أسبانيا ، الأندلس سابقا، بلاد الآثار العربية و الإسلامية التي تنتشر في الشمال و في الجنوب ، و أكثرها في الجنوب . في هذا البلد حاول يحاول العنصريون أن يمحوا تاريخا امتد الى ثمانية قرون ، ففي عهد و أيام فرانكو كان يدرسون تاريخ بلدهم و لكن عندما يصلون الى تلك القرون الثمانية ، تراهم و قد ألغوا هذه القرون ،فقفزوا عليها و بخروها في غياهب الجهل و نكران التاريخ . تاريخهم. كان ينقطع لأنه كان يذكرهم بتلك الحضارة التي سادت العالم لفترة طويلة ، حضارة عربية و إسلامية وضعت أسلافهم في مقدمة الدول المتحضرة آنئذ، وتركت لهم الكثير من العلم و الأدب و العمران ، تشهد عليها بنايات قائمة لحد الآن . فالحمراء في غرناطة و المسجد الجامع في قرطبة و منارة الجامع الكبير في إشبيلية دلائل عمرانية على ذلك ، يستعملونها اليوم لجلب الملايين من السواح.
و إبن رشد يقدم لنا مثلا آخر كضوء منار لعشرات الأطباء و الفلاسفة الأندلسيين الذين اشتهروا في ذلك الوقت .
و اللغة الأسبانية لا زالت تحتوي على الكثير من الكلمات العربية ، فالمخدة التي نستشيرها و نسألها كل ليلة تـتكلم مع الأسبان بنفس الكلمة التي نتكلمها ، ِalmohada. كما و إن اللغة العربية كانت في ذلك الوقت لغة العلم و الأدب ، و كان أدباء قشتالة في ذلك الوقت يستعملون الحروف العربية لكتابة لغتهم القشتالية.
و لكن المشكلة أن التاريخ الزاهر الأندلسي لا يعجب العنصريين الأسبان . لماذا ؟ لأن هذا التاريخ يذكرهم بالعرب ، أجدادهم، و هم ليسوا بعرب الآن . و يذكرهم بالإسلام ، وهم مسيحيو الديانة في الوقت الحاضر، و يذكرهم بتاريخهم . إذن ماذا عليهم أن يفعلوا ؟ لقد حاولوا نكران التاريخ و إن لم يستطيعوا فالتزوير يكون عملهم.
و في تركيا ، جارتنا ، قدمت اللغة العربية الى لغتهم الكثير من المفردات التي يستمر في استعمالها الأتراك ، الا أن عنصرييهم يحاولون تبديل الكلمات العربية و حذفها ، مستبدلين بها كلمات فرنسية أو كلمات أخرى يقولون عنها أنها تركية الأصل . و في زمن كمال أتاتورك تم إلغاء استعمال الحروف العربية و تبديلها بأحرف لاتينية ، وما كان سبب أتاتورك في ذلك الا معادات العرب و اشمئزازه من أحرفهم . و بهذا فقد قضى على تاريخ مجيد من تاريخ الأتراك.
و يصعب على كثير من الأتراك الآن التمييز بين اللغة العربية و بين لغتهم التركية القديمة ( أسكي ترك?ه ). إذ يتصورون أن كل شيء مكتوب بأحرف عربية هو عربي.
و أما بالنسبة للعنصريين من فرس إيران، فإنهم قد لا يعرفون ان لغتهم لم تكن تكتب ، إذ كان الفرس يكتبون بالآرامية أو الأغريقية، الى أن جاء العرب فقدموا لهم حروفهم ، والفرس لا يزالون يستعملون الحروف العربية في كتابتهم الى وقتنا الحاضر ، و قدم العرب لهم أيضا الدين لتدين به الغالبية العظمى من شعبهم الفارسي ، و كذلك الغالبة العظمى من الشعوب التي تشترك معهم في تكوين الدولة الإيرانية.
ويحاول العنصريون الفرس ، شأنهم شان أقرانهم الأسبان و الأتراك و الأعراب ، تغيير و تزوير كل شيء له رائحة تدل على وجود حضارة أخرى غير التي يدَّعون بها. و العنصريون لهم عقدتين في نفوسهم: عقدة الإستعلاء فهم يستعملونها ضد القوميات المضطهدة في بلدانهم ، و عقدة النقص إذ هم من جماعة يس سير و وي مسيو.
و لم يكن العرب هم الوحيدون الذين قدموا الحضارة للشعوب التي ذكرتها ، كمثالا ، بل هم ، اي العرب قد استلموا من تلك الشعوب حضاراتهم أيضا . و إذا راجعنا تاريخنا و تراثنا فنجد المئات من العلماء و الأدباء و هم يقدمون أفضل أعمالهم لتزدهر بها الحضارة العربية.
مَن من العرب المتعلمين لا يعرف سيبويه ؟ إمام النحو العربي.
و من منهم لا يعرف إبن سينا ؟ ذلك الطبيب المشهور عالميا ، و لحد الآن.
و من المتديين ، من لا يعرف أبا حنيفة، صاحب المذهب الحنفي؟
و من الشيعة ، من لا يعرف زين العابدين (ع) . ألم تكن أمه إبنة كسرى الفرس؟ و علي بن الحسين ، زين العابدين، هو إبن خالة سالم بن عمر و إبن خالة محمد بن أبي بكر. إذ أن أمهات الثلاث هن أخوات فارسيات.
و للمتبع للتاريخ يجد الكثير من الخلفاء أولاد لنساء فارسيات أو تركيات ، ويجد الكثير من الوزراء غير العرب .
إن الحضارة هي بوتقة تنصهر فيها كل أعمال علماء العلم و علماء الأدب ، لا فرق بين أعجمي و عربي الا بعلمه و أدبه. و لا يعادي حضارة الغير الا ذلك الجاهل أو ذلك العنصري المتزمت.
و في الوقت الحاضر ، وأنا أكتب هذه الكلمات لأنشرها عبر الإنتريت ، أسأل و أتساءل :من الذي أخترع لنا الكوميوتر و الإنترنيت .. الخ؟
إن العراق قد ابتلي بالعنصريين البعثيين، بقيادة المجرم صدام ، الذين مثلوا خير تمثيل لكل ما للعنصرية من شوفينية و إرهاب و حروب. لم يسلم منهم شعبنا العراقي ، لا عربه و لا كرده و لا تركمانه و لا أية قومية أخرى . الكل ذاق المرارة والهوان. و خلق البعثيون في كل بيت نائحة ، بالضبط مثلما أراد الملك الأردني حسين، فلم يسلم أي بيت عراقي و قد وصل القتل الى بيت إبنتي المجرم صدام ، أيضا.
إن البعثيين لم يكتفوا بشن الحرب على الشعب العراقي بل و إنهم قد قد شنوا حربا شعواء على الجارة إيران ، و استخدموا كل ما لديهم من خداع لتبرير الحرب. إن البعثيين بشنهم الحرب لم يغتالوا الشعب الإيراني بكافة قومياته فقط ، بل إغتالوا الشعب العراقي بكل قومياته أيضا. و قد نال الشعب العربي في الأهواز القسط الأكبر .
في خلال الحرب استعمل البعثيون عرب الأهواز للدعاية و النشر ، و قد خدع البعض من هذا الشعب بما قاله البعثيين ، و لكن البعثيين سابقا ، و في عام 1975 في الجزائر ، كانوا قد باعوا الأهواز و شعبها ، و باعوا كذلك شط العرب .
لقد قلب البعثيون تلك الحكمة التي تقول : الأقربون أولى بالمعروف ، فحولوها الى : الأقربون أولى بالمكروه و بالحروب.
لقد دمر المجرمون البعثيون عربستان و حرقوا ارضها إذ حولوها الى ساحة حرب و نيران.و لم يسلم شعب هذه المنطقة العربية من غازات البعث القاتلة.
و غيَّر البعثيون إسم الأهواز ، ليزوروا الإسم التاريخي العربي لهذه المنطقة .لقد مزقوا الأهواز حينما نطقوا بها ، و مثلما نطقوا بالوحدة و الحرية فإنهم مزقوا الوحدة و عذبوا الحرية .لقد كانت وحدتهم تمزيق صفوف العرب و أثبتوا ذلك عند احتلالهم للكويت و نهبها. أما الحرية فقد ضاعت بزج مئات الآلاف من أبناء شعبنا في السجون و تعذيبهم و إغتبالهم فيها.
عندما أريد قراءة تاريخ الأهواز كعراقي عربي، من هذا الطرف من شط العرب ، فإنني لا أجدها الا و هي مذكورة تحت هذا الإسم: الأهواز. و من لا يؤيد هذا الإسم يحتج لإعتقاده بأن الأدباء الفرس هم الذين نقلوه الى العرب . و بهذا فهم يعتمدون على ياقوت الحموي لتأكيد رأيهم في الإسم ، باعتبار الحموي عربي الأصل معتمدين على لقبه ،الحموي.
و لكن إذا بحثنا في مؤلفات الحموي نجده لا يذكر الأهواز الا بالأهواز. هذا من ناحية ومن ناحية فإن الحموي لم يكن عربي الأصل ، بل رومي ، إذ وكما يذكر كتاب المنجد أن تاجرا من حماة اشترى ياقوتا.
و لكن بالنسبة لي شخصيا فإن الحموي عربي الثقافة و المعيشة ، و هو قد أهدى الى التراث العربي مؤلفات نعتز بها ، كمعجم البلدان و معجم الأدباء.
و قد أكد إسم الأهواز أدباء عرب ، أصلا و معيشة و ثقافة.
إن الذي يحاول تغيير إسم الأهواز يقوم بقبحين ، الأول هو الإعتداء على كلمة تاريخية نستعملها من زمن بعيد ، والقبح الثاني أن الذي يقول أنه عربي يحاول قتل كلمة عربية.
و في نفس الوقت الذي أضم صوتي الى من يريد لشعبه الحرية و الإزدهار و التقدم ، فإنني أناهض ذلك العنصري الذي يصفق لما قام به البعثيون ،و رأسهم الدموي صدام ، ضد شعبي العراقي ، وأناهض ذلك الذي يزغرد للإجرام البعثي و هي ينشر غازاته السامه و يقتل كردنا في الشمال و عربنا في الجنوب ، و يجفف أهوارنا.و لا أصدق من لا يدين إرهاب البعث بأعلى صوته.
لكل شعب الحق و الحرية في إختيار طريق حياته . ينضم الى هذا أو ذاك من الشعوب لتكوين دولة يتعايش فيها الجميع . أو ينفصل ليقرر وحده ما يريد . و لا أعني هنا أن الإنفصال هو الطريق الوحيد إذ كُثرما يطالب به العنصريون الذين لا يحتقرون الشعوب الأخرى بل و أيضا يحتقرون و يزورون إرادة الشعب الذي يخرجون منه.
و على الرغم من عدم كوني سياسيا فإنني أؤيد القائلين بإن السياسة هي فن الممكن.
محيي هادي- أسبانيا
07/10/2003