|
المصالحة..مفاهيم متعددة
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2009 - 2007 / 8 / 16 - 03:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عادت المصالحة مرة اخرى الى الواجهة، سواء بطلب من بعض الكتل السياسية او برغبة امريكية في استمرار جهود المصالحة في العراق ودفع مزيد من الطاقة في عروق هذه العملية التي تتذبذب في قدرتها على الحياة، ويبدو ان اختلافات حادة في فهم المصالحة هي التي تقف حائلا دون تحقيقها ما يستدعي مزيدا من الصراحة لتحديد فهم موحد للمصالحة بين الاطراف المختلفة، فهم يخرج المصالحة من حالتها الضبابية الى مجموعة من الخطوات الاجرائية التي تقود الى نتيجة محددة تساهم في ارساء الاستقرار والامن. عندما يتم التذكير بالمراحل التي قطعتها عملية المصالحة في سيرها البطيء والمتذبذب تتكشف تعددية الفهم وتناقضه في اغلب الاحيان، ففي الاشهر الاولى التي اعقبت التغيير كانت هناك مطالبة من بعض الشخصيات والقوى بالشروع بعملية مصالحة، ووقتها كان المطالبون بالمصالحة يرسمون حدودا طائفية وعنصرية لتحقيق المصالحة، رغم ان الاحتقانات الطائفية والعنصرية لم تكن طاغية على الساحة العراقية آنذاك، وقد رفضت معظم القوى السياسية المؤيدة للإطاحة بالنظام السابق الشروع في تلك المصالحة على اساس انه لا خلاف بين مكونات الشعب العراقي، وانما المشكلة هي بين الشعب وجلاديه الذين تم الاطاحة بهم وان القضاء هو من سيحل المشاكل خاصة وان عملية اقصاء ازلام ومكونات النظام السابق تمت وفق قوانين قابلة للتغيير والتعديل وكذلك مناطة باجهزة قضائية، ومنذ ذلك الوقت شعر المطالبون بالمصالحة وهم غالبا من رافضي التغيير، بضرورة توسيع الخلاف العراقي ونقله من قضية نظام وشعب الى صراع بين مكونات الشعب لتسقط بذلك حجة رافضي المصالحة، بمعنى اخر، ان قوى العنف قررت استهداف الشعب تحت شعارات طائفية لإجبار القوى الداخلة في العملية السياسية على تقديم تنازلات ترضي المتضررين من الاطاحة بالنظام السابق، ومع تطور الازمة العراقية ظهرت الى العلن مطالب صريحة بإشراك البعثيين في العملية السياسية واعادتهم الى الاجهزة الامنية والعسكرية. تحت ضغط الوضع الامني ورغبة في انهاء الازمة اتجهت القوى السياسية الحاكمة عبر العملية السياسية الى الشروع في عملية المصالحة وفق فهم يرى ضرورة وقف احتضان الارهاب والعنف وتجفيف منابعهما البشرية وذلك عبر فتح الباب امام منتسبي الجيش السابق للعودة الى الخدمة في الجيش الجديد او منحهم رواتب تقاعدية تحول دون عملهم مع الجماعات الارهابية بضغط الحاجة المادية، لكن هؤلاء في الحقيقة لا يشكلون ضغطا امنيا، ويبدو ان فهم الحكومة للمصالحة كان بريئا ومبسطا اكثر مما يجب، حيث تبين في الجدل الدائر عن المصالحة، ان المقصود هو اعادة اسماء قيادية عسكرية وامنية وحزبية ودبلوماسية معينة الى العمل الرسمي، واحيانا انطلقت دعوات صريحة بإعادة وحدات الجيش واجهزة الامن وفق هياكلها السابقة وليس وفق اعادة الافراد، اذن كان هناك من بقصد بالمصالحة اعادة المؤسسات السابقة الى الحياة في العراق، وبمعنى ادق الى الحكم، وهذا المطلب يكاد يكون مستحيلا بالنسبة لمعظم القوى السياسية المشاركة في الحكومة والعملية السياسية، وذلك ليس بدوافع حزبية او عقائدية او طائفية كما يروج البعض، بل ان هناك دافعا واحدا اساسيا هو العقلية الانقلابية التي تهيمن على عمل تلك الاجهزة حتى قبل وصول البعث الى السلطة، فلطالما تدخلت الاجهزة الامنية والعسكرية في مجريات الحياة السياسية على مدى عمر الدولة العراقية الحديثة، وكانت تلك الاجهزة تقود البلاد في ظل نزوات مدمرة اطاحت بالقيم المؤسسية للدولة، ما جعل الفعل السياسي مرتهنا بيد العسكر الانقلابيين الذين وقفوا حائلا دون بناء مؤسسة سياسية عصرية في العراق. نحن اذن امام فهم حكومي للمصالحة يرى ضرورة تقليص حجم الضرر الذي وقع ببعض شرائح المجتمع جراء الاطاحة بالنظام السابق من غير الملطخة ايديهم بدماء العراقيين الا ان المشكلة هي ان هؤلاء لا يملكون مفاتيح الحل الامني ولا يستطيعون التأثير على الجماعات المتطرفة، وهناك فهم آخر يقصد بالمصالحة عودة بعض من خرجوا من السلطة اليها ولو من دون المرور بالعملية السياسية، اي انهم يريدون الحصول على مكافأة مقابل وقف عملهم العسكري المضاد لمؤسسات الدولة، لكن الخطاب السياسي لهؤلاء لا يطمئن احدا من العراقيين لأنه ما زال متعلقا بأساليب وعقلية الماضي، وفي هذا الجدل يضيع الفهم التقليدي والسياسي للمصالحة والذي يعني ان يقوم الطرف او الشخص الذي كان في السلطة المنهارة بإعتراف وادانة لما اقترفه النظام الذي كان جزءا منه مقابل وقف الملاحقات القانونية بحقه هذا اذا كانت ممارساته تدخل في سياق الخطأ السياسي او العقائدي، اما الجريمة المباشرة فلها سياق مصالحة آخر، هو الادانة القضائية اولا بعد الاعتراف بالذنب ومن ثم اصدار العفو من قبل الحكومة او ممن يمتلك الحق الدستوري بذلك وهذا ما لم يحدث في العراق، ويبدو ان لا احد يريد الاعتراف بخطأ ما وكأن كل اخطاء النظام السابق ارتكبتها اشباح، وحتى فعل الادانة العامة لسلوكيات النظام السابق لم تصدر من اي قيادي بعثي ولا حتى في الحلقات الوسطى ليبقى الضحايا بدون اعتذار بل ويطالب البعض بتعويض قتلتهم قبل تعويض عوائل الضحايا، فهل هذا هو الطريق الصحيح للمصالحة؟.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توطين الفلسفة
-
ادارة المعرفة( قراءة في الاضحوية لابن سينا )
-
الاداء الضعيف
-
المالكي.. حكومة وأزمة
-
مهمة عاجلة
-
جبهة التوافق..المواقف المتأرجحة
-
تصريحات ليست عابرة
-
قانون النفط..صفقات اللحظة الأخيرة
-
نقد النص القديم - بنية التورية والسرد الحكائي
-
السعودية هدف أيضا
-
جدل امريكي
-
سرديات الاختلاف/ بابل :صراع اللغات
-
منهج المقاطعة
-
الجماعة المقدسة
-
الحلقات المنسية في العراق
-
المالكي ليس هو المشكلة
-
السلطة الأنثوية
-
احتكار ثقافي
-
فوضى السلاح
-
قلق في الجوار
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|