|
كانت الذات الأنسانية ميالة الى الجريمة دائما !
فاروق سلوم
الحوار المتمدن-العدد: 2011 - 2007 / 8 / 18 - 10:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الكتاب : رواية الجريمة في السويد تأليف : بير اولاسين * * * لم يتمكن علم النفس سريريا حتى اليوم ان يعالج ( غيّـة ّ) السرقة عند المئات وربما الآلاف من المصابين بها من ابناء الغنى والجاه و حتى الفقراء على حد سواء ، اؤلئك الذين تستدرجهم معروضات مركز تسويقي كبير او حتى متجر صغير ، او مطعم صاخب ، الى سرقة احمر شفاه او شوكة او مملحة فضيّة الغطاء . ولطالما اصبح هؤلاء موضوعا ساخنا في الصحافة والأخبار .. ولكن تختفي وراءه نوازع نفسية ودوافع مبهة شتى . وقد تخصصت اذاعات كثيرة ومحطات تلفزيونية ببرامج وهواتف مفتوحة منذ الأربعينات .. للأصغاء لمشاكل هؤلاء واضرابهم ممن تتملكهم امراض النفس وتدفع بهم الى جرائم مختلفة من السرقة الى القتل والأغتصاب . او ممن ابتلو بغيّة السرقة التي افرد لها علم النفس فصولا .. وفصول من الراسة والبحث والتقصي العميقين !! ويحق هنا ان نتساءل ماذا فعل هذا العلم مع الجريمة واسرارها ومع كوامن الذات الأنسانية بعد ان تركت جرائم القتل والأغتصاب .. والتعذيب حتى الموت ارثا ثقيلا على الأنسانية اصبح يتطور مع تطور فصول التطور والعبث والحياة عموما . كانت قد ولدت فنون الكتابة عن الجريمة مثلما ولدت فنون اخرى بصرية اثر اتخاذ الجريمة ودوافعها اتجاهات شتى بفعل الدافع الغريزي او بفعل المخدر والأدمان .. وقد عرضت لنا الرواية فصولا غريبة من جرائم امتزجت بالفنتازيا .. والخيال كما في اجواء ادغار الن بو وماكدونالد بودكن وبيرتيل فولك وغيرهم ممن كتبوا هذا النمط من الرويات اثر تطور علم النفس ودراساتة .. وبعد تطور انماط الجريمة وتفاعلاتها الأجتماعية والنفسية .. وشكلت تلك الروايات مبعثا لأثراء الدراسات الأنثروبولوجية الوشيكة التي بدأت في القرن التاسع عشر على متن نص السايكولوجيا !! -------------------------- كتاب الجريمة في السويد --------------------------- بدأ بير اولاسين الأشتغال على كتابه منذ نهاية عام 2006 في دراسة رواية الجريمة في السويد ، ولم يظهر كتابه عن دار بي . تي . جي .. حتى اواسط تموز من عام 2007 مستكشفا طوال هذه المدّة سجل النشر والترجمة لرواية الجريمة في السويد ومنعرجاتها الأجتماعية والنفسية في بيئة غاية في الخصوصية والأنغلاق . ومثلما تتكرر دائما فكرة ندرة منجزات الثقافة السويدية عن متناول الثقافات الأخرى .. فأنه يحاول ان يفكفك هذه الأشكالية و يدخلنا في مدخل مختلف للتعرف الى فرع من فروع السرد ..والتوثيق والأثارة في آن معا . وفي مقدمته الأولى يدخل مدخلا تاريخيا يجده هو ( من بديهيات التقصي والبحث اللذان اجريتهما ) ويذهب بعيدا في تجوال متأنّ ليحكي وقائع بحثه ومستخرجاته : ( بقدر ماتتمتع رواية الجريمة بقراءات واسعة ، واهتمام كبير من القراء ، الاّ ان هذا الميدان يظلّ يشكل فرعا نادرا في بلادنا من فروع الكتابة الروائية لما ينطوي عليه من استثناءات خصوصية ومحاذير اكيدة في مجتمع زراعي الجذور مغلق الى حد ما كالمجتمع السويدي ) .. وفيما تأخذنا معتقدات النخبة الثقافية الى تبرير رغبة القراءة لهذا النوع من الأدب في مداخل نفسية وميول وشذاذات سلوكية لعامة جمهور القراء لهذا الأدب المثير ، يرى الباحث ان هذه النخب تمارس اعتداءا فادحا على فن كتابة روايات الجريمة وفنون أخرى كالسينما والتلفزيون والمسرح ايضا وهي فنون لم تخل من مقاربات لهذه القضية المهمة ..الكشف عن الجريمة واعادة قراءتها ..وتقديمها على نحو فني .. يقول عن هذه النخب : ( انهم يفعلون ذلك دون الأكتراث باهميتها الوثائقية ، كما فعل الكثيرون ، بل في محاولة للأعتراض على الفنتازيا التي تلوّن السرد .. مما يضفي على وقائع واحداث النص اثارة بالغة وتشويقا مؤثرا قد يتعارض مع الأتجاهات الأخلاقية والتربوية السائدة .. انهم مصلحون اجتماعيون حقا .. ولكن في غير مكانهم الصحيح !! ) . ويرد المؤلف بير اوليسين على السجال الذي مايزال قائما حول جدوى هذا النمط من الفن الذي قد يعزز روح العنف ويكرس الجريمة والأدمان فيقول ( البعض يقف بعيدا عن ارفف المكتبات التي تضم روايات الجريمة ، مثلما يفعل بعض اؤلئك الذين يسقطون على هذا الفن كل شواغل التربية .. وشواغل النقد . انهم بهذه الطريقة ،وان كانت تحمل بعض الحق .. يقفزون فوق حقيقة الطبيعة الأنسانية المنقادة دائما الى نوازع النفس ، وانفعالاتها وغرائزها الفائرة التي ماتزال تواجه بتيارات تربوية فجة .. واجراءات نفسيه تقوم الى العلاج المصنّع معمليا... بينما تظهر الى السطح صورة ذات معقدة و مجتمع مركب .. ابتدأ ذلك منذ وقت بعيد منذ الحرب العالمية الثانية ، وتوفرت له حواضن عدة في ظل تقدم صناعي سريع .. وحروب سياسية واثنية ومجتمع فرداني .. تغزوه نزعات عابرة ..بل تغزوه بحدة تحت وطأة تحولات سياسية واقتصادية كونية غير واعدة بالكثير ) .. --------------------------- تواريخ وأسماء -------------------------- أمضى الباحث سنة من البحث والتقصي وسط مراجع تأريخية ونصوص ..ومتون ..وأعمال نقدية ، ويرى في اشارة مهمة الى مااوردته الموسوعة الخاصة برواية الجريمة في جزئها الحادي عشر ان ثمة اكثر من مائة وخمسين كاتبا سويدا متخصصا في كتابة الجريمة يؤرخون لهذا الفن منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم .. و منذ عام 1860 حتى عام 2006 انجزت اهم الأعمال الروائية الخاصة بالجريمة بأعداد بالغة .. لكنه يفرد من هذه الأعداد 300 رواية التمست طريق التعبير عن منهج سردي واداة فنية .. لاتنتمي فقط الى روح اسكندنافيا الحية – كما يسميها – بل انتمائها الى تيارات ورؤى واحداث عالية القيمة في بنيتها الفنية ( لقد اكد كل ذلك كارل بيزون وايلفي آهليك وهنز الفريدسون وستورا ليبلبيرغ .. انهم اجيال من كتاب مدموكين بتجربة الوقائع ..منغرزين في مجتمع الشمال القصي ومنجزاته ومقتنياته على حد تعبيره ) .. ويظهر لنا الباحث ان منجز الرواية السويدية التي تتناول الجريمة هنا لايقل اهمية عما يتم في العالم منذ القرنين الماضيين .. وبخاصة في امريكا وانكلترا .. فمثلما اثر في هذا الفن غرانت الين من كندا وأغاثا كريستي وجيفري آركر ن بريطانيا واندرسن بودلسون من الدنمارك ومكدونالد بولكن من ايرلندا واندريه كامللير من ايطاليا وريموند كاندلر من امريكا ولوردبيرغ في السويد فأن اجيالا جديدة في بلاده وفي العالم تتواصل مثل ميري هيغر في امريكا وكولن ديكستز في بريطانيا ويورغن سونر غورد من الدنمارك كما يتواصل كتاب رواد وجدد في السويد في كتابة رواية الجريمة وخصوصيلتها . .. ( ان رواية الجريمة في السويد انطبعت بطابع الروح الأسكندنافية .. وغدا السرد اقرب الى فن القص بل هو اقرب الى انسياحات روحية ونفسية للمجتمع السويدي المتأثر بفروض البيئة الزراعية .. والحضرية في آن واحد ، يؤطرهما طابع لحياة حذرة ومتحفظة . وربما يعنيني ان اقول ان مجتمعنا رغم كل شيء لم يكن منفصلا في يوم عن مايحصل في البيئة العالمية على كل صعيد فمنذ عام 1800 يوم ظهر الأهتمام برواية الجريمة في امريكا وبريطانيا يوم سجل القرن التاسع عشر بداية مؤثرة لهذا الفن الأشكالي الخاص) ويرى ان الكاتب نيلسز نوردبيرغ يقابل في نزوعه الفني ومكانته ذات القيمة التي يمثلها ادغار الن بو وكلود جيرار ودك دونوفان . ( ان جيلا آخر بعد نوردبيرغ مثل ايلفو اهلبيك وهي معلمة تكتب في الصحافة وهانز الفريدسون وكارل بينغستون وآرن بلوم ويوهان وونغا وهو من مواليد عام 1953 من اصول سويسرية ، قد وضعوا جميعا اصابعهم بلمسة خاصة على نص الجريمة وانتاجها الكبير في مجال طباعة الكتاب وترويجه واعمال سينمائية وتلفزيونية واذاعات شتى تمثل ثراء كبيرا للمدرسة الدولية .. كما يمثل خصوصية ادب اسكندنافيا وخصوصيته الفنية ) .. ويفرد الباحث بير اوليسين في نهاية فصول كتابه الثمانية والتي تقع في 209 صفحات لألقاء الضوء على اهمية هذا الجيل الذي خلف جيل القرنين الماضيين لما يتمتعون به من تنوع وفرادة ضافيين ؛ فلقد أفردت جوائز محلية ودولية لنتاج روائي وفني هما نتيجة الأهتمام بفن الرواية هذه التي زادت على الفي عنوان جديد كل عشر سنوات ظهرت منها 300 رواية في صيغ فيلمية ونتاجات فنية ميزتها اكثر من غيرها بشكل جعل المجتمع يقترب بقوة من اشكالات العصر ودلالات العنف فيه . ان كتاب – رواية الجريمة في السوبد .. مدخل تاريخي – لبير اوليسين هو تقص لمرحلة السرد الحاد الذي اضفته الجريمة وايقاع الحياة السريعة على هذا الفن في بلاد تتمتع بأرضية ريفية وقيم زراعية وارادة واقعية لبناء مجتمع مثالي .. ولكن كيف ذلك ، يتساءل الباحث ، وبلادنا تشكل جزءا مهما من نبض العالم المتحول في ظل اضطراب عارم ..وتحد محموم .. يتعارضان مع خواص المجتمع السويدي وأنطوائيته !! ----------------------
#فاروق_سلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهرّب الخيول النرويجي بير باتيرسون ينال جائزة أمباك للرواية
-
خالد السلطاني :معرفة العمارة وتأويلها
-
تقشير الفستق :فوتوغرافيا الغروب الأخير على شفق بغداد
-
وداعا انغمار بيرغمان شاعر السينما العالمية
-
آخرة الحكمة : مندايا الرحيل .. مندايا الأياب
-
اعادة لمقولة الغياب
-
مندايا سفر الخروج
-
عيون عميه ....
-
مندايا ..ملكا نورا
-
مندايا
-
غونتر غراس في ليلة الصعود
-
بداية أخرى للحزن.. والنفي
-
احوال البلدان ..وأحوال..بغدان
-
موالات .. لبلاد جريحة
-
غابة لكلام الأشجار والحجر
-
انا ماكتبت احزاني بعد
-
الغروب الأخير على شفق المدينة
-
انتظر الحافلة
-
رحلة السلمون العراقي
-
سيدة الرعاة - الى .. هلالة رافع
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|