عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 2008 - 2007 / 8 / 15 - 12:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كيف كانت مناسك الحج قبل الإسلام , وما هي منافعها لقريش , وكيف كان يجري الطواف حول البيت وكيف كانوا يطوفون عراة , وما هي منافع الحج وأسبابه 0
(00 في العهد الجاهلي الأخير كانت الرئاسة الدينية والدنيوية لقريش لأنهم ولاة البيت , وكانت قبائل العرب كلها متساوية في أداء تلك الأفعال المسماة بالحج , فلا تمتاز قبيلة عن أخرى في مناسكه ولا في موقفه ولا في طوافه ولا في غير ذلك من شعائره , ولكن يظهر أن قريشاً في عهدها الأخير أخذتها العزة الأرستقراطية , فتحمست , أي تشددت , لنفسها في أمر الحج , فجعلت لها ما تمتاز به عن غيرها من العرب في بعض أفعال الحج , وصار القرشيون منذ ذلك العهد يلقبون أنفسهم بالحمس , جمع أحمس , لتحمسهم في دينهم 0
أما هذه الأمور التي امتازت بها قريش فاسمعها من ابن إسحق , قال : وقد كانت قريش – لا أدري قبل الفيل أو بعده – ابتدعت رأس الحمس رأياً رأوه وأداروه , فقالوا : نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة , وولاة البيت , وقطان مكة وساكنها , فليس من العرب مثل حقنا , ولا مثل منزلتنا , ولا / 712/ تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا , فلا تعظموا شيئاً من الحل كما تعظموا الحرم , فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمتكم , وقالوا : قد أعظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم , فتركوا الوقوف بعرفة , والإفاضة منها , وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم , ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها وأن يفيضوا منها , إلا أنهم قالوا : نحن أهل الحرم فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس , والحمس أهل الحرم (1) 0
قال ابن إسحق : ثم ابتدعوا في ذلك أموراً لم تكن لهم حتى قالوا : لا ينبغي للحمس أن يأتقطوا الأقط ( أي يتخذوه ) , ولا يسلئوا السمن ( أن يطبخوه ويعالجوه للتصفية ) وهم حرم , ولا يدخلوا بيتاً من شعر , ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيود الأدم ما كانوا حرماً 0
ثم رفعوا في ذلك فقالوا : لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرم , إذ جاءوا حجاجاً أو عماراً , ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس , فإذا لم يجدوا منها شيئاً طافوا بالبيت عراة , فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة , ولم يجد ثياب الحمس , فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل , ألقاها إذا فرغ من طوافه , ثم لم ينتفع بها , ولم يمسها هو ولا أحد غيره أبداً , وكانت العرب تسمي تلك الثياب اللقى , فحملوا على ذالك العرب , فدانت به , ووقفوا على عرفات , وأفاضوا منها , وطافوا بالبيت عراة , أما الرجال فيطوفون عراة , وأما النساء فتضع إحداهن ثيابها كلها إلا درعاً مفرجاً عليها ثم تطوف به (2) 0 فيفهم من هذا أن العرب كانت قسمين , حمساً وغير حمس , وأن الحمس هم قريش أهل الحرم , وغير الحمس سائر العرب , قال الحلبي في سيرته : والحمس هم / 713/ قريش وما ولدت من غيرها , فإنهم كانوا لا يزوجون بناتهم لأحد من أشراف العرب إلا على شرط أن يتحمس أولادهم , فإن قريشاً من بين قبائل العرب دانوا بالتحمس ولذلك تركوا الغزو لما في ذلك من استحلال الأموال والفروج ومالوا للتجارة , قال : ومن ثم يقال قريش الحمس , سموا بذلك لتشددهم في دينهم لأن الحماسة هي الشدة 0(3) 0
فامتيازات قريش التي جاءت في كلام ابن إسحاق هي هذه :
1- أنهم لا يعظمون شيئاً من الحل , وعليه فلا يقضون في عرفة يوم الحج , ومعلوم أن عرفة مشعر من مشاعر الحج إلا أنها من الحل وليس من الحرم , فلذلك تركت قريش الوقوف بها والإفاضة منها , وصارت تقف في المشعر الحرام الذي هو مزدلفة , وسائر العرب يقفون في عرفة ويفيضون منها0
2- أنهم يطوفون بالبيت في ثيابهم وليس لأحد من العرب أن يطوف في ثيابه التي جاء بها من الحل , بل عليه أن يخلعها ويستعير أو يكتري له ثوباً من ثياب الحمس فيطوف به , فإن لم يجد كان يطوف بالبيت عريان , قال الحلبي في سيرته : وكان لا يطوف الواحد منهم بثوب إلا بثوب من ثياب الحمس وهم قريش يستعيره أو يكتريه , وإذا كان بثوب من ثيابه ألقاه بعد طوافه فلا يمسه هو ولا أحد غيره أبداً , وكانوا يسمون تلك الثياب اللقى , وفي الكشاف : كان أحدهم يطوف عريان ويدع ثيابه وراء المسجد , وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنهم قالوا لا نعبد الله بثياب أذنبنا فيها , وقيل تفاؤلاً بأن يعروا من الذنوب كما يعرون من الثياب , وكانت النساء يطفن كذلك, وقيل : كانت الواحدة تلبس درعاً مفرجاً , قال : وقد طافت امرأة عريانة ويدها على قلبها وهي تقول : / 714/ 0
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله (1)
3- أنهم لا يأتقطون الأقط ولا يسلئون السمن وهم حرم , أي لا يمتهنون أنفسهم في مهنة ولا يظهرون مظهر عامة الناس بأن يفعلوا شيئاً هو من شأن العامة والفقراء , لأنهم في أثناء الحج يريدون أن يظهروا مظهر الأبهة والسيادة والشرف لأنهم الرؤساء المهيمنون على البيت والمسيطرون على الناس في أثناء الحج 0
4- أنهم لا يدخلون بيتاً من شعر , ولا يستظلون إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرماً , وهذا أيضاً كالذي قبله أي أنهم يريدون في أثناء الحج أن يظهروا مظهر الأبهة والعظمة لأن بيوت الأدم هي للإشراف والسادة بخلاف بيوت الشعر فإنها لسائر الناس 0
5- أنهم يدخلون البيوت من أبوابها وهم حرم , وليس لغيرهم ذلك , فإن العرب كانوا إذا أحرموا في الحج لم يأتوا بيتاً من قبل بابه ولكن من قبل ظهره , وكانت هذه العادة كالعبادة عندهم في الحج , أما قريش فاستثنوا أنفسهم من ذلك , فكان أحدهم يدخل البيت من بابه وهو محرم , ليمتازوا بذلك عن سائر العرب ويظهروا مظهر السيادة والعظمة 0
وظاهر عبارة ابن إسحاق في قوله : " فحملوا على ذلك العرب فدانت به " يقتضي أن وقوفهم بعرفات , وطوافهم بالبيت عراة , لم يكن من القديم بل ابتدعته لهم قريش , ولكن الواقع خلاف ذلك لأنهم كانوا من القديم يقفون بعرفات ويطوفون بالبيت عراة , ثم إن قريشاً استثنت نفسها من ذلك ترفعاً على الناس وتعالياً عليهم وتعظماً عن مساواتهم لتجعل لنفسها / 715/ بذلك منزلة فوق منزلة سائر العرب 0
ويدل على أن طوافهم بالبيت عراة كان من القديم أمران , أحدهما تعليلهم ذلك بأنهم لا يريدون أن يعبدوا الله بثياب أذنبوا فيها , فإنه يقتضي أن هذه العادة موجودة عندهم من القديم لا أن قريشاً ابتدعتها لهم , والثاني أن رسول الله لما نزلت سورة براءة وقد أمر فيها أن ينبذ إلى المشركين عهودهم , أرسل علي بن أبي طالب إلى مكة ليقوم في الموسم فيبلغهم ذلك , فقرأ علي براءة يوم النحر وقال : لا يحج بعد العام مشرك , ولا يطوف بالبيت عريان (2) , فلم يمنعهم من الحج فقط بل منعهم من التعري في الطواف أيضاً , فإدخال ذلك في المنع يدل على أنهم كانوا يريدونه كما يريدون الحج , وأنهم يتعبدون به ولا يرضون تركه لأن عبادتهم من القديم , ولو كانت قريش هي التي أحدثته لهم وحملتهم عليه لما تعصبوا له ولا تشددوا في التمسك به , فالصحيح أن تعريهم في الطواف قديم وأن قريشاً إنما ابتدعت استثناء نفسها منه ترفعاً وتعظماً 0
فأنت ترى أن قريشاً لم تقصد من هذه الامتيازات إلا أن تجعل لها منزلة ممتازة فوق منزلة سائر العرب , ولذا أبطلها الإسلام الذي جاء يعلن الأخوة والمساواة بين المسلمين , ولم يجعل لأحد فضلاً على أحد إلا بالتقوى , وكان محمد قبل النبوة يقف بعرفات مخالفاً لقريش مما يدل على أنه كان دمقراطي النزعة قبل النبوة, ومما جاء في القرآن في إبطال هذه الامتيازات قوله : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) (1) أي من عرفات و يعني قريشاً والناس والعرب , فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات والوقوف عليها والإفاضة منها , وجاء في إبطال التعري في الطواف قوله : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) (2) أي خذوا ريشكم ولباس زينتكم / 716/ كلما صليتم أو طفتم , وجاء في إبطال إتيانهم البيوت من ظهورها قوله : ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وائتوا البيوت من أبوابها ) (3) (0 يتبع 0
(1) السيرة الحلبية , 3/ 102 – 103 0
(1) سيرة ابن هاشم , 1/ 199 0
(2) سيرة ابن هاشم , 1/ 2020
(3) السيرة الحلبية , 1/ 209 0
(1) السيرة الحلبية , 3/ 210 – 211 ؛ الكشاف , تفسير الآيات 1-3 من سورة التوبة , تفسير سورة الأعراف , الآية 31 0
(2) السيرة الحلبية , 3/ 210
(1) سورة البقرة , الآية : 1990
(2) سورة الأعراف , الآية : 31 0
(3) سورة البقرة , الآية : 189 0
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب العراقي – معروف الرصافي 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟