغر الواحد منا اوكبر ,واحيانا لايكون الكبير كبيرا بخبرته وتجربته ,بل قد تكون الخبرة والتجربة قيدا عقليا يسجنه في خرافة الحقيقة المطلقة .....
يختصر غالبية الذين كانوا يوما من قيادات الحزب الشيوعي العراقي والذين تتم تنحيتهم لنفاذ الصلاحية او لرغبتهم في الركون الى الدعة بعد ما يعتقدونه هم انه مسار نضالي شاق,او,وهم الاقل النادر طبعا,لتانيب متاخر للضمير,يختصر هؤلاء جميعا حركة اليسار العراقي بهم لوحدهم,اي بحزبهم الشيوعي ,ومن ثم يعودوا ليزيدوا هذا الاختصار اختصارا,بابعاد كل مخالفيهم من هذه الصفة ,ويكثر المخالفين لهم بالتقادم تبعا لاعادة القراءة والمراجعة الى ان تكون الحصيلة النهائية لما يعتقدون انه يمثل اليسار العراقي هي نفوسهم المستغرقة لوحدهافي محراب الماضي,ويصبح اي نقد للماضي من التجارب بمثابة حادثة شرف ,تمسهم في العظم ,فيبدا التبرير والتكفير الايديولوجي هو السمة السائدة في ردود افعالهم...
من اكثر ما يبرع به الشيوعيون العراقيون(جماعة الحزب الشيوعي العراقي المؤبد)في الرد على مراجعي تجربة هذا الحزب هي التهم التقليدية الجاهزة التي لو راجع اي قاريءلادبياتهم نماذجها لوجدها ثابتة لا تتغير :
1- الاتهام بالولاء للنظام القائم (على اعتبار انهم ماكانو جزا من اي نظام قام ولا اظنهم سيكونوا)
2-الاتهام بالتحريفية او خسران مكاسب حزبية(ولا اعرف اية مكاسب يعرفها عامة الشيوعيين ,اللهم الااذا كانت للمتحدثين عنها ثمة مكاسب خفية)
3-الاتهام بالاصطفاف مع قوى الارهاب المحلي والدولي (وهذه تهمة كبيرة تكافيء الامبريالية الامريكية من يشير اليها بجزيل المال فليغتنموا ذلك في زمن كسادهم السياسي الراهن)...
عجيب والله! كيف اذن ينتقد الانسان تجربة ما يرى ان نتائجها خلفت الاف الضحايا ؟ الايتعاملون هم مع النظام السابق على انه قاد الى كوارث خلفت الاف الضحايا بسبب حماقاته السياسية كما يقولون؟
ان نقد تجربة الحزب الشيوعي العراقي هو البداية المثلى لاعادة تشكيل قوى اليسار العراقي وليس هجوما لا مبررله,وليست دوافعه شخصية اوانعكاسية اوخدمة لما يسمونه القوى المضادة (وهو عنوان بالنسبة لهم عريض يمتد من يمين الشاشة الى يسارها) لان فشل اليسار العراقي راهنا هو حصيلة ما تراكم من اخطاء وخطايا هذا الحزب ممثلة بقيادات لم تكن مؤهلة يوما لادارة زخم شعبي عريض كالذي كان يمتلكه هذا الحزب..
وان تكرار الانشاء الجميل الذي يتحدث عن(حزب الشهداء)ليس مجدا يحسب لهم بل سبة عليهم,انه بحق حزب الضحايا المساكين الذين سلموا قيادهم لبيروقراطيات حزبية وظيفية كانت تستثمر دماءهم من اجل مكاسب رخيصة(بحسب اعائهم على من ينتقدهم بفقدانها!)
كما ان اعادة تسويق التراث الاستشهادي لربط المغفلين بالعاطفة التاريخية اتجاه بعض رموز هذا الحزب ممن استوجب الظرف المحلي والدولي على دخول مطهرها
لم يعد نافعا في زمن اندلعت فيه جذوات الشهادة الى عنان السماء,فاكثر من مليون شهيدخلال السنوات الاربع من الاحتلال ينسي الجماهير الثلاين الف شيوعي خلال خمس وسبعين عاما ,بل ان قدسية الاستشهاد ورهبتها انحدرت الى عاديات الامور في العراق الان(فمثلا كتابة موضوع مثل هذا او حتى قصيدة تصبح مبررا جيدا للقتل,بل يجعل المرء قاب قتلين او ادنى كما يكتب احد الشيوعيين غامزا ,ولكن الامر يبدو من الخيال بالنسبة لقياداتهالتي لم تعايش بلدانها لاكثر من ربع قرن!)والرهان على التاريخ خطيئة اخرى يضيفها الشيوعيون الى عربات قطار الخطاياالطويل وانهم بذلك يجنون على كل فصائل اليسار العراقية الاخرى حديثة التشكيل اوفي نية التشكيل..
من المؤكدفي سياق القراءات والمراجعات التاريخية ان الشيوعيين العراقيين هم اقسى من اية حركة يمينية على اي تشكيل يساري اخر,وفي المنقول التاريخي ما يشير
الى مساهمتهم امنيا في تصفية البدائل اليسارية,وهو نهج لا اظنهم سيحيدون عنه,بل ان تثقيفهم الحزبي بما انبثق او ينبثق من حركات يسارية يستغرق في قضية تشويه والتشهير المفبرك بالبديل يستغرق اكثروقتا من التعريف بالعدو الطبقي ,وما رايت يوما شيوعيا عراقيايسمع نقدا لحزبه من ذي راي مختلف الا ورايت الشرر يقدح من عينيه هذا اذا لم يستخدم يده التي لا يجيد استخدامها ابدا مع العدو الطبقي..
ان القادة الشيوعيين السابقين والحاليين ودفعا لتهمة الملكية الحزبية عنهم على اعتبارهم مصونين غير مسؤولين صاروا اخيرا وبعد التقاعد يقرون بوجود اخطاء :
من باب ان من لا يعمل لايخطا ,وهم اذ يقرونها هكذا وبهذه الصيغة العمومية التسطيحيةفانهم يحاولون وبحيلة مكشوفة تجنب السؤال الكبير والملح:
ماهي هذه الاخطاء ,ومن المسبب ,وما حجم المسؤلية الجزائية والقانونية عما ترتب عنها من جنح وجنايات,وماهو الحكم التاريخي والمعنوي(على الاقل!)بالنسبة لمسببيها؟
ان تهرب المسؤلين عن نكبتين كبيرتين لليسار العراقي,هما خسرانه لخيرة عناصره اولا,والاطاحة بسمعة التيار اليساري للحد الذي اصبح فيه البلد فاقدا لوجوده او شرذمته على اقل تقدير هو تفريط بحقوق عوائل الضحايا من هذا التيار,وتمريرللجريمة التي ارتكبها هؤلاء الاشخاص ,وان دفاعهم عن التاريخ بصيغة الخطابة وجبر الخواطروالانشاء المكرر الممل ..
هو اعتراف مبطن من قبلهم بان حجم الخطيئة كبير وفتح ملفاتها لن يبرا احد,وعليه ينبغي السكوت تفاديا لصدمة تؤدي بشيخ تجاوز السبعين الى غرفة الانعاش...
ان الموت هو الحقيقة الوحيدة في الوجود ,فلامبرر لتحنيط المومياءات في هذا الزمان الذي تغني فيه الوثيقة عن الوجود الجسدي الهامد,وان التشبث بالاسماء والاحساب بالنسبة للحركات السياسية هو اعلان اثري لايلبث ان تنطفيء انواره بعد الزيارة الاولى ..
فلنساهم معا في البحث عن ماوى غير صالات المتاحف ولنفك الارتباط الكاثوليكي بين العاطفة التاريخية وضرورات الواقع وليكن شيئا غير اسم الحزب الشيوعي العراقي ممثلا لليسار في بلد صار لايعني فيه معنى اليسار الا قرينة الفشل,وليجلس المتقاعدون هانئين في المنافي فان حرارة العراق لم تعدممكنة لحياة الكهول,وان دما جديدا لايراق جزافا وبصنف جديد هو الذي يعيد لليسار العراقي الكسير قدميه....
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟