|
من هنا تأتي المعارضة
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 2009 - 2007 / 8 / 16 - 11:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعتادت جهات عديدة ، في الداخل والخارج ، بما فيها نسبة لابأس بها من المعارضة ، على التعاطي مع المشهد السوري المعارض ، وفق رؤية فوتوغرافية ذات بعد واحد . متخذة من عدد المنظمات والأحزاب والهيئات المنخرطة في المعارضة مؤشراً على حجم وفعالية الحراك المعارض من أجل التغيير الوطني الديمقراطي ، ومطلقة محدداتها لقوة أو ضعف هذا الفريق أو ذاك في المعارضة ، حسب حجم حضوره الإعلامي المتاح له ، وحسب تاريخية الزعامة فيه . وإذا ما اقتحم السؤال سياق الموضوع ، عن أسباب الضعف بشكل عام أو خاص ، كان مشجب القمع جاهزاً لتعليق الجواب عليه ، وذلك دون أي اهتمام بمدى علاقة هذا الحراك بمحيطه الاجتماعي وخلفياته الاقتصادية ، ما أدى ويؤدي ، إلى تجاهل مصادر قوة المعارضة الحقيقية الشعبية الواسعة ، وإلى تحديد الصراع بين المعارضة والنظام على أنه صراع بمثابة لعبة سياسية بين فريقين . وتالياً ينظر إلى موازين القوى بين الطرفين ، فتبدو المعارضة هي الأضعف العاجز عن مواجهة النظام الشديد القوي ، الأمر الذي يضعها أمام مخرج وحيد للتعويض عن ضعفها وهو اللجوء إلى الخارج . وهنا تغدو مسوغات هذا اللجوء أدلوجة التغيير .. ويصبح التغيير عملية معقدة مرتبطة قدرياً ، بشكل أو بآخر ، بمصالح وخيوط وآليات الخارج
وعندما تأتي المتغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة برياح معاكسة غير متوقعة ، التي تثيرها العثرات الميدانية وقواسم المصالح المشتركة بين اللاعبين الكبار ، وتستدعي لحظة الحقيقة الفاصلة بين مرحلتين متميزتين للحراك المعارض ، ويتطلب الأمر تقييم ما مضى ، يعلق الضعف على مشجب الخارج ، ويطرح السؤال الملتبس ، من اين تأتي المعارضة ؟ .. ويقدم الجواب على ذات الخلفية .. ليعيد المشهد إلى المربع الأول ، الذي وإن اتسم في بدايات الحراك المتجدد في مرحلة ربيع دمشق بشجاعة كوكبة من النخبة الثقافية ، فإنه كان مشحوناً بأخطاء ، أو بخيارات خاطئة ، لعبت دوراً كبيراً في نشوء حالة الضعف والعجز لاحقاً ، يمكن اختزالها بأربعة . أولها ، اعتماد الحراك على النخبة الثقافية .. والسياسية . ثانيها ، انتقال عدد من القوى من اليسار إلى الليبرالية . ثالثها ، تضخيم دور الخارج في التغيير . رابعها ، عدم إعطاء مسألة الديمقراطية بعداً اجتماعياً واضحاً بتبني مطالب الطبقات الشعبية المعاشية ، وإهمال تفعيل دور القوى الاجتماعية ، وخاصة الطبقات الشعبية الحامل الحقيقي لمشروع التغيير الوطني الديمقراطي
وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج ، أنه لم يعد من الجائز التمسك بعقلية وآليات ثبت فشلها . بمعنى عدم البقاء في حالة العجز والارتهان لارتدادات مفاعيل الخارج في الداخل ، وا ستمرار تجاهل شروط وقوانين المجتمع السوري الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومصادر قوى التغيير الفعلية . مع الأخذ بعين الاعتبار ، أن عهد حافظ الأسد لم يفرض الاستبداد في البلاد وحسب ، وإنما نتيجة بناء الجيش والدولة وفق معايير ومصالح أمنية وفئوية معقدة ، فرض إنتهاء عهد التغيير ، بمعنى التغيير في النظام والدولة ، بالانقلاب العسكري ، كما كان سائداً في الأربعينات والخمسينات في القرن الماضي . في أبعد الاحتمالات قد يتحرك العسكر لإجراء تغيير في أشخاص النظام كما حدث في الستينات بإطار النظام نفسه . وأن المتغيرات الدولية المتلاحقة وردود الأفعال والكوارث التي تخرج عن السيطرة فرضت إنتهاء عهد التغيير بالقوة من الخارج . الأمر الآخر هو أن التغيير الوطني الديمقراطي ليس فعلاً انقلابياً لاستبدال سلطة بسلطة أخرى ، لأنه إذ يشتمل على أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية ودستورية هو فعل ثوري بكل معنى الكلمة .. فعل تغيير شامل لنظام استبدادي شامل . والفعل الثوري له متطلباته وشروطه ، التي باتت خاضعة لمفاهيم العلم وقوانينه ، وأولها أن يأخذ الشعب قضيته بيديه .. وأن يبدع هو تمرده وانتصاره والأمر الأهم ، أن ما يبدو للبعض الآن تراجعاً في زخم الحراك الوطني الديمقراطي ، إنما هوامتداد لمناخات المربع الأول الخاضع لجدلية داخل / خارج المشوهة في عملية التغيير . ماتراجع حقاً أو فشل هو مشروع بوش " الديمقراطي " المنافق ، الذي جاء به إلى المنطقة لتغطية احتلاله للعراق واستعمار الشرق الأوسط . إن الشعب السوري ليس بحاجة لنصير ديمقراطي إمبريالي الهوى ، فهو ، قبل أن يولد السيد بوش ، قبل الاستقلال وبعده ، معروف بأصالته بتمسكه بالحرية وبالديمقراطية ، وقد خاض نضالات ضارية مشهودة ضد الاحتلال ومن ثم ضد الانقلابات العسكرية الديكتاتورية من أجل الحرية والديمقراطية . وقبل أن يدخل السيد بوش معترك السياسة تأسس التجمع الوطني الديمقراطي في سوريا عام 1979 ، وأصدر مشروعه الديمقراطي ، الذي جاء تتويجاً لتحول الأحزاب المنضوية في إطار التجمع إلى الديمقراطية بديلاً " للتقدمية السلطوية " التي شوهت مفاهيم الحرية والديمقراطية والتقدم ، والذي عبر عنه بيان التجمع في آذار 1980 من أجل إنقاذ سوريا من عثارها الدموي وإقامة نظام بديل وطني ديمقراطي
من هنا ، فإن البحث عن مصادر قوة لعملية التغيير ، مهما احتاج ذلك من وقت ، ينبغي أن يتركز على قوى الداخل التي لها مصلحة في التغيير ، أي القوى المقموعة المتضررة من سياسات وقمع النظام . ومن قراءة الوضع الاقتصادي ، الذي وضع أكثر من 60 % من الشعب تحت خط الفقر الأدنى والأعلى ، ودفع البلاد إلى أسوأ نمط اقتصادي ، الذي يتجلى بالنهب المنظم للمال العام ، والسيطرة المافيوية على الاقتصاد ، وا ستئثار أقلية سلطوية بمعظم فائض القيمة في الناتج الاجمالي الوطني . ومن قراءة معاناة الحرية ، يمكن معرفة كم من الطاقات المليونية الاجتماعية والسياسية والشعبية الهائلة تشكل العمق الجماهيري الاستراتيجي واليومي لعملية التغيير ، وتشير إلى أنه من هنا بالضبط تأتي المعارضة التي لاتقهر .
على أن شرط الاقتران بهذه الطاقات يقضي بتجاوز ما أشرنا إليه آنفاً من أخطاء أو خيارات أضعفت القوى التي تصدت لعملية التغيير لفترة ليست بقليلة . والمطلوب بالدرجة الأولى في هذا الصدد انتقال معاكس من اليمين إلى اليسار بالمعنى السياسي الاجتماعي . وهذا لايعني القطع المطلق مع الخارج ، وإنما توسيع وتقوية العلاقة معه ، لكن المطلوب أولاً تحديد من هوالخارج الصديق لقضايانا الوطنية والإنسانية ، الذي تعنيه همومنا بصدق وشرف ، والذي يطمح مثلنا لتغيير عالم الظلم الإمبريالي المتوحش ، الذي يسحق بأعصاب باردة حياة ملايين الناس الأبرياء سنوياً قتلاً بحروبه الدموية وجوعاً وأمراضاً بجشعه ولؤمه ليحقق سادته الثروات والكنوزالطائلة ، وإيجاد عالم بديل تسوده الحرية والسلام والعدالة في توزيع أساسيات الحياة .. اللقمة الكريمة والدواء والأمان والفرح .
وأمام ا ستحقاقات عملية التغيير الوطني الديمقراطي العسيرة والملحة تؤكد التجربة التاريخية ، أنه شتان ، مابين تجمع رموز وقيادات نخبوية ، مهما بلغت من الصدق والشجاعة ، التي يمكن تحديدها حجومها رقمياً بالمئات ، وبين تجمع جماهير مليونية مضطهدة متمردة في فعل المعارضة .. لسبب بسيط جداً ، وهو أنه إذا كان الاستبداد قادراً على إنهاء معارضة تجمع الرموز والقيادات النخبوية بالاحتواء أو الاعتقال ، فإنه عاجز عن احتواء وقهر معارضة تضم في آن النخب الثقافية والسياسية الشجاعة وملايين المضطهدين في لقمة عيشهم وحرياتهم وأمنهم في يومهم وغدهم
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 2
-
مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 1 ..
-
أزمة أولويات أم أزمة نظام .. ؟
-
نداء شهداء معبر رفح
-
استحقاقات عودة الزمن النقابي
-
صفقات شيطانية
-
هل حقاً أن الشعب قد انتخب وأفتى .. ؟
-
اسقاط جدار العزل السياسي مهمة أولى
-
مأساة الديمقراطية في الشرق الأوسط
-
من أجل ضحايا الاعتقال السياسي .. والحرية
-
الجواب على سؤال الهزيمة
-
السلطة والثروة في الصراع السياسي
-
التجمع اليساري الماركسي ( تيم ) مابين التكامل والتمايز
-
خوفاً من ألاّ يفوز الرئيس المرشح للرئاسة
-
سوريا إلى أين في المنعطفات الإقليمية الجديدة .. ؟
-
في الأول من أيار .. عيد العمال العالمي
-
أبطال الحرية .. سلاماً مع الاعتذار
-
قمة ملتبسة لأنظمة مهزومة
-
العودة إلى الشعب
-
شعب جدير بالحرية والنصر
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|