الدكتور حسن ميّ النوراني
أدهشني سوء فهم وقع فيه قارئ كريم لمقالتي التي نُشرت تحت عنوان: "فلسطين وطن واحد مفتوح"، دفعه لاستنتاج أني أقف بهذا المقال في جانب الصهيونية. أعي أن حسن النية والغيرة الوطنية الحميدة لقارئي كانتا وراء اتهامه العجول لي.
فكرتي التي تبناها مقالي السابق تنقض وتهدم بالكلية فكرة الصهيونية التي تجسدت في قيام دولة إسرائيل في وطني فلسطين. الصهيونية حركة مغلقة عدوانية تجسدت في دولة وصفتها في الجملة الأولى من كتابي "رؤية دينية للدولة الإسرائيلية" (الصادر عام 1985 عن دار الفرقان في عمان بالأردن) بقولي: "الدولة الإسرائيلية جماع الفساد الإنساني".
وأنا لا أزال على عقيدتي أن إسرائيل فساد إنساني. ولكني تحولت عن إيماني بالحرب كوسيلة لمواجهة الفساد الإنساني – كما ورد في كتابي المشار إليه أعلاه – إلى إيماني بمنهج روحي نوراني يدافع عن الحياة الكريمة للإنسان، باعتبار أن الحرية هي الشرط الأساسي لتوفير الكرامة للإنسان.
اليهودي إنسان ومن حقه أن يحيا بحرية وبكرامة. واليهود وقعوا ضحية الحركة الصهيونية التي أحكمت إغلاق الأفق الإنساني لليهود بجيتو أظلم من الجيتو الذي ظل اليهود يعيشون فيه منذ ألفي عام. والصهيونية هزمت دعوة تنوير ظهرت بين أوساط اليهود كان من شأنها أن تحرر اليهود من عقيدة مغلقة حبستهم وراء جدار كثيف من العدوانية الدفينة التي انطلقت بوحشية في تجسيدها المعروف بدولة إسرائيل؛ والتي كابد منها شعبي الفلسطيني والتي أصابتني – كما أصابت كل مواطن من أشقائي أبناء بلدي - بسهامها القاسية.
الدعوة إلى "فلسطين وطن واحد مفتوح" هي دعوة إلى تدمير الكيانية العدوانية الصهيونية. وأنا أتحدى وسائل الإعلام الصهيونية أن تنشر مقالي أو أن تشير إليه؛ وهي لن تجرؤ على فعل ذلك؛ لأنها، وجميعها؛ أبواق ظلامية مغلقة تواجه بعناد كافر فكرة النورانية التي أدعو إليها في وطني فلسطين؛ الكفيلة بتحرير أرضي من الاحتلال الغشوم الظالم المغلق؛ ولكن دون أن يتضمن هذا التحرير سلب حق الحياة من أي إنسان.
أعي أن الصهاينة لن يقبلوا فكرة "فلسطين وطن واحد مفتوح"؛ ولن يقبلها أيضا أنصار أوسلو من الجانب الفلسطيني / العربي الذين يؤيدون فكرة إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أنا لست من أنصار أوسلو؛ فأسلو مشروع يخدم الحركة الصهيونية من جهة أنه يمنح دولة إسرائيل بعدوانيتها حقا مشروعا في الوجود. وفي نظريتي فإنه ليس للعدوان حق مشروع في الوجود.
وفي دعوة "فلسطين وطن واحد مفتوح" لكل عاشقي فلسطين؛ تنهدم الكيانية العدوانية لدولة إسرائيل، لصالح كيانية جديدة إنسانية تتسع للشعبين الفلسطيني واليهودي؛ ليبنيا معا، ومعهم عاشقو فلسطين أجمعين، نموذجا إنسانيا جديدا على أساس قيم الإنسانية العليا التي توفر شروط الحياة الكريمة للإنسان؛ والتي تتخذ من الدفاع عن حق الإنسان في الحياة الحرة هدفا رئيسا لها.
دير البلح – غزة – فلسطين
7/10/03