مما لاشك فيه ان الاوضاع المأساوية التي يعيشها العراق اليوم، تأتي كنتيجة لسياسات التخلف والجهل التي طبقها صدام ونظامه البعث لاكثر من 23 سنة، من قتل وسلب واغتصاب وبث الفتن والانشقاقات والى التلاعب على القوانين والاعراف العراقية والدولية. فكلنا يعلم بان هذا النظام لم يحترم يوما قانونا انسانيا لا في العراق ولا خارجه. وكلنا نعلم ايضا ان فلول هذا النظام مازالت تلعب دورها في العراق ( باسلحتها واموالها)، بالرغم من سقوطهم من على منصة الرئاسة.
ان محاولة تغيير شاملة لاوضاع مجتمع عاش طويلا اسير قوانين الغاب، وعملية استبدال قوانينه في هذه المرحلة، ليس بالامر الهين، بل يتطلب جهود ووقت طوال. فاليوم، ليس من الحق ان نلقي كل اللوم على الحكومة العراقية الجديدة ونحملها مسؤولية الاحداث. وليس من العدل ايضا القاء اللوم والاتهام على الطبيعة العراقية، والتي يحاول البعض من الصاق تهمة الهمجية بها، فالشعب العراقي لا يختلف عن بقية شعوب العالم، من حيث قدراته على التكيف مع القوانين السائده في بلده.
في ارقى بلدان العالم، سنجد انه لو تم استثناء تطبيقات القوانين الانسانية فيها، ستتحول بشعوبها شيئا فشيئا الى غابة يحكمها الاقوى، فما بالنا لو ادرك الشعب انه ليست هنالك قوانين تحكمه اصلا؟ هذا بالطبع سيعجل تحول العلاقات فيه الى الاسوأ.
لم تكد تمر ساعات على انقطاع الكهرباء في كندا وامريكا، حتى خرجت التصريحات الحكومية من خلال المذياع، تحث المواطنين على التزام الصبر ومساعدة بعضهم البعض، كما خرجت تندد بالسرقات والاعتداءات على المواطنين، من قبل البعض، الذين حاولوا استغلال الخلل والتردي الحاصل للقوة الكهربائية وتوقف كامرات المراقبة، لنيل مآربهم من سرقة البنوك والمحلات والقتل المتعمد. فهنا نجد ايضا انه بالرغم من وجود القوانين التي تنظم حقوق وحريات الانسان، الا انه يوجد دائما من يتحين الفرص للنتصل منها او التلاعب عليها.
ليس معنى كلامنا هذا، تبني الاعذار لما يحدث للتنصل من مسؤولية الحد من هذه الظواهر الهمجية التي تطال الابرياء كل ساعة، بل ان الغرض هنا يأتي من حيث اننا لا يجب ان نكتفي بالقاء اللوم على هذه الجهة او تلك ونخرج انفسنا والبقية من دائرة المسؤولية الحقيقية. فمسؤولية الحد من العنف يجب ان تقع على عاتقنا جميعا، داخل العراق وخارجه ايضا.
نبذ الطائفية والمصالح الشخصية وعلاقات القرابة والاسرية والمصالح الحزبية في ترشيحات الحقائب الوزارية والمناصب السياسية في الحكومة الجديدة، ونبذ العنف والتصفيات الجسدية لحل الخلافات الدينية والقومية والحزبية وغيرها، لابد وان يأتي بالامل في العدالة والمستقبل المشرق.
التأكيد على الاسراع في عملية وضع وتطبيق القوانين الانسانية من حماية الضعفاء والعلاقات الانسانية بين المواطنين، لهو كفيل باستتباب الامن في البلاد بشكل عام. وهذا ينطبق ايضا على العلاقات بين الجهات السياسية او الدينية المختلفة.
ان المساعدة في عملية وضع القوانين، من قبل الجهات السياسية العليا والشخصيات الحاكمة، لتنمية الاصرة بين جميع العراقيين، بلا استثناء، لابد وان تكون ضمن حدود العدالة، التي تأخذ بنظر الاعتبار الوطنية والمحافظة على وحدة الوطن اولا، مع ضمان حقوق وامن الانسان فيه، ثم تأتي عملية تقوية علاقات الجوار واحترام العهود والمواثيق الدولية وغير ذلك من القوانين السياسية لتنظيم العلاقات الخارجية.